121
“ه- هل هذا صحيح؟”
كانت كلماته تخرج متلعثمة بسبب شدّه على أسنانه بقوة.
“بالطبع يمكن أن يحدث ذلك!”
قال ذلك بابتسامةٍ متكلفة.
“من الطبيعي أن يقع الأشخاص الذين تنقصهم المعرفة في سوء الفهم. وفي مثل هذه الحالات، يجب على من لديه المعرفة أن يتفهمهم، أليس كذلك؟”
‘لن تجد الكلمات المناسبه للرد!’
فمهما حاول الشخص المندفع، لا يمكنه أن يغطي على حقيقة نقص معرفته.
“لذا، إذا بذلتِ جهدًا مستمرًا لتعويض النقص لديكِ-“
“ألا تعتقد أن كلامكَ قاسٍ جدًا؟”
فجأة، بدأت همهمات تتردد بين الحاضرين. بل بدا وكأن البعض رفع صوته عمدًا ليُسمع.
“الكونت ليونيد وزوجته ضحيا بحياتهما لحماية هذا البلد. كيف لكَ أن تقول مثل هذا الكلام لابنتهما……!”
‘هل يعقل أن يتم تفسير الأمر بهذا الشكل؟’
كاد البارون أن يفقد صوابه من الصدمه.
لقد أشار إلى نقص معرفة الفتاة، ولكنهم حولوا كلامه إلى إهانةٍ للأبطال الوطنيين.
بل والأسوأ أن الآخرين بدأوا ينضمون إلى موجة الانتقادات واحدة تلو الأخرى.
“هذا مبالغٌ فيه حقًا.”
“كيف يمكن أن يتحدث بهذا الأسلوب الجارح؟ خاصةً وهو يعلم تمامًا السبب وراء ذهاب الآنسة الشابة إلى مقاطعة مورين.”
“يبدو أن كلامه تخطى الحدود.”
“من الواضح أن نقص المعرفة ليس من جانبها، بل من جانبه.”
تصاعدت الهمسات حتى وصلت إلى مسامع الإمبراطورة نفسها، التي كانت تتحدث مع الدوق وينفريد، مما دفعها إلى الالتفات لمعرفة ما يجري.
‘تباً! الأمور خرجت عن السيطرة!’
الإمبراطورة نفسها هي التي أشرفت على حفل ظهور الآنسك ليونيد في هذا الحفل.
إهانة شخصٍ مثلها تعني……
‘هذا يعني أنني سأُغضب الإمبراطورة بنفسي!’
“آ-آنستي الشابة!”
تحدث البارون بسرعة وبتوتر.
“أنتِ تعلمين، أليس كذلك؟ تعلمين أنني لم أقصد الأمر بتلك الطريقة، أليس كذلك؟”
لكن إيرينا لم تجب و اكتفت بفتح عينيها على اتساعهما وكأنها مصدومةٌ للغاية.
“…….”
عضت شفتيها بصمت، وكأنها تحاول كبح كلماتها.
هذا التصرف وحده كان كافيًا ليجعل نظرات الناس تجاه البارون تزداد حدة.
“بالمناسبة، لقد قالوا شيئًا وقحًا مع بعضهم البعض قبل قليلٍ أيضًا.”
بل وحتى أولئك الذين كانوا يتحدثون معه كانوا يُلامون بسبب ما قالوه.
“كلامه لم يكن مجرد وقاحة، بل انحدر إلى مستوى دنيءٍ للغاية.”
“ياله من عار……أن يكون أمثالهُ من نبلاء العاصمة، هل هناك فضيحةٌ أسوأ من هذا؟”
‘لماذا يتحدث الجميع بهذه الطريقة الآن؟!’
كان البارون ومن شاركوه الحديث ينظرون حولهم بارتباك.
لقد كانت مجرد شائعة، أليس كذلك؟!
كانوا جميعًا يستمتعون بنشرها والحديث عنها! أليس كذلك؟!
حين نظر البارون إلى من كانوا يستمعون الى ثرثرتهم سابقًا ويستمتعون بتداول الشائعة.
“هممم.”
أدار الجميع أنظارهم بعيدًا، متجنبين النظر إليه.
بينما كان البارون وجماعته يرتجفون غضبًا، تقدمت الكونتيسة فرانسيس خطوةً إلى الأمام.
