الفصل التاسع
حسنًا، الشخص الطبيعي كان ليستسلم ويتزوج دون مقاومة، لكنني لست عاقلة. سأحاول مرةً أخرى.
وحين بلغت هذا الحد من التفكير، سحبت الغطاء من السرير ووضعت وسائد تحته لتبدو كجسدي النائم، ثم فتحت النافذة.
“أوه، من بين كل الأماكن، أن يضعني في الطابق الثالث!”
صريرت بأسناني، لكني لست ممن يثنيهم هذا.
فبعد سنينٍ من الهرب، أتقنت فنّ استعمال الستائر كحبال.
مزّقت الستارة على هذا النحو—
“آه، لم تتمزق!”
في الروايات تتمزق دومًا! أهي مهارةٌ حكرٌ على البطلات؟ أليس من حقي أنا البائسة؟
وفي النهاية عدت إلى السرير والتقطت الغطاء، ولففته، وبعد قليلٍ من العبث وجدت طريقةً مناسبةً للنزول.
تنفّست بعمق، ثم بدأت أتدلّى ببطءٍ وأنا أعانق الغطاء.
غير أنّ الغطاء انفلت لأنه لم يُربط بإحكامٍ إلى الدرابزين.
ولم تكن هناك هبوط بهي، ولا دوق يمر مصادفة.
“آخ!”
فركتُ جسدي المتألم، ثم أسرعت أبحث عن زاويةٍ مظلمةٍ من القصر.
بديهيّ أن يكون المخرج في مكانٍ سريّ، والاختيار المنطقي هو الجدار. أجل، الجدار…
لكن، يا إلهي، ما أطوله!
تنفّست مجددًا. أستطيع التسلق إن حاولت، لا بدّ أن أجرب. ابتسمت وأمسكت بالقضبان الحديدية.
وما تلا ذلك كان عرضي البهلواني الفريد.
“هل دهنوا هذه القضبان بالزيت؟ لِمَ هي زلقة هكذا؟!”
لكنني، التي لم تمسك بقضبانٍ في حياتها، لن أتحوّل فجأةً إلى ملكة التسلق. فكلما صعدت انزلقت، ثم صعدت وعدت أهوِي من جديد.
نظرت إلى كفّي المنتفختين من أثر الحديد، أكاد أبكي، حين سمعت صوتًا خلفي:
“ما الذي تفعلينه؟”
“…!”
“أتؤدين رقصةً ليلية؟”
لا يمكن…
أدرت رأسي ببطءٍ بالغ، حتى خلت أني أسمع صوت دوران رأسي، وهناك كان روبيليان واقفًا.
وبمجرد أن رأيته، أفلتت يداي القضبان.
“لِمَ يداكِ متسختان هكذا؟ ما الذي تفعلينه والباب مفتوح….”
“أتفعل هذا عمدًا؟”
“ماذا؟”
“أنت تفعل هذا عن قصد! أتعلم ما الذي أحاول أن أفعله؟”
“لا أفهم ما تقولينه… آنستي؟”
لم أعد أحتمل الدموع التي طفرت من عيني، فانهرت باكيةً على الأرض.
“آهغ.”
“إيفانجلين؟ لِمَ تبكين؟ أيوجعكِ شيء؟”
قلبي هو الذي يؤلمني أيها الحقير.
“أهناك ما لا يعجبك؟”
“بلى، هناك، إهي، أرجوك، دعني وشأني.”
“….”
“ابتعد عن حياتي، عندها لن أبكي.”
كنت أمسح دموعي وأنا أرتجف من الغيظ والذهول. كنت مذهولةً من عِظَم ما جنيت بمحاولتي حرف مسار القصة، مغتاظةً من قوانين هذا العالم التي لا همّ لها إلا إفنائي، حتى انفجرت في بكاءٍ مرير.
لا، لستُ أحاول تدمير العالم، كل ما في الأمر أنني الوحيدة التي لا تريد اتباع النص الأصلي! فلماذا كل هذا؟ الآخرون يعبثون بالأصل بمجرد تنفسهم، وأنا… آه، يا بطلات قصص التجسيد، سامحنني على سخريتي منكن.
أدركت أخيرًا أن الأمور في هذا العالم لا تسير كما أريد. آسفة لأنني شكوت ووصفت القصص بـ”البطاطا” وأنا أقرأها. أيتها الأخوات، امنحنني من حكمتكن…
“فلنعد إلى الداخل أولًا.”
“ألا يمكن ألا أعود؟ دعني وشأني فقط.”
“ذلك صعب.”
“هيه! لستُ الوحيدة التي تحمل صبغتين صبغيتين إكس!”
“لا أدري ما تقولينه، لكنني أحتاج إليكِ.”
