إنّ السير إليوت ذو وجه حسن لا بأس به، بل يكفي أن تراهن عليه الابنة الوحيدة لآل يلينغ خمس سنين من عمرها.
لكن، من ذا الذي يجرؤ أن ينافسني في الوسامة؟ آن لك أن تكفي عن جمعك النَهِم لوجوه الرجال الوسيمين في رسائلك. أليس بجوارك ليام، ذاك الذي تزعمين أنّه أوْسَم مني؟ (وهو محال).
في ليلة الثاني والعشرين من شهر الحرّ الأول. — من أوْسَم رجال وينترتون، آرتشي ألبرت ويليام ريندايك.
* * *
الأمير آرتشي ألبرت ويليام ريندايك،
أنت ودفني صديقان منذ الطفولة، كآن وغيلبرت، تعارفتما منذ نعومة أظفاركما.
ثم لمّا التقيتما بعد خمس سنوات، اقترحت عليك علاقةً بعقد، ولا شك أنّ ذلك أورثكما توتّراً غير مسبوق.
لقد أدّيتما ما يجعل الآخرين يظنّونكما عاشقين أداءً بارعاً: جثوتَ أمام دفني، قبّلتَ ظهر كفّها، أمسكتَ يدها ورقصتَ بها. فكيف تقول إنّ زهرة الحب لم تتفتّح؟ ذلك لا يكون إلا إذا كان السير إليوت أوْسَم منك بكثير.
آن لك، يا آرشي ألبرت ويليام، أن تتنازل له عن لقب أوْسَم رجل في وينترتون.
— من صديقتك اللماحة، كورديليا.
ملحوظة: ألا تفكّر أن تهدي صديقتك المقرّبة صورة بورتريه للسير إليوت؟
* * *
كورديليا الحمقاء،
تعلمين أنّ المشاعر القديمة بين رجل وسيم وامرأة شجاعة لا تنتهي دائماً بالحب، أليس كذلك؟
— من صديقك الوسيم، آرتشي ألبرت.
* * *
أميري الأحمق،
مثلنا نحن؟
— من صديقتك الشجاعة، كورديليا.
* * *
كوكو العزيزة،
نحن استثناء بعض الشيء. فلا تخطر دافني ببالي كل يوم.
* * *
كاذبٌ أنت، أيها الأمير آرتشي.
إنك لاعب بارع بحق. لقد منحت دافني الجواب الذي تمنت سماعه. ولوسي وإلويز أعطيت الجواب الذي رغبتا فيه. والآن، تهبني أنا الجواب الذي كنت أرجوه.
لكنّه كذب. أنت لا تفكّر بي كل يوم. على الأقل، ليس بقدر ما أفكر أنا بك.
إنه ليثير الغيظ أن أعلم أنني سأظلّ الفائزة في هذه اللعبة دوماً، غير أنني سأصفح عنك، كما صفحت عنك سائر النساء اللواتي أغرتهن كلماتك العذبة.
ملحوظة: لقد تجاوزنا منتصف الليل. حان وقت النوم. تصبح على خير، أميري.
* * *
إلى كورديليا غراي، التي أغاظتني ثم مضت إلى النوم:
ألا نعود إلى الحديث عن ما جرى قبل يومين، تحت دفء ليلة من ليالي شهر الحرّ الأول؟ لعلّي إذا أطلت الرد على رسالتك القصيرة، يخفّ استهزاؤك من هذه الزهرة البريئة. دعيني أبوح لك كم فكرت بك في ذلك اليوم.
كما توقعتِ، في يوم مسرحية الليلة الثانية عشرة، أدركتُ أخيراً هوية فلين الحقيقية.
حين انتزعت نويل الصدرية التي كان فلين يرتديها، وإذا بطبقات الثوب من تحتها تتطاير مع هبوب الريح، وأغمض فلين تلك العينين الخضراوين بإحكام، انكشفت لي الحقيقة دفعة واحدة.
الوجه الرقيق الذي يستحيل أن يكون لفتى، والخطوات الراقصة التي انسابت منها رقصة النساء بطبعٍ فطري، وولع سيسيل الغريب بحماية فلين، واليوم الذي أمرتِني فيه بقراءة الليلة الثانية عشرة، وجميع العلامات المتناثرة في رسائلك، قد تدفقت فجأة إلى ذهني.
كان فلين هو فيولا نفسها. فيولا التي اضطرت أن تتزيّا بزيّ سيزاريو.
أحسست بسخف شديد أنني لم أنتبه إلى ذلك من قبل.
وكأنها قرأت أفكاري، نظرت إليّ فيولا بعينين متهدلتين، نظرة مذنبة. وما إن التقت عيناي بتلك النظرة حتى زال من قلبي شوق السؤال تماماً.
لو أنّي قلت: «أنتِ… أنتِ امرأة» ، لشعرت أنّ فلِن ستنفجر باكية في تلك اللحظة.
كان الأمر أشبه بأنّها ترجوني أن أحوِّل بصري عنها أولاً؛ تحدِّق إلى الأسفل، ثم ترفع ناظرها إليّ، ثم تعدل عنهما إلى الجانب، ثم تعود في النهاية إلى عينيّ بقلقٍ بائن، تبدوان في غاية الشفقة.
كانت ملامحها غريبة إلى حدٍّ جعلني أحدّق طويلاً. وكلما أطلت النظر، ازدحمت الأفكار في رأسي وتشابكت.
أول ما خطر لي: أنّ فلين جميلة.
حتى وأنا أظنها فتى، كنتُ أجد في وجهها مسحة حُسن، لكنّني الآن، وأنا أرى صفاء بشرتها، والنمش الصغير المتناثر على أنفها، وتلك العينين الكبيرتين المرتجفتين بيأس، لم يسعني إلا أن أصفها بالآسرة في جمالها.
وكيف لم أدرك من قبل أنها امرأة؟
ثم انهمرت الأسئلة التي لا مهرب منها.
لِمَ تخفّت في زيّ رجل؟ أترى نشأت هكذا منذ صغرها؟ أم أنّها اختارت التنكّر لتدخل القصر؟ وكيف لها أن تخفي أمرها طويلاً، ألن يُكشف في النهاية؟
وما إن بلغت أفكاري هذا الحد، حتى شعرت بحرارة تشتعل في وجهي.
تذكرت محاولتي خلع ثيابها، والمرة التي كدت أريق فيها الماء على قميصها الأبيض، والأوقات التي عبثت فيها بخصلات شعرها الأحمر بغير اكتراث، بل وتذكرت أيضاً حين شددتها إلى صدري في الكهف لأدفئها.
«لم يرتكب الأمير خطأً البتّة. حسنًا… ربّما خطأً واحداً، غير أنّي لا أظنّك قد علمتَ به بعد.»
كانت ابتسامها بعد قولها ذلك تفيض بالحزن، وفي تلك اللحظة خطَر لي على نحوٍ طريف أنّي فهمتُ أخيراً شعور الفارس الذي أحبّ الأميرة إدوينا.
وربّما تسخرين منّي، لكنني بدأتُ أفهم كذلك مشاعر النساء الكثيرات اللواتي بُحن لي بحبّهن. لطالما عجزت عن استيعاب كيف يمكن لإنسان أن يقع في الغرام لمجرّد هيئة أو وجه.
غير أنّ فلين جعلتني أدرك ما للملامح من سلطان. لم يكن السبب جمالها فحسب، بل لأنّ النظر إلى وجهها كان يورث قلبي وجعاً لا تفسير له.
ولو أنّي التقيت بفلين قبل ذلك ببرهة، لعلّ تلك الشفقة التي اعترتني كانت لتتحوّل حبّاً، وربّما كنتُ وقعت فيها تماماً. بل خطر لي أنّه ما من شيء في العالم أقوى من ذلك الشعور بالوَحشة الذي يعتري المرء حين يحدّق في وجه آخر.
وحينئذٍ حضرتِ في خاطري أخيراً.