“لا تأخذي هذا الكلام على محمل الجد، آنسة ليونيد. إنه كلامٌ سيئ، لا أكثر.”
“…..!”
كانت الكونتيسة فرانسيس رمزًا للمثالية، لدرجة أن البعض قال أنها تستحق أن تُعتبر قديسة.
وحين تقول مثل هذا الكلام، فإن تأثيره لا يمكن إنكاره.
‘هؤلاء الناس حقًا أشرار!’
ترسخت هذه الفكرة أكثر في عقول الحاضرين.
وبينما تراجع الناس خطوةً إلى الوراء، برز البارون وجماعته إلى الواجهة بشكلٍ أوضح.
‘لماذا يفعل الجميع هذا؟!’
كاد البارون أن ينفجر بالبكاء.
لطالما عاش متمسكًا بفخره كأحد نبلاء العاصمة، دون أن يتعرض لمثل هذه الإهانة طوال حياته.
لكن أن يُذل فجأةً في هذا المكان، حيث اجتمع نبلاء العاصمة وأفراد العائلة المالكة؟!
ضربه خفيفه-!
في تلك اللحظة، استقرت يدٌ على كتفه.
“…..!”
شعر بقشعريرةٍ تسري في جسده. حتى دون أن ينظر، كان يعرف من هو.
إنه الدوق وينفريد.
“لا أعرف من تكون.”
تحدث الدوق وينفريد بصوتٍ ثابت وهادئ، متابعًا كلماته ببطءٍ شديد.
“لكن بالتأكيد، أنت تعرف من أكون.”
بهذه الكلمات فقط، رفع الدوق يده عن كتفه. وفي اللحظة نفسها، انهار البارون على الأرض جالسًا.
‘الدوق وينفريد!’
من في العاصمة لم يسمع عن سمعته المخيفة؟
و في ذهن البارون، كان الدوق لا يختلف كثيرًا عن قاتلٍ متعطش للدماء.
“هيك!”
حاول البارون تغطية فمه بكفه ليمنع حازوقته، لكنها لم تتوقف.
“س- هيك! سأغادر……هيك! فورًا……!”
لم يستطع حتى أن ينطق جملةً كاملة بشكل صحيح، كطفل صغير، ودموعه تتدلى على خديه.
اختفى البارون وهو يعاني من الحازوقة.
“ن- نحن أيضًا……”
ثم هرب بقية الرجال الذين شاركوه في الحديث، يركضون بسرعة، وعيونهم محمرةٌ كما لو كانوا على وشك البكاء.
‘هل كنتُ قاسيةً جدًا؟’
رمشت إيرينا ببطء وهي تفكر.
لكن الكلمات التي سمعتها منهم قبل ذلك كانت حقًا الأسوأ على الإطلاق.
‘منذ اللحظة التي قدموا فيها التحية لأول مرة، كانت نظراتهم مليئةً بالازدراء……لكن أن يصل الأمر إلى قول بأنني أفتقر إلى المعرفة وجهًا لوجه؟’
لم يكن بإمكان إيرينا أن تتجاهل الأمر، خاصةً أن ذلك سيُحرج أولئك الذين دعموها حتى الآن.
عقدت حاجبيها قليلاً وهي تفكر.
‘لكن، هل كنتُ قاسيةً أكثر مما ينبغي؟’
راودها هذا الشعور مجددًا، لكنه لم يدم طويلًا.
“لقد كنتِ رائعة!”
كان هذا صوت دلفيا، التي ظهرت خلفها بابتسامةٍ واسعة.
“هاااه! رؤيتهم يهربون بذلك الشكل وكأنهم تطايروا من مكانهم جعلني أشعر براحةٍ كبيرة!”
للتوضيح، دلفيا كانت هي من جلست على الأريكة قربهم في وقتٍ سابق، وسمعت تعليقاتهم البغيضة، وهي نفسها من بدأت بإثارة الجو بين الحاضرين ضدهم.
كانت ترتدي بدلةً أنيقة تشبه زي الرجال، ورفعت قبضتها بحماسة.
“لو لم يكن هذا حفل ظهور السيدة إيرينا، لكنتُ أرسلت قبضتي إلى وجوههم! أو ربما……أفعلها الآن؟”
“لن يُنهي ذلك الأمر للأبد، أليس كذلك؟”
“بالطبع لا! كان يجب أن أسحبهم إلى مكانٍ مظلم وألقنهم درسًا……!”