“ولِمَ لا تتزوج أبي إذن؟ جرب ذلك! صحيح أنه أمرٌ معقّد، لكنني تخرّجت في كلية الحقوق واجتزت الامتحان من أول مرة، فأنا خبيرة في القانون. إن درستُ القوانين وعدّلتها، أفلا ينجح الأمر؟”
موروها. يأسها بلغ فيها أنها تزوج أبوها منه😭
“أأنتِ مريضة؟”
نظر إليّ روبليان وأنا أُهرِف بهذا الهراء بنظرةٍ يملؤها الشفقة. أجل، كيف له أن يفهم كلامي؟
تنهد بعمقٍ أخيرًا، ثم رفعني عن الأرض.
“انهضي أولًا.”
“لن أنهض! لن أنهض حتى تعدني بإلغاء الزواج!”
“كما تشائين، ولكن هناك دودة أرضٍ تزحف الآن على فستانك.”
وما شأني أنا، أنتَ أكثر رعبًا منها! كنت سأصرخ، لكن كلمته “دودة أرض” جمدت الدم في عروقي.
خفضت نظري نحو ركبتي، فإذا بدودةٍ صغيرةٍ تتسلق ساقي كأنها تتسلق جبل إيفرست. التقت عيناي بعينيها، فاهتزت كأنها تُلقي التحية.
“كيااااه!”
قشعريرة حادة سرت في بدني، فوثبت من مكاني وأنا أنفض فستاني بجنون.
“دوودة! دودة الأرض! دودة الأرض!”
“أجل، إنّه دودة أرضيّة. لكن، هل تخافين منها أم تُعجبكِ؟”
“كلا! ومن ذا الذي يُعجَب بديدان الأرض؟!”
منذ صباي، كنتُ أخشى أشدّ الخشية الحشراتِ ذات الأرجل الكثيرة، وكنتُ أكره الزواحف الخالية من الأرجل أكثر من أي شيءٍ آخر. وحتى إن لم أكن أعلم ما إذا كانت ديدان الأرض تُعدّ من الزواحف أم لا، فإنّ منظرها وهي تلتوي وتتراقص أمامي محاولةً أن تبدو لطيفةً كان كافيًا لأن يقشعرّ بدني.
ما لبثتُ أن قفزت من مكاني مسرعة نحو روبيليان، وأنا أصرخ بصوتٍ مرتجف:
“لا وجود لأخرى في أيّ مكانٍ آخر، أليس كذلك؟ لا توجد ديدان أخرى في أيّ مكان؟!”
“لكن لا يوجد…”
“أه، هذا مقزز! يا للقرف!”
“…”
“لِمَ تنظر إليّ هكذا؟”
كان روبيليان يُحدّق بي بثبات، وأنا أُربّت على فستاني لأتخلّص ممّا عَلِق به.
كانت في عينيه نظرةٌ تقول بغير كلام: ‘حتى لو كانت دودة الأرض قذرة، فكيف يمكن أن تكون أقذرَ منكِ؟’
فارتجفتُ من تلك النظرة وتمتمتُ بصوتٍ خافت:
“لا، ما الأمر، إنّي فقط أكره الأشياء القذرة…”
“…”
“لكن، أليس من الطبيعي أن المرء لا ينظّف أشيائه بنفسه؟”
“…”
“أوه، أليس كذلك؟”
أليس كذلك؟! أشيائي لم تكن قذرةً أصلًا! وما العظمة في أن يلعق أحدٌ يده بفمه…؟ حسنٌ، لنقل إنّ فيها شيئًا عظيمًا. حتى أنا وجدتُ الأمر مبالغًا فيه. وبالطبع، كان لذلك سبب.
حدّقتُ في روبيليان لحظةً وقد بدأ يرمقني بنظرةٍ طويلة، ثم قال وهو يمدّ يده نحوي:
“لندخل أولًا، فالجوّ بارد هنا، وقد تُصابين بالبرد.”
“لا بأس، لستُ ضعيفةً إلى هذا الحد.”
لكنّ جسدي كان ما يزال متعبًا من آثار قفزي من الطابق الثالث ورقصي بحماسٍ وأنا أتشبّث بالقضبان الحديديّة.
تنفّس لوبيليان بعمقٍ وقال بنبرةٍ متهدّجة:
“لم أجلب معي معطفًا، فلا شيء عندي لأُلقيه عليكِ.”
“متى تركتُ معطفي خلفي أصلًا؟”
“أظنّ أنّكِ أصبتِ بالزكام المرة الماضية أيضًا.”
“ذاك لأنّي، آه…”
“آه؟”
كدتُ أقول: “لأنّي استحممتُ بماءٍ جليدي”، لكنّي كتمتُ كلماتي.
