“آخ!”

 

“ابتعدوا ، أيها الحثالة!”

 

على الرغم من نبرتها الحيوية ، كانت سو تطلق الشتائم بدقة. دفعتهم بعيدًا و دخلت المبنى.

 

كانت تعلم جيدًا أن هؤلاء الرجال لا يستطيعون فعل شيء ضدها. لقد تعلموا من تجاربهم السابقة أن إغضابها يعني عدم الفوز بأي مال في القمار مدى الحياة.

 

“ما المناسبة؟”

دُهِش رجل ذو لحية كثة من زيارة سو المفاجئة.

 

منذ أن كبر ميل ، نادرًا ما زارت سو هذا المبنى.

 

كان مكانًا مظلمًا حتى بين أزقة أرديل المعتمة ، حيث تُجرى الصفقات الخطرة و المؤامرات ، فتوقفت عن القدوم من أجل ميل.

 

“أريد صفقة كبيرة.”

 

كانت “الصفقة الكبيرة” التي تقصدها سو تعني جولة قمار ضخمة. ربما ليست بقيمة مئة ألف ذهبية ، لكن ثلاثين ألفًا على الأقل. 

 

نظر إليها الرجل بنظرة مرتابة.

 

“ألم تقولي إنك ستكتفين بالصغيرة؟ الأمان أولًا، أليس كذلك؟”

 

“أحتاج إلى المال.”

 

“كم؟”

 

“مئة ألف ذهبة.”

 

“هل جننتِ؟”

 

لم يكن مفاجئًا أن يتسع فمه دهشة من المبلغ الهائل. 

توقعت سو هذه الردة فعل ، فهزت رأسها بملل.

 

“لا، أنا عاقلة تمامًا.”

 

“لماذا تحتاجين فجأة إلى هذا المبلغ الكبير … أهو بسبب ميل؟”

 

لم تجب سو. 

 

كان الرجل ذو اللحية ، الذي لم يكن يحب أخاها الصغير المتهور ، يتأفف دائمًا. 

 

بالتأكيد ، طلب ميل شيئًا مستحيلًا ، و لم يدرك أن أخته ستقفز إلى النار لأجله.

 

“لا توجد صفقة كبيرة كهذه فجأة …”

 

تراجعت كتفا سو بخيبة أمل. 

شعر الرجل بمرارة في فمه من رؤيتها ، ثم رفع رأسه فجأة.

 

“لكن يمكننا صنع واحدة، يا سو.”

 

“ماذا؟ كيف؟”

 

“هناك شخصية مهمة جدًا في أرديل الآن.”

 

“دوق مايرامونتي؟”

 

كان هو الشخصية الوحيدة المهمة التي وصلت أرديل مؤخرًا. أومأ الرجل بحماس عندما مالت سو رأسها وسألته.

 

“نعم! بالنسبة لمثل هؤلاء ، خسارة مئة ألف ذهبية مجرد وجع بسيط …”

 

في الحقيقة ، اعتقد أن مئة ألف ذهبية ليست مبلغًا يُستهان به حتى بالنسبة لدوق ، لكن سو أومأت فقط لئلا تغضبه.

 

“لكنه لا يقامر.”

 

“نجعله يقامر.”

 

ابتسم الرجل ، هيكتور ، و هو يمسح لحيته الكثة بيده. في تلك اللحظة ، بدا وجهه ، الذي يشبه اللصوص ، جميلًا بشكل غير معتاد في عيني سو.

 

“إغراء النبلاء إلى طاولات القمار هو اختصاصك ، أليس كذلك؟”

 

هز هيكتور كتفيه و سلمها كوب ماء. ألقت سو نظرة سريعة على الكوب و لم تلمسه. من يدري ماذا قد يحتوي؟

 

كانت تفتقر إلى الثقة الأساسية بالناس. 

 

المكان الذي تقف فيه الآن ، منطقة لودانتي ، هو أحلك أجزاء أرديل المظلمة ، أرض أكبر عصابة في الأزقة كانت تنتمي إليها سابقًا. لم تكن خائنة تمامًا ، لكنها بالنسبة لهم كانت منشقة.

 

كانت تعلم ذلك جيدًا ، لذا تجنبت لفت الأنظار. 

لكن زيارتها اليوم جعلت كل جهودها تذهب سدى.

 

لحسن الحظ ، كان هيكتور ، زعيم لودانتي ، يكنّ لها بعض المودة ، مما سمح لها بالدخول بحثًا عن عمل بنوع من الثقة الضعيفة.

 

لاحظ هيكتور عدم ثقتها الشديد ، فعبس بحزن. 

 

كان عدم ثقتها بالناس شديدًا لدرجة أنها لا تثق حتى به ، الذي عرفها لسنوات. هل كان هناك أحد تثق به سوى نفسها؟

 

حتى ميل ، الذي تحبه كثيرًا و تتحمل من أجله كل شيء ، ربما لا تثق به. بل ربما تشك حتى بنفسها.

 

“لن يكون الأمر صعبًا، إذا كنتِ أنتِ.”

 

“حقًا؟”

 

“لا نعرف شيئًا عن شخصية الدوق، لكن الآنسات حوله عقولهن فارغة كالحمام.”

 

حمام باهظ الثمن ، بيضاء و جميلة. 

 

أضاف هيكتور ذلك بعبوس خفيف.

 

“استفزي النساء أولًا … آه ، لا داعي لشرح هذا. أنتِ تعرفين كيف تتصرفين. أنتِ جيدة في هذا.”

 

“حسنًا.”

 

“اجذبي الدوق إلى الطاولة. ثم سيوسع النبلاء والمقامرون الذين نسّقنا معهم اللعبة…”

 

“و أنا سأنهب الدوق بنفسي؟”

 

“بالضبط. لا يوجد في لودانتي من لديه مهارة لمثل هذه الصفقة. أنتِ الوحيدة القادرة.”

 

“لم أشارك في لعبة كبيرة منذ زمن.”

 

على الرغم من قولها ذلك، كان وجه سو هادئًا تمامًا، وكأنها قد تتثاءب دون أن يبدو ذلك غريبًا.

 

كم مرة خُدع هيكتور بوجهها البريء هذا؟ ضحك بصوت خافت كالريح.

 

“صحيح، مثل هذه الأمور لا تحتاج إلى خطة. المخاطرة كبيرة، لكنها ليست صعبة.”

 

“فقط جهّز بعض الأذكياء ورأس المال.”

 

“عليكِ أن تستثمري أيضًا.”

 

“سأجهز خمسين ألف ذهبية.”

 

خمسون ألف ذهبية. كانت تقصد نصف ثروتها. بمعنى آخر، كانت سو تضع كل شيء تقريبًا في هذه اللعبة. كانت يائسة إلى هذا الحد.

 

كان هيكتور يعرف كم تكره سو خسارة المال. 

إذا خسرت بسبب خطأه ، كانت ستنفجر غضبًا.

 

“هه، إذا نجح الأمر، ستأخذين كل شيء.”

 

“الآخرون مجرد ديكور، مثل طماطس الكرز في سلطة الدجاج.”

 

“وأنتِ الدجاج، بالطبع؟”

 

“نعم.”

 

“سو، أنا نادرًا ما أقول هذا-“

 

“المخاطرة كبيرة جدًا؟”

 

اتسعت عينا هيكتور الضيقتان قليلًا. 

 

ابتسمت سو بخفة. 

 

لم تثق به ، لكنها شعرت أنه يهتم بها على طريقته.

 

كُره هيكتور لـ ميل كان ، بطريقة ما ، بسبب اهتمامه بسو.

 

“نعم ، إنه مايرامونتي ، الذي يمتد نفوذه حتى إلى أرديل ، أقصى جنوب المملكة! مايرامونتي! لا يمكنكِ تجاهل سمعة عائلة دوقية رافقت تأسيس البلاد. إذا سارت اللعبة بشكل خاطئ ، لن تنتهي بخسارة مال أو قضاء وقت في السجن. إذا اكتشف الدوق الأمر ، انتهى كل شيء. و آسف ، لكن إذا حدث ذلك …”

 

لم يكمل هيكتور جملته ، لكن سو فهمت مقصده. 

 

أومأت بحماس وطبطبت على كتفه الكبيرة.

 

بسبب فارق الحجم، بدت وكأنها تتعلق به.

 

“حسنًا، حسنًا. أنا من طلبت لعبة كبيرة، لذا سأتحمل المسؤولية.”

 

شعر هيكتور بالارتياح قليلًا، لكنه كان قلقًا جدًا. 

 

ربما لأنه عرفها منذ صغرها، أو لأنها لم تكبر عن مظهرها الطفولي، كانت دائمًا تبدو كطفلة في عينيه على الرغم من أنها تفوق في دهائها ثعبانًا عاش عشرات السنين.

 

***

 

ضفّرت سو شعرها الفضي في جديلتين وربطتهما بشريط أحمر.

 

عندما ارتدت فستانًا ورديًا فاخرًا اشترته من السوق يومًا ما، بدت كأنها ابنة نبيل، أنيقة وساحرة.

 

على الرغم من أنها لم تتعلم آداب النبلاء، كانت دائمًا تحتفظ بوضعية مستقيمة، مما جعلها تبدو أكثر شبهًا بآنسة نبيلة.

 

“همم.”

 

أمسكت سو بمظلة شمسية بأناقة كالآنسات النبيلات، وهزت رأسها ودخلت صالة قمار فاخرة.

 

بما أن العامة لا يملكون مالًا للقمار الكبير، كانت صالات الملذات في أرديل مليئة دائمًا بالنبلاء، لذا لم تجذب سو، التي بدت كآنسة نبيلة، الكثير من الانتباه.

 

فقط بعض الشباب الذين سحرهم شعرها الفضي اللامع كضوء القمر أداروا رؤوسهم للتأكد من وجهها.

 

لكن سو كانت ترتدي قناعًا على شكل فراشة يغطي نصف وجهها.

 

“أين هو؟”

كان الدوق من أرفع النبلاء.

 

و مايرامونتي ، التي يصل نفوذها حتى إلى أرديل الحرة بعيدًا عن العاصمة باها، كان من الواضح أنه شخصية ذات مكانة لا يمكن لسو تصورها.

 

لذلك، من المرجح أنه يستمتع باللعب في الطابق العلوي من أكبر صالات القمار.

 

كانت سو تعلم أن الدوق الحالي لمايرامونتي بطل حرب ، مما جعلها تشعر ببعض الذنب.

 

كمواطنة من ويليتان ، شعرت و كأن إبرًا تطعن قلبها عندما فكرت في خداع رجل يقود عائلة مايرامونتي ، التي رافقت تأسيس البلاد.

 

“آه!”

 

متى كنتُ شخصًا يهتم بغيره؟ هزت سو رأسها بحزم.

 

على أي حال ، هذا المال لن يقتله. بالنظر إلى أراضي مايرامونتي الشاسعة ، مئة ألف ذهبية ، بل حتى مليون ، قد تبدو تافهة.

 

كانت سو واثقة جدًا وهي تتجه إلى الطابق العلوي، فلم يحاول أحد إيقافها. سرعان ما وجدت الدوق.

 

كان أول من لفت انتباهها. على الرغم من أنه اختار مقعدًا في زاوية الطابق العلوي، بعيدًا عن الأنظار، كان لافتًا للنظر على الفور.

 

مثل ضوء في غرفة مظلمة، لا يمكن إخفاؤه مهما وُضع في الزاوية.

 

“واو!”

 

لم تستطع سو إلا أن تتعجب وهي ترمش بعينيها.

 

كانت قد سمعت وصفًا تقريبيًا لمظهره، لكنه كان وسيمًا بشكل مذهل. 

 

شعرت أنها بحاجة إلى تصحيح وصف هيكتور له بأنه “رجل وسيم قليلاً”.

 

إذا كان هذا يُعتبر “وسيمًا قليلاً”، فإن سو ستكون قبيحة لا تستطيع رفع رأسها.

 

‘هل يوجد أشخاص بهذا الجمال في العالم؟’

 

بدا أجمل من إستيل ، أشهر فاتنة في أرديل. 

 

لا، لا يمكن مقارنته بإستيل حتى. 

 

شعرت سو بالغيرة منه.  

لو كانت تملك هذا الجمال، لما احتاجت إلى التودد للناس لخداعهم. كلمة واحدة منه ستحل كل شيء.

 

لكن في تلك اللحظة، رفع الدوق رأسه ونظر إليها.

 

أدارت سو رأسها بسرعة مختبئة ، مرتبكة. 

لا يمكن أن يكون قد رآها، لكنها شعرت وكأن عينيهما التقتا.