بمجرّد أن يصل إلى عبارة: “هل لي أن أقبـ—” عليكِ أن تنقضي عليه بقبلة، أيتها الحمقاء.
لكن إن استمرّت الأمور على هذا الهدوء، فستكونين في القبر قبل أن تنامي معه.
لماذا لا تتولين أنتِ زمام المبادرة بدلًا من ذلك؟
انتظري، أنا أعمل على قصيدة لأندرو مارفل قد تساعدك.
“لو كان لدينا كل وقت الدنيا، لقضيت مئة عام في تأمّل جمال عينيك، ومئتي عام في التباهي بروعة نهديك… لكن عربة الزمن المجنحة تقترب على الدوام، فلنمضِ سريعًا في اقتناص اللذّات في لحظاتنا الزائلة.”
ما رأيك؟ بقصيدة كهذه، قد لا يكتفي ليام باقتحام اللذّات معك، بل قد يحطّمها تحطيمًا.
أقسم أن لا شيء يجذب أولئك الكلاسيكيين مثل الشعر الغزلي.
1. جولييت، ليام لا يملك نهديْن. لديه صدر قوي البنية، صحيح، وهل ذكرتُ لكِ كم هو رائع الجسد؟
2. لستُ مولعة بأندرو مارفل كثيرًا، لكن فكرة “اقتحام اللذّات” تعجبني. أظن أن صديقي سيحبّها. أرسلِي لي القصيدة كاملة، أرجوك.
3. وبخصوص وصفة كعكة طبقات التوت العليق بالكريمة والفانيلا التي أرسلتِها لي صباح اليوم، هل هي صحيحة؟ كنتُ على وشك البحث عنها بنفسي، لكن فجأة ساورني الشك في أنكِ لم ترسليها كما يجب، يا صديقتي العزيزة.
وماذا كنتِ تفعلين في الصباح الباكر حتى احتجتِ فجأة وصفة كعكة؟ لا تقولي إنكِ كنتِ تعدينها لليام وتأخرتِ بسبب ذلك؟ إن كان الأمر كذلك، فأنا أنصحك بالعدول عنه، يا صديقتي، فهذا ليس من طباعك.
وهلّا توقفتِ عن التشكيك في وصفاتي؟
ثم إن لهذه الوصفة حكاية؛ فقد كانت ضمن كتاب طبخ أُلغي أثناء العمل على الاحتفال بالذكرى المئوية لرواية آن في المرتفعات الخضراء. نبشتُ المسودّة حتى عثرتُ عليها:
“كعكة طبقات التوت العليق بالكريمة والفانيلا”.
أليست هي نفسها الكعكة التي صنعتها آن لتبهر زوجة القس، لكنها أفسدتها حين أضافت مسكّن ألم بدلًا من خلاصة الفانيلا؟
إن كنتِ تريدينها حقًا، فكوني لطيفة معي يا كورديليا، وسأعدّها لك بنفسي.
أمّا إن حاولتِ أنتِ صنعها، فستضعين فيها على الأرجح ما هو أسوأ من المسكّن. ثم هل لديكِ حتى فرن في منزلك؟
أيمكنكِ من فضلكِ أن تؤجّلي هذا النوع من الأسئلة إلى نحو الساعة الثانية ظهرًا من يوم اثنين، حين يبدو الوقت وكأنه يزحف؟ كيف تطرحين موضوعًا مثيرًا كهذا قبل ساعة من انتهاء الدوام؟
لكن بما أنه لم يكن هناك أي تواصل لاحق عبر ماريان، فأنا لا أظن أنني سأراه مجددًا.
ولو كنتِ موجودة ذلك اليوم، لاتصلتُ بكِ بالطبع. لكنكِ كنتِ مسافرة مع روميو خاصتكِ، أليس كذلك؟
لم يكن لدي أحد آخر أتصل به. كما تعلمين، ليام — كونه من “الطراز الكلاسيكي” — لا يملك هاتفًا أصلًا.
لذا، في تلك الليلة بكيت حتى نمت وحيدة.
عادةً، كنت أحب أن ليام لا يستخدم الهاتف. فهذا جعله يخطط معي دائمًا وجهًا لوجه، مما يعني أننا مهما كان الأمر، علينا الالتزام بتلك المواعيد.
ورغم أننا لا نتحدث كل ليلة، كان الأمر يبدو رومانسيًا ومميزًا حين يظهر فجأة ويرمي الحصى على نافذتي مثل روميو.
لكن تلك الليلة كنت غاضبة. ليس لأن ليام فعل شيئًا خاطئًا — فالذنب كان ذنب مارك بتصرفه الأرعن — لكنني كنت منزعجة أصلًا لأن رسالة كنت أنتظرها لم تصل، فكان مزاجي سيئًا.
لذلك ذهبت لرؤية ليام، وأفرغت كل غضبي عليه.
لم أستطع أن أقول شيئًا لمارك، فانتهى بي الأمر أن أصبّ كل ما بي على الشخص الوحيد الذي كنت أشعر بالراحة معه، وكان ذلك فظيعًا.
لكنّه فهمني رغم كل شيء.
مع أنني كنت أتصرف كالمجنونة، لم يغضب ولم ينفعل — بل قال “آسف”.
اعتذر لأنه لا يملك هاتفًا، واعتذر لأنه لم يكن موجودًا بجانبي، ثم دخل مباشرة إلى أقرب متجر واشترى هاتفًا في الحال.
في تلك الليلة، أصرّ على إيصالي إلى المنزل لأنه خشي أن أشعر بالخوف، وفي النهاية دخل إلى غرفتي.
وما إن دخل الغرفة حتى نظر حوله بدهشة وقال: “إنها حقًا لا تتجاوز ثلاث خطوات.”
ثم اجتاز الغرفة بخطواته الطويلة وقال ذلك وهو يضحك.
والحق أن الأمر لم يكن مزعجًا إلى حد كبير.
كما تقولين دائمًا، يبدو فعلًا كأنه ابن لعائلة أرستقراطية ثرية، يملك من الوقت والراحة أكثر مما يحتاج.
لا يبدو أنه يقوم بشيء مهم، لكن ملامحه تنطق بالهدوء واليسر بلا أي جهد. حتى أسلوبه المهذّب القديم في الحديث يصبح منطقيًا حين تفكرين فيه.
على أي حال، باستثناء تلك الملاحظة السخيفة عن “الثلاث خطوات” التي جعلته يبدو كابن مدلل، كان في بقية الوقت رجلًا في غاية الأدب.
انتظرني حتى أنهي استحمامي، ثم وضعني برفق على السرير وغطّاني بالبطانية. كل شيء كان بلياقة متناهية.
لقد قلتُ لكِ من قبل إننا لم نتبادل حتى قبلة، فضلًا عن أي شيء آخر.
دعيني أسبقكِ بالتحذير: لن تحصلي على القصة التي تأملينها هنا.
تمدّدتُ على السرير، وكانت تلك الليلة ماطرة بغزارة، والجو بارد قليلًا، ونسيم صيفي عليل يتسلل من النافذة. غطّاني بالبطانية، ثم جثا على ركبة واحدة بجوار السرير، كفارس يحرس أميرته، وظل يراقبني.
ثم اكتفى بأن قال بهدوء: “تصبحين على خير.”
سألته إن كان يعتزم الرحيل حالما أخلد إلى النوم، فأجاب:
«لا، ليس هذه الليلة، سأبقى حتى الصباح.»
وأنتِ تعلمين كما أعلم ضيق مسكني، فلا مكان فيه لأريكة، ولا موضع للنوم سوى السرير.
