“حتّى لو قلتُ هذا ، ستظلّين تشعرين بالأسف ، أليس كذلك؟ أعلم أنّ هذا ليس شيئًا بإمكاني تغييره. أنا أيضًا كذلك. أحيانًا أشعر بالأسف و الألم حتّى ينقطع نفسي. لكنّني ممتنّ جدًا لأنّكِ تحمّلتِ تلك السنوات القاسية و عشتِ. شكرًا لكِ. لأنّكِ عشتِ ، أنا حقًا … شعرتُ بالامتنان حتّى لحاكِم لم أؤمن به قط. أليس كذلك؟”
جو تحدّث بنبرة حنونة و كأنّه يحاول إقناع سو ، حاثًا إيّاها على الردّ.
تحت وهج الدفء الذي ينتشر كجمر نار الشتاء ، أومأت سو برأسها بضعف ، و هي التي كانت تبكي بصمت.
طمأنها ذلك ، فمسح الدموع المتساقطة بحركة سريعة.
“لم أكرهكِ يومًا. ولم ألومكِ أبدًا. أنا فقط ممتنّ وسعيد. أشعر بالامتنان لأنّكِ نجوتِ ، لذا عيشي أنتِ أيضًا بسعادة. هذا كلّ ما أريده منكِ.”
صمت جو للحظة ، ثمّ تابع كمن اتّخذ قرارًا:
“…ليا، يمكننا أن نشعر بالأسف معًا. هل فهمتِ؟ أنتِ لم ترتكبي ذنبًا منذ البداية. ضعي تلك القشرة الفارغة جانبًا. رؤيتكِ هكذا تؤلمني.”
لم تستطع سو الردّ. لقد ابتلع البكاء صوتها.
لكنّها ظلّت تومئ برأسها باستمرار ، فابتسم جو راضيًا.
لم يكن بكاؤها من النوع الذي يتوقّف بالتهدئة ، فاكتفى بمراقبتها بصمت ، حتّى شعر بنظرة حادّة تخترق مؤخّرة رأسه.
استدار جو ، عابسًا قليلًا.
‘الآن لا يُخفي حتّى نظراته الحادّة.’
مع هذا التفاعل الحارّ، لم يعرف جو إن كان يجب أن يفرح لأنّه يهتمّ بسو أم يغضب.
“توقّفي عن البكاء الآن. يبدو أنّ زوجكِ قد يرتكب جريمة قتل.”
“آه ، أوه …”
تمالكت سو أنفاسها بصعوبة و رفعت رأسها.
كان وجه الدوق هادئًا كعادته، فلم تفهم سو كلام جو.
بينما حاول جو توضيح الأمر لوجهها المحيّر، سمع صوتًا مزعجًا من الزاوية، فتوقّف عن الكلام.
بدت حالة الفتى سيئة حقًا ، فركله جو مرّة أخرى دون تردّد. توقّف الفتى أخيرًا.
“أليس هذا أسيرًا؟ ألا تسجنونه؟ إمّا في السجن أو تربطونه في الوسط … يجب أن تكونوا قساة قليلًا حتّى يشعر الطرف الآخر بالإلحاح ويستجيب بسرعة”
حمّل جو الفتى المتراخي على كتفيه و استدار نحو الدوق.
كان هذا الموقف مختلفًا تمامًا عن تذمّره السابق عندما قال إنّه لا داعي لسجن شخص بريء.
احتجّ الفتى ، رافعًا رأسه فجأة:
“مهلا! من أجل من أُسرتُ؟”
“ألم تقل إنّني لست السبب الوحيد؟ فاضحي من أجل بيليوم. ألم تعش مرتاحًا كابن دوق؟”
“أيّها الـ …!”
حاول الفتى قول شيء آخر ، لكنّ جو ضغط على مؤخّرة عنقه ففقد وعيه وتدلّى.
حمل جو الفتى كما يحمل طفلًا وخرج من الخيمة.
“سأعود بعد أن تهدأ سو قليلًا، لذا اهتمّ بها.”
عند هذا الطلب شبه الإجباري من جو، لم يومئ الدوق، بل تقدّم ببطء نحو سو.
كانت سو، التي لا تزال تبكي، تدفن وجهها في الوسادة.
بدا أنّها تحاول تصريف سنوات من الأحزان ، ففتح الدوق فمه ليتكلّم لكنّه أغلقه.
كان يريد قول كلمتين فقط: “تبكين ثانية؟” ، “لا تبكي”. لكنّه تذكّر جو و هو يتأفّف ، فشعر أنّ هذه الكلمات لن تكون مفيدة.
لم يكن الدوق يجيد الحديث أصلًا.
لم يسبق له أن هدّأ امرأة تبكي ، فماذا يفعل؟ هل هذا أيضًا من الأمور التي قال عنها أخوه إنّه “لا يستطيع القيام بها”؟
ظلّ ينظر إليها، فشعر بالإحباط حتّى احترق صدره.
ما الذي يجعلها تبكي هكذا؟ أليس من المفترض أن تضحك عند رؤية أخيها الذي لم تره منذ زمن؟
تمنّى لو كان جو موجودًا ، ثمّ استدار ، لكنّ سو رفعت رأسها فجأة. وجهها المحمّر مع خصلات فضيّة رفيعة تسقط كالحرير.
مدّ الدوق يده ببطء و أزاح تلك الخصلات خلف أذنها.
أدركت سو ، و هي تستعيد وضوح رؤيتها تدريجيًا ، ففتحت فمها متردّدة. كان عليها الاعتذار على أيّ حال.
لقد جرّت هذا الرجل، الذي لا علاقة له بأمرها وبجو، إلى هذه الفوضى.
“…آسفة.”
“على ماذا؟”
“على إزعاجك. أعلم أنّني كنت مصدر إزعاج.”
“لا بأس.”
اتّسعت عينا سو دهشةً عند هذا الردّ الرحيم.
لم يكن الدوق ضيّق الأفق، لكنّها توقّعت أن يوبّخها بطريقة ما، وقد استعدّت لذلك منذ ذهابها لرؤية جو.
توقّف بكاؤها من الدهشة.
شعر الدوق ببعض الراحة، ظنًا أنّ ردّه كان مفيدًا.
“…لماذا؟ على أيّ حال، من وجهة نظرك، كذبتُ وتصرّفتُ بتهوّر دون ارتباط بالعقد، وخرجتُ إلى ساحة المعركة دون خوف، فسبّبتُ الإزعاج، أليس كذلك؟”
“لا بأس.”
“أوه؟” ، فتحت سو عينيها بضيق و تحدّثت.
“إذن، بالنظر إلى أنّني جئتُ من باها إلى هنا، هل ستدفع لي أجر السفر كما هو؟”
لم يكن الدوق قد وعد بشيء كهذا.
أصلًا، “سفر” سو لم يكن مفيدًا للعمل ، بل كان مصدر إزعاج دائم. ضحك الدوق قصيرًا على هذا الطلب الوقح.
“حسنًا.”
“أمزح. كيف أطلب المال بعد كلّ هذا الإزعاج؟ بالطبع، إذا أعطيتني سأقبل، لكن … لا بأس إن لم تعطِ.”
قالت سو ذلك و مسحت وجهها المليء بآثار الدموع.
أخرج الدوق منديلًا من جيبه وقدّمه لها.
هل يحمل هذا الرجل منديلًا حتّى في ساحة الحرب؟
نظرت سو إلى المنديل الفاخر أمامها ، ثمّ أخذته بسرعة.
“آه! كيف وجدتني؟”
“سمعتُ معكِ ما قاله قائد فرسان بيليوم لكِ.”
“لستَ غبيًا، لذا لاحظتَ غيابي، أليس كذلك؟”
رفعت سو وجهها النظيف وتفحّصت تعابير الدوق.
بدا متعبًا قليلًا، لكنّه لم يبدُ غاضبًا حقًا.
عندما نظرت إليه، ردّ عليها بنظرة هادئة كالمعتاد.
تحت زرقة عميقة كضوء الفجر في الشتاء، أدارت سو رأسها كمن رأت شيئًا لا ينبغي، متجنّبة عينيه. لم تستطع تحمّل النظر إليه طويلًا.
‘هل تغيّر قليلًا عن أوّل مرّة رأيته فيها؟’
لكنّ الدوق بدا غير مبالٍ، مما أثار استياءها بشكل غريب.
نسيَت سو إزعاجها تمامًا وبدأت تتذمّر:
“متى معركة لانغوتيل؟”
“لماذا؟”
“لأنّني سأغادر بعدها.”
رفع الدوق حاجبه الأنيق بزاوية، كأنّه لم يعجبه كلامها.
“لن تنتهي.”
فتحت سو فمها مصدومة من هذا الخبر المفاجئ. لن تنتهي؟
سمعت أنّ تكتيكات الدوق تجعل أيّ معركة لا تستمرّ أكثر من يومين.
عبست سو، ظنًا أنّه يكذب، وسألت:
“لماذا؟”
“لم تعد هناك معارك أخرى. لقد أسرنا أخ قائد بيليوم العام. سيعقد ويليتان معاهدة عدم اعتداء بناءً على حياته.”
“إذن يجب التفاوض، أليس كذلك؟ ألا يستغرق ذلك وقتًا أطول؟”
“يعتمد على مهارة القائد العام.”
“إذن الحرب انتهت ، أليس كذلك؟ هل يمكنني العودة إلى باها الآن؟”
“لا.”
أضاف الدوق إلى عبوس سو:
“ألم يأمر الملك بأن تأتي بعد انتهاء معركة لانغوتيل؟ اذهبي حين تنتهي.”
“لكنّك قلتَ إنّ المعركة لن تنتهي!”
“نهاية الحرب هي نهاية المعركة.”
“لماذا بحق السماء؟ ألم تقل بالأمس إنّني يجب أن أعود اليوم؟”
“متى؟”
“بالأمس!”
“لم أقل ذلك.”
ضحكت سو ضحكة جوفاء، مصدومة من إنكاره الحازم.
هل أكل شيئًا فاسدًا؟
“أنتَ من قال إنّه لا يجب أن أطيع أوامر الملك بوقاحة! إن لم تكن أنتَ، فمن إذن؟ هل رأيتُ شبحًا؟”
لكن وجه الدوق ظلّ هادئًا حتّى بدا تقيًا، فشعرت سو بالدوار وكأنّها تحدّثت مع خيال.
“ما دامت المعركة لن تُعقد، فهذا المكان أكثر أمانًا. ألا تعلمين أنّ الطريق إلى العاصمة مليء باللصوص وخطر؟”
“كنتُ بخير في طريقي إلى هنا. والأمان ليس المشكلة. ماذا أفعل إن بقيتُ هنا؟ هل أحمل سيفًا وألعب دور الفارس؟”
“لا تحلمي حتّى بفعل ذلك.”
ضربت سو صدرها غيظًا عندما رأت الدوق يرفع حاجبيه.
“ليس هذا ما قصدتُه! أعني أنّه لا شيء لأفعله هنا! من قال إنّني سأفعل ذلك حقًا؟”
لماذا لا يفهم كلامها؟
بالطبع، لم يخطر ببال سو أنّ الدوق يتجاهل كلامها عمدًا.
لم يكن هناك سبب لذلك.
أصلًا، لو بقيَت هنا، لن تستطيع حتّى المشاركة في المفاوضات أو فهم ما يدور في القيادة ، بل ستبقى محبوسة في الخيمة دون فعل شيء سوى إضاعة الوقت.
لا يمكن أن يكون للدوق حاجة بها.
لم ترغب سو في البقاء محبوسة في خيمة قاحلة في أرض الحرب حتّى تنتهي الحرب تمامًا.
“ألا يمكنني الرحيل فقط؟”
“لا يمكنني عصيان أوامر الملك.”
“بالأمس قلتَ عكس ذلك!”
“أيّتها العنيدة!”
صرخت سو غاضبة، لكنّ الدوق لم يتراجع.
***
أرسل القائد العام غورتن ردًا سريعًا على رسالة الدوق.
كانت الرسالة التي جلبها مبعوث بيليوم مليئة بالقلق والتوسّل بعدم إيذاء الفتى، مع وعد بإقناع الملك.
أُقرّت قيمة الفتى التي زعمها، فأصبح جو والفتى يُعامَلان كرهينة ثمينة في معسكر ويليتان.
لكن، لأنّ علاقة جو و سو مجهولة للآخرين، لم يكن من الممكن إظهار زوجة الدوق مع أسير، فكانت سو تتسلّل ليلًا لرؤية جو.
لكن الدوق، الذي كان في القيادة، كان يتبعها فورًا كما لو أنّه يعلم أنّ الخيمة فارغة.
تساءلت سو إن كانت قد وضعت عسلًا على ظهرها، فشمّت أنفها وتحدّثت: “لماذا تتبعني؟”
“لأنّ وجود زوجتي في خيمة رجل غريب ليلًا قد يثير إشاعات سيئة.”
“ألستُ أذهب ليلًا حتّى لا يُكتشف الأمر؟”
تذمّرت سو، لكنّها أغلقت فمها خوفًا من إثارة ضجة.
يتبعني ويجلس صامتًا بعبوس، فلماذا؟
بدت متابعته لها مضحكة حتّى.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 60"