جلس الكونت أولدن مذعورًا وهو يسند بريجيت إلى الأريكة بسبب وجهها الشاحب وصوتها الضعيف، التي لم تستطع إخفاء إرهاقها.
“أين كنتِ وأنتِ بهذه الحالة؟”
قام الكونت الذي كان يلمس يد بريجيت برفع كمّها سهوًا، وتصلب عندما رأى الطفح الجلدي الذي ظهر على ذراعها.
“رودولف.”
نادت بريجيت اسم زوجها بهدوء، لكن الكونت أولدن استمر في التحديق في ذراعها بوجه كأنه رأى شبحاً.
“مـ، متى بالضبط…”
“هل التوقيت مهم وقد حدث هذا بالفعل؟ ماذا اشترى راينر؟”
“هل تسألين ما إذا كان ذلك مُهمًا؟”
صاح الكونت أولدن بصوت لا يصدق.
“يا بريجيت! هل هذا سؤال؟ ألا تعرفين ما يعنيه أن الطفح الجلدي لا يزول حتى بِالسانتشي؟”
“أعرف. هذا يعني أنه لم يتبق لي الكثير من الوقت.”
اعتقدت أن الأمر قد يكون بخير لأن السانتشي قد منع أعراض بريجيت لفترة طويلة جدًا. لقد اعتقدت أنه لن يكون هناك ما يدعو للقلق بعد الآن.
حاول الكونت أولدن بجدٍّ التخلص من الإحساس بأن الأرض تنهار تحت قدميه، ولكن دون جدوى على الإطلاق.
لماذا الآن بالذات؟ لماذا بالذّات؟
كل ما بناه كان مبنيًا على أساس بريجيت. والآن كان كل شيء على وشك الانهيار.
“هل المنجم الذي اشتراه راينر… هو ذلك المنجم في ذلك الوقت؟”
“نعم. ذاك الذي لم يستطع زوجكِ السّابق شراءه وانتقل إلى نبيل من إمبراطورية كان. بمجرد إفلاسه بسبب الفيضان، اشتراه راينر ودفع كل الخسائر.”
رد الكونت بعصبيةٍ بعض الشيء على زوجته التي كانت تتعامل مع مرضها باستخفاف.
عندما علم الكونت بأمر شراء المنجم، سأل راينر: “كم لديك من المال بالضبط؟” بماذا أجاب ذلك الوغد المخيف في ذلك الوقت؟
<ما يكفي لتعيش أنت ويواكيم دون قلق لبقية حياتكما، يا سعادة الكونت>.
أجاب وهو يبتسم. وكأنه سيُعيلُ أولدن إلى الأبد. كان الكونت يعرف جيداً أن هذا الوغد لن يفعل ذلك أبداً لولا بريجيت.
“ما هذه الضجة يا رودولف؟”
“يبدو أنه لم يتجاوز وفاة والدهِ بعد. ما الفائدة من شراء شيء كهذا بهذا القدر من المال الآن. إنه إهدار للمال الذي كسَبهُ بشق الأنفس.”
“قلت لك. كانت علاقته بوالده خاصة. إنه لا يُقصِّر في حقك، لذا لا تبالغ في ردة فعلك. أأنت مستاء لأنه لم يصرف هذا المال عليك؟”
عندما سمع الكونت إجابة بريجيت التي لا تعرف شيئاً، كاد أن يضرب صدره دون قصد. كان أمراً جنونياً لأنه لا يستطيع أن يقول الحقيقة.
لأنه لا يستطيع أن يقول إنني أنا من أفسدت صفقة منجم والده، وإنه بسبب ضغينته لا يزال يشتري المنجم بهذا الثمن.
“إذا لم يكن يعتبرك عائلة، فهل كان بإمكانه إنفاق مثل هذا المال الثمين؟”
كان الكونت يعلم. أن بريجيت في الواقع تستاءُ قليلاً، وفي بعض الأحيان بشدةٍّ، من إنفاق ابنها المال الذي كسبه بجهد على الكونت ويواكيم.
كان يعلم أيضاً أن السبب في عدم منعها لذلك، وفي بعض الأحيان تشجيعها عليه، هو اعتقادها بأنه لا يوجد شيء آخر يمكن أن يُقَوي العلاقة بين الكونت وراينر.
