فتح كاليان عينيه المثقلتين بالتعب ونظر إلى الأمام. لكن لم يكن هناك شيء واضح في مجال رؤيته. خفض بصره قليلاً، ليجد خادمة صغيرة السن تنظر إليه بتعبير شاحب وكأنها فقدت كل شيء.
“لماذا؟ لماذا ترحل بهذه السرعة؟”
سألت الخادمة بنبرة قلقة، وكأنها لا تستطيع إخفاء توترها. كانت يداها معقودتين أمامها وترتجفان بقلق واضح.
تذكر كاليان أنه سمع أن الخادمة الشابة أصبحت الخادمة الشخصية لأنجيلا بعد أن أصبحت إيفون دوقة. يبدو أن هذه الفتاة هي من كانوا يتحدثون عنها.
اسمها كان “ماري”، على ما يعتقد.
“الغرفة في حالة فوضى، ادخلي ورتبيها.”
قال كاليان وهو يتفحص الخادمة بهدوء، ثم وقف مستقيمًا مبتعدًا عن الباب. قد لا يكون هذا هو الرد الذي كانت تنتظره، لكنه كان يعلم أن عليه الرحيل الآن. بالنسبة للخادمة، كان ذلك “بسرعة”، لكن بالنسبة له، كان “الآن فقط”.
بدأ كاليان يسير بخطوات ثقيلة متجاوزًا الخادمة.
“يا صاحب السمو! يا صاحب السمو!”
رفعت الخادمة صوتها فجأة في محاولة لإيقافه، وكأنها تخشى أن تكتشف أنجيلا أنه ما زال في القصر. توقف كاليان على الفور واستدار نحوها.
“يا صاحب السمو…”
بدت الخادمة وكأنها على وشك الانهيار، وعيناها تلمعان بالدموع، وكأنها ستبكي بمجرد أن تلمسها الكلمات.
“هل يجب حقًا أن ترحل؟ أليس بإمكانك البقاء؟ فقط لليلة واحدة، أرجوك، ابقَ بجانب الآنسة.”
توسلت إليه الخادمة وكأنها تصرخ من أعماق قلبها، كلماتها تتدفق مثل شلال لا ينتهي.
“أرجوك يا صاحب السمو.”
نظر كاليان إلى الخادمة بعينين هادئتين، يراقب وجهها المليء بالرجاء وكأنها ستنهار إن رفض. تنهد بعمق قبل أن يفتح فمه ليجيب.
لكن ذلك لم يكن كافيًا ليكسبها ثقة كاليان. حتى بالنسبة له، كانت أنجيلا عبئًا ثقيلاً. كان يعلم أن الخادمة الصغيرة لن تملك خيارًا سوى الطاعة إذا أمرتها أنجيلا بشيء وهي تحمل السوط بيدها. خاصة إذا كانت بهذا العمر الصغير.
“لا شك أن سيدتك تثقل كاهلك كثيرًا.”
قال كاليان بصوت هادئ، وكأنه يحاول أن يظهر تفهمه.
“إذا هددتك سيدتك بالضرب لعدم إبقائي هنا، فافرّي إلى قصري.”
توقف رأس الخادمة عن الاهتزاز فجأة. بقيت صامتة، ما جعل كاليان يعتبر ذلك إشارة موافقة. كان على وشك أن يدير ظهره مجددًا حين سمع صوتها.
“هل يعقل أنكم، يا صاحب السمو، لا تثقون بالآنسة أنجيلا أيضًا؟”
أوقفته كلماتها غير المتوقعة مرة أخرى، فجعلت عينيه تلتمعان بنظرة حادة لأول مرة.
“الآنسة لم تأمرني يومًا بفعل شيء كهذا. لم تطلب مني منعكم من الرحيل، ولا حتى إلحاق الأذى بالآنسة بياتريس… لم تأمرني بفعل أي شيء من ذلك.”
