كان منظره في جنازة الدوق السابق ، أي أخوه ، و هو يبكي ثلاث ليالٍ و أيام أمام جثته ، مؤلمًا لدرجة أن الكثيرين بكوا ليس لموت الفقيد ، بل لمأساته هو.
لم يكن سرًا أن مظهره الباكي و جماله اللافت ساعداه بشكل كبير في تبديد الشائعات المشينة التي اتهمته بإيذاء أخيه.
تحت رموشه الطويلة الكثيفة ، كانت عيناه الزرقاوان الداكنتان ، التي لا يُرى قاعهما ، تتفحصان الناس بعمق.
لم تكن نظرته صافية.
كانت غامضة ، كأنها تسحب الناس إلى مستنقع ، معتمة و لزجة.
و مع ذلك ، كان الناس يتجمّعون حوله كالفراشات التي تنجذب إلى العسل ، غير مدركين أن هذه الزهرة في الحقيقة زهرة سامة ، يتوسلون الموت دون وعي.
نهض الدوق ، الذي كان يراقب الناس بهدوء.
يقال إنها مدينة الملذات ، لكنه لم يشعر بالإثارة.
لعبة الورق هذه لم تكن مثيرة مقارنة بالفتاة العادية الصغيرة التي رآها للتو.
كانت تقود طاولة القمار بمهارة تكاد تكون محترفة ، لكن عندما اقتحم رجال الأمن المكان ، خلعت عباءتها بسرعة و تظاهرت بأنها طفلة بريئة.
من مظهرها و جسمها ، بدت في السادسة عشرة تقريبًا.
على عكس وجهها البريء ، كانت تصرفاتها كمحتالة قضت حياتها في صالات القمار.
شعر الدوق بلحظة من الفضول و كاد يتبعها ، لكنه توقف عندما اقترب منه فتى من عائلته الذي يخدم مايرامونتي منذ زمن ، ممسكًا بورقة صفراء بأدب.
كانت الورقة فاخرة ، مربوطة بحبل أحمر ، واضح أنها ليست شيئًا عاديًا.
“ما هذا؟”
“رسالة من كاستيلو باها.”
كاستيلو باها.
إذا كانت الرسالة من القصر الملكي ، فلا يمكن أن تكون إلا من شخص واحد: ملك ويليتان ، الحاكم الوحيد لباها ، و سيده الوحيد.
أخذ الدوق الورقة من الفتى و فتحها. و بعد ثوانٍ ، عبس وجهه الوسيم و هو يعتصر الورقة.
[عزيزي ديونير شانتارك ديل كاسا مايرامونتي ،
أوه ، ديل ، هل أنتَ بخير؟ قلبي يتمزق و أنا أفكر فيك ، تشتاق إليّ في أرديل الغريبة.
في ظل وفرة المقربين العاطلين هنا ، أرسلتك إلى أرديل لأنها مليئة بالجميلات.
صحيح أن لا أحد يفوق جمالك ، لكن من يدري؟
ربما تسحرك ملذات أرديل و تفتح قلبك الحجري لامرأة ما.
على أي حال ، لا تفكر في العودة إلى باها قبل أن تجد زوجة للدوقية.
أنا لا أتعمد مضايقتك ، لكنني أقلق إذا متّ فجأة دون وريث ، فماذا سيحدث لمايرامونتي؟ أنت تعلم أن لقبك كدوق لم يحظَ بموافقتي بعد ، أليس كذلك؟
لم أفكر يومًا في منحك اللقب دون زوجة.
لذا ، تزوج سريعًا.
سيدك المحب ، خافيير]
كل الكلام الطويل كان هراء ، و الرسالة الحقيقية كانت في كلمة واحدة:
تزوج.
ضحك الدوق ضحكة ساخرة و مزّق الورقة.
لم يجرؤ أحد على الاعتراض على تمزيقه رسالة الملك.
كان المعنى واضحًا: لا زوجة ، لا لقب دوق.
صحيح أنه لا يوجد وريث آخر مناسب لمايرامونتي ، لكن أن يبقى دوقًا دون موافقة الملك؟
مجرد التفكير في ذلك جعل كتفيه تتشنجان. لكنه …
“تبًا”
ضغط الدوق على عينيه بيده اليمنى بقوة.
كان مرهقًا. لم ينم جيدًا مؤخرًا.
***
على الرغم من أن سو يتيمة ، إلا أنها لم تكن بلا عائلة.
كانت مدينة أرديل التجارية ، ببريقها الخارجي ، فاسدة في جوهرها ، و لهذا كانت مليئة بالأيتام مثل سو.
أطفال تخلى عنهم آباء فقراء طامحون بعد أن خسرت عائلاتهم كل شيء و طاردتهم الديون ، أو أطفال ولدوا من علاقات بين نبلاء عديمي الضمير و عشيقات ، كانوا يعجون بهذا المكان ، أرديل.
لذلك ، لم تشعر سو يومًا بالأسى على وضعها.
صراحة ، كانت تعتقد أنها محظوظة مقارنة بغيرها من الأطفال.
على الأقل ، عرفت معنى الحنان الأمومي.
كان من الغريب أن تشعر بذلك تجاه شخص ليس له صلة دم بها ، لكنها نشأت و هي تشعر بهذا الحنان.
و كان لديها أخ أصغر أيضًا.
لم يكن ميل مرتبطًا بها بدم ، لكنه كان أخاها.
على الرغم من أنه ، للأسف ، لم يكن مطيعًا و لم يكن فيه أي شيء لطيف و لو بقدر ذرة.
“يا!”
“ماذا؟”
على الرغم من صراخ سو الغاضب ، كان موقف ميل وقحًا للغاية.
جلس على طاولة الطعام ، يتأرجح بساقه بلا مبالاة و يقشر برتقالة بهدوء ، مما جعل سو تغلي غضبًا حتى كادت ترى الدنيا بيضاء.
“يا مجنون! هل يوجد في العالم طفل في الثانية عشرة يقامر؟”
“ألم تبدئي أنتِ بالمقامرة منذ كنتِ في الثانية عشرة؟”
“ذلك لأنني-“
“عبقرية في النصب؟ نعم ، أعلم أنني لست بنفس براعتك في النصب. لكنني أحاول”
“توقف عن هذه المحاولات الغبية و اذهب إلى المدرسة!”
كانت سو مستاءة لأن ميل يحاول تقليدها و يصبح محتالًا.
كانت مستاءة جدًا ، لدرجة أن قلبها يرتجف من الألم.
لم تمانع أبدًا أن تكون محتالة ، بل كانت فخورة سرًا بمهارتها التي لا تضاهى ، لكنها أرادت لأخيها طريقًا مختلفًا.
على الأقل ، مهنة يمكن أن يفخر بها أمام زوجته.
لم يكن لدى سو خيار ، لكن ميل يمكنه اختيار طريق آخر إذا أراد. كانت سو مستعدة لدعمه بكل ما أوتيت.
كانت تملك القدرة على ذلك الآن.
“أختي.”
“ماذا؟”
نزل ميل من على الطاولة و نظر إلى أخته الصغيرة القامة.
وجهها ، الذي يبدو بعيدًا كالشمس و القمر عن النصب ، كان قلقًا ، و كان بإمكان ميل الصغير أن يدرك ما يقلق عينيها البنيتين اللامعتين.
كانت تأمل أن يبتعد هو على الأقل عن أزقة الجريمة.
في الحقيقة ، كانت والدة ميل الحقيقية هي من ربت سو ، و لهذا شعر ميل بالذنب لأن سو ، التي لا تربطها به صلة ، تهتم به هكذا.
كانت سو قد دخلت عالم القمار في سن صغيرة فقط لتتمكن من تربية ميل.
فتاة في الثانية عشرة ، تحمل طفلًا رضيعًا ، قاومت بشدة لئلا يُسلب منها ، فكان القمار هو الحل الذي توصلت إليه.
“هناك أشياء في العالم لا تتحقق بالجهد وحده.”
ابتسم ميل ابتسامة مريرة لا تليق بوجهه الطفولي.
شعرت سو بألم في قلبها مرة أخرى.
كان ميل يريد أن يصبح فارسًا. في بلد يعتمد على نظام الطبقات ، كان حلم ميل بأن يصبح فارسًا أشبه بالخيال.
في أرديل ، كان هناك القليل مما لا تستطيع سو فعله ، لكنها لم تكن قادرة على كل شيء.
أغمضت سو عينيها بقوة و هي ترى وجه ميل الحالم.
‘لا يمكنني أن أجعل ميل يتخلى عن حلمه أيضًا.’
عضت سو على أسنانها.
“سأشتري لك لقبًا.”
“ماذا …؟”
فوجئ ميل بكلام سو و سألها بدهشة.
حتى لو كانت سو بارعة في القمار و النصب ، فإن المال الذي تجمعه له حدود.
و شراء لقب؟ هذا ليس شيئًا يمكن للمال وحده تحقيقه.
كان يتطلب علاقات مع نبيل كبير ، على الأقل برتبة إيرل.
“سمعت أن حوالي مئتي ألف ذهبية ستكفي. إذا نفذت بعض العمليات الكبيرة، فلن يكون هذا المبلغ مستحيلًا”
مئتي ألف ذهبية!
عند هذا المبلغ الهائل ، اتسعت عينا ميل بدهشة.
مئتي ألف ذهبية.
إذا كان متوسط مصروف عائلة عادية شهريًا أقل من عشر ذهبيات ، فهذا مبلغ ضخم حقًا.
“أختي.”
“هل تعتقد أنني لا أملك هذا المبلغ؟”
قالت سو بثقة ، و هي ترفع كتفيها بفخر.
بدا أن لديها بعض المال فعلًا من ثقتها هذه.
كانت محتالة معروفة في المنطقة -رغم أن معظم الناس لا يعرفون أنها المحتالة رولان- و كانت بخيلة جدًا.
بفضل مهاراتها العبقرية في القمار و النصب ، لم تهدر و لو قطعة واحدة ، لذا كان من المتوقع أن تكون قد جمعت مبلغًا كبيرًا.
لكن أن تكون قد جمعت مئتي ألف ذهبية؟ هذا لم يكن متوقعًا.
حتى بالنسبة لنبيل برتبة فيسكونت ، كان هذا المبلغ بعيد المنال مدى الحياة.
“هل تملكينه حقًا؟”
“بالطبع!”
ضربت سو كتف ميل بقوة و هي تتحدث بثقة.
“ثق بأختك ، حسنًا؟”
كانت ابتسامتها واثقة كرجل قوي.
عندما أضاء وجه ميل بالأمل ، شعرت سو بدفء في قلبها.
كانت ابتسامتها تجاه أخيها موثوقة حقًا.
لكن عندما خرج ميل ليمارس التدريب على السيف ، تلاشت ابتسامتها.
في الحقيقة ، لم يكن لدى سو مئتي ألف ذهبية.
مئة ألف ربما -وهو مبلغ مذهل بحد ذاته لفتاة من الأزقة- لكن الضعف كان مبلغًا لا يمكن تصوره.
بعد اثنتي عشرة سنة من الكفاح ، كان كل ما جمعته مئة ألف ذهبية فقط.
مئتي ألف؟ تنهدت.
“من أين سأحصل على هذا المبلغ؟”
يا إلهي ، سأجن.
هل جعلت ميل يحلم بأحلام كاذبة؟ بدأت الندامة تؤلم رأسها.
هزت سو رأسها و قامت من مكانها.
الوقت من ذهب. التفكير في كيفية جني المال أكثر إنتاجية من البقاء في البيت و الندم.
خرجت سو من البيت ، نظرت بحنان إلى ميل و هو يتدرب بالسيف ، ثم اتجهت نحو مبنى أكثر تهالكًا.
كان زقاقًا أعمق من الذي تعيش فيه هي و ميل ، و قد حذرت ميل من الاقتراب منه.
“أوه؟ ألستِ سو؟”
ما إن دخلت الزقاق حتى تجمع حولها رجال تفوح منهم رائحة الخمر الرخيصة.
على الرغم من كل التعليقات عن طفولتها و مظهرها الشاب ، كان من الصعب العثور على فتاة بجمال سو في الأزقة ، فتجمّعوا حولها كالذباب.
لكن سو لم تتردد ، و ضربتهم بقبضتها دون تردد.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"