كان هو كاليان. ذلك الذي تمنوا أن يشرق كالشمس ويهب كنسيم الرياح. كان كاليان نفسه.
كان كاليان يقاتل كوحش يكشف عن أنيابه. بل، هل يمكن أن يُطلق على هذا قتالًا؟ كلا الطرفين يحملان أسلحة، ولكن كاليان كان يمزق أعداءه تمزيقًا أحادي الجانب.
كيف ظهر هذا الوجه الوحشي من ذلك الوجه الهادئ؟ عندما غرس سيفه في أحدهم، ثم أدار نصله وانتزعه بقوة، اندفعت الدماء لتغطي وجه كاليان بحمرة قاتمة.
ومع ذلك، لم يُبدِ أي اهتمام للأمر. تقدَّم بخطواته نحو عدوه التالي الذي، بعد أن تخلَّى عن سلاحه، وقع على الأرض يتراجع إلى الخلف في حالة من الذعر. لم يكن لديه أي نية للقتال، ولكن كاليان، بخطوات بطيئة، كان يقترب لإنهاء الأمر.
الشخص الذي أوقف كاليان عن مواصلة ما بدأه كان أنجيلا.
—
“كاليان…”
لم يكن سوى نداء واحد فقط.
في تلك اللحظة، شعر كاليان كما لو أن روحه عادت للحياة، وكأن أنفاسه التي توقفت عادت فجأة تتدفق بقوة. كان شعورًا عاصفًا، كالبحر الذي يعود بأمواجه بعد أن انسحب.
كاليان.
لم يكن سوى نداء صغير باسمه، ولكنه كان كافيًا ليجعل العالم الميت ينبض بالحياة من جديد.
—
“أنجيلا…”
اقترب كاليان من المرأة التي كانت حياته كلها، واحتضنها بشدة. وعندما شعرت أنجيلا بنبضات قلبه تلامسها، عاد له الإحساس بأنه ما زال حيًا.
“أنجيلا… أنجيلا…”
ظل يكرر اسمها، وفي كل مرة كانت ترد عليه: “نعم، كاليان.”
كان هذا الرد يملأ قلبه بوجع مختلط بالراحة. كم كان خائفًا من أن لا يسمع صوتها مرة أخرى أبدًا.
شد كاليان أنجيلا أكثر في أحضانه، وكأنه يريد أن يدمجها في روحه، ليصل إلى أقرب مسافة ممكنة منها.
ثم قال:
“أنجيلا…”
“نعم، كاليان.”
“أحبك.”
كانت تلك أول مرة يعترف فيها بمشاعره. شعر بتوقف أنجيلا عن الحركة بين ذراعيه. يبدو أنها كانت مصدومة من كلماته المفاجئة.
“أحبك، يا أنجيلا.”
ومع ذلك، لم يتوقف كاليان عن احتضانها، واستمر في التعبير عن مشاعره بكل صدق.
“لم أكن يومًا شجاعًا بما يكفي للاعتراف، ولكنني لم أكف عن حبك ولو للحظة واحدة.”
شعر بأنفاسها الصغيرة تلامس صدره، واحتضنها بحب وامتنان.
“كنت أخشى أن يتحول اعترافي إلى نقطة ضعف تُستغل ضدي، إذ لا أملك وسيلة للتغلب على أنجيلا إذا أمسكت بزمام نقاط ضعفي، لذا تظاهرت باللامبالاة وتراجعت خطوة إلى الخلف.”
قال كاليان ذلك بنبرة منهكة وكأنه يطلب المغفرة. لكن، رغم الكلمات التي نطق بها، لم تخفف ذراعاه التي احتضنت أنجيلا من قوتهما. بل كانتا كقضبان فولاذية، تُبقيها محاصرة تمامًا بين أحضانه، دون أن تترك لها أي مجال للهرب.
“كنت أتساءل: لماذا تتصرف أنجيلا هكذا؟ لماذا لا تكون لطيفة قليلًا مع الآخرين؟ لم أفكر سوى في أنني لا أستطيع فهمها.” “…”. “لكن رغم كل ذلك… لم أتخيل يومًا عالمًا يخلو من أنجيلا. منذ البداية وحتى النهاية، أنتِ من صنعتِ ما أنا عليه. لا يمكنني السماح لكِ بالرحيل عني.”
ضيق كاليان ذراعيه أكثر حولها، وكأنه يخشى أن تتلاشى من بين يديه.
“لن أترككِ تذهبين إلى أي مكان…”
ردت أنجيلا بصوت هادئ، وكأنها تقدم وعدًا: “لن أذهب إلى أي مكان وأتركك.”
حينها فقط، أطلق كاليان سراحها قليلاً ونظر إليها. لم يكن قد مر وقت طويل منذ آخر مرة رآها، لكنه شعر كما لو أنه لم يرها منذ زمن بعيد. كان لقاءها بمثابة رؤية وجه محبوب طال انتظاره. حتى وهو ينظر إليها الآن، لم يكن بإمكانه أن يكبح شعور الاشتياق.
قالت أنجيلا، “حتى لو قررتَ أنت الذهاب إلى أي مكان، حتى لو كان ذلك المكان جحيمًا، فسألحق بك. كيف لي أن أتركك وأذهب؟ أنا فقط كنتُ في طريق العودة.”
شعر كاليان أن كلماتها كانت مثل مشروب حلو يسري في روحه، ولم يستطع مقاومة إغراء الاقتراب من شفتيها وكأنهما كأس العطر الذي يسعى للارتواء منه. كانت قبلة طويلة، مليئة بالحنين والشوق الذي لا يمكن تهدئته.
لم يرغب أن تنتهي تلك اللحظة أبدًا.
كان مشتاقًا لها حتى الموت.
—
“آه!”
انتهت لحظة اللقاء العاطفي عندما أطلقت أنجيلا أنينًا خافتًا وانهارت. أمسك بها كاليان بسرعة، وحينها فقط لاحظ الجرح العميق في ساقها. انقبضت أسنانه بغضب، ورفع أنجيلا بحرص إلى مكان آمن.
جلس، ووضع ساقها المصابة على ركبته، وبدأ يفحص الجرح بعناية. بدا أن المشي على الطريق الوعر تسبب في تفاقم الإصابة، حتى وإن كان الضماد قد رُبط بشكل جيد، إلا أن النزيف لم يتوقف.
قال بصوت منخفض وكأنه يناجيها، “تحملي قليلًا، أرجوكِ.”
بدأ بفك الضمادة الملطخة بالدماء، وربط أعلى ركبتها بإحكام ليوقف النزيف مؤقتًا. كان يعلم أن بقاءها على هذه الحالة قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة. كان عليه إيصالها إلى طبيب بأسرع وقت ممكن.
“سنتحدث لاحقًا… الآن علينا علاجك أولًا.”
حمل كاليان أنجيلا بين ذراعيه، ومضى في طريقه دون أن يلتفت إلى الوراء. كانت كلماته موجهة إلى تريستان، رفيقه الذي التقاه بعد فترة طويلة، والذي ساعده على فتح الطريق وصولًا إلى هذا المكان.
قال تريستان بابتسامة خفيفة وهو يواصل ربط من نجا من أعداء كاليان إلى جذوع الأشجار: “حسنًا.”
نزل كاليان الجبل مباشرة وهو يحمل أنجيلا، بخفة مذهلة رغم حمله، على عكس تريستان الذي بقي في الخلف. كان يتحرك بحذر شديد، خشية أن يشعر الشخص الذي بين ذراعيه بأي ألم.
كان من الصعب التصديق أن هذا الرجل نفسه هو من كان قبل لحظات يُمزق أعداءه بلا رحمة كالجزار.
قال تريستان وهو يحدق في ظهر كاليان المغادر: “لقد كبر بشكل جيد، حقًا.”
ثم التفت وضرب بخفة رأس أحد الأعداء المقيدين، متحدثًا بنبرة ساخرة: “أنتم الآن انتهيتم.”
الرجل الذي تلقى الضربة خفض رأسه في ذعر، مدركًا أن كلمات تريستان لم تكن مجرد مزحة. كان يعلم أن العبث مع شخص مثل كاليان قد جلب عليهم كارثة لا مفر منها.
—
ركض كاليان إلى طبيب القرية المجاورة وهو يحمل أنجيلا. بقي يراقب عملية خياطة جروحها الدقيقة، متابعًا الإبرة التي تخترق بشرتها الرقيقة مرارًا. بدا وجهه وكأنه على وشك الانهيار مئات المرات، رغم أن الشخص المصاب لم يكن هو.
كان هذا الشخص نفسه الذي لو أصيب بجراح، لما أبدى أي تعبير عن الألم. ومع ذلك، رؤية أنجيلا تتألم جعلته يشعر وكأنه هو من يعاني.
أما جيمي، الذي كان يشعر بالذنب، فوقف يراقب الموقف بصمت. كان يدرك أن كل ما حدث كان نتيجة ضعفه. لو كان أقوى قليلًا، لما تعرضت أنجيلا للخطر، ولما اضطر كاليان إلى تحمل هذا الألم. قبض جيمي يديه بإحكام وعض على شفتيه، يلوم نفسه بصمت.
سأل كاليان دون أن يبعد نظره عن أنجيلا المستلقية على السرير: “وماذا عنهم؟”
أجاب جيمي بسرعة، عازمًا على أداء دوره جيدًا في هذه اللحظة: “ثلاثة فقط بقوا على قيد الحياة. تم إرسالهم إلى سجن القصر. وفقًا لما قاله صديقك تريستان، يبدو أن هناك قائدًا آخر يُدعى ‘الصياد’، لكنه هرب. لقد أرسلنا الفرسان لتمشيط الجبل حيث وُجدت السيدة. سنقبض عليه قريبًا.”
أومأ كاليان برأسه دون أن ينبس بكلمة، ثم أصدر أمرًا آخر بعد برهة قصيرة: “جهزوا العربة. من الأفضل أن ننقلها إلى القصر قبل أن تستعيد وعيها.”
فهم جيمي أن الحديث كان عن أنجيلا، فرد بسرعة ودون تردد، “حاضر”، ثم غادر الغرفة لتنفيذ الأمر.
ومع ذلك، بقي كاليان لفترة ينظر إلى وجه أنجيلا الشاحب بشكل مقلق. لم يكن يعلم من قبل أن البشر يمكن أن يصبحوا بهذا اللون الباهت. كانت بشرتها بيضاء بطبيعتها، ولكن الآن، مع هذا الشحوب، بدت وكأنها جثة، وهو مشهد لم يستطع تحمله.
لم يكن ليعترض لو أنها استيقظت غاضبة، تصرخ في وجهه، أو حتى صفعت خده وسألته لماذا تأخر في إنقاذها. كان ليتقبل أي لوم، وأي اتهام بأنها مسؤوليته أن هذه الجروح غطت جسدها. كل ما يريده هو أن تنهض بصحة وسلامة.
“لكن، خذي قسطًا من الراحة قليلًا.”
همس كاليان بينما يمسح بلطف على وجهها:
“إن استيقظت الآن، سيكون من الصعب نقلنا. لذا، نامي قليلًا، أنجيلا… وعندما نصل إلى المنزل، استيقظي هناك.”
كان يعلم أنها لم تنعم براحة طوال الأيام الماضية. كرر كلماته كما لو كان يغني لها تهويدة، وكأنه يريدها أن تشعر بالأمان حتى وهي في غيبوبتها.
اعتقد كاليان أن الطارق جاء ليخبره بأن العربة جاهزة. لكنه فوجئ برؤية تريستان يدخل بهدوء. تقدم نحو السرير ووقف متأملاً وجه أنجيلا وهي نائمة.
“حتى وهي نائمة، تبدو جميلة.”
رفع كاليان نظره أخيرًا عن أنجيلا وحدق بتريستان بنظرة باردة قاتلة. ضحك تريستان بخفوت، ربما لتجنب إزعاج النائمة.
“وأنت حتى وأنت تحدق بغضب، لا تزال وسيمًا. مر وقت طويل يا كاليان.”
فتح تريستان ذراعيه وكأنه يدعوه للعناق، لكن كاليان اكتفى برد جاف: “نعم، لقد مر وقت طويل.”
لم يكن كاليان يتجاهل تريستان بسبب عدم ترحيبه به، بل لأن كل تركيزه كان منصبًا على أنجيلا. وما إن انتهى من الحديث حتى عاد بنظره إليها.
لاحظ تريستان هذا، فأعاد طي ذراعيه وضحك لنفسه وهو يعانق ذاته بطريقة ساخرة.
“كنت أنوي انتظارك حتى تصل، لكن بدا أنك كنت على وشك إيصالها للعميل بنفسك، لذلك اضطررت للتدخل. ربما لم يكن الأمر مثاليًا، لكني فعلت ما بوسعي.”
هذه المرة، رفع كاليان رأسه ونظر مباشرة إلى تريستان.
وجود كاليان في المكان الذي كانت فيه أنجيلا لم يكن مصادفة. الشخص الذي أرسل له الرسالة يخبره بمكان أنجيلا كان تريستان نفسه.
[تريستان هنا. أعرف مكان عروسك. إنها في الجبال الصخرية عند المدخل الشمالي لفيلون. لقد وضعت علامات على الطريق المؤدي إلى مخبأها، لذا تعال وخذها. أخي الوسيم.]
كانت الرسالة مفاجئة وغير متوقعة، لكن كاليان وثق بها بسبب الأسلوب المميز الذي كان يعتمده تريستان في حديثه دائمًا. لقد كان هذا كافيًا لإقناعه بصدقها.
بعد أن قضى وقتًا طويلًا في البحث عبثًا داخل الإمبراطورية، توجه كاليان مباشرة إلى الموقع المذكور في الرسالة. هناك، تمكن أخيرًا من استعادة أنجيلا إلى حضنه.
“شكرًا لك. سأرد الجميل.”
كانت كلماته مقتضبة، لكنها حملت مشاعر امتنان عميقة ظهرت جليًا في ملامحه الجادة. كان وجهه يعكس صدقًا عميقًا، وهو شيء لطالما ميزه منذ طفولته، كما لاحظ تريستان وهو يبتسم لنفسه.
“رد الجميل سيكون من زوجتك.” “كيف عرفت؟” “من لا يعرف أن الآنسة بيلتون في فيلون هي خطيبة الكونت فلورنس؟”
ضحك تريستان، مؤكدًا أن الأمر قد انتشر لدرجة أنه معروف حتى في البلدان المجاورة.
“ولكن، لماذا كنت مع تلك العصبة؟ هل تركت مجموعة المرتزقة؟”
ازدادت ابتسامة تريستان اتساعًا عند سؤال كاليان.
“مجموعة المرتزقة تفككت منذ زمن طويل. قائدها ونائبه دخلا في صراع كبير، وكل فرد اختار الجهة التي تناسبه. أما أنا، فقررت أن أعيش بقبول المهام الفردية. تواجدي مع هؤلاء لم يكن سوى صدفة انتهت بتورطي معهم.”
رغم مظهره الذي يوحي بالاستعداد للإجابة عن أي شيء، بدا أن تريستان كان يخفي شيئًا ما. استشعر كاليان ذلك، لكنه لم يضغط عليه. بدلاً من ذلك، نظر إلى أنجيلا للحظة ثم قال:
“سأغادر حالما يتم تجهيز العربة. هل تود القدوم معي إلى منزلي؟ أظن أنها ستود شكرك عندما تستعيد وعيها.”
“بالطبع!”
وافق تريستان على الفور، كما لو كان ينتظر هذا العرض بفارغ الصبر. ابتسم بخفة وأخبر كاليان أنه سينتظر بالخارج، ثم خرج بخطوات خفيفة.
بقي كاليان يحدق في الباب لفترة قصيرة بعد خروج تريستان، لكنه عاد بسرعة ليصب تركيزه بالكامل على أنجيلا. نظراته السوداء لم تفارق وجهها الشاحب.
لم يطل الانتظار حتى وصل خبر تجهيز العربة.
حمل كاليان أنجيلا بحذر وصعد بها إلى العربة. كانت مصممة لنقل المرضى، وهو ما جعلها أوسع وأكثر راحة من العربات العادية. وضع رأس أنجيلا على ساقيه بعناية، محاولاً توفير أقصى درجات الراحة لها.
من الخارج، كرر كاليان توجيهاته لجيمي حول ضرورة القيادة بحذر. نقل جيمي التعليمات إلى السائق بنبرة أكثر صرامة، وكأنها أوامر لا تقبل النقاش.
انطلقت العربة بهدوء تام، حتى صوت صهيل الأحصنة المعتاد لم يُسمع، وكأن الرحلة كانت مغلفة بالصمت.
رغم ذلك، ظل كاليان متوترًا، متخوفًا من أن تشعر أنجيلا بأي انزعاج بسبب حركة العربة. لكن لحسن الحظ، بقيت نائمة طوال الطريق حتى وصلت العربة إلى قصر فلورنس في مدينة رون.
اقترب كاليان بلطف وهمس: “لقد كنتِ رائعة.”
ثم طبع قبلة خفيفة تكاد لا تُلمس على خدها.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "039"