“……”
“لم تطلب مني أي شيء على الإطلاق. صدقوني، لم تكن الآنسة… لم تكن الآنسة تفعل… تفعل أي شيء سيئ…”
بدأ صوت الخادمة يرتعش قبل أن يتحطم كليًا، لتنفجر بالبكاء.
حينها فقط أدرك كاليان أن هذه الخادمة كانت مرتبطة بأحداث النهار السابقة. تنهد قليلاً بينما يراقبها بصمت.
“ماري، أليس كذلك؟”
خفض كاليان جسده ليصبح على مستوى نظر الخادمة.
“هيك، نعم، مي، هيك، أنا ماري.”
“قلت إذا رفعن سيدتك السوط، تعالي إلى قصري. فلا داعي للكذب لتبرير نفسك…”
توقف كالين فجأة عن الحديث، فقد قرأ في وجه ماري اليأس، وهو تعبير لم يكن يتوقعه من طفلة في مثل عمرها.
ذكره ذلك الوجه بطفولته عندما كان يُلقى به في ساحة المعركة بلا سلاح، يحمل درعاً فقط ليكون هدفاً للسهام.
أدرك كالين أن هناك خطباً ما.
—
“لقد أخطأت… إنها غلطتي… لكن سيدتي…”
كانت ماري تحاول أن تكتم بكاءها وهي تروي لكالين كل ما حدث اليوم، دون أن تسقط حرفاً، مؤكدة بين دموعها أن ما تقوله ليس كذباً.
لكن، بالنسبة لكالين، بدت قصة ماري وكأنها رواية مبالغ فيها وغير واقعية. ثبت بصره على الأرض، وجهه متجمد، غير قادر على الرد.
المرأة التي يعرفها كالين، أنجيلا، لم تكن من النوع الذي يضحي بنفسه من أجل خادمة. بل كانت من النوع الذي يدفع بالخادمة لتحمل العقاب بدلاً منها.
أنجيلا تضحي بنفسها من أجل أحد؟ هذا كان مستحيلاً.
أنجيلا كانت دائماً تستهزئ بتضحيات الآخرين. عندما كانت إيفون تتقدم لتحمل العقاب بدلاً من بياتريس، كانت أنجيلا تزداد قسوة وشرّاً.
لكن السبب الذي منع كالين من رفض قصة ماري فوراً هو وجود أنجيلا أخرى في ذاكرته، أنجيلا التي كانت تعيش فقط في ذكريات بعيدة، فتاة رقيقة ودافئة، جعلت حتى القلوب المتجمدة تشعر بدفء الربيع.
“ألا يمكنك البقاء بجانب سيدتي… ولو ليوم واحد فقط… أو حتى للحظة قصيرة… هل هذا مستحيل حقاً؟”
توسلت ماري بدموعها.
لكن طلبها كان غير ضروري. لم يكن بإمكان كالين المغادرة حتى لو لم تطلب ماري ذلك. لم يكن يستطيع التحرك حتى يتأكد مما إذا كانت أنجيلا التي يتذكرها لا تزال هناك.
“الكلمات التي قلتِها الآن، يجب ألا يكون فيها ذرة من الكذب. لأن سيفي لن يرحم أحداً، مهما كنت صغيرة إذا كان هناك كذب في كلامك اعرفي مصيرك.”
قال كالين، وهو يمسك بكتف ماري، متعمداً أن يخيفها. واصلت ماري المسح على عينيها الدامعتين، وهزّت رأسها بشكل قاطع. عندها فقط، توجه نظر كالين نحو الباب المغلق بإحكام.
فهمت ماري أن هذا إشارة إيجابية، فظهرت ملامح ارتياح على وجهها. شعرت بالراحة لأنها قدّمت شيئاً جيداً للسيدة التي مرت بيوم مروع بسببه.
لكن عندما فتح الباب، لم تكن أنجيلا، التي كان ينبغي أن تفرح بعودة كالين، سوى جثة هامدة وسط الفوضى التي سادت الغرفة.
لم يكن الأمر مفاجئاً. كان مألوفاً لديها. حتى ذلك الضوء اللعين الذي يظهر فجأة ويدور حولها بشكل ساخر.
“أنتِ…!”
ترنحت أنجيلا وهي تحاول الاستناد إلى أرضية لا تعرف إن كانت موجودة حقاً. مدت يدها باتجاه الضوء الذي ظهر في أحد أحلامها وبدأ يلعب بقلبها. كانت حركتها حادة، وكأنها تنوي الإمساك بطرف رقبته.
لكن الضوء، الذي بدا قريباً جداً، لم يكن في متناول يدها، وكل ما قبضت عليه أنجيلا كان الفراغ الأسود. قبضت يدها على الظلام حتى غرزت أظافرها في راحة يدها.
“تشتشت، لم تتغير طباعك السيئة بعد، أليس كذلك؟”
وصل إلى مسامعها صوت ساخر، كأنما يخترق أذنيها بشدة.
“قلبي يؤلمني في كل مرة! ماذا علي أن أفعل؟!”
صاحت أنجيلا، وهي تلتفت بعصبية لمتابعة حركة الضوء، وعيناها تلتهبان غضباً.
“أنتِ تعرفين الحل بالفعل.”
بإجابة حازمة، اندفع الضوء فجأة نحو أنجيلا وتوقف أمامها. كان هجوماً مفاجئاً. شهيقت أنجيلا بعمق وهي تواجه النظرة الفارغة للضوء مباشرة.
وتمامًا كما ظهر بشكل مفاجئ، اختفى واختبأ بنفس القدر من الغموض.
“إذا أردتِ أن تعيشي.”
“إذا أردتِ أن تعيشي.”
“إذا أردتِ أن تعيشي.”
“إذا كنتِ لا تريدين أن تموتي.”
ترك وراءه تحذيرًا يدوي في عقلها، كأنه يقرع الجدران بعنف.
كانت أنجيلا تحتضن رأسها الذي بدا وكأنه سينفجر، متألمة بشدة. راحت تعبث بشعرها الطويل، الذي يشبه الخيوط الذهبية الفاخرة، بقسوة، تشدّه بلا رحمة. ومع ذلك، لم تستطع تحمل الألم، فسقطت أرضًا في حالة فوضى، تتلوى وتنتفض.
“……!”
عندما فتحت عينيها فجأة، كانت مشاهد مألوفة تنظر إليها من الأعلى. ملاك صغير بأجنحة لم تنمُ بالكامل، وهو جزء من لوحة جدارية فاخرة مرسومة على سقف غرفتها.
“!”
كانت أنجيلا تحدق في أجنحة الملاك التي بدت وكأنها تتحرك بخفة وكأنها ترفرف بالحياة، وفجأة جلست مستقيمة. لقد استيقظت حقًا من نومها هذه المرة.
“هاه، هاه، هاه.”
بدأت أنجيلا تلهث بحدة، وكأن أحدًا كان يخنقها وأخيرًا أُطلق سراحها.
كانت أنجيلا تلهث بجنون، تستنشق الهواء كأنها غريق خرج للتو من أعماق الماء. وعلى الرغم من ذلك، لم تتمكن رئتاها من الامتلاء بما يكفي.
لكن حين سمعت صوت الباب يُفتح بهدوء،
“آنسة! آنسة!”
رأت خادمة صغيرة تدخل راكضة نحوها بعدما أسقطت الوعاء الذي كانت تحمله بشكل صاخب.
عندها فقط،
“هُووووه، أُووه، أُوواه!”
انفجرت الخادمة بالبكاء، وارتج جسدها الصغير بينما أظهرت حنجرتها الحمراء وهي تصرخ بحدة.
حينها فقط، بدأ شعور من الطمأنينة ينساب في صدر أنجيلا.
وكأن البحر قد هدأ بعد العاصفة، شعرت أنجيلا بسكينة تسري في صدرها.