تساءلت: هل تلبسين أنتِ أيضاً مثل تلك النظرة في ليالي الوحدة؟
وإن كان كذلك، فكم يا ترى سيعتصر قلبي الألم؟
أترى شعركِ، الذي قلتِ يوماً إنك تتمنّين لو كان بلون الفراولة الأشقر، أحمر كلَون شعر فلين؟
أوتكون عيناكِ الخضراوان زمرداً صافياً، أم عشبة صيفية يانعة؟
لو لم ألتقِ بك، لو لم أقضِ الليالي إلى جانب امرأة مثلك، لربما أمضيتُ صيفي هذا أركض خلف فلين.
وإن كنتُ لن أبكي على زواج دافني ــ كما تخيّلتِ ــ فهو، لا شكّ، ذاك النوع من الصيف الذي يولد فيه حبّ جديد، حبٌّ يركض صاحبه وراء جمالٍ آخر.
لكن بالنسبة إليّ، فات الأوان.
فلستُ كالفتى اليافع الذي يحمسه كتاب، فيهرع ليضاجع امرأة.
أنا أقرب إلى الأحمق الذي يسهر الليل كلّه لينسخ ذلك الكتاب على رقٍّ جلدي.
لقد قضيتُ صيفي هذا بأكمله في التعرّف إليك.
والآن، صرتُ أعرفك، وأدركت أنّه لا وجود في الدنيا لمثلك.
غير أنّه ما دمنا لا نستطيع أن نكون معاً، فلا يُسمّى ما بيننا حبّاً.
وقد تجلّى أمامي مصيري المحتوم: سأذوي، وأهدر نفسي، وأظلّ أفكر بكِ كلما وقعتُ على امرأة فاتنة. سأشكو أنّ لا امرأة تضاهي كوكو، حتى إن رافقتُ أجمل سيّدة. وفي نهاية المطاف، سأصير شيخاً هَرِماً مثل بيدر، يذبل في قاعة النسّاخ.
فيا صديقتي، لا تُنكري عليّ قلبي حين أقول: إنني أفكر بكِ كل يوم.
إنك لم تشعري قط بهذا أمام ليام، ولهذا يبدو أنّني أنا الفائز في لعبتنا هذه.
— لكِ، آرتشي ألبرت.
ملحوظة: غداً صباحاً سأرحل لحضور زفاف دافني. الطريق محفوفة بالمخاطر، لذا لن أصطحب مجموعتي من الكتب. فلا تقلقي إن لم يردك مني خبر ثلاثة أو أربعة أيّام. يا كوكو العزيزة، وإن كنتِ مستيقظة، فلا تجهدي نفسك بكتابة نقطة واحدة، بل نامي نوماً هنيئاً.
* * *
إلى كورديليا، التي لا تزال ــ على الأرجح ــ غارقة في كآبتها.
لن تصدّقي كم جرى من الأحداث منذ تواريتُ هاهنا. افهمي أنّه لا بدّ لي أن أكتب باقتضاب. سأقصّ عليك كل ما أستطيع تذكّره.
أولاً: الناس لا يرون سوى ما يشتهون رؤيته. بيدر يرى ما يريد بيدر، وآرتشي يرى ما يريد آرتشي، وأنتِ ترين ما تريدين أنتِ. لكن ما رأيتِه كان خطأ. فلا تدعي ذلك يؤذيك.
ثانياً: انسَي ما يدور في خلدك الآن. لم يرني بتلك الصورة. لقد رأى فيّ صورتك أنتِ. وما أبهجني وأضحكني معاً أن يكون الأمر كذلك.
ثالثاً: سيأتي يوم تأتين فيه إلى هنا. وحين يحين الوقت الذي أعجز فيه عن الكتابة، الجئي إلى ليام. أمّا إلى ذلك الحين، فابقي كما أنتِ. لا تخبري أحداً، ولا تفعلي شيئاً. لقد أعملتُ فكري طويلاً في الكيفية التي آل بها الأمر إلى ما هو عليه، ولسببٍ ما أشعر أن هذه الرسالة هي الصواب. سخفٌ أنّي لم أدرك هذا إلا اليوم. لكن سيأتي يوم تفهمين فيه أنتِ أيضاً.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات