إلى الآنسة كورديليا غراي، التي لا بد أن تكون خطوتها واسعة للغاية،
لا بد أنك نائمة الآن، أليس كذلك؟ من حسن الحظ أن الصندوق لم يُصدر صوتًا حين وصلت الرسالة.
على أي حال، رسالتك الأخيرة أعادت إلى ذهني الصدمة التي شعرت بها عندما تلقيت منك رسالة لأول مرة.
مكتب ملاصق تمامًا للسرير، وغرفة لا تفصلها سوى ثلاث خطوات بخطوات واسعة؟ المكان الذي تعيشين فيه غريب حقًا. ومع وجود صندوق رمادي سحري ينتج كتبًا مذهلة خلال عشر دقائق، من المدهش أن شخصًا رائعًا مثلك لا يملك منزلًا أفضل. ما الذي يفعله ملك تلك البلاد بحق السماء؟
أنا لست أميركِ، لكنني كواحد من العائلة المالكة، فكرتُ في ما يمكن أن أقدمه لكِ.
وأثناء تجوالي في غرفتي، وجدت هذا، وعندما وضعته في رف الكتب، بدا وكأنه صُنع خصيصًا لذلك الموضع.
هذا الكتاب أنجزته حين كنت بالكاد في العشرين، في الفترة التي اختبأت فيها في قاعة نسخ المخطوطات في الدير، هربًا من الملكة التي كانت تحاول تزويجي مبكرًا.
إنه مجموعة من الحكايات القديمة المتوارثة في مملكة وينترتون، لذا لا يمكنني أن أدّعي تأليفه، لكن يحق لي قليل من الفخر بكوني جمعت تلك الحكايات في كتاب.
هل تسخرين من الأمير “آرتش” الخالي من الطموح لأنه تهرّب من صيد الثعالب ليفعل شيئًا كهذا؟ لقد أصيبت أمي بخيبة أمل كبيرة، إذ كانت تتوقع أن أخرج ببحث ضخم أو عمل علمي مهم، وهي تعلم أنني محبوس بين نباتيين في الدير. أما القارئ الوحيد الذي رحّب بهذا الكتاب فهو حصاني “شيرلوك”، الذي يستمتع بمضغ الورق كأنه ماعز.
ومع ذلك، أشعر ببعض الفخر لكوني صنعت هذا الكتاب. خصوصًا أنني انغمست في رفاهية إخراج كتاب فاخر يحتوي على قصص فقط، لا نصوص دينية مملة.
شارك كثيرون في صنع هذا الكتاب؛ أفضل صائغ ذهب في قصر آرل نقش صورة الفارس والأميرة، وزُيِّن بالجوهر الأزرق والأخضر الذي يرمز إلى العائلة الملكية لوينترتون.
المخطوطة كتبها “بيدر”، أفضل ناسخ في قاعة النسخ بدير ليثي، والأخضر في الرسوم أُخذ من البرقوق البري لا من صدأ النحاس، فأضفى مظهرًا نضرًا، أما الأزرق فمن اللازورد، فصار صافيًا تمامًا.
قد يكون مضمونه باعثًا على الضحك لأنه أول كتبي، لكنني أعتز بصناعته التي أراها لا تضاهى.
ورغم أنه ليس خفيفًا وعمليًا كالكتب التي تنتجها من صندوقك الرمادي، أرجو أن تتقبليه عربون امتنان صغير من صديقك المراسل، آرتشي.
وإن لم يَرقَ لمعايير الجمال الصارمة في عالمك، يمكنك صهر الذهب أو بيعه وإعادة صنعه. الذهب والجواهر فيه يمكن أن تشتري بيتًا صغيرًا. ومع ذلك، فإن محتواه يحمل أفكاري عنك، لذا آمل أن تحتفظي به في غرفتك الأكبر قليلًا.
في اليوم العاشر من القمر الأخضر الشاحب، فجرًا.
آرتشي، الذي قد يعيش بلا مبالاة لكنه يفكر أحيانًا في شعبه.