وأقسم لكِ، يا جولييت، أنّ «جولييت» ما في داخلي قد استيقظت فجأة؛ فبادرت، دون تفكير، بدعوته لأن يتمدّد إلى جانبي.
بدا عليه شيء من الدهشة، غير أنّه لم يرفض.
وأفكّر الآن: لعلّه وافق فقط لأنه أدرك أنني سأشعر بالحرج لو صدّني.
وحين اعتلى هيئته الضخمة سريري الصغير، اعتراني شيء من التوتّر.
كان السرير ضيّقًا حتى إننا تلامسنا قليلًا، ولم يكن ثمّة سبيل للراحة إلا بأن نعانق بعضنا.
كنتُ أنا أول من طوّق ذراعيه حول عنقه، فإذا به يضمني إلى صدره. كان عناقه أوثق وأدفأ مما تصوّرت، وبدأت أستسلم للنعاس.
أظنني غفوت برهة، وحين أفقت فوجئت أنني ما زلت بين ذراعيه.
ابتسم ساخرًا وقال: «بماذا كنتِ تفكرين حين جررتِني إلى فراشك هكذا؟»
لكنّه لم يكن كسائر الرجال الذين يبدؤون في الإلحاح؛ بل بدا كأنّه يمازحني ليبدّد ارتباكي.
كان واضحًا أنه يعلم أنني لست عازمة على المضي أبعد من ذلك.
اكتفى بأن طبع قبلة على جبيني، وربّت على ظهري، ثم قال:
«نامي قريرة العين، فأنا أيضًا سأنام، فلا تراودكِ أي أفكار طائشة.»
ضحكتُ من قوله، وأظنني غفوت من جديد دون أن أشعر.
جولييت، ستصفينني بالحمقاء لا محالة. وربما تقولين الأمر نفسه عن ليام.
لكنني، في الحقيقة، سعيدة لأننا لم نفعل شيئًا.
فلو حدث، أظنني كنت سأندم الآن.
ورغم أننا لم نلتقِ جسديًّا، فإن الواقع أنّ ليام وأنا أصبحنا أقرب منذ تلك الليلة.
وبعد أن صار لديه هاتف، صرنا نتواصل أكثر. غالبًا ما يتّصل بي صباحًا، يسألني إن كنت قد استيقظت، وإن كنت متجهة إلى العمل، ويحثني على ألا أتأخّر، ثم يُنهي المكالمة على نحوٍ مرتبك.
والحديث معه عبر الهاتف مضحك، كأنك تتحدثين مع شخص لم يجرّب الهاتف من قبل في حياته.
أحيانًا يتصل ليسأل إن كنت أرغب أن نعود سويًّا بعد العمل، لكنه نادرًا ما يتصل ليلًا.
أما إن اتصلتُ أنا، فيجيب فورًا وكأنه كان بانتظاري، لكنه لم يسبق أن بادر بالاتصال ليلًا.
هذا النمط يترك لياليَّ خالية على نحو غريب.
أما «الرجل الآخر» الذي ذكرتُه لكِ من قبل، فيتّصل بي غالبًا في الليل.
* * *
07-18-17:33
من: جولييت <[email protected]>
إلى: كورديليا <[email protected]>
أرغب فعلًا في التذمّر مرة أخرى: لماذا تخبرينني بكل هذه الأمور المثيرة في مثل هذه الساعة؟
تبقّى ثلاثون دقيقة على نهاية الدوام، فهيا أسرعي وأخبريني بالمزيد.
هل هناك رجل آخر غير مارك وليام؟
وهذا الرجل لا يأتيكِ إلا ليلًا؟
مباركٌ لكِ يا كورديليا، أنتِ في ذروة حياتك الآن.
ملاحظة: هل هذا «الرجل الآخر» شخص تلتقين به فقط من أجل الجنس؟ أرجوكِ قولي نعم، عندها سأحترمكِ حقًّا يا صديقتي.
* * *
07-18-17:40
من: كورديليا <[email protected]>
إلى: جولييت <[email protected]>
جولييت، أما تعرفينني أكثر من ذلك؟
رجل وسيم على نحوٍ لا يُصدّق، ذو قوام ممشوق، يدخل غرفتي.
نكون ممدّدَين على السرير معًا، وأنا متردّدة… تلك هي صديقتكِ.
أتظنين حقًّا أنني قادرة على إقامة علاقة جسدية بحتة مع أي شخص؟
رجاءً، فكّري في مَن تكون صديقتكِ وأصغي إليّ جيدًا.
من غيركِ كنت سأروي له هذا؟
حين أكون مع ليام، لا يخطر ببالي شيء آخر. يخال لي أننا ملفوفان بزجاج، وأننا في عالمٍ لا يشاركنا فيه أحد.
أحيانًا يطغى عليّ شعور محموم من شدّة ما أكنّه له، حتى أحسّ كأن شيئًا يتفجّر في صدري.
أحبّه إلى درجة أعجز عن احتواء إحساسي نحوه.
لكن، وسط كل ذلك، يطرأ على بالي خاطر مفاجئ: «ينبغي أن أخبره بهذا» — أعني «الرجل الآخر».
الأمر مختلف عن رغبتي في الدردشة معكِ، يا جولييت.
مؤخرًا، صرتُ أترقّب حلول الليل كل يوم. فحين يحلّ الظلام وأتلقّى منه رسالة أو اتصالًا، أستطيع أن أخبره بكل شيء.
حتى بما يجري مع ليام.
أحيانًا، أتمنى أن يشتعل غيرةً من علاقتي بليام.
لكن في أحيان أخرى، أرغب في أن أخفي عنه أي خبر عن ليام تمامًا.
يغضبني أنه لا يغار على حياتي العاطفية، بل يراني مجرّد صديقة.
وتعلمين ماذا؟ أحيانًا أنظر إلى ليام ويخطر ببالي: إنه يشبهه كثيرًا.
وأتساءل إن كان هذا هو السبب الذي جعلني أقع في حب ليام أصلًا.
* * *
07-18-17:45
من: جولييت <[email protected]>
إلى: كورديليا <[email protected]>
الخلاصة واضحة:
أولًا، أنتِ تحبين ذلك الرجل أكثر من ليام. ثانيًا، عدم ذهابكِ إليه يعني أنّه متزوّج.
ثالثًا، ذلك الصغير الذي قال إنه يحب «آن في المرتفعات الخضراء» سابقًا… أليس ابن ذلك الرجل؟
رابعًا، إن كان هذا صحيحًا، فلنذهب إلى الحانة بعد العمل.
ليس من الحكمة التورّط في حبٍّ خطير، يا كورديليا.
ملاحظة: إن لم يكن أيٌّ من هذا صحيحًا، فاخرجي مع ليام وذلك الرجل معًا.
وكما قالت آن المفضّلة لديكِ: «ليس نادرًا تمامًا أن تلتقي بروحٍ قرينة في هذا العالم.» لقد حالفكِ الحظّ بلقاء اثنين في وقت واحد.
* * *
07-18-17:55
من: كورديليا <[email protected]>
إلى: جولييت <[email protected]>
دعينا لا نخوض في هذا يا جولييت.
أخطأتِ في النقاط الأولى والثانية والثالثة.
أما اقتراحكِ الخامس، فمروّع في تجديفه! لا تجرؤي على استدعاء آن من المرتفعات الخضراء لتبرير الخيانة المزدوجة!
سأؤجّل عزيمتكِ على العشاء. اليوم عليّ أن أوصل الوصفة التي أعطيتِني إياها للصغيرة.
فلنكتفِ بالخروج من العمل معًا على الأقل.
* * *
07-18-18:00
من: جولييت <[email protected]>
إلى: كورديليا <[email protected]>
حسنًا، بفضلكِ جاءت الساعة السادسة أسرع اليوم.
غدًا، فلنبدأ أحاديثنا أبكر.
* * *
إلى أميري،
علينا أن نضع بعض الحدود لرسائلنا الليلية.
اليوم، استيقظتُ مذعورة على عجل. لقد نمتُ نومًا ثقيلًا حتى تأخرتُ تمامًا.
لو لم تتكرم صديقتي وتوافق على الاتصال بي كل صباح لإيقاظي، لربما ظللتُ نائمة حتى الظهر.
ومع ذلك، وسط كل تلك الفوضى، طلبتُ من جولييت وصفة كعكة، ووضعتها في صندوقنا السحري بأسرع ما يمكن.
أعتذر عن عدم إرفاق رسالة، لكن من المعيب حقًّا أنّك لم ترسل حتى كلمة شكر! أين ذهبت لباقة الفرسان فيك؟
… لا تقل لي إنك مرضتَ بعد أن أكلت كعكة كارثية لأن الوصفة وصلت متأخرة؟
أخبرني، أرجوك، أنّ نويل أعدّت الكعكة بنجاح خلال الساعات الثماني التي قضيتها في العمل.
سيكون سماع ذلك مكافأة كبيرة لي.
ملاحظة: جولييت أهدت نويل شيئًا ستعشقه—كتابًا يحوي وصفات لكل الأطباق المذكورة في «آن في المرتفعات الخضراء».
18 يوليو، مساءً.
—آملة أن تجرب نويل وفلين المزيد من الوصفات، كوكو خاصتك.
* * *
إلى حبيبتي كوكو،
أظن أنني نسيت أن أذكر أمرًا مهمًّا.
لا نويل ولا فلين يملكان أي موهبة في الطهي، قولًا للحق.
حتى عند إعداد حساء بسيط، ينجحان دائمًا في إضافة أكثر المكوّنات إبداعًا يمكن تخيّلها، لينتج طعمًا لا ينبغي له أن يوجد في هذا العالم.
لذلك، سلّمتُ كتاب الوصفات الذي أهديتِني إيّاه إلى مسؤول إعداد وجبات الدير، دون أن يلحظ نويل أو فلين. وبفضلكِ، ستغدو قائمة عشاءنا أغنى بكثير، ولهذا أدين لكِ بوافر الشكر.
لقد أعلنت نويل رسميًّا اعتزالها عالم الطهي بعد أن صنعت اليوم كعكتها ذات الطبقات الثمانية. وبالطبع، عمّ الهتاف في الدير.
ومع ذلك يا كوكو، بفضل وصفتك، لم يكن مسعاها الأخير كارثيًّا تمامًا. ولا أقول ذلك لمجرّد إرضائكِ—يمكنكِ أن تطمئنّي إلى أنّ وصفتكِ المستعجلة كانت ذات جدوى، حتى في صباح مليء بالانشغال.
وأثناء تناول كعكتها الأخيرة، أطلقت نويل تعليقًا مثيرًا للقشعريرة:
«ليلة أمس، يا أميري، حين لم يكن أي شيء ينجح، خطرت لي حتى فكرة أن أتصرف كآن وأضيف مسكّنات الألم إلى الكعكة.»
…لو كنتِ أبطأتِ أكثر قليلًا، ربما ما كنتُ لأمسك بالقلم الآن.
أراهن أنّكِ الآن توبّخينني على أنّني لم أشكركِ بعد، أليس كذلك؟ تفضّلي ووبّخيني كما تشائين، وسأردّها لكِ مضاعفة.
كورديليا، اليوم قرأتُ أخيرًا آن في المرتفعات الخضراء.
والآن فهمتُ لماذا تحبّين هذا الكتاب كثيرًا. البطلة، آن شيرلي، تشبهكِ إلى حدّ كبير!
صحيح أنّكِ تبدين أكثر وحدة من آن، لكنّها ذكيّة، حالمة، مفعمة بالحيوية—تمامًا مثلكِ. بل بدأتُ أفهم شعور جيلبرت بليث حين كان يضايق آن بمناداتها «جزرة» وشدّ شعرها.
ومع أنّ المضايقة ليست الطريقة الصحيحة للتعبير عن المودّة، فإنّها من تلك التصرفات الطفولية التي يلجأ إليها الرجال غير الناضجين لجذب الانتباه بأي طريقة ممكنة.
ولو فعلتُ ذلك معكِ، فأغلب الظن أنّكِ كنتِ ستضربينني بلوح الكتابة ولن تسامحيني لعشر سنوات، أليس كذلك؟
بصراحة، فكرة العيش في القرية نفسها معكِ، وتمضية سنوات مراهقتي غارقًا في حبكِ بلا أمل، لا تبدو فكرة سيئة أبدًا. نعم، لقد تقمّصتُ دوري كجيلبرت بليث بكل إخلاص.
لكن يا كورديليا، هل تعلمين أنّ هناك شخصًا آخر في حياتي، نابضًا بالحيوية ومتقلّب المزاج مثل آن؟
وليس سييسيليا، بالطبع—فأختي مجرّد عنيفة بلا سحر. لا، إنني أتحدّث عن فلوريان. ذلك الفتى سريع الغضب، وقد أمطرني اليوم بوابل من التأنيب.
طلبت منّي نويل أن أحملها على ظهري، وما إن قبلت، حتى اندفع فلوريان يصيح بي غاضبًا، محذّرًا أن لا أجهد نفسي وأنا لم أتعافَ بعد، حتى خشيتُ أن تنكسر كتفي من حدّة صوته.
غير أنّ وراء حدّته تلك جانبًا آخر يذكّرني بـ«آن شيرلي».
فعندما وصلنا إلى الدير، لمح الطريق المزدان بأزهار البنفسج، وأطلق عليه في الحال اسم «طريق السجادة الأرجوانية».
وأمس، حوّل ساحة الدير البسيطة إلى «درب البتولا المضاء بالقمر».
وكان اسمًا في غاية الروعة. فذاك المكان في وضح النهار متواضع لا يلفت النظر، لكنّه ليلًا، حين ينسكب نور القمر الفضي على بياض لحاء أشجار البتولا، يغدو مشهدًا يأسر القلب.
وأيّ امرئ يشهد جماله تحت ضوء القمر سيوافق على الاسم الذي منحه إيّاه فلين.
وبينما كنت أضحك حين أدركت أنّ فلين ليس الوحيد الذي يملك موهبة تسمية الأمكنة، وجدتني أزداد محبّةً لـ«آن» نفسها.
لقد كان لقائي بصديق آخر مثلك ومثل فلين كافيًا لأن يجعل تخلِّي عن عشيق الليدي تشاتيرلي أمرًا لا أندم عليه.
وسيكون هذا الكتاب عزيزًا على قلب نويل… وعلى قلبي أنا أيضًا.
بل وعلى قلب شخص ثالث كذلك.
ففي الآونة الأخيرة، كانت سيسيليا تتردّد على الدير لإصلاح الحواجز. وقد مرّت اليوم، فعرضتُ عليها كتاب آن في المرتفعات الخضراء، لعلّ نقاءه يهدّئ من حدّة طبعها.
وما إن فتحت الكتاب حتى بدت عليها ملامح التأثّر العميق، وقالت: «يا له من كتاب رائع.»
ورغم أنّ قولها صحيح، تساءلت في نفسي كيف استطاعت أن تحكم بذلك بهذه السرعة.
وعندما ألقيت نظرة لأرى أي مقطع كانت تقرأه، فإذا به:
«الطموح لا نهاية له، وهذا ما يجعله رائعًا. فما إن تبلغ غايةً، حتى تلوح لك أخرى أمامك».
