أليس من أصول الإتيكيت الملكي ألّا تُطلَق عبارة «أنا لكِ دائمًا» في أي مكان؟ فقول مثل هذه الكلمات بلا تروٍّ لامرأة قد يجرّ عليك المتاعب، يا آرتشي ألبرت.
على أية حال، لقد أنارت تلك العبارة مزاجي لأسبوع كامل، وأظن أنّ بإمكاني الانتظار بصمت حتى يحين يوم عودتك إلى آرلي.
في مطلع الشهر الحار،
— من كورديليا، التي هي نصف لك.
* * * إلى كورديليا، التي لا بدّ أنها تشعر بالوحدة وتذرف الدموع لأن أخاها الأكبر لم يعد بعد،
هل فاجأك الأمر؟ لقد عدتُ أبكر مما توقعتِ.
لقد رجعتُ الآن إلى آرلي بمفردي، بعد أن تركتُ فلين في الدير لبعض الوقت.
والآن، لا شك أنّك تحدّقين بعينيك الخضراوين متسائلةً إن كنتُ قد هربتُ تاركًا ذلك الطفل المسكين خلفي، لكن الأمر ليس كذلك أبدًا. لقد بدا لي فقط أنّ إقامتنا في دير ليث ستكون طويلة.
فما إن وصلنا، حتى وصلت سيسيل إلى الدير، وكأنها كانت تتعقبنا.
واتضح أن بيدر كان قد طلب العون من القصر الملكي من دون علمي. فقد زاد مؤخرًا عدد الوحوش الخارجة من الغابة القريبة من الدير، وهي الآن ضمن نطاق ممتلكات فلين، حتى عجز الرهبان عن التعامل معها.
ويبدو أنّ كل ما حول المكان قد تهاوى حين انهار الحاجز قرب كوخ الأميرة إدْوينا القديم.
ورغم أن سيسيل قد أصلحت الحاجز المكسور وتصدّت للوحوش الظاهرة، إلا أنّ المشكلة لا تبدو قابلة للحل بسهولة.
قد نضطر لطلب العون من رويتلِنغن، فالتعامل مع حاجز منهار أعقد مما توقعت، وربما يستدعي الأمر مساعدة سحَرة البرج السحري.
والمسافة لا تستغرق أكثر من أسبوع، أو ثلاثة إلى أربعة أيام إن حالفنا الحظ، لذا لا ينبغي أن يحدث الكثير خلال ذلك. لكن خوف الرهبان كان شديدًا، حتى قررتُ البقاء في الدير وتأجيل كل ما عداه. وهذا بركة لدير ليث، لكنّها خسارة لأهل قصر آرلي، فغياب حسني لأكثر من أسبوع سيكون خسارة فادحة لكل من في القصر.
لكن، يا كورديليا، أتعلمين ما كان أول ما خطر ببالي حين أدركت أنّ عليّ البقاء في الدير كل تلك المدة؟
لم يكن الأمر يتعلّق بكبير خدمي إدموند، ولا بجلالة الملكة، ولا حتى بالخادمات اللواتي سيهلكن إن لم يرين وجهي كل يوم.
بل فكرتُ بكِ أنتِ وحدك، يا صديقتي العزيزة كوكو.
إنّ فكرة أنني لن أتمكّن من تبادل الرسائل معكِ لأكثر من أسبوع بدت لي مأساة أعظم من أن تلتهم الوحوشُ بيدر نفسه.
وكانت لديّ فكرة أخرى كذلك: إن لم أكتب لكِ طوال أسبوع، ألن تقلق كورديليا عليّ؟
وأظنّك الآن تضحكين من غروري، لكن حقًّا، هذان كانا الخاطران الوحيدان اللذان راوداني.
والأمر غريب حين أفكّر فيه الآن… فعندما التقينا أول مرة، كنتُ أطرح رسائلك جانبًا بلا مبالاة، وأمضي مسرعًا إلى الدير. أما الآن، فإن تأخرتُ يومًا واحدًا عن تسلّم رسائلك شعرتُ بالفراغ في داخلي.
فاطمئني، يا صديقتي، فلن أدع صندوقنا السحري الثمين يقع على الأرض فيتحطم، بل سأحمله كما تُحمل سحابة رقيقة من الضباب.
ولا تقلقي كثيرًا بشأن ترك فلين خلفنا، فهو يتأقلم جيّدًا، تمامًا كما فعلت ليديا في كتاب الحكايات.
وربما كان ذلك لأن دير ليث قريب من الغابة التي اعتاد العيش فيها. وبعد أن التقى بالنساخ وبنويل هناك، بدا أن عينيه الخضراوين، المتألقتين أصلًا، قد ازدادتا بريقًا.