—
إلى الأمير آرتشي، الذي قلبه لشعبه واسع كالبحر،
أنت صانع كتب!
لم يخطر ببالي ذلك أبدًا. لِمَ أغفلت “آن سيلين” قصة مذهلة كهذه؟ هذا كتاب رائع وعظيم حقًا.
لم أرَ شيئًا بهذه الروعة في حياتي. سواء كان كذلك دائمًا، أو أن صندوقنا السحري لا يوصل الأشياء والرسائل فحسب، بل يوصل أيضًا الزمن الطويل بيننا، فإن علامات القدم التي لحقت به تبدو كأنها زادت من جماله.
لم أتمكن من تصفحه سريعًا، بل قرأت الصفحة الأولى بحذر. ولدهشتي، القصتان الأوليان فيها هما نفسهما تمامًا قصتا فيلم رسوم متحركة عالمي النجاح عُرض مؤخرًا!
هل كان صانع ذلك الفيلم يملك صندوقًا سحريًا مثلي وسمع القصة من أحد في وينترتون؟ أم أن الأساطير والحكايات الشعبية تتشابه في جميع العوالم؟
آرتشي، لم أكن أعلم أنك قادر على صنع كتاب رائع كهذا. لكنني كنت أعلم أنك تملك براعة في الكلمات.
أنت لا تتقن الكلمات فقط، بل خيالك مذهل أيضًا. لم أتخيل أن صندوقنا السحري الصغير (هل يجوز أن أسميه هكذا؟) يمكن أن يصبح وسيلة للمقايضة. الآن، أندم على صغر حجم الصندوق. لو كان أكبر قليلًا، لربما استطعت أن أخطو إلى عالمك وألتقيك مباشرة.
في اجتماع هذا الصباح، لفت الكتاب انتباه المحررة “ماريان” أكثر من المخطوط نفسه. أما “غاريت”، الجالس بجانبي، فسخر وسأل من أين حصلت على مقلد رخيص كهذا، لكن عيني ماريان تغيرتا فورًا. هي عادة لا تنفعل هكذا، لكنها سألت بحدة أين وجدتُ هذا الشيء.
كذبت وقلت إنني ابتعته بثمن بخس من متجر تحف في بورتوبيلو. فلم يكن بإمكاني أن أقول إنه هدية من أمير. لكن ماريان، التي شكّت بإمكانية العثور على شيء كهذا في بورتوبيلو، أصرت أن نأخذه فورًا إلى “سوذبيز”. و”سوذبيز” مكان لتقييم وبيع الأشياء القديمة النفيسة في المزاد.
ترى، ما الذي سيحكم به خبراء “سوذبيز” على هذا الكتاب؟ هل يجرؤون حتى على تقدير قيمته؟
مجرد تخيل المقيمين المتغطرسين وهم يتجادلون حول هذا الكتاب يثير في نفسي حماسًا غريبًا.
أيها الأمير، لن أبيع هذا الكتاب لأشتري به بيتًا، ولن أذيبه كما اقترحت (ذلك مستحيل، فهو جميل جدًا). سأحتفظ به في زاوية من غرفتي الصغيرة كهدية فاخرة من صديقي بالمراسلة.
ورؤية ماريان تتمتم بأشياء غريبة وتتصل هنا وهناك جعلني أتساءل إن كان سيأتي يوم يظهر فيه أشرار “سوذبيز” (هذا مجرد تصور مني، لم أقابلهم قط) أمام بابي ليسرقوا هذا الكتاب.
ملاحظة:
قالت “أغاثا كريستي” إنه لا وسيلة لمنع شخص من أن يوصي الآخرين بقراءة الكتب. وأنا واحدة من هؤلاء المهووسين بالترشيح. وبما أنك تكرمت وأرسلت كتابًا من صنعك، أود أن أهديك شيئًا صغيرًا بدوري. لقد اخترت لك بعناية ثلاثة كتب:
أحدها رواية بوليسية بطلها محقق اسمه “شيرلوك”، مثل حصانك الوفي. والثاني مسرحية لرجل موهوب اسمه “شكسبير” عنوانها “ماكبث”. والأخير… قصة حب مروعة ستسرق ليلك.