“أوه، صودف أني أصبتُ به فقط.”
عضضتُ شفتيّ بشدّة. بصدق، إن استمرّ الحال هكذا، فلن أستطيع الهرب أبدًا. من الواضح أنّ هذا الرجل لا ينوي إطلاق سراحي.
تجهّمتُ وأنا أحدّق فيه. لقد طار آخر أملٍ لي في الهرب، وصرتُ طائرًا مسكينًا عالقًا في فخّ هذا الإنسان. طائرٌ، طائر، طائر… على فكرة، لا أسبك أيها الطائر.
“لكن، كيف وصلتَ إلى هنا أصلًا؟”
“ذهبتُ لأتفقّد ما إذا كنتِ تشعرين بأيّ ضيق، لكنّكِ لم تكوني هناك.”
“وماذا كنتَ تنوي أن تفعل إن فتحتَ باب فتاةٍ شابّةٍ غير متزوّجة؟!”
تراجعتُ خطوةً إلى الوراء وأنا أحدّق فيه بريبة، لكنه أجاب دون تردّدٍ ولا تبرير:
“لم أدخل. طلبتُ من خادمتي ليريس أن تدخل بدلًا مني.”
“همم…”
“ثم إنّي لستُ وضيعًا إلى درجة أن أمدّ يدي على ناقصة عقل.”
“ناقصة عقل؟ من التي الناقصة؟!”
اتّسعت عيناي دهشةً من كلماته. من الناقصة؟! على أيّ حال، أنا ما زلتُ في عداد البشر الطبيعيّين!
لكنّ روبيليان أعرض بنظره عني وتنهد طويلًا دون أن يُكمل.
نظرتُ إليه بحذرٍ وسألته بصوتٍ خافت:
“أسألك فقط… هل أنت حقًا عقدتَ صفقةً مع والدي؟”
لمّا لم يعد في نفسي رغبةٌ في الجدال، سألتُه ذاك السؤال، فارتسمت ابتسامةٌ غريبة على شفتيه. لسببٍ ما، راودني شعورٌ سيّئ، كأنّ تلك الابتسامة تقول إنه كان ينتظر منّي أن أسأله ذلك.
لكنّه سرعان ما استعاد جديّته وقال بصوتٍ بارد:
“ولِمَ تظنّين ذلك؟”
“لأنّك، وأنت النبيل ذو الدم الأزرق والجسد السليم واللقب الرفيع، ما الذي قد يدفعك لأن تتزوّج بي؟ هناك سببان لا ثالث لهما: إمّا أن تكون قد وقعتَ في غرام جمالي، أو في ثراء والدي.”
“الثراء…”
“بما أنك تجاوزتَ مسألة الجمال سريعًا، أفيكون الأمر في جهة والدي حقًا؟”
نظر إليّ روبيليان بهدوء، دون أن يجيب. لكن ما دام المشروب المسكوب ما يزال لزجًا حتى بعد تنظيفه، فما الفائدة من التظاهر؟
ثم، إن كان الأمر يتعلّق بوالدي، فسيقبل هذا الرجل الزواج بي حتى لو خرجتُ إلى الحديقة الملكيّة بزيّ الهانبوك وأنا أغنّي ‘لت إت غو*’!
موروها. أغنية إلسا في الفلم الأول.
وهكذا عقدتُ العزم على مهاجمة والدي… أو بالأحرى، ما بين والدي وروبيليان.
وبينما نظراتنا تتشابك وصمتٌ ثقيل يسود المكان، تنفّس روبيليان ببطء وقال:
“نعم، هناك شيء.”
“…كنتُ أعلم!”
أيها الأشرار! لو أخبرتموني منذ البداية لما فعلتُ هذا!
لا، بل كنتُ سأفعله على الأرجح على كل حال…
فكّرتُ قليلًا ثم سألتُه بحذر:
“ما هو؟ أهو المال؟”
لا أظنّ أنّ بيت الدوق يعوزه المال، غير أنّ والدي ثريّ، والمال لا يُضرّ، فليس افتراضي بعيدًا عن الصواب.
لكنّ روبيليان نظر إليّ بدهشةٍ وقال:
“أتظنّين أنّ في بيت الدوق قِلّةً من المال؟”
آه نعم، إنهم نبلاء… طائفةٌ شريرة تعيش على الضرائب والميراث!
إذن، إن لم يكن المال هو الغاية… دارت عيناي سريعًا. أيمكن أن يكون الأمر متعلّقًا بما ينوي فعله؟! هذا هو!
إذن، هذا الرجل لا يتودّد إليّ عبثًا، بل يفعل كل هذا عمدًا!
إنّ أبي يعلم. يعلم ما ينوي روبيليان فعله. وأنا… نعم، أنا!
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 9"