1
“عندما استدرتُ جذبتني قوة لا تُقاوم، وكان لا يزال واقفًا هناك كما لو كان مُسمّرًا في مكانه. هل كان غارقًا في المطر؟ بدا وكأنه يبكي وهو ينظر إليّ. كان شعورًا غريبًا. شعرتُ وكأنني لن أنسى هذه اللحظة أبدًا. ولكن حتى عندما استدرتُ وأسرعت خطواتي، وبينما اتّسعت المسافة بيننا إلى حد أنني لم أستطع العودة إليه أبدًا، لم أسمع صوته يُناديني. لو أنه ناداني مرة أخرى هل كان كل شيء سيكون مختلفًا؟ لا، إنها مجرد فكرة تافهة…. في النهاية، أنا وأنسيل سنسلك طريقنا الخاص. علينا أن نفعل ذلك. وكأننا لم نحب بعضنا البعض منذ البداية.”
“إيلويز.”
صوت لطيف دغدغ أذنها، ورفرفت عيناها الزرقاء الشبيهة بالجواهر مفتوحةً.
“حان وقت الاستيقاظ.”
في الخارج، كان الصيف المبكر المبهر في أوج عطائه. تسلّلت أشعة الشمس الدافئة عبر النافذة بجانب سريرها المائل لتعكس وجه إيلويز الناعس. في ذلك الضوء، رموشها المغطاة بتوهج شفاف رفرفت ببطء.
“أختي…..”
“ما بكِ؟ هل حلمتِ بحلم سيء؟”
داعبت يد سارة الدافئة خد أختها برفق.
رفعت إيلويز، وهي لا تزال شبه نائمة، بصرها إلى أختها. تذكرت فجأة أصوات الناس الذين أشادوا بسارة بالإجماع، ووصفوها بأنها أجمل امرأة في مايبوري، والابنة الكبرى لعائلة فيري. لم يكن الأمر يقتصر على مظهرها فحسب بل أحبَّت إيلويز أُختها سارة التي كانت طيّبة ورقيقة كالملاك، أكثر من أي شخص آخر. كما كانت تعلم جيدًا أن أختها تُقدّرها وتُحبّها كثيرًا.
فركت إيلويز عينيها بظهر يدها وأجابت بصوت هادئ.
“لا يا أختي، كان حلمًا قديمًا.”
“حلم قديم؟ ما الذي كان يدور حوله؟”
ابتسمت سارة بهدوء، وساعدت إيلويز ببطء على الجلوس عندما سألتها.
وكانت الإجابة التي جاءت غير متوقعة إلى حدٍ ما.
“كان اللورد أنسيل فيه. حلمتُ أنني أسبح معه في البحيرة. أليس هذا غريبًا؟”
ساد صمت قصير. مع أنه قصير، إلّا أنه كان كافيًا لتدرك إيلويز أنها قالت شيئًا غير ضروري وهي نصف نائمة.
“كان مجرد حلم يا إيلويز. إضافة إلى ذلك، لقد مرّت أكثر من عشر سنوات منذ أن سبحنا ولعبنا في البحيرة.”
أجابت سارة بصوت هادئ وهي تقود إيلويز لتجلس على الكرسي.
“تعالي، دعيني أُمشط شعركِ. إذا ساء مظهركِ هكذا، ستوبخكِ أمي.”
كانت والدتهما امرأة صارمة كأي سيدة نبيلة. كانت شديدة الاهتمام بمظهر بناتها. كان توبيخ السيدة فيري مستمرًا منذ أن كانت بناتها صغيرات، ولكن الآن بعد أن كبرن وأصبحن سيدات شابات جميلات تتراوح أعمارهن بين الرابعة والعشرين والثانية والعشرين، فقد وصل الأمر إلى ذروته. تقليديًا، لم يتردّد العزاب المؤهلون في المملكة في بذل جهدهم للعثور على عروس مناسبة. لذلك، بعد أن انتشر خبر جمال بنات السيدة فيري، رأت والدتهما أن الوقت قد حان لبذل المزيد من الجهد في العناية بمظهرهما. بالطبع، تقبّلت الابنتان توسّلات والدتهما طوعًا. لقد فهمتا رغبة والدتهما في زواجهما من رجال صالحين، أي رجال أثرياء وميسوري الحال ومعيشة هانئة. ولكن فوق كل ذلك، تحبُّ الأختان والدتهما بشدة.
“لا يمكننا المخاطرة بإزعاج الأم في الصباح. من فضلكِ، افعلي ذلك.”
سحبت إيلويز يد أختها التي كانت على كتفها، ومسحت خدها بها، مستجيبة بنبرتها المرحة المعهودة. وسرعان ما رفعت غطاء شعرها، وتدلى شعرها العسلي الجميل كالأمواج.
“لا أريد الزواج إلّا من رجل وسيم ولطيف يا أختي.”
“لا تمزحي هكذا أمام أمي. فهمتِ؟”
في الموسم الذي تهب فيه النسائم الأكثر نعومة وعطرًا، ملأ ضحك الأختان اللطيف الغرفة.
“صباح الخير، السيدة هيرست.”
استقبلتها سارة بلطف وهي تخرج من الغرفة.
ضمّت مدبرة المنزل، التي كانت منهمكة في تنظيف مدخل الدرج، يديها فرحًا برؤيتها.
“سارة! يا إلهي.”
كان هذا رد الفعل الحماسي، إذا جاز التعبير، مشهدًا صباحيًا نموذجيًا في منزل فيري.
“أعرفكِ منذ أكثر من عشرين عامًا، ولكن لا بد لي من القول إنكِ تبدين هذا الصباح أجمل من أي وقت مضى. انظري فقط إلى رشاقتكِ التي تشبه رشاقة البجعة وشعركِ الذهبي! لو كان هناك شريك مناسب، لكان الأمر مثاليًا.”
“إذا كنتِ تتحدثين عن الخاطبين، فهناك الكثير منهم بالفعل.”
في تلك اللحظة، تدخلت إيلويز، التي كانت تتبع سارة إلى الطابق السفلي بخطوات سريعة.
“لا يوجد أحد أجمل من أختي في كل مايبوري، لا، في كل لونغفيلد. إلا إذا كان الشخص قادرًا على رعاية الأسرة بالكامل، فلن يجدي نفعًا. لذا، في الوقت الحالي…”
سارة، وهي مُحمرّة خجلاً، خفضت نظرها محاولة إيقاف إيلويز.
ضحكت مدبرة المنزل ضحكة خفيفة وهي تهز كتفيها الممتلئين.
“بالطبع. سارة لن تتسرّع في الزواج. ليس قبل أن يظهر شخص يُلبي معايير السيدة فيري بالمناسبة، هل نمتِ جيدًا يا إيلويز؟ السيدة فيري في الطابق السفلي بالفعل.”
“حقًا؟ حسنًا، عليكِ إخبار والدتنا؛ فهي بالتأكيد لا تنام كثيرًا.”
نزلت إيلويز الدرج مسرعةً كسنجابة وجدت بلوطة. وخلفها، سُمع ضحك سارة والسيدة هيرست.
في الطابق الأول، في وسط طاولة طعام جميلة أمام نافذة كبيرة، وضعت باقة من الورود البرية النضرة في أوائل الصيف، كانت مايبوري تتحول إلى حديقة ورود شاسعة، وفي هذا الوقت من كل عام، تتنافس كل أسرة في تزیین موائدها بالورود.
كانت السيدة فيري، مرتديةً فستانًا ساتانًا أخضرًا أنيقًا، غارقة في أفكارها، وكوب شاي أمامها. في تلك اللحظة، قطع تأملها صوت سحب كرسي.
“صباح الخير يا أمي. أين أبي؟”
قامت السيدة فيري بتعديل خصلات شعر ابنتها الجانبية بعناية. وسرعان ما ثبتت تجعيدات شعرها العسلية، التي تناثرت من على الجانب، بترتيب أنيق.
“هل هذه أول مرة يغيب فيها والدكِ عن الإفطار؟ ربما تأخر كثيرًا وسيعود متأخرًا. سارة، تعالي أجلسي. لنتلو دعائنا.”
كالعادة، تلت السيدة فيري دعاءً هادئًا متمنيةً للعائلة الصحة والسلام.
سارة فتحت عينيها اللتين تعكسان سماء الصيف المشرقة، وتحدثت بصوتٍ رقيق.
“أتمنى أن يحمل أخبارًا جيدة هذه المرة.”
“يا إلهي لا تذكري الأمر حتى. أتمنى ألّا يكون قد تعرّض للاحتيال مرة أخرى. لم يعد لدينا ما نخسره.”
تنهدت السيدة فيري بعمق، وتوقفت وهي تنقر على بيضة مسلوقة بملعقة فضية.
“سيكون من الأفضل له البقاء في المنزل بدلاً من التجول بلا هدف.”
“الأم….”
بدأت إيلويز بالحديث، لكنها سرعان ما أكلت قطعة من البطاطس عندما كانت تهمس. فسوء آداب المائدة عادة ما يستدعي التوبيخ.
“أمي، أنتِ لا تُحبين أن يكون أبي بعيدًا عن المنزل كثيرًا، أليس كذلك؟”
“كيف تقولين هذا بلا مبالاة؟ لو لم يكن والدكِ متورطًا في تلك الاحتيالات لكنا نعيش في رخاء.”
أضافت السيدة فيري بنبرة متذمرة.
“كل ما نستطيع فعله الآن هو الحفاظ على المظهر. يا له من رجل أحمق!”