كانت دلفيا تلوح بقبضتها بحماس، لكنها تجمدت فجأة.
بدا وكأنها للتو شعرت بنظرات ريو الموجهة نحوها، وبدأ العرق البارد يتصبب على جبينها.
“أنتِ……”
ظهر السيد ريو فجأة، مبتسمًا بهدوء.
كان يبتسم، نعم، لكنه……
“هل فكرتِ في ضرب نبيلٍ في اليوم الذي طلبتُ منكِ فيه ألا تسببي أي مشاكل؟”
“…….”
“دلفيا، ما الذي قلتهُ لكِ قبل قليل؟”
“قلتَ……أنه يومٌ جميل، لذا لا تسببي المشاكل……”
“بالضبط. ومع ذلك، تفكرين الآن في ضرب نبيل؟”
“لكنني لم أفعل ذلك!”
استدارت دلفيا بسرعة، وكأنها تحاول الدفاع عن نفسها، لكنها سرعان ما أنزلت عينيها، غير قادرةٍ على تحمل النظر إلى ريو مباشرة.
“أردتُ فعلها لأنهم استمروا في الحديث بسوء عن السيدة إيرينا……”
“…….”
“……آسفة.”
“واعتذري أيضًا للسيدة إيرينا.”
“أنا آسفة.”
لكن صوت دلفيا كان أقرب إلى المزاح منه إلى الاعتذار الحقيقي. ومع ذلك، كانت خيبة أملها واضحةً في عينيها لعدم تمكنها من تسديد لكمةٍ واحدة، مما جعل إيرينا تنفجر ضاحكة.
“ريو، لا تكن قاسيًا جدًا على دلفيا.”
تحدث لوغان، ممسكًا بيد إيرينا التي لم تستطع التوقف عن الضحك.
“ثم، تأكدوا من معرفة هوية أولئك الذين هربوا.”
“أجل، سيدي.”
رد الاثنان في نفس الوقت، ونظراتهما اتسمت بالجدية.
لكونهم من نبلاء العاصمة، وبالنظر إلى المشهد الذي حدث للتو، لم يكن من الصعب التحقق من هويتهم.
في الواقع، بالنظر إلى أجواء الحفل الآن، بدا أنه لو سألوا أي شخصٍ هنا، فسيخبرهم فورًا بهوياتهم.
“أنا أعرف من هم!”
وبالفعل، كان هناك شخصٌ يقفز بحماسة، مستعدٌ للإبلاغ عنهم.
كانت هالي التي لم يتمكن من التدخل بسبب ذهابها لإحضار خطيبها، في حالة غضبٍ عارم، و تثور كالعاصفة.
وفيما كان خطيبها و دلفيا يحاولان تهدئتها، اقترب ريو بحذرٍ من إيرينا.
“إنهم أشخاصٌ وقحون وعديمو التفكير.”
الجميع يتأذون من كلمات الآخرين الطائشة.
“آمل ألا تكوني قد تأثرتِ كثيرًا.”
وهذا ينطبق أيضًا على إيرينا.
ريو يعرفها جيدًا، هي شابةٌ قوية في أعماقها، لا تهتم كثيرًا بتلك الكلمات بشكل شخصي.
ولكن، بالنظر إلى الوضع الذي حدث، من المؤكد أنها ستفكر في تلك الكلمات وتأخذها على محمل الجد، وربما تشكك في نفسها.
فالمجتمع النبيل لم يكن مألوفًا بعد بالنسبة لإيرينا.
“لا بأس.”
ردت إيرينا بابتسامةٍ دافئة.
“شكرًا لاهتمامك، سيد ريو.”
“……؟”
عبس ريو قليلاً.
كانت إجابتها ضمن نطاق توقعاته، لكن وجهها الذي بدا غير مكترثٍ كان مفاجئًا له.
“أنا حقًا بخير.”
وبدت إيرينا وكأنها قرأت ما في قلبه، فابتسمت بابتسامةٍ مشرقة.
“حقًا.”
“……هكذا إذاً.”
أومأ ريو برأسه ببطء، بعد لحظة تأخير.