آمل أن يوافق واحد منها على الأقل ذوقك.
10/6، ليلًا. كورديليا.
06-10-الاثنين-7:30 مساءً
من: غاريت <[email protected]>
إلى: كورديليا <[email protected]>
قلتِ إنك كنتِ مشغولة بالبحث عن المخطوط بالأمس، لكنكِ لن تفوّتي نزهتنا المسائية اليوم، أليس كذلك؟ لقد تجولت حول “راسل سكوير” وأنا الآن في مكتبة الكتب المستعملة في “هولبورن”. إن كان لديكِ كتاب ترشّحينه، فأخبريني به.
—
06-10-الاثنين-7:45 مساءً
من: كورديليا <[email protected]>
إلى: غاريت <[email protected]>
أنت تعرف عن الكتب أكثر مما أعرف أنا.
ولا أحب ترشيح الكتب كثيرًا.
وأرجو الامتناع عن إرسال الرسائل الإلكترونية خارج أوقات العمل.
—
صديقتي العزيزة كورديليا،
هل كان تحيتي لكِ مبالغًا فيها؟ إذن دَعيني أخاطبكِ هكذا:
صديقتي المتهوّرة في ترشيح الكتب، كورديليا.
لقد أرهقتِني بمهمات معقدة جعلتني أرهَب الغد، ثم منحتِني كتابًا كهذا. لقد بدأت لتوي قراءة مرتفعات وذرينغ.
كورديليا، هل تعلمين؟ تلك اللحظات التي يكون فيها الكتاب مثيرًا لدرجة أنك لا تستطيعين مواصلة القراءة، فتضعينه جانبًا فجأة متأوهة: “آآخ”، وتبدئين في التجوال في الغرفة. هذه أول مرة أشعر فيها بذلك منذ أن قرأتُ كتاب أساطير التنين من “بالير” في طفولتي.
أهناك قصة حب كهذه في العالم؟
منذ أن قرأت صرخات “هيثكليف” المستميتة ليُفتح له النافذة كي تدخل شبح “كاثي”، متوسلًا إليها أن تأتي مرة أخرى حتى ولو كطيف، وقلبي يخفق بشدة.
كورديليا، على هديتكِ لهذا الكتاب، أرسل لكِ مليون قبلة. إنه كتاب مجنون بحق.
لكن أن يكون هذا الحب العاصف هو كتابكِ المفضل، فهذا يعني أنكِ امرأة مثيرة للاهتمام للغاية. هل مررتِ بتجربة حب كهذه من قبل؟
كان علي أن أستنتج ذلك عندما طلبتِ مني بخبث أن أكتب لكِ رسائل يومية حتى لا تكون لياليكِ وحيدة! يبدو أنكِ أبرع في الحب مما كنت أظن.
يا عبقرية الحب والرومانسية وترشيح الكتب، صديقتي،
بسبب فعلتكِ الشريرة هذه، سيؤجَّل عملي في إقناع الملكة إلى ما بعد الغد، إذ سأضطر لقضاء الليل بأكمله في قراءة هذا الكتاب.
إذن، أيتها السارقة الشريرة لنومي، آمل أن تنعمي بنوم هادئ بدلاً مني هذه الليلة. وأغلقي نوافذكِ بإحكام.
في ليلة اليوم العاشر من القمر الأخضر الشاحب. آرتشي.
—
إلى الأمير آرتشي، الذي يجلب السعادة القصوى لمرشحة الكتب،
أظنك منشغلًا الآن بقراءة مرتفعات وذرينغ دون أن تجد وقتًا لقراءة رسالتي، أليس كذلك؟ يسعدني أنك تعرفت على حب “هيثكليف” المجنون.
أما عن سؤالك إن كنتُ قد عشت حبًا كهذا، فللأسف ليس لدي ما أقوله. رصيدي العاطفي منخفض للغاية.
