رمشت سو عينيها لحظة بسبب الضوء المفاجئ ، ثمّ رأت الفتى يوريك ، الذي أكمل ارتداء ملابسه ، يتذمّر و يتحدّث:
“يا! أيتها الوقحة! ألا تعرفين الطرق على الباب؟ الطرق!”
“إنّها خيمة ، كيف أطرق؟”
“قلّدي الصوت بفمكِ على الأقل! طق طق! ألا تملكين فمًا؟”
“ما الذي يستحقّ الرؤية حتّى تثير كلّ هذا الضجيج؟ جسدك النحيل كالعصا ، حتّى لو جلبوا جيشًا منه لن أنظر. سيؤذي عينيّ!”
أدركت سو أنّ يوريك كان يغيّر ملابسه ، فعبست و ردّت عليه.
لم ترَ يومًا شخصًا يعجبها من أولئك الذين تركوا انطباعًا سيئًا منذ البداية.
“لماذا لا يستحقّ الرؤية؟ نساء بيليوم يسيل لعابهنّ بمجرّد رؤيتي!”
“ألا تنظر إلى المرآة؟”
“أيّتها …!”
رفع يوريك صوته، لكنّه شعر بنظرات حادّة من الجانبين، فتنحنح بهدوء وأغلق فمه.
يا للغبن! هكذا تكون الحياة في بلد أجنبي صعبة.
لا أحد في صفّي.
ندم يوريك لأوّل مرّة على خروجه طوعًا من معسكر بيليوم.
حتّى لو كان الدوق ينظر إليه بغضب لأنّ سو زوجته ، فإنّ جو نسيَ تمامًا أنّه هنا بسببه ، و يوبّخه كلّ يوم.
صرّ يوريك على أسنانه من الغيظ.
“اجلسي هنا.”
نهض جو من السرير ، و أحضر كرسيًا من الزاوية و وضعه في الوسط.
عندما جلست سو، جلس الدوق بجانبها، فعبس جو وفتح فمه: “لماذا تأتي كلّ يوم؟ ألستَ مشغولًا؟ السيد غورتن و قيادة بيليوم منهكون تمامًا ، أليس قادة ويليتان كذلك؟”
“لا بأس.”
“هل تظنّ أنّني أسأل لأنّني قلق عليك؟”
ضحك جو ضحكة جوفاء من الدهشة، لكنّ الدوق مدّ يده الطويلة ليأخذ الإبريق دون أن يعيره اهتمامًا.
خشيت سو أن يغضب الدوق من وقاحة جو، فنظرت إليه بحذر.
اطمأنّت سو لأنّ الدوق لم يبدِ انزعاجًا من وقاحة جو، و مسحت صدرها براحة. لكنّ جو ضرب الطاولة بعبوس و نظرة مليئة باللوم.
“هل تدافعين عن زوجكِ لأنّكِ متزوّجة؟ ألا تعلمين أنّ الزوج ينتمي للطرف الآخر؟”
“ما هذا الحديث عن طرفكَ و طرفي؟ هل أنتَ طفل؟ لماذا تتصرّف بعناد؟”
“أنتِ … تجعلين أخاكِ حزينًا بهذا الكلام. يقولون إنّ البنات يصبحن جزءًا من عائلة أزواجهنّ بعد الزواج …”
تنهّد جو و ضغط على جبهته ، فشعرت سو ببعض الحرج و أمسكت بكوب الشاي أمامها.
أصلًا ، لم تكن متزوّجة حقًا. فكّرت أنّه لا بأس بإخباره بالحقيقة ، لكنّ الدوق بدا لا يريد الكشف عن ذلك.
صحيح، بالنسبة لسو، جو هو أخوها، لكنّه بالنسبة للدوق مجرّد أسير من جيش العدو.
لا يمكن الوثوق به.
و يوريك ، كونه من النبلاء المركزيين في بيليوم ، يجعل الأمر أكثر حساسية.
إذا وصل خبر زواج الدوق الوهمي من قادة مايرامونتي في ويليتان إلى أذني ملكهم ، فلن يكون ذلك مجرّد اضطراب بسيط داخل البلاد.
لذا، كتمت سو السرّ الذي أرادت مشاركته مع جو.
يمكنها إخباره لاحقًا بعد انتهاء كلّ شيء.
“كفى، واصل الحديث الذي بدأته بالأمس.”
“إلى أين وصلتُ بالأمس؟ … آه، نعم. إذن، صحيح أنّني بِعتُ كعبد لفرقة مرتزقة، لكن ألم أكن مميزًا بعض الشيء؟ لفتُّ انتباه القائد، فتنقّلت هنا و هناك حتّى أصبحتُ مرتزقًا من الدرجة الأولى. أصبتُ ببعض الجروح في الطريق، لكنّ جسدي بخير.”
أدركت سو أنّ الجهد المضمّن في هذه الكلمات المقتضبة لم يكن عاديًا.
شعرت بالأسى لرؤية الندبة الطويلة على عينه اليسرى المغطاة بشعره الأشقر الخشن، عين لن ترى النور مجدّدًا.
لاحظ جو نظراتها المثبتة عليه، فابتسم وفرك عينه المغلقة بقوة.
“لا يؤلم، حقًا لا يؤلم أبدًا.”
“تكذب.”
“على أيّ حال، لو كنتُ أعيش في الأزقّة الخلفية، لكنتُ أصبتُ بمثل هذه الندبة. على كلّ حال، وصلتُ إلى مرتزق من الدرجة الأولى، لكنّ صفة العبد لا تُمحى بسهولة. لذا، عندما تراكمت ديون فرقة المرتزقة، بِعتُ كعبد فاخر بوسم مرتزق من الدرجة الأولى، واشتراني هذا الصغير. إنّه غبيّ بعض الشيء، لكنّه ليّن، فأطلق سراحي لاحقًا. و أثناء محاولتي عبور حدود بيليوم للقائكِ، اندلعت الحرب فجأة … الطريقة الوحيدة للوصول إلى ويليتان كانت الذهاب إلى ساحة المعركة. التقيتُ به مجدّدًا، وفي النهاية، التقيتُ بكِ”
ضحك جو بخفّة و سأل عن قصّة سو. تحدّثت سو ، مثل جو ، عن الأمور الجيّدة فقط ، متجاهلة الصعوبات.
كلاهما يعلم ما مرّا به من مشقّات ، فلم يرغبا في إيلام بعضهما بذكرها.
“ميل يشبه أمّنا كثيرًا في ملامحه ، لكنّ شخصيّته مختلفة تمامًا. شعره الداكن و عيناه المائلتان يشبهان أمّنا تمامًا ، لكنّ والده ربّما كان شخصًا متطرّفًا. مرّة، رمى حجارة على نبيل كان يلاحقني لأنّه أعجب بي! هل تعرف كم عملتُ بجدّ لتعويض ذلك؟ …”
“كان هناك رجل يلاحقكِ لأنّه أعجب بكِ؟”
قاطع يوريك حديث سو بعبوس ، كأنّه سمع شيئًا لا يطيق سماعه. حاولت سو تذكّر أنّه هو من أطلق سراح جو.
تحمّلي ، التحمّل ثلاث مرّات يجنّبكِ القتل ، كما يقولون.
“ما الذي ينقص سو؟”
عبس جو ، الذي بدا أكثر استياءً من سو ، فردّ يوريك بثقة ليداري ارتباكه السابق: “لا جاذبيّة فيها! تبدو كطفلة … كيف تكون في الرابعة والعشرين؟”
“لأنّكَ شهوانيّ ، لم تنمو طولًا ، أيّها الأحمق. بدلًا من النمو ، تفكّر في أمور أخرى ، فكيف تنمو؟”
“يا، مهما كان فمكَ معوجًا، تحدّث بصراحة! إن كنتُ شهوانيًا ، فأنتَ إذن أكبر فاسق في العالم! المرّة الماضية مع فتيات سانكلاد …”
صرخ يوريك، لكنّه أغلق فمه وسقط للأمام.
بدا أنّ جو ضربه بقوّة، فقامت سو لتتفقّد الفتى.
كيف يضرب بقوّة طفلًا نحيلًا يبدو أنّه سينكسر حتّى لو تُرك؟
لكن، على عكس قلق سو، ارتجف يوريك قليلًا، ثمّ نهض وسعل.
“أيّها المتوحّش … ألا تملك فمًا؟ لماذا تتحدّث دائمًا بقبضتكَ؟”
“إن واصلتَ قول الهراء، اخرج. أنتَ مزعج.”
“لماذا هذا هراء؟ إنّها الحقيقة! في إقليم غورتن، مجرّد ذكر اسم ‘جو’ يجعل الناس يتأفّفون ويصفونه بالمستهتر!”
“لا تصدّقيه. أخوكِ ليس هكذا.”
نظر جو إلى سو بعبوس شديد ووجه يائس، فضحكت سو بخفّة لشدّة يأسه.
“ماذا؟ كنتَ وقحًا منذ كنتَ في الخامسة عشرة. أتظنّ أنّني نسيتُ كيف كنتَ تتسلّل إلى أماكن اللهو لتراقب إستيل؟”
“تلك قصص من أيّام الطيش! الجميع كذلك في تلك السن! حتّى زوجكِ الذي يتظاهر بالنبل قد فعل ذلك”
أشار جو إلى الدوق، لكنّه نفى بحزم برأسه.
“لم أفعل ذلك قط.”
“واه، مذهل حقًا. انظر كيف يتهرّب في مثل هذه اللحظات.”
“تظنّ أنّ الدوق مثلكَ؟”
لم تكن سو تدافع عنه، لكنّها حقًا لم تستطع تخيّل الدوق يلهث وراء النساء. شخص يرفض حتّى الجميلات اللواتي يقتربن منه، فكيف؟
لكنّ جو عبس بشدّة وتأفّف، مستاءً من موقف سو.
“انظري، تدافعين عن زوجكِ مجدّدًا. لهذا لا فائدة من تربية البنات.”
“متى ربّيتني؟”
ضحكت سو ضحكة جوفاء من الدهشة ، و كذلك فعل يوريك ، الذي فرك مكان الضربة و تحدّث بعبوس:
“لماذا تربيها؟ قد تكون ابنتكَ؟ ألم تقل إنّكما لستما من دم واحد؟”
أمسك يوريك بكعكة من على الطاولة ومضغها، فرفع الدوق رأسه بسرعة من الأوراق التي كان يطّلع عليها.
ارتعش يوريك من نظرته الحادّة وتراجع.
حقًا، لا يريد مواجهة هذا الرجل في ساحة المعركة.
مجرد التقاء عينيهما يجعله يرتجف، فكيف يواجه سيفه؟
“ماذا؟ لماذا؟”
“هل هذا صحيح؟”
بدلًا من استجواب يوريك، استدار الدوق نحو سو.
لم يكن الموضوع مهمًا بالنسبة لها، فأومأت برأسها بلامبالاة.
بالنسبة لسو، العائلة ليست مسألة دم. لاحظ جو تصلّب وجه الدوق، فابتسم ووضع ذراعه على كتف سو بحميميّة.
“ليس هذا فحسب، سجلّاتنا نظيفة أيضًا. أمّنا لم تكن تملك المال، فلم تسجّل سوى سو من بين الأطفال”
لمست نظرة الدوق الحادّة ذراع جو القويّة ، ثم عادت إلى وجهه.
لم يبدُ خائفًا من تلك النظرة، بل واصل جو كلامه بمرح:
“إذا فكّرتُ في الأمر، يمكننا الزواج أيضًا.”
ما هذا الهراء؟ حاولت سو مقاطعته ، لكنّها فوجئت بنظرة الدوق الحادّة نحو جو ، ففتحت فمها: “سيدي الدوق.”
عندما نادته، عاد إلى هدوئه كأنّ شيئًا لم يكن.
“ماذا؟”
“لا… شيء.”
كان تغيّره سلسًا لدرجة أنّها لم تستطع سؤاله لماذا كان ينظر بحدّة.
‘أنا متأكّدة أنّه كان ينظر بحدّة.’
لكن لم يكن هناك سبب.
هل استاء الدوق من هراء جو؟ أم أنّني رأيتُ شيئًا خطأ؟
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 61"