3
“مثير للإهتمام…”
“أليست هذه الفتاة هي الابنة الوحيدة لمنزل كلودا؟”
نعم، صدقت. إنّي الابنة الوحيدة. وأنا إيفانجلين كلودا، تلك التي ستتزوجك وتمضي إلى الموت بسيف البطلة.
كنت أشعر بأنّ العالم ينهار من حولي، وقد علت وجهي أمارات الذهول. كان واضحاً أنّ الدنيا قد أدبرت عنّي وأدارت لي ظهرها. كيف يمكن أن يكون هذا هو الختام؟ وكيف يتأتى لمثل هذه المصادفة أن تقع؟
صرختُ في داخلي وانهرت إلى الأرض. قد خارت قواي وما عدت أطيق الوقوف.
وبينما كنت أصرخ في داخلي، إذا بصوت منخفضٍ، عميقٍ، يدوّي فجأة:
“إيفانجلين كلودا؟”
رفعت رأسي. ذلك الاسم الذي ألفته أذناي على مدى خمس سنين حتى صار مألوفاً كاسمي.
وبمحض الغريزة، رمقتُ من ناداني، فإذا بي أرى ملامح روبيليان فلورنس، داهية الحكاية الأصلية، وقد تصلّبت على وجهه.
“ما الذي تفعلينه هنا؟”
“…”
“بدل أن تخرجي… يبدو أنّك هاربة من الدار.”
‘تبّاً، ما أسرع بديهتك، كأنّها البرق!’
فتحت فمي دهشةً، ولا أدري بمَ أجيب، فاكتفيت بزفرة عميقة، غير أنّ لوبيليان أمال رأسه متسائلاً:
“ألا تنطقين؟”
‘إن لم أنطق، أفلا أستطيع الزواج؟ نعم، إنّها لفضيحة أن تكون دوقة لا تحسن الكلام في مجالس القوم، وقد تضرّ بسمعة الدوق…’
“بل ذلك خير، من أن تنطقي بسفاهة.”
“واهاً، يا مولاي! إنّها لنعمةٌ أن ألقاك في مثل هذا الموضع!”
ما إن فرغ روبيليان من كلامه حتى خبت شرارة الرجاء في داخلي، فهويت واقفة أضحك في إشراق. ففتح فاهه وقد بدا عليه التردد.
“أتعرفينني؟”
“أوه، نعم. وهل في العالم من يجهل مولاي الدوق؟ هاهاها.”
ومن ملامحه بدا أنّه لا يحب الثرثرة، لكنه لم يمنعني، بل شرعتُ أفيض بالضحك والحديث.
‘ربّاه، ألستُ أبدو كالمجنونة الآن؟’
لكنّ روبيليان لم يُبدُ الدهشة، بل اكتفى بابتسامة هادئة على محيّاه الوسيم.
‘يا إلهي! علمت لم يدرك أحد أنّه العقل المدبّر إلا بعد انكشاف الأمر! كيف يُظن الشرّ في رجلٍ هذا أدبه وجماله؟ وسيم، وسيم، وسيم!’
ومهما يكن، فقد التقينا. واللقاء يعني أنّني سأساق عائدةً.
ثبتت عينا روبيليان عليّ في حدّة، وتلاقت نظراتنا، فإذا بي أبتلع ريقي.
‘ما الذي سيقوله؟ أترى يكره النساء كثيرات الكلام مثلي؟’
“أوّل الأمر، لنعُد بها إلى الداخل.”
‘هيهات، ذلك محال.’
ربّتُّ على ردفي تنهيدةً، فقد انقضت رحلة الفرار. والغبار يجلّلني، فتنهدت ومضيت نحو العربة.
“هيا بنا.”
وهنا مدّ يده إليّ وأنا أهمّ بالصعود إلى المركبة. فدهشت.
‘وا عجباه! تمدّ يدك لمن قلبت الأرض غباراً؟ أتراه كرم أبي أم حسني؟’
ابتلعت ريقي. على كلّ حال، العودة خير. فتعثّرت قليلاً ومددت يدي الرثّة له.
“هاك، شكراً لك.”
لكن روبيليان لم يُبدِ كبير انفعال، واكتفى بعقد حاجبيه في رفق.
وما إن جلست في المركبة حتى دخل هو أيضاً. ويبدو أنّه لا يرغب في الإعلان عن قدومه إلى بيتي، إذ كانت العربة صغيرة بلا رموز.
ولضيق المكان، اضطررت أن ألاصقه، وأوشكت أن أبكي في داخلي.