“أعتقد أنكِ تغيرتِ قليلاً، سيدة إيرينا.”
“هل تغيرتُ حقاً؟”
فكرت للحظة، ثم أومأت برأسها بلطف، بوجهها الهادئ.
“أظن ذلك.”
“…….”
ظل ريو يراقبها للحظة، ثم تفاجأ لقوله شيئًا دون أن يشعر.
“نحن إلى جانبكِ، سيدة إيرينا.”
كانت هذه الكلمات غير متناسبةٍ مع الموقف. فنظرت إيرينا إلى ريو ورفعت حاجبيها بدهشة.
“أردتُ فقط أن أخبركِ بذلك، سيدة إيرينا.”
ابتسمت إيرينا ببطء بينما بدأت ابتسامتها تتسع تدريجيًا، ثم شكلت شفتيها منحنى لطيفًا.
“شكرًا لك، سيد ريو.”
بالرغم من أنها قالت “شكرًا” في وقتٍ سابق أيضًا، الا أن هذه الكلمات كانت تحمل شعورًا مختلفًا تمامًا.
“ما الأمر؟”
فجأة، دخل شخصٌ آخر في الحديث.
“ماذا حدث هنا؟”
كان كارل، الذي تأخر بسبب عينيه، ولا يعرف ما حدث.
“أخبرني أيضًا.”
“هل تود أن تسمعها من سيدي لاحقًا، الأدميرال فيدريك؟”
“آه، لا أريدُ ذلك، أخبرني أنتَ ريو -هاه؟”
و كأن كارل اكتشف شيئًا رائعاً، فابتسم ابتسامةً عريضة.
“ريو! لديكَ نفس رباط الشعر الذي لدي.”
وكان الأمر صحيحًا. فقد كان ملابس ريو و كارل متشابهة في الخامة واللون، لذا كان لديهما نفس رباط الشعر مربوطًا على رأسهما.
“…….”
فجأة، قام ريو بفك رباط شعره فورًا. واندفعت خصلات شعره البني الطويلة في الهواء.
“لم يعد كذلك.”
“لكن كان نفس الشيء قبل قليل!”
“لا، لم يكن.”
“آه، بل كان نفسه.”
“أوه، الأدميرال فيدريك! متى وصلت؟”
“دلفيا، هل تعلمين؟ لدينا نفس رباط الشعر و كأننا توأم……أين ذهب ريو؟ ريو!”
اختفى ريو بسرعةٍ إلى مكان ما، بينما كان كارل يضحك وراءه. وفي الوقت نفسه، كانت دلفيا تكاد تموت من الضحك.
يبدو كما لو أنه لم يتغير شيئ، تمامًا كما في البداية.
“آه، صحيح.”
وبينما كان يضحك، مسح كارل دموعه من زاوية عينيه.
“آنسة ليونيد، لقد أعددتُ هديةً لكِ.”
بدت كلماته كما لو كان يحاول أن يكون أكثر احترامًا، متأثرًا بنظرات الآخرين.
“هدية؟”
“نعم، هدية بمناسبة أول ظهورٍ لكِ. إنها هديةٌ مفيدةٌ جدًا لكِ.”
“……؟”
كانت كلماته تحمل معنى غامضًا نوعًا ما. وفي تلك الأثناء، رفعت الإمبراطورة صوتها.
“إنه يومٌ ممتع. إذًا، دعونا نبدأ الحفل الرسمي الآن.”
وبدأت فرقة الأوركسترا التي كانت تنتظر على الفور في عزف الموسيقى مع تصفيق الحضور.
وكانت تلك هي الرقصة التي تدربت عليها إيرينا سابقًا مع لوغان.
“هل نذهب؟”
مد يلوغان يده. فأمسكته إيرينا برفق و أومأت برأسها.
ألحانٌ جميلة، ورقصٌ مثالي، وأناسٌ يحبونها.
من الوهلة الأولى، بدا كل شيء مثاليًا.
لكن،
“…….”
كان هناك خطأٌ واحد مختبئٌ في كل ذلك.
____________________________
و الله اني حاسه ان كل ذا الي جالس يصير هو هدوء قبل العاصفه ها وش الخطا؟
ياخي باقي 28 فصل حل نخلص الصداع بدري عشان الفصول الباقيه تصير ربيع😔
اكره المؤلفة
Dana