كاثرين فيرفين، التي تُعرف الآن باسم الليدي فيري كانت ابنة بارون، وهو ليس نبيلًا من الناحية النظرية، ولكنه ينتمي إلى الطبقة الأرستقراطية. وبطبيعة الحال، كان بإمكانها الزواج من أحد النبلاء والعيش كسيدة مرموقة، وكان لديها طموحات لتحقيق ذلك….
“ولكنكِ تُحبين الأب.”
لكن أعماها الحب، فانتهى بها الأمر بالزواج من شخص عادي. في الحقيقة، بدأت الأمور بسلاسة. فزوجها رجل أعمال عصامي، ووجود ابنتين جميلتين جعلها تشعر بسعادة لا توصف….. أي حتى خسروا ثروتهم بأكملها. لحسن الحظ، كان لدى زوجها عقار اشتراه قبل أن يُخدع. ورغم صغر حجمه، إلّا أن دخله أنقذهم من العمل لسدّ رمقهم. لكن هذا كل ما في الأمر. لم تكن حياتهم سوى تجنب بؤس العمل الشاق مع خادمة واحدة، وطباخ واحد، وسائق عربة واحد. إضافة إلى ذلك وبسبب القوانين التي تُلزم ببقاء العقارات والقصور ضمن العائلة كان مصير ممتلكات فيري، التي تفتقر إلى وريث ذكر، أن يرثها قريب ذكر بعيد. بمعنى آخر، كان مستقبل هذه العائلة يعتمد على زواج ابنتيها. ولكن لسوء الحظ، لم يكن لدى الأسرة مهر يُذكر، لأنهم بالكاد يستطيعون الحفاظ على نمط حياتهم الحالي. كانت هذه بالفعل مشكلة كبيرة. ففي سوق الزواج، ما لم يكن المرء من عائلة نبيلة، كان الطُعم الوحيد لكسب ثروة طائلة هو المهر الكبير. ولهذا السبب، كان السير فيري، الذي خسر ثروته بسبب الاحتيال، يبحث بلا كلل عن فرص جديدة دون أن ييأس.
“أمي، لقد قلتِ دائمًا أنكِ لا تندمين على الزواج من أبي.”
استجابت السيدة فيري دون تردد لإيلويز، التي همست بينما كانت تكسر بيضة.
“بالتأكيد. أنتما كنزي.”
“لا تقلقي كثيرًا يا أمي.”
ارتشفت سارة بهدوء من كوب الماء، وكان صوتها لطيفًا ولكنه حازم بشكل غریب مثل نسیم هش.
“سأبذل قصارى جهدي للعثور على شريك زواج مناسب.”
“أوه، ابنتي الحلوة.”
كما توقعت السيدة فيري عاد السير فيري إلى منزله بعد غروب الشمس بوقت طويل. وبطبيعة الحال، لم تظهر أي نتيجة تذكر لجهوده.
مرّ المساء بدفء مألوف يجمع الأب وابنتيه وتوبيخ الأم الحنون.
لقد حلّ الليل حتمًا، واستلقت الأختان، وهما ترتديان ثيابًا بيضاء، في غرفة نومهما المضاءة بالقمر في الطابق الثاني، كما يفعلن دائمًا. ومع ذلك، حتى بعد أن أعطتها أُختها قُبلة لطيفة وعادت إلى سريرها على الجانب الآخر من الغرفة، لم تتمكن إيلويز من النوم لفترة طويلة.
لقد كان يوما عاديا بالتأكيد. نعم، الفرق الوحيد كان ذلك الحلم.
“أختي هل أنتِ مستيقظة؟”
همست إيلويز بصوت خافت لكن لم تُجبها سارة.
مرة اخرى، همست إيلويز وهي تتقلب في فراشها.
“كما تعلمين، الحلم الذي ذكرتُه هذا الصباح لم يكن شيئًا في الواقع. قلتُ شيئًا سخيفًا في نومي.”
“همم، لقد نسيتُ الأمر بالفعل.”
رمشت إيلويز بدهشة من رد فعل سارة غير المتوقع في الظلام.
لكن سرعان ما سمعت صوت تنفس أختها سارة المنتظم، فأغمضت إيلويز عينيها مجددًا. بدا الأمر وكأنه مجرد حديث نوم.
“سارة، لقد كنتُ أعرف بالفعل.”
هذه المرة، لم يكن هناك رد.
تنهدت إيلويز بهدوء.
“كنتُ أعلم أنكِ تُحبّين اللورد أنسيل. ربما لا تزالين تُحبّيه. ولكن اختي، أنا أُحبُّه أيضًا. ألَا يمكنكِ حقًا الزواج من شخص آخر من أجل العائلة؟ أنا…. أختي ماذا أفعل؟”
امتزجت أنفاس سارة النائمة بسلام مع الأصوات الخافتة للحشرات في ليلة الصيف.
همست إيلويز.
“في اليوم الأول الذي التقيتُ به، كان موسمًا مثل هذا تمامًا.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 1 - أنا أُحبُّ هذا الرجل أيضًا منذ 3 ساعات
التعليقات لهذا الفصل " 1"