… يا لها من جملة لتكون هي التي تقع عليها عيناها! على أية حال، لقد انتقلت آن في المرتفعات الخضراء من نويل، إلى فلين، ثم إليّ، والآن إلى سيسيليا.
حقًّا إن الكتب لأمرٌ عجيب، إذ تعطي كل قارئ جوابًا مختلفًا.
اليوم الثامن عشر من الشهر السابع.
—من الغرفة البيضاء التي لم يمنحها فلين اسمًا بعد، صديقك، أرتشيبالد ألبرت.
ملاحظة: قال فلين قبل قليل إنّ لديه حدسًا غامضًا بأنّ قصة آن لم تنتهِ بعد، وإنّه مقتنع بوجود جزء ثانٍ لها. ذاك الفتى أذكى مما يبدو، تمامًا مثلكِ. فقولي لي، هل حدسه في محلّه؟
آمل ذلك. أرسلي إليّ المزيد من أعمال هذه الكاتبة، وإن لم تكن لديكِ، فأخبريني على الأقل كيف تواصلت الحكاية.
فليس بعد لوسي مود مونتغومري، سوى أنتِ يا كورديليا، من يستطيع أن يجعل لياليّ بهذا القدر من المتعة.
* * *
الأمير النقي،
ما رأيك في خطورة الجمع بين «حياة الفراش» و«المتعة» و«كورديليا» في جملة واحدة؟
— من السيدة الفاضلة، كورديليا غراي.
* * *
إلى السيدة الشريرة كورديليا،
لا بد أن أخبركِ أنّه لا شيء يمكن أن يجعل «علّتي» في الفراش أكثر «نفعًا» من «رسائلكِ»، سوى «كتب» لوسي مود مونتغومري.
— صديقكِ، أرتشيبالد ألبرت، المنهك من كثرة وضع هذه النقاط.
* * *
أرتشيبالد ألبرت، الذي يجرؤ على تحريك قلبي بعبارة «علّة في الفراش»،
حسنًا، سأرسل إليك الكتب.
ولْتكن «حياتك في الفراش» عامرة بالسرور، إذ سأبعث إليك أيضًا بمجموعة من الشعر الوقح.
ليس فاضحًا بقدر عشيق الليدي تشاتيرلي، لكنّه مليء بالكلمات التي سيرى فيها كثير من الرجال ما يُرضيهم.
وقد وضعت دائرة على القصيدة المفضّلة لديّ من أجلك.
وخلاصتها أنّها تدور كلّها حول التهام المتعة، مع تمجيد «التلال المستديرة».
* * *
صديقتي الجريئة، كوكو،
يبدو أنّك تستمتعين كثيرًا بالحديث عن أمورٍ غير لائقة. تقولين إنّه من أجلي، لكن هل ظننتِ حقًّا أنّني لن ألاحظ أنّك أردتِ مجرّد ذريعة لاستخدام عبارة «التهام المتعة»؟
وبفضلك، فقد حظيتُ الآن بمتعة قراءة شيء لم أقرأه منذ أيّام المراهقة، وأنا أخفي النصّ في وجل، خشية أن يضبطني أحد. ومع ذلك، سأقرأ ما أرسلته، ما دام قد وصلني.
طابت ليلتكِ يا كورديليا. وغدًا، شأن صديقتكِ، سأوقظك برسالة.
—بالمحبّة، أرتشيبالد ألبرت.
___
ت. م: من زمان عن كوكو كان عندي فضول كبير حول وش صار مع مارك وليام وسالفة حزنها المجهول اللي ذكرته في الرسائل ولا كنا عارفين شيء لان نص الفصول اللي راحت كانت عن آرتشي وعالمه وهي ابد ما حكت عن نفسها وحقيقي افتقدت ايميلاتها اللي تتكلم فيها عن حياتها، الحين توضحت الامور.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات