Aporia - 2
خطى سوافير نحو الدُرج لياخذ منه الوصفة الطبية، اخذ يقرأ المكتوب بصعوبة فالخط غير واضح و اشبه بالطلاسم، لكنه رغب بالتأكد من وجود المسكنات ،
و في النهاية لم يستطع معرفة ذلك، فوضع الورقة في جيبه ثم اخذ قبعته الشمسية،
رغب بان يطيل البقاء في غرفته يفكر اكثر في ما عليه القيام به ان كانت فيفيان مستيقظة، و هل عليه التكلم معها ام لا
لكنه توقف عن التفكير حين سمع صوت تحطم الزجاج، خرج مسرعاً من غرفته ثم نزل السلالم ركضاً، حيث اخذ يتمنى ان هذا ليس من فعل فيفيان
توقف لحظات يجوب بعينيه على ارجاء الصالة، و كما كان يخشى ان يحدث، هي فقط هربت
جرى بسرعة ناحية الباب و هو يخرج مفاتيحه، و حالما خرج نظر ارضاً ليلاحظ قطرات الدماء، تمتم ببعض شتائم و اخذ يتبع تلك القطرات
•••
ركضت فيفيان باسرع ما لديها، حتى جرعة الادرينالين تلك انستها كاحلها الملتوي، و جروح يدها اثر الزجاج، و راسها المصاب، كانت تركض كأن كل ثانيه تغير مجرى حياتها الى الاحسن او الاسوء، ام علينا القول بانها كذلك بالفعل؟ كل هذا معتمد فقط على قدم ملتويه و اخرى مليئة بالكدمات
كادت تصل الى مفترق الطرق الا ان قبضة شدت شعرها بقوه الى الاسفل، خرجت شهقه من فيفيان حال وقوعها خلفاً لينغلق فمها باليد الاخرى تبعه صوت حاد“فيفيان والاس لا تجعليني استعمل العنف!!”
لم يكن الامر غريباً فسولفير هو من اوقعها ارضاً.
لم تنتظر فيفيان لحظات لتستوعب فقد عضت كفه و حالما سحب يده متألماً لكمته بقبضتها و هي تصرخ متأملة بأحد المساعدات الخارجية، زحفت الى الخلف بسرعة عندما انشغل سولفير بدماء انفه التي رطبت قناعه من المنتصف
لكن املها تلاشى تماماً حين تمتم ببعض الشتمات ممسكاً بكاحل قدمها ساحباً اياها اسفله لتحاصر بجسده من الاعلى و بالارض من الاسفل، كانت عيناه تفيضان غضباً حتى انه لم يستعمل الكلمات فقد وضع قبضته على عنقها ثم سحب مسدسه من حامله ليطلق رصاصه في الهواء كفيله بانتشال اللون من وجه فيفيان
توقفت هي حينها عن الصراخ بعينان متوسعة و دموع تملأ محجريها، و قد ابتلعت ريقها بعد ان وضع سولفير المسدس بجانب اذنها “لن اقتلك!… لكنني اقسم لكِ بالرب انني لا امانع سلبك السمع من اذنك هذه!”
اشار بعينيه حول المنازل المجاوره“كل من يعيش هنا هم اغنياء بدون كلل او تعب، يغطون في بيوتهم متعفنين بين جدرانها طالما لديهم المال، لن يخرج عاهراً منهم متخلياً عن فطوره الحار لينقذ شخصياً ينتمي الى بيت جاره” قالها بحده ثم استرسل يجز على اسنانه“حتى لو كانت ضحية“
ثم اكمل كلامه مشيرا الى نهاية الطريق“يمكنني تركك يا فيفيان و جعلك تذهبين الى خارج الحي اللعين هذا، لكن ستصبحين دون اصابع لعضك لهم ندماً! خارج الحي رجال شرطة إن رآك احدهم سيعتقلك بتهمة حرق احدى الملاهي الليلة“
سحب حينها المسدس من جانب رأسها ثم رفع جسده من فوقها“لكِ الخيار“
ظلت فيفيان مستلقيه على الارض تنظر الى السماء بعدم وضوح لغرغرة عينيها، متخبطه الافكار و التشتت ينخر روحها، لم تستطع ان تفهم جزءاً حتى يداهمها الاخر، حي يساند خاطفها؟ ام الشرطة التي تنتظرها؟ ام الجريمة التي قالها لها؟ ام علمه باسمها الكامل دون ان تنطق به له
اعتدلت بجلستها بعد لحظات تسحب رجليها من بين رِجليّ سولفير ،نظرت الى الخلف لترى سيارة الشرطة بعيدة جداً، اعادت النظر له مجدداً ليحمر انفها و جفنيها، و بنبرة مرتجفه كأن حنجرتها تتمزق مع كل حرف تنطق به“هذا.. هذ.. لا استطيع… هذا كثير….” فاضت دموعها بغزارة، كان وجهها هو المرادف الامثل لكلمة يأس، و المعبر عن الخوف
ان تحتمي تحت ظل خاطفك من العدالة التي لا تعلم متى ادانتك، و ان يهددك الخاطف ببطلك الخارق، انه ما إن رآك سيقتلك بدل انتشالك من الظلم
نظر سولفير لها و هي تتكلم بكلمات غير مفهومة، بينما دموعها تقطر من ذقنها، حدق ثواني الى يده التي بها المسدس ليعيده الى حامله متنهداً ثم استقام واقفاً، عدل سترته الفضفاضة و قبعته الشمسية، ثم دنى منها ممسكاً بذراعها “لا بأس، تعالي “
لم تبدي ردة فعل اخرى عدى البكاء بحرقة، هل قسى عليها؟ لكنها لن تستمع له الا بهذه الطريقة، حملها من اسفل ذراعيها ثم وضع يده الاخرى اسفل رجليها“دعينا نعد الى المنزل“
لم يبتغي جعلها تمشي ،فقد عذبتْ كاحلها بما فيه الكفاية لليوم
سار بها حتى وصلا الى المنزل، اغلق الباب بقدمه و وضعها على الكنب ثم سحب الطاولة اقرب الى الكنبة ليقابل فيفيان
جلس قبالتها ينظر لها و لعيناها المتورمة، فهو فقط لا يعلم، لم يندم و لم يفرح، كان مضطراً، و هذه نتائج اختياره…
تنهد ثم مسح دموعها بكم سترته “هل ترغبين بالاستحمام قبل ان تضعين المراهم؟ ام ان الاستحمام صعب؟ هل احضر لك منشفه و إناء به ماء؟“
كان يعلم انها لن تجيب، لكن ما عساه ان يفعل؟ لن يصمد مع مراهقة تبكي اثر تهديده لها
صمت ثواني ثم اردف“هل اتصل باحدى النساء لتساعدك؟” حاول قدر الامكان ان يخفف من حدة نبرته لكن جميع محاولاته بائت بالفشل
عندها فقط قام من مكانه بتعب بعد ان مسح بكفه على قناعه“انا ايضاً انزف، قبضتك جعلت انفي ينزف“
نظر لها مطلولاً حتى استسلم، فقط عليه الخروج و الابتعاد عن انظارها
خرج سولفير من المنزل لتبقى فيفيان وحيده، في منزل تحول في خمس دقائق من سجن الى مهرب، مع شخص تحول من خاطف الى منقذ، من اشخاص كانوا سبيلاً لها و الان تهديداً لها
ضمت ركبتيها الى جسدها تدفن رأسها بينهما، تحاول استيعاب ما حدث و ما الذي يمكن ان يحدث، مع كل دقيقة تمر تستوعب انها اجرمت بحق كاحلها. حاولت جاهدة ان تتذكر كيف و لماذا حرقت الملهى، لكنها لا تتذكر شيئاً.
••••
مر الوقت ولا تزال فيفيان متجمده في جلستها نفسها، حيث تعود جسدها على الالم في هذه الجلسة، و لم تبتغي ان تتحرك خوفاً ان الالم سيزداد.
عاد سولفير الى المنزل قرابة الغروب و بيده بعض الاكياس، خطى بخطوات صامتة و وضع الاكياس بهدوء على طاولة المطبخ، خلع قبعته الشمسية و سترته رامياً اياهم على طاولة المطبخ ايضاً، و اخذ احد الاكياس الصغيرة ثم اتجه نحو فيفيان بهدوء، ظناً منه انها نائمة
لمس بعض خصلات شعرها بظهر سبابته لتسري قشعريرة واضحة بانحاء جسدها، سحب يده رامياً الكيس باهمال على الطاولة
-“انتِ مستيقظة” قالها مبتعداً ناحية المطبخ مخرجاً من الكيس علبتين من المثلجات بطعم القهوة، و ملعقتان متوسط حجمهما، اخذهم بين يديه ثم جلس بجانب فيفيان ، مد لها علبة المثلجات لكنها لم ترفع راسها من بين ركبتيها، ليجعل من سطح العلبة ملامساً لجلدها
رفعتْ رأسها اثر البرودة لتنظر له بعيناها المنتفخة باحمرار،
مد العلبة لها “كليها، لقد احضرت هذهِ ..لتهديدي لكِ..”
نظرت له فيفيان بامتعاض، و كانت بعض الشتائم قد تجمعت على طرف لسانها لكنها ابتعلتهم اخذة العلبة من يده
حاولت فتحها لكن قواها لا تسمح لها بالتفاعل عقلياً وليس بان تتحرك جسدياً، فتح سولفير العلبه لها ثم اعادها لها“لماذا هربتي؟“
وضعت فيفيان ملعقة من المثلجات في فمها ،و بصوت مبحوح“لماذا لا اهرب؟ …هذا ليس منزلي“
صمت سولفير يقلب بالعلبة الاخرى ،لقد احضر حصته لكنه لا يستطيع اكلها الان مع قناعه هذا “فيفيان، لن ينتظر خاطفٌ ما ان تستيقظ ضحيته حتى يغتصبها، او يبيعها للسوق السوداء، لا يجود شيء يدعوك للهرب” قالها بهدوء محاولاً ان يعطيها بعض الطمأنينة
صمتت ثواني حتى ردت“هذه اول مره يتم اختطافي بها، عندما أُختَطَف مرة اخرى سأحاول ان افكر كيف ينظر الخاطف للامر“
نظر لها سولفير كأنه لم يتوقع اجابة كتلك، هي التي لم تستطع ان تعطيه جملة كامله، الان ترد عليه باستهزاء، هل هذا عمل المسدس ام هناك خطب ما
استمرت باكل المثلجات دون النظر له، ليقول “لقد كنتِ ثملة، في الملهى….تحرش بكِ احدهم على ما يبدو، ثم حدثت بعض المشاكل، و بطريقة ما انتِ محمية الان عندي بعد ان اندلعت النار في الملهى، و انتِ المشتبه بها“
توقفت عن الاكل ناظرة له بتشكيك“لماذا عندك؟ ماذا عن عائلتي؟“
وضع سولفير المثلجات على الطاولة اخذاً كيس الادوية من الطاولة“والدك وضعكِ عندي، لا اعلم الكثير من التفاصيل، على الارجح ستصل رسالة منه هذه الايام“
اخرج المسكن و المضاد الحيوي“ابتلعي منهم” ثم ناولها زجاجة ماء من الكيس “انتِ ايضاً دخيلة على عالمي“
همهمت الاخرى له، حتى لو لم يذكر اسم والدها، كانت ستبقى، هي حتى لا تعلم ان كان يكذب ام لا، ولا تستطيع المجازفة مع الشرطة، عليها فقط التحلي بالصبر ثم الرسم للخطوة التالية.
اخذت الادويه من يده بينما غير مكان جلوسه ليكون امامها، رفع كما قميصه لتبان عضلة ساعده، هي فقط مفصلة كأن نحاتاً اخذ ينحت يده شهراً كاملاً، رفع احدى قدميها لتسري قشعريرة خفيفه بجسدها، على عكس الماضي حيث كانت مرتعبة و هلعة، هي انتبهت لملمس يده الخشن، وضع قدمها على رجله و بدأ بدهن كاحلها“ساشتري لكِ بعض الثياب غداً، لكي تستحمي براحه، هل هناك لون تحبينه؟“
ترددت لوهله لكنها طردت كل الترددات بحجة انه من قرر حمايتها، لذلك هو كفيل بها “الاخضر“
اومأ لها بينما يلف قدمها بالشاش، و فعل الشيء ذاته للاخرى تحت الصمت، حتى انتهى منهما واضعاً لهما على الارض.
•••
اكمل تضميد يدها و رأسها ، ليقوم و معه تنهيدة متعبة“ماذا عن احضار الوسادة و الغطاء لك هنا” اشار لى الدرج“اسفل الدرج توجد المرافق، و بها حماماً ايضاً” ثم اشار بابهامه الى الخلف“و المطبخ خلفي عدة خطوات قليلة و ستجدين الثلاجة امامك، و امامك هنا التلفاز“
نظرت الى حيث يشير في كل مره، منزله صغير، لكن جميل و غريب، فكرت فيفيان بهذا
على يمينها غرفه زجاجيه صغيره بها طاوله صغيره و هي مليئه بالنباتات، و على يسارها النافذه المطلة على الشارع، اما امامها السلالم التي تقسم الطابق الاول الى الصاله و اسفلها الحمام تطل بابه على الصاله، و على جداره التلفاز، و في الجانب الاخر المطبخ.
خطى جالباً لوح التحكم لها“حتى تشفى قدمك“
اومأت له ليذهب الى الاعلى، حيث غط عدة دقائق و عاد حاملاً وسادتين و غطاء اسفل يديه، كان قد غير ثيابه ايضاً الى قميص منزلي ابيض قد بان القليل من تعاليم عضلاته منه، و سروال رصاصي فضفاض، و بالتاكيد لثامه الاسود لا يزال كما هو..
وضع كل شيء في مكانه من اجل فيفيان، لكنه و على عكس المتوقع جلس ارضاً على جانب الكنبة“الافلام في هذا الوقت عادة ما تكون ممتعة” اردف ناظراً لها“اتحبين الافلام؟“
هزت كتفيها“ليس كثيراً، امي عادة ما ترفض ان اشاهد الافلام“
ادار رأسه الى التلفاز يبث فيلم hacksaw ridge والذي نوعا ما يناسب هالة سولفير، بالطبع لن يبث فيلم الاميرة النائمة
•••
يتبع…