Aporia - 14
فيفيان:-
رغم انه منزل سولفير لكنه خالي من سولفير، كرستين معي منذ اسبوع و لا اثر لسولفير طيلة اليوم، لا اعلم اين هو، لكن يبدو انه يهتم بما حصل للمنزل..
استيقظت في منتصف الليل كعادتي، المكان هذا بارد رغم التدفئات التي به، لم يتسنى لي حتى النوم ليلة كامله، علي ان اجفل من نومي كالمعتاد، ذلك الاحساس بأنني لو اصبت سولفير بدلاً عن ذلك الرجل، هذا الكابوس يطاردني دوماً
الرابعة فجراً و انا اشاهد اضواء المدينة بدون حتى سيارات تسير في شوارعها، اصبح التفرج على المدينة من وراء الزجاج عادة لي، اين منزلي يا ترى من هذه المدينة؟
جلست على الكنبة امام التلفاز المغلق، الوقت ممل و فظيع، حتى التلفاز لا يعمل، كل شيء لا يعمل، لا اعرف كيف اقضي وقتي، كرستين تحاول بجد ان تسعدني لكن..
لا يفلح الامر، فكري دوماً شارد و لا افهم اغلب ما تتكلم به، و ربما هي لاحظت هذا فأصبحت تحاول جري لافعل بعض النشاطات، اليوغا و هي افشل ما حاولت فعله لدرجة اننا لم نفعلها الا مرة واحدة
الطبخ، و قد حرقنا معظم الاكلات، نشاهد بعض الافلام على حاسوبها لكن الامر ليس كمتعة التلفاز، و صحيح.. قد كسرنا الفرن عندما حاولنا صنع كعكة…
استلقيت على الكنبة اغمض عيناي، الى من اشتاق الان؟ امي و ابي؟ ام اخي؟ ام سولفير الذي ملأ يومي ثم انسحب دون اثر..
و كل مرة اسأل بها كرستين عنه تقول انه يعمل، اللعنة على تلك الاعمال
•••
فتحت عيني بسبب الضوضاء التي فعلتها كرستين و هي تحاول ربط حاسوبها على التلفاز، لكنها تبدو تعاني..
استندت على ساعدي بنعاس“ماذا تفعلين؟ كم الساعة؟“
استدارت بابتسامة متكفلة “احاول ان نحضى بسينما لكن يبدو اننا سنخسر حاسوبي و السينما“
مسحت وجهي بكفي“اشعر بالجوع“
-“انا ايضاً ، لو يسمح لنا فقط سولفير ان نخرج، لتناولنا الفطور في المطعم“
تثائبت“دعينا نذهب، هو منشغل، لن يعلم“
توقفت عن تحريك الاسلاك تنظر لي“انتِ محقة! هيا تجهزي!”
قمت من الكنبة اتجه نحو الحمام، غسلت وجهي ثم دخلت الى غرفتي، افضل تلك الغرفة الخشبية حقاً، رغم ان غرفتي في منزل والداي كانت مثل هذه مزينة و مجهزة بالإضاءات و الصور و الخ، لكن تلك البيسطة تبدو ادفئ..
هل كنت سأحبها لو عشت بها بظروف اعتيادية؟
كنت احب المظاهر، لكن لا ادري، ذلك المنزل جعلني احب البساطة،
التقطت احدى القطع بعشوائية رامية لها على السرير، انها قطعة جميلة.. جميع ما ارتديته جميل، اشتقت له..
ارتديت الثياب تاركة لشعري ان ينسدل، و بحثت عن نظارات في الدرج و اذ بنظارتين هنا، عادته هذه مضحكة.. إن لم اكن هنا اذن الى اين سيذهب بهذه الاشياء؟
خرجت لأرى كرستين تنتظرني خارجا، لا اعلم كيف لكنها استطاعت وضع هذا الكم من مستحضرات التجميل بوقت قصير؟
تبعتها الى الخارج، الطريق واضح و سهل..
خرجنا الى خارج البناية، بين الاخرين و الغرباء، طأطأت رأسي خشية ان لا يراني احد، لكن لا احد مهتم بوجودي حقاً..
امسكت بيد كرستين و قد شددت على كفي“هيا بنا“
الجو بارد لكنه منعش، كذلك وجوه الاخرين، النبات، و الشوارع الواسعة، المسافة التي اسيرها، اصوات الثلوج اسفل قدمي، و ضحكات الغرباء، كم من الوقت لم اتمشى هكذا؟
جلسنا في احد المقاهي ،و بينما كرستين كانت محتارة في طلب وجبتها، كنت اتأمل محيطي، كم سيستغرق الامر لأخرج براحة فقط كالماضي، هكذا دون حراسة، دون ان ادخل بشوارع مختصره، دون القلق من ان يتعرف علي احدهم،
قطعت كرستين افكاري “ماذا تأكلين؟“
نظرت الى ورقة الطلبات اتمعن، اعتدت على تناول كعك مقلي و شوكولاتة حارة عندما اخرج مع صديقاتي
-“كعك مقلي و شوكولاتة حارة..”
اومأت لي لتخبر النادل ما نريده، لم يستغرق الامر كثيراً ليأتينا ما طلبناه، اخذت كرستين تمدح الاطباق و اعطتني بعضاً من طعامها و انا كذلك، انها مرحة و ودودة، صحبتها حقاً تشعرني بالدفئ، على الرغم انها اكبر مني بسبع سنوات
-“فيفيان، إن عرض اخي عليكِ الزواج هل ستقبلين؟“
توقفت عن مضغ الطعام انظر لها، هي لا تبدو و كأنها تمزح..
ابتلعت الطعام“لقد تكلمنا سابقاً عن كيف ننظر لبعضنا البعض، هو لا يحبني كأمرأة، و انا لا احبه كرجل.. “
لوحت كرستين بشوكتها في الهواء“لكنكِ امرأة و هو رجل.. لا معنى من كلامكما“
زممت شفتاي“اعني انا احبه بالطبع، و هو يحبني ايضاً، لكن ليس لدرجة الزواج و تكوين عائلة من هذا النوع.. هو لا ينظر لي كأمرأة تستطيع مواكبة عمره، و الامر ذاته بالنسبة لي..”
تنهدت كرستين“هذه خسارة.. لا معنى لما تقومون به فعلاً..”
-“الامر صعب كرستين، انا لست في وضع دائمي هنا، سأعود لعائلتي في احد الايام، واقعي يختلف عن واقع سولفير..”
صمتت كرستين ثواني “هذه حياتك في النهاية، لا استطيع الاعتراض.. انا فقط ظننت انكما منسجمان معاً بشكل جيد، سولفير لم يكن قريباً لامرأة هكذا من قبل“
همهمت لها دون رد كي ينقطع النقاش، الزواج من سولفير كأن ارمي بنفسي الى الهاوية، انا احبه فعلاً، لكن ليس لدرجة الرغبة بالزواج منه و الدخول في علاقة،
•••
عدنا الى المنزل بعد ان اكملنا الافطار، دخلت كرستين غرفتها تكمل بعض اعمالها، هي ايضاً مشغولة، تضطر ان تأخذ بعض الوقت وحدها تكمل الاعمال خاصتها..
استلقيت على الكنبة انظر الى الساعة ارى كم من الوقت سيستغرق سولفير للقدوم، في الحقيقة..
اعلم انه يراقب الكاميرا في الاماكن التابعة له، و هذا المنزل لا يفرق عنه شيئاً، وإنه سيأتي بمجرد ان يقال له اننا خرجنا، سيسارع الى هنا و قد يحدث بعض الضوضاء و المشاكل، لكن لا مشكلة، سأستطيع رؤيته على الاقل..
سمعت صوت الازرار و فتح باب الشقة، التفتت ليخفق قلبي، لقد نجحت فعلاً في جلبه، دخل سولفير بسرعة متجهاً الى الداخل مباشرة دون النظر لي، على الارجح انه لم ينتبه لي
ثواني حتى تعالت الاصوات
-“كرستين!! اين انتِ!”
صفق سولفير الباب ليهدأ الصوت دون ضجيج، لكن فجأة علا اللغط مرة اخرى، لم افهم شيء فتارة يعلو الصوت و تارة يختفي
اعدت بوجهي انظر الى النافذة حتى اجفلت “كيف تخرجان بحقك!! ماذا لو امسك بكما احد الاوغاد!!”
الهي!! اللعنة! نسيت انه سيصب بغضبه و لومه على كرستين
وقفت بسرعة متجهة الى مكانهما، دلفت الغرفة دون طرق الباب حتى، علي ان اتدخل حتى لو تم توبيخي
-“لما تعاتبها!! انا من سألتها ان نخرج!” قلتها مدافعة عن كرستين
نظر لي سولفير بصمت، دون ان يتكلم او يتحرك استطيع معرفة غضبه من عينيه فقط، بينما اخذت كرستين تؤشر لي ان اصمت و اخرج، لكن تباً لما يوبخها!؟
-“لقد خبأنا وجوهنا بالفعل و لم نتأخر! ثم انها فكرتي! لما توبخها بينما انا من اقترح الامر!”
اغمض سولفير عينيه بهدوء“سنناقش سلوكك هذا وحدنا، كرستين هنا لتحميكِ لا ان تلبي طلباتك، هي تعرف ان الذي فعلتماه خطير، اذهبي الى غرفتك و سنناقش سلوكك هناك“
ماذا؟
نظرت الى كرستين لاراها تحاول ان ترضيني بما قاله، هل هي قلقة و متوترة؟ عليه اللعنة
صفقت الباب خلفي متجهة الى غرفتي، استلقيت على السرير لكن لم استطع البقاء هادئة، لذلك اخذت اضرب الوسادة و ابعثر الغطاء،
حتى تمالكني التعب مرتمية بهدوء على السرير، دقائق لا اعلم قدرها طُرِقُ باب غرفتي، لم اجب لذلك دخل سولفير الغرفة
اغلق الباب خلفة جالساً على الكنبة امام السرير، ظل صامتاً و انا كذلك،
رفعت رأسي بعد مدة ناظرة له لاراه ينظر لي بهدوء، مسنداً ظهره على الكنبة مفرقاً ركبتية،
-“ماذا تنتظر؟ تكلم” قلت مقطبة حاجباي
•••
لم يجب سولفير على فيفيان، بل ظل ينظر لها بهدوء، هل يوبخها؟ ام يناقشها؟ ام ماذا؟ من اي نقطه عليه البدء؟
رفع كفه يؤشر لها “تعالي لنتناقش“
عضت فيفيان على شفتها السفلى، قامت من السرير متجهة نحوه، عندما اقتربت امسك سولفير بذارعها برفق مجلساً لها بقربه “كيف اتتك تلك الثقة؟ ان تخرجي؟“
تحاشت فيفيان النظر “انا بأمان الان.. هذا يعني انه لم يتواجد الخطر هناك“
تنهد سولفير“فيفيان هذا منزلي الخاص، و شكلك، هيأتك، لون شعرك، طولك، كل شيء عنك معروف.. خروجك دون علمي كان قد يدخلنا بمصائب كبيرة، تتخطى حتى كونك لدي“
ظلت فيفيان مطأطأة الرأس “لم اوبخك مثل كرستين، لأن كرستين تعلم انه منزلي الذي به اغلب اعمالي و اوراقي، تعلم مقدار الخطر الذي قد يحدث، مقدار الخطر الذي قد يلحق بعائلتي، لكنكِ لا تعلمين“
غرغرت عينا فيفيان بالدموع و اخذ صوتها يهتز“لكن كرستين تعلم انني اواجه وقتاً عصيباً هنا، لكنك لا تعلم… كرستين معي و تعلم كم انا مشوشة وحدي، ارادت ان تساعد، لكنك لا تعلم أي من هذا..”
-” حدث ما حدث، على الاقل هنا اكثر اماناً، كنتما تستطيعان الذهاب الى مسبح المبنى، او صالة الالعاب، او حتى الحانة رغم انها فكرة بذيئة.. الامر فقط كان عليكما عدم الخروج من المبنى هذا“
وضع سولفير كفه على رأسها يردف بعد ان تنهد “هل تعمدتي الخروج؟“
سرت قشعريرة خفيفة في معدة فيفيان لتنفي بسرعة تنظر له“مهلاً ماذا! كلا! بالطبع!”
تنهد سولفير “تعالي الى احضاني، لقد اشتقت لكِ“
خفق قلب فيفيان لتقترب منه، و اذ به يلف بذراعيه حولها، احتضنها بدفئ دافناً وجهه في شعرها، بينما دفنت هي وجهها في رقبته
=”يبدو الامر كأنكِ تعمدتي الخروج، لم تفعلي هذا عندما كنا في ذلك المنزل، هل تظنين إنني لا اعرف ما تفكرين به؟“
-“انا لا احب هذا المكان، انه بارد، و انتَ لست في الجوار، كرستين احبها لكنها تبدو مشوشة لأن تبقى معي، انها تبذل وسعها، و اشعر بالسوء انني ازيد على كاهلها“
=”لقد احبتكِ كرستين، هي عنيدة و لا ترضى مجاملة احد، لو لم تكن مهتمة بكِ، لرفضت حتى البقاء و التورط“
بدأت دموع فيفيان بالنزول اكثر و اكثر“سولفير، الامر صعب علي، انا بحد ذاتي مشوشة، حقاً احتاجك.. لا استطيع تحمل فكرة انني اطلقت النار على احدهم ثم مات، لا استطيع تحمل فكرة انه ما يحدث بسببي، لا استطيع تحمل فكرة انني لا اعرف شيئاً عن عائلتي، لا اتحمل الفوضى التي حدثت“
عدل سولفير من جلسته حالما ذكرت امر عائلتها، ابعدها عنه فاصلاً حضنهما، نظر لها و لدموعها المنسابة، مسحها“ستعرفين حينما يأتي الوقت المناسب..”
-“متى سيأتي؟ انت لا تجيبني عن اي شيء يخصني ارجوك، اخبرني“
اخذَ نفساً عميقاً“لا استطيع“
عبس وجهها اكثر مبتعدة عنه الا انه رفض ابتعادها مردفاً بهدوء “لا لا، لن نلعب لعبة الغضب، نحن نتكلم لا ينبغي ان تغادري وسط الكلام، سنتكلم و نكمل كلامنا ثم نخرج و نحن نتكلم، لا مجال للخصام.. حتى لو كانت النتيجة غير مرضية“
زمت فيفيان على شفتيها “لا فكرة لديك، عن كم المرات التي اجلس بها امام النافذة متسائلة، اين عائلتي من ضمن هذه الاضواء، لا استطيع حتى التعرف على مكان حيي القديم، انت تقسو علي، هذا سيجعلني اتخذ طرقي للتذكر..”
-“لا حاجة لطرق خاصة، ساقول لك ما تريدين حين اكمل حل المشكلة هذه“
كاذب.. انه كاذب، هي تعرف انه كاذب و هو يعرف انها تشك في كلماته، إن كان يريد الافصاح، لأفصح منذ البداية قبل تواجد المشكلة، لكنه فقط يحتجزها
اومأت فيفيان له ليربت على رأسها مبعثراً شعرها“هيا لنخرج، قالت كرستين ان التلفاز معطل، ساصلحه ثم سنشاهد بعض الافلام.. اتفقنا؟“
ابتعدت فيفيان عنه تعدل خصلات شعرها “هل ستغادر اليوم ايضاً؟“
-“ربماً مساءً.. هيا نخرج“
•••
قضى بعض الوقت بينما كان كل من كرستين و فيفيان يشاهدان الفلم بعد ان صلح سولفير التلفاز، لكن سولفير في هذه الاثناء كان بداخل الفرن الذي تدمر و هن يصنعن الكعك..
اراد ان يرى الفلم لكن انتهى به الامر يشاهد كيف احترق الفرن، بالطبع سيحترق و يتعطل إن كُنَّ لم يطفئن الفرن بعد ان نضجت الكعك،
حالما اكمل خطى بتعب ناحيتهما“اتسائل كيف كنتما على قيد الحياة هذه المدة، كلتاكما غير مسؤلتان“
اشار الى كرستين بسبابته“حتى و إن بلغتي 25 عاماً سأخبر أمي أن تعلمك بعض الامور المنزلية، لا اصدق انني خضعت لتدريب المطبخ على يد امي و انتِ لم تفعلي“
و قبل ان ترد كرستين اشار سولفير الى فيفيان“و أنتِ أنا من سيعلمك، لو استطعت لرميتكما كلتاكما لدى امي“
رفعت فيفيان كتفيها و كأنها تحاول الاختفاء بينما تأكل الفشار، بينما كرستين اخذت تعترض“انت تبالغ! و من اخبرك انني لا استطيع التعامل مع المطبخ و الطبخ! دوماً ما اشاهد برامج الطبخ“
رفع سولفير حاجبيه ينظر الى ثيابه التي تدمرت بصخام الفرن“كلتاكما مدللتان، و هذا خطأ، سأذهب لتغيير ثيابي“
••••
حل المساء بعد ان اكملوا الفلم، غادر سولفير المنزل و ذهب كل من كرستين و فيفيان الى غرفتيهما، شعرت فيفيان بأرتياح كبير بعد رؤيتها لسولفير، انتهى الامر بشكل جيد..
لكن لم يختلف الامر حقاً، لقد ذهب و هي لم تعلم شيء، حضنت وسادتها تدفن وجهها، لم يهتم احداً بخروجها حقاً في الخارج، الامر خطير لكن ماذا لو تسترت، و ارتدت ما يغير من شكلها، سيوبخها لكنها ستخرج ببعض المعلومات بالتأكيد، اخبرته هي انها ستتبع بعض الطرق الخاصة لتتذكر.. لقد حذرته بالنهاية
عليها فقط ان تصبر لعدة ايام… عدة ايام نعم..