لقد أعجبتُ ببعض الأشخاص، لكن الغريب أنني، ما إن يبدأوا بمبادلتي الإعجاب، حتى أفقد اهتمامي بهم فورًا.
سمعتُ مرة مقولة: “لن أرغب في الانضمام إلى نادٍ يقبل بانضمامي.” أظن الأمر يشبه ذلك. هناك جزء غامض في داخلي لا يرغب في حب رجل يعجب بامرأة مثلي. لا بد أن هذه حكاية لا تستطيع أنت، كأمير، أن تتخيلها أبدًا، أليس كذلك؟
في رواية قرأتها اليوم، كان هناك بلد حُظرت فيه الكتب لأسباب سياسية.
شابان في ذلك البلد كانا يهرّبان الكتب سرًا ويقرآنها. وذات يوم، قرآ كتابًا عاطفيًا أشعل في داخلهما الرغبات والشغف والاندفاع والحب، حتى بلغا ذروة الإثارة…
أحدهما، وقد قرأ الكتاب أولًا واشتعلت مشاعره، انطلق فورًا ليبحث عن محبوبه. فالتقى الحبيبان لأول مرة تحت شجرة، ولطّخا منديلًا أبيض باللون الأحمر. ثم استكملا شغفهما مرة بعد أخرى طوال الليل.
أما الآخر، فقد ملأه الجنون بعد أن قرأ الكتاب طوال الليل، وقرر نسخه. لكن في مكان تُحظر فيه الكتب، الورق نادر، فخلع معطفه الصوفي في البرد القارس وبدأ ينسخ النص على جلد ماعز قديم بقلم حبر، وظل يفعل ذلك طوال الليل.
يبدو أنني أنتمي إلى الفئة الثانية؛ أولئك الذين يهرعون لنسخ كتاب بدلاً من ممارسة الجنس حين تشتعل مشاعرهم. أمر مؤسف حقًا. أما أنت، أيها الأمير العابث، فلا شك أنك من الفئة الأولى. أنا أحسدك.
أرجو أن أسمع منك مجددًا بعد أن تنتهي من أمور أهم من قراءة الكتب.
10 يونيو 2019، فجرًا.
كورديليا، الشريرة الصامتة ومرشحة الكتب الراضية تمامًا بلقب “شريرتي”.
—
صديقتي الوقحة كورديليا،
رسالتك مثيرة للغاية وممتعة جدًا للقراءة في هذه الساعة. وربما أكثر إمتاعًا حتى من مرتفعات وذرينغ.
صديق يندفع لممارسة الجنس من فرط تأثره بقراءة كتاب…
كان يجب أن أدرك أنني أنتمي إلى الفئة الثانية، فئة النساخ المجتهدين، بما أنني رفضت الزواج وانعزلت في دير، أرتاد قاعة النسخ باستمرار.
على أي حال، مجرد معرفتي أنكِ ترينني على هذا النحو يملؤني فخرًا.
تصبحين على خير، يا من تتظاهرين بالهدوء والوقار بينما أنتِ مليئة بالأفكار الدنسة.
ملاحظة: ربما كان سبب نفوركِ من الرجال الذين تبادلوا معكِ الإعجاب، هو ببساطة أنكِ كنتِ تحبينهم أقل. وفي كل الأحوال، سأعطي أولئك الرجال بعض التقدير، إذ لا بد أنهم كانوا ذوي ذوق رفيع ليعرفوا قيمتك ويعجبوا بكِ.
مع مودتي، آرتشي ألبرت.
———= ملاحظة المؤلفة ———=
إلى قرائي الذين يخفق قلبي بتعليقاتهم حول روعة هذه القصة،
شكرًا على الإعجابات والتوصيات والتعليقات!
ستظهر “سيسيليا” مجددًا غدًا، فترقبوا ذلك.
ملاحظة:
الكتاب الذي أهداه آرتشي إلى كورديليا مستوحى من المخطوطة الذهبية (Codex Aureus) التي صُنعت في العصور الوسطى. لقد نشرت صورة لها في الإعلانات، فليطّلع عليها من يرغب من القراء الفضوليين!
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات