مثقلة بالضغط لاضطراري إلى العودة إلى العمل، وجدت نفسي هذا الصباح أضحك عند قراءة رسالتك. أردت أن أرد عليك باقتباس رائع من الليلة الثانية عشرة، لكن كل ما خطر ببالي هو: “إن أسماك الرنجة المخللة فظيعة حقًّا!” آه، إن العودة إلى العمل بعد إجازة تشبه تمامًا تناول الرنجة المخللة.
على أي حال، وكما طلبت، إليك كتابًا آخر. هذه المرة ليس من كتب شكسبير.
إنه كتاب أحببته كثيرًا حين كنت فتاة صغيرة. عنوانه بابا طويل الساقين (Daddy-Long-Legs)، وهو مكتوب بالكامل على شكل رسائل من فتاة يتيمة تُدعى “جودي”.
في الرواية، جودي فتاة ذكية ومرحة تعيش في ملجأ للأيتام، تحصل على كفيل يُلقب بـ “بابا طويل الساقين” يعدها بإرسالها إلى الجامعة. تكتب له رسائل عن حياتها الجامعية، مفعمة بروحها المرحة وأسلوبها اللطيف، وفي نهاية القصة تتفتح رومانسية جميلة.
لكن ما يجعل هذا الكتاب المفضل لدي طوال حياتي ليس هذه الجوانب وحدها.
في الحقيقة، كانت لدي أسباب شخصية جعلتني أتفاعل معه بعمق.
بعد أن تركتني أمي وأنا في الثانية عشرة من عمري، وحتى بلغت العشرين، قضيت كل تلك السنوات في مدرسة داخلية.
كانت مدرسة فاخرة جدًا، بعيدة كل البعد عن الملجأ الذي عاشت فيه جودي، لكن في البداية شعرت وكأنني أصبحت يتيمة.
عندما أقول إن أمي “تركتني”، يظن معظم الناس أنها توفيت، ولا يعرفون كيف يتصرفون. لا يعرفون أي تعبير يضعون على وجوههم في تلك اللحظة. دعني أوضح لك، أيها الأمير: أمي لم تمت، لقد تركتني فقط.
حين كنت في العاشرة، قبل أن ترحل أمي بقليل، جلستني وقالت:
“كوكو، قريبًا ستذهب أمك بعيدًا. لن أعود. لكنني سأظل أحبك دائمًا. أينما كنت، سأفكر بك، فلا تقلقي وعيشي حياتك جيدًا.”
ظننت أنها تمزح، بالطبع. كنت كبيرة بما يكفي لئلا أخاف من مثل هذه الكلمات، وأمي كانت شخصًا غريب الأطوار.
مرة، حين كنا في حديقة، اقترب منا رجل وقال شيئًا سخيفًا عن النساء ذوات الشعر الأحمر وأنهن “لعوبات”.
نظرت إليه أمي بشفقة، وغطت أذني بكلتي يديها، ثم صاحت في وجهه:
“ولِمَ لا؟ أتظن أنني لن أسبّ لأن طفلتي معي؟ تبا لك! اغرب عن وجهي!”
تراجع الرجل أمام جرأتها. أمي كانت صغيرة الجسد، لكنها جعلته يلوذ بالفرار. ما زلت أضحك حين أتذكر ذلك المشهد. (آرتشي، تذكر هذا: حتى لو غطيت الأذنين، فإن الصراخ العالي يصل إلى السمع).
أمي نادرًا ما كانت تتحدث بكلام فارغ، لكنها كانت تمزح كثيرًا، وتختلف تمامًا عن الأمهات الأخريات. كانت حقًا مضحكة، لذلك ظننت أن حديثها عن الرحيل مجرد مزحة.
لكن بعد أيام قليلة، اختفت فعلاً.
تركت لي أمي صندوقًا ماليًا يكفيني، فلم أعانِ من مشكلات مادية، لكن الصدمة كانت هائلة.
قال الناس إن أمي رحلت لتكون مع رجل أصغر منها. وادّعوا أنهم رأوه يتسكع قرب منزلنا قبل اختفائها.
لكنني كنت أعرف من هو. فقد أحضرت أمي ذات مرة رجلاً مصابًا إصابة بالغة، وبقي بالقرب من مرآبنا حتى تعافى.
لم يكن لدي وقت لأدحض الشائعات. وصلني إخطار من كفيل مجهول بأنه سيتولى أمري، ثم أُرسلت إلى المدرسة الداخلية.
كان عليّ التأقلم مع حياة المدرسة دون وقت لأتعافى من الصدمة. الشيء الوحيد الذي منحني الأمل كان الرسائل الشهرية التي أتلقاها. رسائل من أمي.
كنت أصدق تمامًا أن تلك الرسائل من أمي. خط يدها نفسه، وكلماتها مألوفة.
“نظفي أسنانك جيدًا، اغسلي يديك، لا تنسي ترتيب غرفتك”… ممزوجة بجمل مثل “إذا كانت الحصص مملة، فأدخلي رواية سرًا”، وهي نصائح لا تقولها أي أم أخرى.
استمرت هذه الرسائل ثلاث سنوات.
خلال تلك الفترة، تجاوزت صدمة اختفاء أمي، كوّنت صداقات، وتأقلمت مع حياة المدرسة. كنت أحيانًا أرسل ردودًا إلى كفيلي ليوصلها إلى أمي.
ثم، في الخامسة عشرة، اكتشفت أن تلك الرسائل لم تكن من أمي.
خلال إجازة، حين زرت بلدتي القديمة، أخبرني جار قديم أن أمي، رغم غرابتها، كانت طيبة، وأنها كانت مريضة منذ زمن طويل وخافت أن تثقل عليّ.
ربما أرادت أن ترحل وتموت في الخفاء، كما يفعل الكلب العجوز الذي لا يريد أن يرى صاحبه لحظة موته. كان ذلك اختيارًا “يشبه أمي” تمامًا.
عدت إلى السكن، منهكة لدرجة أنني لم أبكِ. نشرت الرسائل التي كنت أظنها من أمي أمامي.
بدا أن الرسائل الأولى حقًا من كتابتها، لكن بعد عام، صار خط اليد مختلفًا قليلًا. شخص ما حاول جاهدًا تقليد كتابتها.
أدركت سريعًا أن الكفيل الذي تولى شؤون صندوقي المالي لم يحتمل أن تتوقف الرسائل، فاستمر في كتابتها.
في البداية شعرت بالخيانة؛ من أمي التي تركتني لتموت سرًا، ومن كفيلي الذي شارك في الخداع.
لكن بعد أن هدأت، شعرت بالامتنان.
أمي على الأرجح أرادت الرحيل دون أن تجعلني أتحمل رعايتها، ولم ترد أن تجعل مني “طفلة فقدت أمها”.
أما الكفيل… فمن يكون؟ ما الذي كان يفكر فيه وهو يقلد خط أمي ويرسل لي رسائل مليئة بالعتاب كل شهر؟ كيف كان شعوره؟
رفعت قلمي وكتبت أول وآخر رد له:
[إلى كفيلي، لم يعد عليك أن ترسل لي رسائل تقلد فيها خط أمي. شكرًا على ما تكبّدته من عناء في إرسال تلك الرسائل. لقد كانت عزاءً كبيرًا لي. شكرًا لك.]
تخيل كم تطلب الأمر من مجهود كي أكتب أنا، الثرثارة، رسالة قصيرة كهذه؟
بعد وقت قصير، وصلني صندوق صغير من الكفيل.
كنت آمل أن يتضمن شرحًا طويلًا، لكنه لم يكشف هويته حتى النهاية. لكن، على عكس رسائل أمي المكتوبة على عجل بالقلم الجاف، كانت هذه الرسالة مكتوبة بالحبر، بخط أنيق لا يشبه بتاتًا خط أمي الفوضوي. وجاء فيها:
[اعتني بنفسك يا كوكو. ستظل أمك تحبك للأبد.]
رغم أنني كنت أعرف أنها كلمات زائفة، إلا أن الدموع انسابت حين قرأتها.
لا أزال حتى الآن لا أستطيع تفسير سبب حزني الشديد ولا لماذا بكيت.
لكن ذلك اليوم ربما كان أكثر يوم بكيت فيه في حياتي.
بعد بكاء طويل، فتحت الصندوق مجددًا، فوجدت بداخله كتابًا رقيقًا.
ذلك الكتاب كان بابا طويل الساقين.
الآن، تفهم لماذا أحب هذا الكتاب كثيرًا، أليس كذلك؟
وستفهم أكثر حين تقرأه بنفسك.
13/6 فجرًا، بخط متدفق… كورديليا.
ملاحظة: الليلة الثانية عشرة هو الكتاب المفضل لليام. كما هو متوقع، الفتيان الشقر لا يحبون سوى قصص الحب السعيدة.
ملاحظة 2: أرفق عشرة أقلام حبر، وخمسين قلمًا جافًا، وعشرة دفاتر. لا تحتكر المتعة لنفسك، بل شاركها مع كتّابك. تمنيت لو كانت صندوقنا السحري أكبر.
—
إلى كورديليا، التي ستقرأ هذا في الصباح،
بابا طويل الساقين كتاب رائع.
لكنني أحببت قصتك أكثر من الكتاب نفسه.
اليوم جعلتني رسالتك أضحك وأبكي.
بعيدًا عن رأيي في الكتاب، كل ما أود قوله لك اليوم هو:
سواء كانت أمك على قيد الحياة أو فارقت الدنيا، فهي ستحبك إلى الأبد، كما قالت في رسالتها الأخيرة، يا كوكو.
ملاحظة: غادرت سيسيليا مع المركيز إلى الحدود. وبما أن لدي بضعة أيام فراغ، سأزور دار النسّاخ لأشاركهم الهدايا التي أرسلتها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات