Aporia - 3
كانت فيفيان تغط نوماً، عندما انتشلها من نومها قرقعة في المطبخ، استقامت على ساعديها بتعب تنظر بصعوبة فعيناها لا تزال ضبابية من النوم، ثوانٍ انقضت حتى ميزت ان ظهر احدهم يذهب يميناً و يساراً يعمل بسرعة
تنهدت لتعود للاستلقاء تنظر له كيف يعمل بانشغال ،تجري في ذهنها اسئلة اولها هو لماذا يضع هذا القناع في المنزل، ليس وكأن وجهه قد يشكل تهديداً له، رصاصة واحدة لن تكلفه عناءً، من الغبي الذي سيجرؤ على تهديد شخص يمتلك سلاحا؟
مرت دقائق تراقب بها تحركاته حتى نقل الاطباق النهائية الى طاولة الطعام و انتهى التجهيز بكوبين من العصير.
اتجه نحو الصالة حيث فيفيان عندها اجفل قليلاً بعد علمه بانها مستيقظة تنظر له، حك مؤخرة رأسه“الفطور جاهز، عليكِ تناول الطعام“
نظرت له فيفيان من الاعلى الى الاسفل لتتنهد قبل استقامتها، سارت ببطء و اعرجاج الى الطاولة، جلست على الكرسي بصعوبة تنظر الى ترتيب الطعام، هو يظن ان من معه فتاة ابتدائية، بعض البيض المسلوق و النقانق، و على الطبق الاخر بيضٌ مقلي، و على ما يبدو انه احضر عصير البرتقال ايضاً.
جلس قبالتها ينتظر منها ان تبدأ، نظرت فيفيان له و الى الطعام تحاول استيعاب ان الملثم الحائز على سلاح قد اعد فطوراً يناسب فتيات الابتدائية، لوهلة اخذت فيفيان تحسب عمرها و هل ما اخبرته كان صحيحاً ام لا
-“الا تحبين البيض؟” اتى السؤال من سولفير
-“سأتناوله” قالتها بينما اخذت قطعة من البيض تتناولها
شعر سولفير بانه قد فاز في مرحلة التصفية لمسابقات الطبخ، بنقانق و بيض مسلوق و عصير البرتقال، حمل كوبه بيده لكنه توقف حالما ادرك ان القناع لا يزال على راسه، ليترك الكوب بتنهد.
•••
كانت فيفيان تأكل بشرود ذهن و سولفير يعبث في هاتفه، حتى رن جرس المنزل، اتجه سولفير الى الباب، فتحها ليجد مندوب التوصيل و بيده العديد من الاكياس، هل تصل الى عشرة؟ ام اكثر؟ حتى سولفير لم يعلم
ادخلها جميعها الى المنزل ثم اتصل على احد الارقام الغريبة على الهاتف“الطلب لقد وصل، سأبلغكِ ان كان هناك اي اخطاء“
عندها سمع اول جملة من الطرف المقابل مجاملةً ثم اغلق الخط
اخذ ينظر الى الاكياس “فيفيان، هل اكملتي؟“
استدارت هي الاخرى تنظر له و من ثم الى الاكياس و على وجهها الكثير من التساؤلات
اردف“هذه ثيابك.. سأجلب اقراص الدواء، خذيهم ثم اذهبي للاستحمام” لم ينتظر اجابتها بل جلب لها اقراص الدواء بعد كلامه ثم تراجع عدة خطوات صغيرة الى الخلف يعطيها المساحة لتنزل من الكرسي، بلعت هي الاقراص دفعة واحدة ثم نزلت من الكرسي بحذر
اخذت تخطو ناحية الاكياس لتتوقف امامهم مباشرة، هي اقتنعت بفكرة انه كفيلٌ بها و عليه تحمل مسؤلية اخذها مهما كانت السلبيات و الطلبات، لكن داخلها لم يقتنع بفكرة اخذها لشيء منه ،كانت سترتاح بفكرة ان يحظر لها ملابسها القديمة على ان يشتري اخريات، شعرت بان هذا كله يبعدها عن ذاتها القديمة، عن ذكرياتها المشوشة، عن ما يربطها بالماضي.
عندها فقط اتت لها لحظة ادراك، ثياب من التي على جسدها الان؟
نظرت الى جسدها بتمعن النظر، لقد كانت ترتدي فستاناً فضياً، من اين لها هذه الثياب السوداء
بينما كان سولفير ينظر لها بعدم فهم، فهي فقط تصارع ذلك التخبط بصمت، ظن لوهلة انها لا تعلم ماذا تختار لذلك تقدم ناحيه الاكياس “دعينا نرى اولاً شيئاً فضفاضاً، لكي لا يعيق جروحك او يخدشها، ما رأيك؟” قالها و هو ياخذ احد الاكياس جالباً له امامها
-“ثياب من هذه التي ارتديها؟” سألت فيفيان دون سماعها لكلامه
نظر لها ميجباً “لا اعلم، هي التي وجدتك بها“
-“انت تكذب” اجابت حالما اكمل سولفير جملته، ثم اردفت“لقد اخبرتني انك لقيتني في الملهى، وقتها كنتُ ارتدي فستاناً“
ترك سولفير الاكياس ليجلس على اقرب كرسي له“لم اقل بانني لقيتك، نعم لقد كُنتِ في الملهى، لكن لم اكن من سحبك من داخل الملهى الى الخارج” اجاب بجدية
تنهدت فيفيان وهي تمنع نفسها من الانهيار مرة اخرى، جلست القرفصان غير ابهة بالم كاحلها بينما تشد شعرها الى الخلف بغية في التركيز
-“لم اكن من غير لكِ ثيابكِ، لم المسكِ قبل ان تستعيدي الوعي سوى حين حملتك الى الفراش“
نظرت له فيفيان آملة ان تجد اي علامة لتصديقه او تكذيبه لكن القناع دوماً ما يعارضها، ذلك الحاجز الذي يمنعها من معرفة ما يفكر به خاطفها، هو على وجهه، و على رقبتها، يخفيه و يخنقها
تنهد سولفير متوجهاً خلف فيفيان، ليضع يديه اسفل ذراعيها يجبرها على الوقوف“شتتي افكاركِ، كنتِ ثملة و كنتُ غائباً، لا علم لكلانا بالامر لذا لا تفكري بالامر“
ادارت فيفيان رأسها ناحية سولفير لينتبه على عيناها المدمعة و انفها المحمر، اخذ يتفحص وجهها للحظات وهدوء “ثقي بي، ان حدث و تذكرتي ما حدث، و كان احدهم قد لمسك، فسأجعله يندم على اللحظة التي قرر بها لمسكِ، جاهلاً ان ذلك اليوم هو اخر يوم يملك به يدان“
افتلها عندما تأكد بانها واقفة على قدميها و لن تسقط إن افلتها“لا تقلقي“
ابتلعت ريقها بصعوبة و هي تومئ له، اخذت احدى الاكياس العشوائية ثم مشت ببطئ الى الحمام.
اراد سولفير ان يمنعها من قفل باب الحمام لكنه توقف، إن حدث شيء فهي ستعلم انه من الافضل عدم قفله، و ان لم يحدث شيء فهو سيعلم انها تستطيع تدبر امرها
لكنه بقي في الصالة ينتظر، هي لا تعلم كيف يبدو جسدها و ما حالة، اغمض عينيه لثواني يتذكر حال رقبتها و صدرها عندها كان على ليو ان يفحصها، هي لن تحتمل.. لكن عليها ان تواجه الواقع، اما ستخرج دون استحمام او ستستحم
•••
قفلت فيفيان الباب بعد ان دخلت الى الحمام ، استندت على الباب تتنهد، لكنها سرعان ما طردت اي افكار قد تداهمها، اتجهت الى المرآة تنظر الى شكلها، بشرتها الشاحبة بعد ان كانت تبكي ان ظهرت لها حبة صغيرة، و الان بشرتها جافة، كذلك شفتها، من الوردية بلون الخوخ الى هذه المتقشرة الباهتة، شعرها الدهني والذي لم يمر يومان الا و هي تحممه، كذلك جسدها، كل شيء الان لا يبدو كفيفيان، كأنها فقدت نفسها باثار الثماله تلك،
تنهدت بحزن تحمل عن راسها الشاش و عن يدها ،ثم خلعت قميصها ملقية اياها في زاويه الحمام، نظرت بلمحة الى المرآة ثم توقفت قبل ان تخلع بنطالها،
بدأ قلبها بالخفقان و شعرت بثقل وجنتاها، اصبح التنفس اصعب ؟ ماهذا بحق خالق الجحيم؟
هذه ليست كدمات، انها قطعاً ليست كدمات، انها قُبل… اثار القبل موزعة على صدرها و عظم الترقوة، اخذت تلمسها بحذر غير مصدقة ،لتلتفت قليلاً ترى كتفها المليء ببقايا الجلد المقشوط، و ما زاد الامر سوءاً لها ان اثار الاصابع واضحة
نظرت الى الاسفل تحاول تجنب ما رأيته على المرآة لتقابلها خاصرتها المزرقة ،تمتمت بنبرة مهزوزة تجز على اسنانها“لما لا اجد مكاناً سالماً؟”
ابتلعت ريقها بخوف تخلع ما تبقى من ثيابها و هي تنظر الى السقف، بدأت دموعها بالتدحرج و لا تزال هي تجز على اسنانها،
فتحتْ دش الماء بيد مرتجفة و ملامح باكية ،اغتسلت بسرعة من الاوساخ و لم تغسل شعرها جيداً فهي لم تطق فكرة ان تجابه حالة جسدها لوقت طويل
اغلقت الدش بعد خمسة دقائق لتذهب الى الكيس كي تغير ثيابها بسرعة، عندها رأت ان الكيس يحتوي على مستلزمات اولية وليس ثياب، فوط صحية، مشط للشعر، منشفة كبيرة و صغيرة، بعض الدهون و الزيوت
ارادت فيفيان الشتم لهذه الحالة لكنها اخذت المنشفة الكبيرة مغطية نفسها عوضاً عن الغضب، هي لا تحتمل فكرة بقائها في هذا المكان الضيق
لفت نفسها تحت ضغط نبضات قلبها العالية و الغثيان بعشوائيه ثم فتحت باب الحمام بسرعة لتخرج فقط بالمنشفة، كانت تتعثر بين خطواتها السريعة كأنها تهرب من وحشٍ ما كان في الحمام حتى انتهى الامر بوقوعها على ركبتيها
توسعت عينا سولفير فلم يتوقع انها ستخرج بهذه الحالة، فقد ارتاح عند سماعه لصوت الدش ظناً انها استطاعت تحمل الامر، لم يعلم انها كانت تتخبط تلك المدة القصيرة،
سارع نحوها على الارض لكنه لم يلمسها عندما لاحظ انها بالمنشفة فقط، هذا الموقف لم يكن مستعد له، لما لم يضع هذا الخيار في رأسه؟
كانت عيناها مغطاة بشعرها المبلل الا انه علم ما سوء حالها من ارتجاف شفتيها ،عاد الى الكنبة يحظر الغطاء منها بسرعة ثم وضع الغطاء على جسدها لافاً اياها به، ابعد شعرها عن وجهها ،بينما كانت عيناها تدور حول المكان لا تستطيع التركيز على شيء، و عند ثبات قزحيتاها عليه استفرغت
تمتم سولفير“اللعنة” بينما عبس وجهه ،لكنه سرعان ما ابتعد مره ثانية عنها عندما علم ان قيأها فقط على ملابسه، خلع قميصه دون تردد رامياً اياه ثم حملها ناحية الكنبة واضعاً فيفيان عليها،
تنهد وهو يفرك عيناه بابهامه و سبابته، جاب بعينيه على المكان ليلاحظ السترة التي وضعها يوم امس على طاولة المطبخ، اخذها بسرعة يرتديها دون حتى غلقها
اخذ يبحث في الاكياس على منشفة اخرى حتى وجدها باحد الاكياس للعناية الشخصية، اخذ احدهم و اتجه نحو فيفيان يلف بها شعرها، نظر حوله مرة اخرى، لم ياتي وقت قد شعر به بهذه الفوضى، جميع الاشياء التي تواجهه كان قد وضع لها خطة مسبقة في رأسه، لكنه لم يتوقع هذا
ظل يدور حول نفسه حتى حمل هاتفه يتصل على احد الارقام الغريبة، وضع السماعة على اذنه ينتظر الاجابة و عند سماعة لصوت الفتاة على الطرف المقابل شرع يتكلم دون مقدمات “كرستين، لقد اغشي على الفتاة، وهي عارية و مبللة، تعالي الى المنزل لا استطيع تغيير ثيابها“
-“ماذا؟! فتاة؟ اغشي عليها؟ عارية؟ ماذا فعلت بحق الجحيم؟!” ردت الفتاة على الجانب الاخر
-“لا وقت لهذا الكلام تعالي دون سؤال و لا تخبري حرفاً واحداً لأي احد“
•••
فتحت فيفيان عيناها ولا زال شعور الغثيان يصاحبها، كان شعرها مغطى بالمنشفة بينما ترتدي بلوزة خضراء غامقة من الصوف، استندت على ساعديها بصعوبة تحاول تذكر ما حدث، نظرت حولها لكن لا احد، سوى ان مدفئة كهربائية امامها و على يسارها كانت النافذه المكسورة قد غُلِقَت بورق مقوى
ابعدت الغطاء عن جسدها تلتفت يميناً لترى سولفير يجلس عند الطاولة في تلك الحديقة الصغيرة يتصفح هاتفه وحيداً، بينما كان هناك فنجانين على الطاولة
وضعت قدمها على الارض بينما تتفحص ثيابها، انها جديده، بنطال اسود منزلي و عريض
سارت بخطوات بطيئة نحو الحديقة ناظرة الى الكوبين بتمعن، لقد تم شربهما، كان هناك احداً معه، و قد خلع قناعه ايضاً.. فتحت الباب الزجاجي ليلتفت لها سولفير “لقد استيقظتي..”
قام من مكانه واضعاً هاتفه في جيبه“الجو هنا بارد، لندخل“
تنحت فيفيان من الباب مفسحة له المجال ليدخل، تبعته الى المطبخ تراقبه و هو يسكب لها كوباً من الشاي
وضعه امامها منتظراً ان تجلس لكنها فقط سكتت تنظر الى الاسفل “ثيابي..” قالتها دون ان تنظر في عينيه
-“اختي من قامت بتغييرها، لم ارى شيئاً، هي اتت و قد غيرتها لكِ ثم غادرت” قال و كأنه فهم ما ترمي اليه
اومأت فيفيان و على وجهها علامات الارتياح، جلست على الكرسي و هي تاخذ رشفة من الشاي،
-“لقد عالجت جروحك فقط مثل السابق، بعد ان اكملت اختي تغيير ثيابك” قالها بهدوء لدرجة ان نبرته لا تكاد تقارب التبرير، من لا يفهم هذه اللغة كان سيظن ان سولفير يتكلم عن عمله وليس يبرر موقفاً ما
بينما كان بينها و بين سولفير اقل المتر ، ظل ينظر لها و كانه يتفحص شيئاً ما، حتى وضع يده على راساً“شعرك مبلل، اكملي الشاي لاجففه لكِ“
اومأت له دون رد بعد تردد، هو لطيف لكنه خاطف، لا تستطيع الاستسلام لافعاله حتى لو كانت مراعية
ظل يخلخل اصابعه بين خصلات شعرها و قزحيتاه تتحرك مع يده، كرر سولفير هذا عدة مرات حتى تنهد مبتعداً يجلب مجفف الشعر
مر الوقت و زاد اطمئنان فيفيان عندما احظر سولفير الكوبين السابقين، و كان على احدمها احمر شفاه احمر، اكملت فيفيان شايها و احظر سولفير مجفف الشعر منتظراً لها في الصالة يشاهد احد الافلام، لاحظ هو قدوم فيفيان له لذلك وضع المجفف على الكهرباء و اخبرها ان تجلس على الأرض قليلاً ليجفف لها شعرها
فعلت مثلماً اراد و بدأ بتجفيفه بينما يشاهدان الفلم الذي يعرض
-“هل انتَ من يبث الافلام؟” قالت فيفيان متسائلة
-“لا، انها قناة فضائية” اجاب
-“هذا منطقي اكثر، لا ارى الامر منطقياً ان تعرض فلماً هندياً” تشجعت فيفيان هذه المرة لتبدأ معه محادثة، هل هذا رداً على جميله انه لم يلمسها؟ لا تدري هي فقط شعرت بالراحة لوهلة و بغت ان تستغلها، لا تدري ما ان كانت راحتها ستستمر ام لا
-“لما لا؟ انظري الان سيطرح البطل هؤلاء الخمسة وحده دون عناء، الامر يدعو للضحك” قالها سولفير بشبح ابتسامة ظهر من صوته
رفعت فيفيان راسها الى الاعلى لتنظر له، تبادلا النظر عدة لحظات لتعيد راسها الى الامام“فلم الامس يناسب ما تبدو عليه اكثر“
لم يجب سولفير و اكمل يجفف شعرها حتى انتهى منه بشكل جيد، عندها بقى الاثنان في نفس جلستهما يشاهدان الفلم حتى انتهى
•••
صباحاً 9:30
ايقظ سولفير فيفيان من اجل الفطور، و بينما تتناوله هي و هو يعبث بهاتفه على نفس الطاولة، رن جرس المنزل، هل يرن جرس منزله كل يوم؟
نظرت فيفيان الى سولفير و هو يتحرك ناحية الباب، لم يعد سولفير يقفل الباب، اخذ كيساً صغيراً من خلف الباب ثم عاد الى مكانه،
وضع الكيس على الطاولة“المنزل …يمكنك التصرف به بحرية، لكن غرفتي لا تدخلي لها، يمكنك حتى الجلوس امام المنزل لكن لا تطيلي الجلوس هناك، انه بعض الشيء خطر، إن تعرضتي لمشكلة لن يساعدك احد من الاوغاد الذين في الخارج“
اومأتْ له ليختم هو كلامه“هذا الكيس لكِ“
نظرت له فيفيان بتمعن لتاخذه، وجدت ان به رسالة و عليها اسم والدها (كارلوس والاس)…
•••
يتبع…