كانت أجواء الحفل أكثر نعومة.
لكن هذا لا يعني أنّ دوقات العائلات الثلاث اجتمعوا يضحكون ويثرثرون.
فقط أنّ أفراد العائلات المختلفة لا يوجهون سكاكينهم لبعضهم؟
“…تذوّق مأكولات أرجنتا البحريّة لأوّل مرّة. من يظنّ أنّ بحر اللانهائيّة ينتج مأكولات بحريّة؟”
“بالطبع. مثلما تُجمع الموارد من ‘الغابة الممتدّة بلا نهاية’ في ألروس.”
سمعتُ أصوات فرسان يتبادلون الحديث.
لو التقوا في مكان آخر، لكانوا تقابلوا كأعداء، لكن الآن فترة الاجتماع.
فترة الاجتماع تحمل قانونًا غير مكتوب بعدم مهاجمة بعضهم.
حتّى في أوقات الحروب بين العائلات الثلاث، كان هذا القانون يُحترم، وحتّى من كانوا يتقاتلون بالسيوف بالأمس، كانوا يرفعون الكؤوس معًا في الاجتماع.
لذا، كانت الأجواء الآن، وهي سلميّة نسبيًّا، لا بدّ أن تكون أفضل.
“كروا ألروس، لا، كروا أرجنتا!”
لكن كان هناك من كانت أكثر حيويّة.
فتاة تركض نحوي بعينين متلألئتين.
“…تلك التي كانت خلف دوق كارتيل؟”
أليست هي؟
فتاة ذات شعر زمرديّ لامع، بدت بريئة ومبهجة حقًّا.
“صحيح. أنا إلرين كارتيل.”
أمسكت طرفي فستانها وانحنت قليلًا.
لكن أداء التحيّة كان لحظيًّا، فعيناها المتلألئتان كشفتا شخصيّتها على الفور.
كانت فتاة شقيّة لا تناسب مثل هذه المناسبات الرسميّة.
“تشرّفتُ.”
“وأنا أيضًا! كنتُ أريد أن أسألكِ عن شيء منذ قليل…”
رمشتُ عند كلامها.
هل تعلم أنّها جذبت الأنظار بمجيئها إلى هنا من طاولة كارتيل؟
“عن ماذا؟”
أجبتُ ونظرتُ حولي.
كان أفراد كارتيل يهزّون رؤوسهم كأنّهم استسلموا، بينما نظر أفراد أرجنتا إلى إلرين بنصف حذر ونصف فضول.
لم يبدُ أنّ هناك فتيات في سنّها بينهم لتتحدّث معهنّ.
أقرب واحدة كنتُ أنا؟
فهمتُ لمَ جاءت إليّ.
لا أحد غيري لتلعب معه.
“هل يمكنني السؤال حقًّا؟”
كرّرت إلرين سؤالها.
لا أعلم لمَ تتردّد لهذه الدرجة قبل طرح سؤال.
“بالطبع.”
سأجيب على كلّ شيء ما عدا ما لا يمكنني الإجابة عليه!
عند إجابتي، بدت إلرين مطمئنّة قليلًا.
“هل تحبّين دوق أرجنتا حقًّا؟”
ألقت قنبلة من الأسئلة.
دييلو، الجالس بجانبي، وكثيرون ممّن كانوا ينظرون إلينا، وجّهوا أنظارهم إليّ.
بالطبع، الجميع هنا يعلمون أنّني ودييلو تزوّجنا زواجًا سياسيًّا.
فهم يعتقدون أنّني الفيرو الخاصّة بدييلو.
لكن يبدو أنّ هذه الفتاة لا تعلم بعد.
“كان هناك عداوة بين أرجنتا وألروس. قال العمّ إنّه حتّى لو تزوّجتما، فالحبّ يحتاج إلى وقت.”
نظرت إلرين إلى دوق كارتيل.
كان سيتي كارتيل، على عكس ما سبق، بوجه متصلب.
لا بدّ أنّه لم يتوقّع أن تركض إلرين إليّ وتذكر كلامه.
“لكن إن لم تكونا تحبّان بعضكما، كيف تعيشان كزوجين؟ ألا… تشعران بالحرج؟”
وجهها يحمرّ وهي تتحدّث عن مشاركة غرفة النوم وما إلى ذلك، بدت فتاة بريئة بحقّ.
في تلك اللحظة، شعرتُ أنّ أفراد كارتيل وألروس يراقبوننا.
بالطبع، الجميع يعلم أنّه زواج سياسيّ.
لكن لا بدّ أنّهم فضوليّون أيضًا.
هل وقع زوجا أرجنتا في الحبّ حقًّا؟
وهل أزالا الزنبقة بسبب ذلك؟
لم تدرك إلرين، لكن هذا كان بمثابة اختبار.
في تلك اللحظة، احتضن دييلو كتفي.
“لو لم نكن نحبّ بعضنا، لكان الاقتراب هكذا محرجًا.”
رنّ صوته الهادئ في أذني.
رفعت إلرين عينيها إليه.
رمشت ثم انفجرت ضاحكة.
كانت خدّاها محمرّتين.
“تبدوان أقرب من العمّ والعمّة!”
كان واضحًا من تقصد بالعمّ والعمّة.
لا بدّ أنّها تشير إلى زوجي كارتيل.
“هههه…”
“دوق كارتيل، ما رأيكَ في هذا؟”
تردّدت ضحكات بين الحضور.
حتّى دوق ألروس ضحك وخاطب دوق كارتيل.
“…أليس في الحياة الزوجيّة أمور لا تراها عيون الأطفال؟”
قال دوق كارتيل ذلك وأمسك يد الفيرو الخاصّة به.
يد لم يمسكها من قبل خلال الحفل.
لكن لمَ تدعو إلرين سيتي بالعمّ؟
إن كانت تحمل اسم كارتيل، فيجب أن تكون قريبة.
هل هي من فرع بعيد أكثر ممّا توقّعتُ؟
“شكرًا.”
في تلك الأثناء، ابتسم دييلو بنعومة. ضحكت إلرين بخفّة.
“لكن كيف أصبحتما قريبين؟”
وقفت على أطراف أصابعها وهمست.
“في الحقيقة، أحبّ شابًّا. أريد أن أقترب منه.”
يبدو أنّها جاءت للحصول على نصائح عاطفيّة.
“كيف يمكن… أن أحبّ؟”
سألت إلرين بخجل.
كان من الأفضل لو انتهى الأمر كسؤال خجول من طفلة، لكنّه كان اختبارًا آخر لا محالة.
بالنسبة للآخرين، كان سؤالًا عن ‘هل وقعنا في الحبّ حقًّا’ و‘إن كان الأمر كذلك، كيف حدث؟’.
بمعنى آخر، فرصة ممتازة لمعرفة إن كنا نحبّ بعضنا بما يكفي لإزالة زنبقة من جسد دييلو.
البريئة الوحيدة هنا كانت إلرين.
“هم… لا أعرف كيف يمكن للآنسة إلرين أن تقترب من ذلك الشابّ―”
“وأنتِ؟”
في النهاية، كانت تريد قصّة حبّي الأوّل.
عند هذا السؤال العنيد، بدأتُ أفكّر بسرعة.
كان يجب أن أتوقّع مثل هذا السؤال.
“نحن…”
هل أختلق قصّة حبّ أولى مقنعة؟
أوّل ما تبادر إلى ذهني كان صورة دييلو واقفًا في البحر.
بالطبع، كان في ساحة معركة.
رغم أنّ المعركة كانت مليئة بالوحوش والدماء والصرخات، للحظة، لم أرَ سواه. عندما تذكّرتُ، كان الأمر كذلك.
قطرات الماء على شعره الأسود، عيناه الزرقاوان مفتوحتان بدهشة.
أنا، منعكسة في تلك العينين.
“وقعنا في الحبّ على الماء.”
أجبتُ دون وعي. ثم أدركتُ خطأي.
إن قلتُ ‘نحن’، فهذا يعني أنّ دييلو وقع في الحبّ أيضًا؟
لكن لحسن الحظّ، كان دييلو يستمع بابتسامة ناعمة.
كأنّ قصّة الحبّ الأوّل التي لا يعرفها كانت حقيقيّة.
“على الماء؟”
“نعم.”
لحسن الحظّ، لم أكن سيئة في اختلاق القصص، فتابعتُ الحديث كما جاءني.
“كما تعلمين، دييلو من أرجنتا الناريّة. بما أنّه يتحكّم بالنار، ظننتُ أنّه يكره الماء.”
التفتُ إليه وابتسمتُ. بالطبع، كان تمثيلًا خالصًا.
ابتسامة حلوة! ابتسامة عاشقة!
لحسن الحظّ، كانت ابتسامة دييلو الخفيفة ساحرة بما يكفي لتساعدني على الردّ بابتسامة.
“لكنّه دخل الماء بكلّ سرور ليقضي وقتًا معي.”
―طق.
حتّى في تلك اللحظة في ساحة المعركة، سمعتُ صوت قطرات الماء تنزلق من شعره.
تذكّرتُ تلك اللحظة وقلتُ.
“شعرتُ وكأنّنا وحدنا هناك.”
لا أعرف شيئًا آخر، لكن هذا كان صحيحًا.
لأنّ نظري سُرق نحوه حقًّا.
“واو…”
تلألأت عينا إلرين.
لكن بدت مخيّبة للآمال قليلًا.
“لم يكن هناك وحوش؟ أو إنقاذ من خطر…”
كان هناك وحوش.
لكنّني أنا من أنقذ دييلو.
بدلًا من قول الحقيقة، هززتُ رأسي.
“أليس الحبّ يزهر فقط وسط الأحداث العنيفة، أليس كذلك؟”
التفتُ إلى دييلو.
بيده التي تحتضنني، مسح شعري الأرجوانيّ برفق.
“نعم. في ذلك اليوم، اكتشفتُ لأوّل مرّة أنّ الماء يمكن أن يكون بهذا الجمال.”
قال دييلو.
بالنسبة لشخص ليس جيّدًا في التمثيل، كانت جملته طويلة.
هل تدرّب هذا الرجل في الخفاء؟
“أرجنتا تحمل مصير صدّ بحر اللانهائيّة. لذا، كان البحر، الماء، عدوّي فقط.”
ارتسمت ابتسامة على شفتيه.
رنّ صوته، جدّيّ وناعم لدرجة لا تُصدّق أنّها تمثيل.
“لم أرَ ماءً يلمع بهذا التألّق من قبل.”
وصل همهسه إلى أذني.
احمرّ خدّاي دون وعي.
“كان رائعًا وجميلًا، لم أستطع رفع عينيّ عنه.”
كلمات دييلو جاءت مدغدغة للغاية.
رغم علمي أنّها تمثيل، كانت ساحرة للحظة.
لم يكن مجرّد تحسّن، بل تفوّق التلميذ على الأستاذ.
“آه!”
غطّت إلرين وجهها بيديها. تردّدت ضحكات خفيفة في الحفل.
“إلى الزوجين العاشقين!”
رفع دوق ألروس كأسه بوجه راضٍ.
لم تظهر ذرّة كذب على وجهه.
كان هذا يعني أنّنا بدونا قريبين للغاية.
لا بدّ أنّ دوق ألروس يعتقد أنّني نجحتُ في إغواء دييلو حسب خطته.
هذا جيّد. هذا جيّد…!
حتّى أنا كدتُ أنخدع، أنا!
دون وعي، خفضتُ وجهي المحمرّ ورفعتُ كأسي متأخّرة بخطوة.
―طنين.
تلامس كأس دييلو مع كأسي برفق، مُصدرًا صوتًا.
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 38"