1
مقدمة:
أستميحكم عذرًا منذ البدء، فلابد لي أن أوقظ فيكم شيئًا من حياءٍ فاضحٍ وحرجٍ يقرص القلوب.
نم نم… قضم قضم… مضغ مضغ… همهم همهم.
ترددت في أرجاء الحديقة أصواتٌ مزعجة مختلطة بأصوات الأكل والشرب، فانصبت إليّ الأبصار من كل صوب، من خدَمٍ وخدَماتٍ وحُجّابٍ ووصائف، وقد ارتسمت على وجوههم جميعًا أمارات الدهشة والاستنكار.
أما أنا، فبقيت على سجيتي، أرفع إصبعي الذي التصق به أثر الكريمة، فأدخله في فمي بلذّة. ثم ما لبثت أن لحست الصحن كما يلحس الكلب طعامه، وربتُّ على بطني راضيةً مغتبطة.
قلتُ بفرحٍ ظاهر:
“آه، ما ألذَّه… حقًّا، إنه لذيذٌ أيما لذة.”
فأجابني الرجل الجالس أمامي بهدوء:
“أن كان قد راقك طعمه، فذلك خير.”
كان وحده، بين الحاضرين جميعًا، مَن لم يتبدل وجهه ولم تفارقه سكينة الملامح. أجل… إنّه “الخصم الخفي” في الرواية، لا تهزه الحوادث، ولا تزلزله المفاجآت.
لكنني لم أكن قد انتهيت بعد.
مهما كان هذا الرجل أجمل من رأيت في حياتي، أو أكثرهم فتنةً وجاذبية، فلابد لي أن أسمع منه كلمة رفض… فبها وحدها أضمن حياتي.
أما كبريائي؟ فتبا له!
أطلقت ضحكة ساذجة متكلفة، ولعقت ما علق عند فمي من كريمة. وفي اللحظة التي رأيت فيها حاجبيه ينقبضان، ارتسمت على وجهي ابتسامة النصر.
لقد فعلت كل ما يمكن أن يثير النفور والاشمئزاز… أفيمكن، مع ذلك، أن يطلبني إلى زواج؟! كنتُ أترقب، بعينٍ تلمع رجاءً: ارفضني! أبعدني عن حياتك! أخرجني من قدرك!
لكنّه قال:
“تزوجيني، يا إيفانجيلين كلودا.”
هكذا، في عامي الخامس من حلول روحي في هذا الجسد، قبل ثلاثة أسابيع من بدء أحداث الرواية الأصلية، جاءني عرض الزواج من “الشرير الخفي” في القصة.
فهل يعني هذا أن نهايتي ستكون… الهلاك المحتوم؟
—
الفصل الأول: من قال إن العبث بالحبكة أمرٌ يسير؟
لقد متُّ… في حادث تحطم طائرة.
وفتحتُ عيني لأجدني قد حُلْتُ إلى “إيفانجيلين كلودا”، إحدى شخصيات رواية رومانسية فانتازية تُدعى ليلة إيهايا.
في البدء، لم أدرِ أنني في عالم تلك الرواية، فمن ذا الذي يحفظ أسماء جميع الشخصيات الثانوية في كل ما قرأ؟ لكن، ما إن سمعتُ اسمي مقرونًا باسم البطل، واسم “الشرير” الكبير في القصة، حتى أيقنت أنني عالقة في حَبْكة أعرف تمامًا كيف تنتهي.
ويا لسوء حظي! فقد كنتُ زوجة ذلك “الشرير” في القصة، وكنتُ من تموت معه في خاتمة مأساوية، بطعنة من بطلة الحكاية نفسها.
شخصية عابرة… ليست شريرة تمامًا، وليست ذات دورٍ بارز، بل مجرد سطرٍ في النص: زوجة فلان، ابتسمت في هدوء.
وحده ما يبعث على الرضا أنّ إيفانجيلين هذه كانت من الحسن والجمال بحيث يستغرب المرء: لِمَ لم يجعلها الكاتب بطلة الرواية؟
لكن، مع جمالها الأخّاذ، كانت ضعيفة البنية، عليلة منذ مولدها، حتى إنها قضت أعوامها الخمسة عشرة الأولى لا تكاد تغادر فراشها. كنتُ أظنها على وشك أن تسلك مسارًا كلاسيكيًا: فتاة رقيقة عليلة تتزوج دوقًا وسيمًا… ثم! الموت المبكر.
ورغم أن النص لم يمنحها أكثر من جملتين، فقد كان قدرها بائسًا.
لكن حين وجدت نفسي في جسدها، امتلأت أملاً؛ فكم من حكايات قرأنا فيها عن شخصٍ يحلّ محل شخصية ثانوية، فيغيّر مجرى القصة حتى يصبح هو البطل!
لذا، عزمت منذ اللحظة الأولى على أن أُفسد مسار الحوادث. الحل بسيط: لا أتزوج الدوق أبدًا.
كنتُ في الخامسة عشرة حين جئتُ إلى هذا العالم، وكنت أعلم أن ولي العهد في العشرين من عمره، وأن الحفلة التي تبدأ بها الرواية تقع في عيد ميلاده الخامس والعشرين، أي أن لدي خمس سنوات أتحرك فيها بحريّة.
وبدأتُ أخطط: أرتبط برجل آخر، ولو بعقد زواج شكلي ينتهي بخاتمة سعيدة… المهم ألا أكون زوجة “الشرير”.
لكن ما إن بُحت لأبي برغبتي في الزواج، حتى قال مبتسمًا:
“بوسعك أن تصبحي زوجة دوق فلورنس، وهذا شرف يليق بك.”
“… ماذا؟”
كنتُ أهرب منه، وهو يدفعني إليه! رفضتُ، وطلبت من أبي أن يبحث لي عن غيره، لكن كل من جاء به كان أسوأ من الآخر.
أدركت عندها أن أبي لا يرى فيّ إلا وسيلة لربط العائلة بنبلاء القوم.
فانطلقت بنفسي أبحث عن عريس، أيًّا كان، حتى لو كان من الشخصيات الثانوية، بل حتى لو كان أحد أبطال القصة، فلستُ أبالي بمصير البطلة!
نجحت بسهولة في التعرف على ولي العهد، بل وعلى الأمير الثاني الذي سيحب البطلة لاحقًا. وأيقنت أن جمالي (أو مال أبي) سيفتح لي الأبواب.
وبعد أن ظننت أنني قد نسجت ما يكفي من خيوط القصة لصالح نفسي، تقدمت بخطبة جريئة:
“مولاي ولي العهد… هل تتزوجني؟”
فأجابني ببرود:
“آنسة كلودا… سأعدّ أنني لم أسمع ما قلتِ.”
وفي وسط الحفل، أمام مئات النبلاء… رُفضتُ!
يا للعار! ويا للفضيحة التي لحقت بي في مجالس القوم!
وأصبح اسمي مرادفًا لفتاة متعجرفة تظن أن جمالها يكفي لبلوغ يد ولي العهد. وزاد الأمر سوءًا بتهامس البعض عن جسدي وهمز ولمز في عرضي.
حينها عزمت على الابتعاد عن كل مركزٍ للأحداث في الرواية… لا زواج إذن! فليكن، كنتُ في حياتي السابقة أرفض الزواج، فما حاجتي إليه هنا؟
لكن، بعد محاولة هروبٍ من البيت دامت ثلاثة أيام، أُمسكتُ وأُعيدتُ، ثم فوجئت بأبي يقول بهدوء:
“لقد رتبتُ لك لقاءً مع دوق فلورنس.”
كأن السماء أسقطت على رأسي صخرة! صرخت:
“لِمَ؟!”
فأجاب:
“ولِمَ لا؟”
وعجزتُ عن صرفه عن عزمه.
أدركت أن الهروب لا يجدي، والزواج من غيره صار متعذرًا، فقررتُ أن أهاجم من جهة أخرى… أن أتعرف على كل ما يحب ويكره هذا الدوق، عساني أثير نفوره.
وأرسلتُ وصيفتي “آيدا” لتجمع لي تلك المعلومات.
ثم ذهبتُ إلى المطبخ أطلب أمرًا غريبًا: “أريد ثلجًا.”
فالثلج في هذا العالم نادر، لكنه في بيتنا موجود. وبعد إلحاح، حصلت على كمية كبيرة، حملتها إلى غرفتي، وملأتُ بها حوض الماء البارد، ثم قلتُ لنفسي:
“إن أردتِ أن تصابي بالحمّى، فحمام الماء المثلج هو السبيل.”
وشرعتُ أسكب الثلج في الحوض، أتهيأ لأشن على نفسي حربًا باردة، عساها تمنع زواجًا قاتلاً.
꧁꧁꧁꧁꧁꧂꧂꧂꧂꧂
قناتي على التيليجرام
https://t.me/+UUp7ErDyHDw1NTZk
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"