“ماري…”
نادت اسمها بنية أن تنهرها وتطلب منها أن تتوقف عن الصراخ الذي لا تريد سماعه، لكنها لم تستطع أن تكمل كلمتها أو تعبر عن استيائها بأي شكل.
“آنسة… هه، آنسة… آآه!”
أنجيلا، التي كانت دائمًا ما تعبّر عن انزعاجها بوضوح تجاه أي ضوضاء، خاصة تلك التي تتضمن بكاءً يثير الحزن، شعرت بشيء غريب هذه المرة. ماري، هذه الطفلة الصغيرة، كانت تثير فيها مشاعر مربكة؛ تلقي عليها اللوم في أخطاء لم ترتكبها أو تجعلها تشعر بأحاسيس لم تعتد عليها. وبينما كانت أنجيلا تعبّر عن انزعاجها بعبوس واضح على وجهها، ارتعبت ماري وظنت أنها مريضة، وبدأت في ضجة جديدة.
رغم أن وجه ماري الباكي بدا سخيفًا لأنجيلا، لم تستطع أنجيلا أن تزيح عينيها عنها لفترة طويلة.
“هه، آه… آنسة، هه…”
ومع أن ماري تجاوزت حدودها عندما مدت يدها دون إذن لتلمس كف سيدتها، قررت أنجيلا هذه المرة أن تتغاضى.
—
أو ربما كان عليها ألا تتغاضى.
أنجيلا نظرت إلى ماري، التي كانت لا تزال تبكي بلا توقف، بنظرة ملؤها الضيق، متسائلة بجدية.
لقد مر بالفعل أكثر من ساعة منذ أن فتحت أنجيلا عينيها، لكن ماري لم تُظهر أي نية للتوقف عن البكاء. لم يكن واضحًا ما إذا كان لهذه الدموع نهاية.
كيف يمكن لطفلة أن تستمر في البكاء بهذه الطريقة وقد بدا وكأن كل السوائل في جسدها قد نفدت؟ شعرت أنجيلا بالضيق في البداية، لكنها الآن كانت مذهولة من قدرتها على الاستمرار.
كانت ماري تبكي بسبب خوفها عندما رأت سيدتها مغمى عليها في غرفتها، ثم بكت مرة أخرى بسبب القلق لأنها كانت فاقدة للوعي لعدة أيام، ثم بكت لأنها كانت ممتنة لاستيقاظها بسلام. بدا الأمر وكأن دموع ماري قد أغرقت أنجيلا تقريبًا.
عندما نفد صبر أنجيلا تمامًا ولم تعد قادرة على الانتظار حتى تجف دموع ماري، فتحت فمها أخيرًا لتتكلم.
“ماري.”
“السيد… الدوق… آه، هه.”
في اللحظة نفسها، فتحت ماري فمها أيضًا. وبدا أنها لم تسمع أنجيلا، إذ توقفت عن النحيب فقط لتبتلع دموعها وأنفاسها المتقطعة قبل أن تتابع بتلعثم ما أرادت قوله.
“السيد الدوق… آه، بقي هنا لبعض الوقت.”
“الدوق؟”
كانت أنجيلا على وشك أن تطلب منها أن تخرج إن لم تتوقف عن البكاء، لكنها نسيت تمامًا ما كانت تريد قوله عندما سمعت ما لم تتوقعه.
“نعم، خطيبك، دوق فلورنس.”
“كال… ليان؟”
تساءلت أنجيلا بريبة وهي تنطق الاسم الذي لم تكن تتوقع سماعه أبدًا. أومأت ماري برأسها بحماسة وهي تقول “نعم، نعم”.
“الدوق كان قلقًا… هه، قلقًا جدًا… عليكِ.”
عندما سمعت أنجيلا أن الدوق كان ليكون بجانبها لحظة استيقاظها لولا استدعاء الإمبراطور العاجل، ارتعشت شفتيها وكادت تبتسم.
كان هذا أول خبر سار تسمعه منذ استيقاظها من ماري التي لم تتوقف عن البكاء.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "014"