“المركبة ضيّقة، أعتذر عن التضييق عليك آنستي.”
“لا، بل إنّها لنعمة أن أكون برفقة مولاي الدوق!”
واصلت التصفيق والتمثيل بسذاجة. ولعلّي بالغت، إذ إنّ قائمة الأهواء والكرهات التي أحضرتها لي آيدا قبل أيّام قالت بوضوح: ‘يكره الحماقات.’ ومن ذا يحبها؟
بل قالت القائمة أيضاً: ‘يكره النساء المبالغات في الزينة والعطر والحديث.’
فأجبت ساخطَة: ‘أأنتَ بطل رواية من طراز هارلكين؟’
م. آخر الفصل
‘ويا للأسف! أما تراني الآن غارقة بالتراب؟ لعلّه سيقول: “أنتِ أول من تجمّل بالطين أمامي بدل الحلي!”‘
“مولاتي؟”
“نعم!”
‘آه، خرج صوتي عالياً.’
التفتُّ نحو مصدر الصوت، فإذا بالعربة قد توقفت، وروبيليان خارجها ينظر إليّ بعين غريبة.
‘أهذا حسن؟ أأبدو حمقاء؟ لا، لكن لا أدري لمَ لا أفكر إلا في روبيليان!’
ضممت كفّي وأخذت نفساً عميقاً ونزلت ببطء، ولم أنسَ أن أستند إلى يده.
‘لا بدّ أن أُكسبه شيئاً من التعلّق بي بين حين وآخر، وإن كان يكره النساء المتشبثات.’
وما إن وطئت الأرض حتى رمقت البيت المألوف مبتسمة. وإذا بصوت أجش يخترق مسامعي:
“هيه، إيف!”
‘آه، أسمعها، صرخة والدي وارتفاع ضغط دمه.’
ابتسمت بخجل. والابتسامة تقي من السهام، فلأضحك ولينظر. أمسكت بيد روبيليان وأجبت:
“آه، أبي… ها.”
“أنتِ، أنتِ، أنتِ!”
تقهقرت دهشةً من وجه والدي الغاضب، وعينا روبيليان ترقبني عن كثب.
‘ماذا تحدّق؟ أهذه أول مرة ترى حسناء تذعر؟’
“مولاي الدوق قد وجدني وأعادني. أليس كذلك، مولاي الدوق؟”
ابتسمت وأنا أحملق بينه وبين أبي بثبات.
نظر أبي إليّ بوجه شاحب كأنّه يود الكلام، لكنّ وجود ل
روبيليان كبَت لسانه فابتسم قائلاً:
“مولاي، فتاتنا إيف لا تزال طائشة… أعتذر.”
“لا بأس. أظنّني سأضطر لمطاردتها كثيراً، فالأحرى أن أعتاد الأمر.”
‘هاه؟ ماذا تقول؟ أتلاحقني؟ ولِمَ؟’
التفتُّ إليه دهشةً. ‘أهذا السيناريو الذي أظنه؟ كلا، هذا لقاؤنا الأول! أهو حقاً: “أنتِ أول من تتجمّل بالطين أمامي!”؟’
“أعتذر، لقد قصّرت في تأديب ابنتي.”
انحنى أبي مجدداً، فردّ لوبيليان بوجه بارد:
“دعنا من اللغو. أريد أن أرى ما اتفقنا عليه.”
“نعم، نعم! لقد أعددته! آيدا، أسرعي وخذي إيف إلى غرفتها!”
بُهِتُّ من مجرى الأحداث.
‘أهؤلاء قد اتفقوا سلفاً؟ أبلغ الأمر مبلغاً لا أقدر على رده؟’
“مولاتي.”
حدّقت في ظهر روبيليان وهو يدخل القصر بصحبة أبي، ثم استدرت نحو آيدا.
وقد بدت عيناها حمراوين منتفختين، مما بعث في نفسي شيئاً من تأنيب الضمير.
“مولاتي، عليكِ أن تصعدي إلى غرفتك سريعاً، واغتسلي وتزيّني.”
“…آه.”
“أواه، مولاتي، كيف ساء أول لقاء مع مولاي إلى هذا الحد؟ ما أقسى القدر!”
‘هذا ما يفترض أن قوله.’
هززت رأسي وصعدت مع آيدا إلى الغرفة. وما لبثت أن جاءت الخادمات يغسلنني ويحملنني إلى منضدة التجميل.
‘سحقا! في خضم هذا كله، كيف أبقى جميلة رغم فوضاي؟’
إنّ مرآتي شهدت أنّ جمالي لا يخونني اليوم أيضاً: بشرة بيضاء ناصعة، شعر أشقر شاحب، وعينان زرقاوان تفيضان بالحزن.
‘ليتني أرحل إلى الحاضر بهذا الوجه. زواج أو غيره، سأصير ممثلة مشهورة خالدة في تاريخ هوليوود.’
“مولاتي، تجمّلي لتتركي انطباعاً حسناً! لا تقلقي، إنّ المصير بيدك!”
قالت آيدا بحماس كأنّها تلقت درساً في التحفيز.
وبينما كدت أتنهد، خطرت لي فكرة، فسارعت أقلب أدراج التسريحة.
“مولاتي؟”
“وجدتُها!”
وكان في يدي تلك القائمة التي أحضرتها آيدا قبل أيام، قائمة أهواء روبيليان ومكروهاته. فإن كانت معي، فسأعرف كيف أثير سخطه!
“آيدا، من الآن فصاعداً افعلي ما أقول.”
“نعم! ما الأمر؟”
تصفحت القائمة. لم أجد فيها ذِكر النساء، كأنه لا يعبأ بهن. لكنّي أذكر أنّه غير مهتم بهن أصلاً…
على أيّة حال، درسته بعناية واستخلصت ما ينفعني:
أولاً، يكره الحماقات.
‘واهاً! هذا باب نجاتي.’
ثانياً، يكره الترف والزهو.
‘أجل! هذا هو صيدي!’
“آيدا، هاتِ الثوب الأبيض الموشى باللآلئ والألماس من الخزانة! ذاك الذي جئتُ به من الصالون أول أمس! المليء بالدانتيل الزاهي!”
“نعم، فهمت!”
هزّت آيدا رأسها متحمسة. وما إن ولّت حتى عدت أتأمل القائمة.
“هممم، يكره القذارة، ويمقتها بشدة. آه، أتراه قد اشمأز من منظري آنفاً؟”
تنفست الصعداء وتابعت:
“ويكره الثرثرة. حسن. ويبغض العطور الفوّاحة… همم، ذكي سياسيّاً… وما الغرابة؟ فهو دوق.”
هززت رأسي.
ثم وجدت سطوراً عن أطعمته المفضّلة وعاداته، ولم أرها ذات فائدة، فأعدت الورقة للدرج.
دخلت آيدا تحمل الثوب:
“مولاتي، ها هو!”
ويا لبهاء ذلك الثوب! عبق الفخامة واللذّة! ابتسمت وقلت:
“آيدا، آتني بالعقد المرصع والريشة اللؤلؤية التي أهداني والدي! “
“آه… لكن، ألن يكون ذلك مبالغة؟”
قالت آيدا في وجل، لكنّي هززت رأسي.
‘كلما زاد الإسراف، زاد الأثر. إن كنت فاعلةً، فليكن غاية البياض. ملاك؟ لا، وسادة متحركة!’
وضحكت من فكرتي.
ومضى الزمن حتى فرغت من الزينة، ووقفت أمام المرآة.
فغمغمت آيدا مأخوذة:
“يا للروعة، كم أنتِ فاتنة!”
‘مبالغتك قليلة. إنّها وسادة من الحسن.’
أومأت في إعجاب.
‘حسن، فلنمضِ الآن. أما آن لي أن أجعلك تبغضني؟’
***
لما يقال “بطل رواية من طراز هارلكين” فالمقصود به النمط المعروف في روايات هارلكين الرومانسية ، وهي سلسلة روايات رومانسية شعبية صدرت من دار نشر كندية.
أبطال هذه الروايات عادةً ما يكونون
مرسومين وفق قالب نمطي متكرر:
الرجل: وسيم جدًا، طويل، قوي البنية، ناجح (غني، طبيب، رجل أعمال، أو صاحب مكانة اجتماعية مرموقة). غالبًا ما يبدو قاسيًا أو باردًا في البداية لكنه يخفي قلبًا حنونًا.
المرأة: جميلة أو جذابة بطريقة طبيعية، أحيانًا عادية المظهر لكنها مميزة في شخصيتها، طيبة، نقية، وقد تكون ضعيفة ماديًا أو اجتماعيًا مقارنة بالبطل.
العلاقة: تبدأ بتوتر، سوء فهم، أو انجذاب مع صراع، ثم تتطور إلى حب كبير يتوّج عادة بالزواج أو التزام أبدي.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 3"