صديقتي، أتريدين أن أخبركِ بأمر سيعجبكِ؟ إن آنستنا الصغيرة نويل، التي لمّا رأت عربتي أسرعت خارجةً من دون أن تُحكم انتعال حذائها، ما إن وقع بصرها على وجه فلين حتى قالت:
«كورديليا؟»
وعند التفكير في الأمر، تذكرتُ أن ذاك الفتى المشاغب فلين يملك شعرًا أحمر وعينين خضراوين أيضًا، أليس كذلك؟
ومع ذلك الوجه المستدير الجميل، فمن الطبيعي أن تخطئ فيه للحظة وتظنه أنتِ.
ثم إن نويل قد عاشت حياتها كلها بين جدران الدير، قلّما ترى امرأة.
حتى حين أخبرتها أن فلين ليس كورديليا، بل هو ابن الأميرة إدْوينا، ظلّت تهزّ رأسها رافضةً التصديق، وتؤكد أنه كورديليا.
أما فلين، فلطهر قلبه، لم يضق صدرًا بأن يُخطأ فيه ويُظنّ فتاة، بل قال لها:
«نعم يا نويل، يمكنكِ مناداتي بكورديليا.»
ومنذ ذلك الحين، بدا أن نويل تعلّقت بفلين أكثر مني.
أما كتاب الصور الذي أخذتِه معكِ، فقد انتهى به المطاف بين يدي فلين لا بين يديّ، إذ ذاك المشاغب بارع على نحو مدهش في العناية بالصغار.
كان يقلب الصفحات وهو يسأل:
«انظري هنا، ما هذه الصورة؟ كيف يبدو العم ليديا؟ هل يبتسم؟»
وأنا شعرتُ بشيء من الحرج، فقد كنتُ أنوي مجرد الإلقاء أمام نويل، لا قراءة القصص لها.
ألَا ترين أنّ قراءة كتاب لشخص آخر أمر محرج ما لم تكن حكّاء بالفطرة؟ لكن فلين، كيف له أن يتقن الأمر هكذا؟
وبينما أنا أميل برأسي في حيرة، إذا به يقترب، مبتسمًا وكأنه قرأ أفكاري، ويقول:
«حين كنت صغيرًا، كانت أمي تقرأ لي على هذا النحو.»
وما إن سمع بيدر ذلك، حتى أخذ يصنع جلبة ويسأل إن كانت الأميرة إدْوينا قد نضجت حتى صارت أمًّا حانية تقرأ الكتب لابنها.
آه، وبالطبع أوصيتُ بيدر أن يكتب لكِ رسالة أيضًا. سيكتبها، لكنّه أصرّ هذه المرة ألّا أُلقي عليها نظرة.
وكأوّل مراسل لكِ، راودتني رغبة في الاطّلاع عليها، لكنني سأمتنع عن التصرّف بامتلاكية وأرسلها إليكِ كما هي، حتى لا أخاطر بخسارة النصف من قلبك الذي أملكه. وإن قال ذلك العجوز شيئًا فيه قلّة احترام، فأخبريني حالًا!
— صديقكِ الوفي، آرتشي، الذي جلس في غرفة الكتابة من غير أن يلتقط أنفاسه لحظة واحدة منذ وصوله إلى قصر آرلي.
ملحوظة:
لديّ ما سيعجبكِ أكثر من رسالة بيدر، نعم…
إنّها رسالة من نويل. هي أقرب إلى رسم من كونها رسالة مرة أخرى، لكن المرأة ذات الشعر الأحمر تبدو أنتِ، والطفل ذو الشعر البني الذي يمسك بيدها هو نويل. ويبدو أنها تطوّرت من مجرّد كتابة اسمها، إذ أضافت جملة قصيرة هذه المرة:
«تشرفتُ بلقائكِ يا كورديليا.»
نعم، في الحقيقة كانت هذه الرسالة موجّهة إلى فلين، لكن حين كنتُ على وشك المغادرة إلى آرل اليوم، أسرع إليّ وهو يحملها، وطلب مني أن أوصلها إلى كورديليا الحقيقية. أليست طفلًة مهذبًة وذكيّة الفؤاد؟
* * * صديقي العزيز، آرتشي،
لستُ أضحك يا صاحب السمو.
لو أنّ رسالتك لم تصل لأكثر من أسبوع، لامتلأت خزانة كتبك على الأرجح برسائلي المتلهفة. أنت تعرف يا آرتشي كم أنا سيئة في الانتظار.
وعلى ذكر ذلك، فإن رسومات نويل تتحسن يومًا بعد يوم. تُرى، هل سيأتي يوم ألتقي فيه نويل شخصيًا ونركض معًا في المرج؟ فجأة، وجدتني أغار من فلين؛ فهو يسير في المروج برفقتك، ويحتسي الشاي، ويقرأ كتب الصور لنويل أيضًا!
سأجلس بهدوء في مكاني أنتظر رسالة بيدر، متمسكةً بغيرتي من ذلك الطفل المسكين المشاغب الذي يفعل كل ما كنتُ أودّ فعله.
والآن، احمل صندوقنا السحري معك يا أميري.
ملحوظة: لن تفعل شيئًا يجعلني أكرهك يومًا.
ليلة الرابع من يوليو — من كورديليا التي أسعدتها رسالتك المبكرة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات