أيُعقل أن يُعامَل بهذه الطريقة شخصٌ لا بد أنه حقق إنجازًا عظيمًا؟
البارونة جيب، التي بدت راضيةً عن رد فعل إيرينا، اتكأت على مسند الأريكة.
“الإمبراطورية تخلصت من المزعجين دون أن تلوث يديها. أما من قام بالتخلص منهم……فقد حصل على أرضٍ جيدة كمكافأة.”
“…….”
“حتى بعد أن طُردنا من الإقطاعية، استمرت المضايقات. و في النهاية، اضطرت والدتي إلى التخلي عن كل ما كانت تملكه.”
لم تستطع إيرينا مواصلة الاستماع الحديث. و لم يكن في ذهنها سوى سؤال واحد،
لماذا؟ لماذا كل هذه القسوة؟
“اعتقدنا أننا حين نتخلى عن كل شيء سنحصل على الراحة، لكن الأمر لم ينتهِ. و استمرت المضايقات، رغم أنه لم يعد هناك ما يمكنهم أخذه منا. أليس ذلك شرًا خالصًا؟”
كانت القصة كفيلةً بإشعال الغضب، لكن نبرة البارونة جيب كانت هادئةً للغاية.
“في البداية، حاولت والدتي الصمود، لكنها كثيرًا ما بكت في النهاية. و ندمت على اختيارها، وتمنت لو أنها قبلت بتعويض مناسب وانسحبت. كثيرًا ما رددت ذلك. وفي الوقت نفسه، كانت تعاني من ألمٍ شديد لأنها اضطرت إلى التخلي بيديها عن كل ما أنجزته.”
وفي النهاية، ابتلعتها المرارة التي تراكمت في قلبها. و حتى في لحظة احتضارها، كانت تبكي.
“كنت الابنة الوحيدة، لذا ورثتُ لقب البارونة، لكن ذلك لم يُنهِ المضايقات. كنت أرتبك ولا أعرف ما يجب علي فعله……حتى التقيت بزوجي.”
كان زوجها حينها حاكمًا لإقطاعيةٍ هادئة، بعيدًا عن عالم السلطة والنفوذ. رجلٌ قَبِلَ وضعها كما هو، دون أحكامٍ أو حسابات.
“كان شخصًا طيبًا. عندما كنا نستند برأسينا إلى بعضنا، كنت أشعر براحةٍ عميقة.”
لكن، في النهاية، كان هو كونتًا بينما كانت هي بارونة.
“قد يبدو الأمر غريبًا أو سخيفًا، لكنني لم أكن أريد التخلي عن لقب البارونة. و كنت مصممةً على الاحتفاظ به مهما حدث. شعرتُ بأنه الإرث الأخير الذي تركته لي أمي.”
تشبثت بيد زوجها وسعيا معًا لإيجاد مخرج. لا بد أن هناك طريقةً، لا بد أن هناك حلًا.
“…لكننا كنا حينها صغيرين……وساذجين. و وقعنا في الفخ. لقد استغلوا لحظة غفلتنا. و نجحت في النهاية بالاحتفاظ باللقب، لكنني فقدتُ إنجازات أمي.”
أُزيل اسم والدتها، وحل محله اسم شخصٍ آخر.
وهكذا، فقدت البارونة جيب حتى ما كانت تملكه، لكنها حصلت على اللقب ومكانة زوجة شخصٍ ما.
“……منذ وفاة زوجي.”
تابعت البارونة بصوتٍ خافتٍ بعض الشيء،
“غادرتُ المكان الذي كنتُ فيه وأتيتُ إلى هنا، إلى مكانٍ لا يعرفه أحد، ويصعب على أي شخص الوصول إليه.”
لقد اختبأتُ بكل ما للكلمة من معنى. عندها فقط، خمد اهتمام الناس، وتوقفت المضايقات.
“……لإيقاف ذلك، كرّستْ أمي حياتها بالكامل، وأنا أيضًا كرّستُ حياتي كلها. حتى الآن، يبدو الأمر مقززًا.”
ضحكت البارونة جيب بسخرية، ونظرت إلى إيرينا.
“آنسة إيرينا ليونيد، ما الفائدة التي سأجنيها إذا وقفتُ إلى جانبكِ أمام الناس، بعد كل هذا العناء لأُنسى؟ على العكس، ستعود المضايقات من جديد. وأنا الآن كبرتُ في السن، ولم يعد لدي القوة لأتحمل المزيد.”
نهضت البارونة جيب وكأن حديثها انتهى.
“من الأفضل لكِ التفكير جيدًا، آنسة ليونيد. فالنبلاء لا يتسامحون مع حتى الذرة الصغيرة الاي قد تكون مزعجة. خصوصًا عندما تكون شخصًا مشهورًا مثلي.”
“إذاً، أنتِ تعرفينني.”
“حتى لو كان هذا الريف بعيدًا خلف الجبال، فإن الشائعات تنتقل مع الرياح. عشيقةُ دوق الحرب البطل وينفريد، والابنة الوحيدة للكونت ليونيد وزوجته، اللذين يُعدّان من الأبطال.”
ابتسم البارونة جيب وهي تنظر إلى إيرينا التي لا تزال جالسةً على الأريكة.
“أنتِ مشهورةٌ حتى هنا. صحيح أن ليا لم تعرفكِ لأنها لا تعرف وجهكِ، لكن اسمكِ معروف.”
مرّرت البارونة يدها المتجعدة بلطفٍ على شعر إيرينا.
كانت لمستها حنونة.
“أيتها الصغيرة، أرجوكِ كوني حذرة. قد تتمكنين من الصمود لأنكِ تملكين شخصًا قويًا بجانبكِ، على عكس حالتي، لكن ذلك قد يكون سلاحًا ذا حدّين.”
سحبت يدها، ثم استدارت و كأنها أنهت كل ما لديها.
“سيدتي البارونة!”
نادت إيرينا وهي تمسكها قبل أن تغادر عبر الباب. فاستدارت البارونة جيب لتنظر إليها.
“أفهم نوع القلق الذي تشعرين به.”
إنّ العائلة الإمبراطورية لا تحبّ من يلفت الأنظار أكثر منها، ولا من يحاول كسر الأعراف المتوارثة.
إذاً، إذا واصلتُ أنا، إيرينا، السعي وراء الطموح واستوليتُ على لقب الكونتيسة ليونيد ومكانة دوقة وينفريد، فحينها……
“ستستهدفني العائلة الإمبراطورية بلا شك.”
كان البارونة جيب متأكدةً من أن عاصفة هوجاء، لا تُقارن بما مضى، ستجتاحهم.
وليس لهذا السبب فقط، بل لأن إيرينا ستكون الرابط الذي يجمع بين عائلتي ليونيد و وينفريد، كما ستكون نقطة ضعف الدوق وينفريد.
“مع ذلك، سأحاول.”
تصلّبت ملامح البارونة جيب عند سماعها لردّها.
نظرت إليها وكأنها يجترى طفلةً تندفع بتهوّر بدافع الحماس وحده.
وفي الواقع، كان هذا الوصف دقيقًا.
“الشيء الوحيد الذي يمكنني فعله هو الصمود. وأنا بارعةٌ في التحمل. وأما الشيء الآخر الذي أجيده……”
“وما هو؟”
“إحداث التغيير.”
“هاه.”
قطّبت البارونة جيب حاجبيها وسألتها بنبرةٍ ساخرة،
“إذاً، ما الذي غيّرتِه حتى الآن؟ الحديقة؟ أم الشارع؟ آه، ربما غيرتِ ترتيب أثاث المنزل؟ أو أعدتِ تنظيم خزانة ملابسكِ؟”
هزت إيرينا رأسها، ثم ابتسمت.
“نفسي.”
تلاشت السخرية التي كانت تعلو وجه البارونة جيب تدريجياً.
“لقد غيرتُ أصعب شيء. بالطبع، فعلت ذلك بمساعدة شخص ما، لكنه تغيير حقيقي.”
“…….”
“أعتقد أنني غيرت أصعب شيء يمكن تغييره، لكن هل هذا غير كافٍ؟”
لم تستطع البارونة قول شيء. و فقط حدّقت في إيرينا.
“أعلم تمامًا مدى صعوبة ما مررتِ به، أنت والبارونة السابق. لا شك أن ذلك الألم كان عميقًا لدرجة يصعب عليّ استيعابها.”
ولهذا فهمت كل تصرفاتها.
ذلك التصرف الذي يهدف إلى الحديث فقط ثم الرحيل، والكلمات التي تفوهت بها الآن بازدراء.
ربما كنت تتصرف ببرود خوفًا من أن أتأذى لنفس السبب الذي تأذت منه هي.
“لكن مع ذلك، يا سيدتي البارونة، ألا يجدر بنا أن نطرق الباب؟ إن واصلنا الطرق، فلا بد أن تتصدع الجدران مهما كانت متينة.”
“هذا الجدار لن ينهار لمجرد حدوث تصدعات فيه، آنسة ليونيد.”
“لا بأس!”
ابتسمت إيرينا ابتسامةً واسعة.
“إذا ضربتُ الجدار الذي شقّته البارونة السابقة، ألن تتسع تلك الشقوق أكثر؟”
“لكن مجرد شقوق بسيطة قد تنهي حياتكِ، آنسة.”
“لا بأس في ذلك. بالتأكيد سيأتي من بعدي شخص آخر ليواصل الطرق.”
سيأتي شخص آخر ليُوسع تلك الشقوق، ثم آخر يواصل الطرق، ومهما كان الجدار متينًا، فلا بد أن يظهر فيه ثقب صغير.
“وسيصبح ذلك الثقب أكبر فأكبر مع الوقت.”
وفي النهاية، سينهار الجدار بالكامل. على يدها وعلى يد من يشبهونها.
“…….”
ظلت البارونة جيب صامتةً لفترة طويلة. و نظرت إلى إيرينا بوجهٍ يغمره التأثر، ثم أدارت رأسها بعيدًا.
“أحتاج إلى وقتٍ للتفكير.”
ثم دخلت إلى غرفتها متجاهلةً حتى تحية الوداع التي ألقتها عليها إيرينا.
“أنا آسفةٌ حقًا.”
كان من ودّعها في النهاية هي ليا، التي كانت قد أرشدتها من قبل.
“في الأصل، البارونة ليست شخصًا قاسيًا هكذا، لماذا تفعل ذلك……؟”
هزت إيرينا رأسها وهي ترى ليا تتصرف بتوتر، بعد أن كانت نشيطةً في وقت سابق.
“أنا من طلبتُ طلبًا صعبًا، لذلك لا داعي للاعتذار.”
أومأت ليا برأسها على كلام إيرينا، لكن وجهها لم يكن يبدو راضيًا بعد.
“تناولي الطعام أثناء ذهابك.”
في النهاية، قدمت ليا سلةً صغيرة مغطاة بقماش أحمر لإيرينا، ثم ابتسمت كما لو أنها تحاول إخفاء مشاعرها.
“شكرًا لك، سأستمتع بها.”
أخذت دلفيا السلة التي كانت ترافق إيرينا. وعندما تحركت العربة، خفضت دلفيا القماش قليلاً.
“يبدو لذيذًا.”
أخرجت دلفيا شطيرةً وأخذت قضمة كبيرة منها بشكل مرح.
“مم، لذيذة. يوجد الكثير من السلمون، أليس كذلك؟ هذه الأنواع من السندويشات نادرة. ثم إن الصوص أيضًا مناسب جدًا.”
وبينما كانت دلفيا تتحمس، قدمت شطيرة لإيرينا كما لو أنها تقول لها “تناولي”.
“إذاً، سيدة إيرينا.”
أكملت دلفيا تناول الساندويتش نصف المتبقي وسألت.
“هل كانت النتيجة جيدة؟”
“كما أعتقد.”
أومأت إيرينا برأسها.
“من المؤسف أنني لم أحصل على إجابةٍ قاطعة، لكن مع ذلك، أشعر وكأنها ستساعدني.”
“هذا جيد!”
أخرجت دلفيا ساندويتشًا جديدًا وأخذت قضمةً كبيرة منه.
“بالتأكيد ستساعدكِ. من لا يريد مساعدة السيدة إيرينا؟”
أكملت دلفيا تناول الساندويتش المتبقية كلها ثم صفعت يديها للتخلص من الفتات.
بينما كانت إيرينا لا تزال تحمل الساندويتش في يدها، كان قد تبقى منه حوالي ثلثه فقط.
“سيدة إيرينا، ماذا لو غيرنا جدولنا قليلًا؟ في الواقع، هناك مكان أرغب في زيارته.”
“أين؟”
“آه، ليس مكانًا بعيدًا.”
ابتسمت دلفيا ابتسامةً خفيفة.
و فجأة، أغمضت إيرينا عينيها بدهشة.
“هنا!”
بينما كانت العربة تنحرف قليلاً عن الطريق، توقفت فجأة أمام شخصين ظهر أمامهما.
“إيرينا.”
كان حبيبها الذي من المفترض أن يكون في العاصمة الآن.
__________________________
يسسس اخيرا اشتقت له الحمار😔
تحزن البارونه وشكل ماعندها عيال ولا بنات؟ وزوجها كان حبيب وحنين بس راح؟😔
الله ياخذ امبراطوره الغبي ذاه
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 156"