كانت تفعل ذلك لأنها اعتقدتْ أنهُ إذا أنفق راينر المال، فسيعتبره الكونت ابناً له حقًا.
“هل أنت قلق من أن راينر سيدير ظهره لنا إذا متّ؟ لن يفعل ذلك. راينر يعلم جيداً أنه بفضلكَ تخرج من المدرسة الملكية والأكاديمية العسكرية، ونجح كما هو الحال الآن.”
يا له من هراء. سيعتقد أنني أنا من أفسدت حياته.
سخر الكونت سراً من بريجيت.
إذا اعتبرني عائلة بعد كل ما فعلته، فسيكون أحمق مجنوناً. إنه وغد لا نعرف ما سيفعله إذا ماتَتْ بريجيت.
مهما تصرفت بريجيت بينهما، ومهما أنفق راينر من مالٍ، فلن يصبح الكونت وراينر عائلة أبداً.
لو أنَّ راينر أظهر استياءه أو كرهه تجاههُ، لما كان قلقاً إلى هذا الحد.
لكن ذلك الوغد المقزز لم يُظهر أي مشاعر كهذهِ على وجهه أو في عينيه، منذ أن قتل إريك حتى الآن.
<الآن سأعتبرك ابني حقًا. حتى لو لم أتمكن من تبنيكَ رسميًا. الآن يُمكنني الوثوق بك>.
عندما قال الكونت ذلك بارتياح بعد تأكده من موت أخيه الأصغر، أجاب راينر وهو يخفض رأسه. “سأخدمك جيدًا ولن تندم.” لم يكن هناك حتى أي علامة خوف.
هل هذا ما يقوله صبيّ أُجْبِر على القتل بالتهديد؟ هذا كلام لا يمكن أن يصدر إلا من شخص جنّ نوعاً ما. في ذلك الوقت، ندم الكونت لفترة وجيزة، متسائلاً عما إذا كان قد عبثَ بالشخص الخطأ.
منذ ذلك الحين، عامل الكونت راينر معاملة حسنةً حقًا، ودعمه بشكل كافٍ حتى بلغ هذا المجنون سنّ الرشد وورث ثروته، وكان ذلك الوغد يعبر عن امتنانه بانتظام دون أي مشاكل… ولكنه كان يشعر بالقلق كلما رأى راينر.
“أنتِ يا بريجيت، أليس إخفاؤكِ اليائس لإصابتكِ بِالجذام، وتناولكِ للدواء حتى في غرفة نومي، لأنكِ تفكرين بنفس الشيء الذي أفكر فيه؟ ألا تأملين أن يعتقد ابنكِ أنني أنا المُصاب وليس أنتِ إذا علم بالأمر؟”
لا يمكن لذلك الوغد الشيطاني ألا يعرف أن أولدن يشتري السانتشي. على الرغم من أنه لن يعرف بالضبط من منهما هو المصاب بِالجُذام.
كانت تلك هي الأيام التي كان الكونت يذبل فيها بدلاً من بريجيت المريضة، بسبب قلقهِ بشأن ما يجب فعله مع أولدن الذي يعتمد ماليًا على راينر إذا ماتت بريجيت. لم يعد لديه شهية بسهولةٍ.
الآن فقط بدأ يأكل بشكل جيد، معتقداً أنه يمكنه أن يرتاح قليلاً، وها قد حدث هذا…
“أنتِ تُخفين الأمر لأنكِ تخافين من أن يقطع راينر علاقته بنا إذا علم أنكِ قد تصبحين مريضة ميؤوسًا منها. أليس كذلك؟ ألا تظنين أن راينر سيفعل ذلك؟”
“ما هذا الهراء الذي تقوله. أنا أخفي الأمر لأن يواكيم ولويز ما زالا صغيرين، ولا نعرف ما الذي سيحدث.”
تحدثت بريجيت بنبرة توبيخ، لكنها لم تستطع إخفاء تعبيرها. أدركَ الكونت أنها لا تثق بابنها تمامًا أيضًا.
لم يكن الكونت أولدن يعلم أنه سيندم الآن على عدم تبنيه لِذلك الوغد. لو كان قد تبناه وقتله لاحقاً بطريقة مناسبة، لكانت الثروة قد وُرِثت لِأولدن.
لكن حقًا، لم يكن الكونت يتوقع أن يكبر ذلك الوغد الصّغير إلى هذا الحد.
“ما الأمر يا رودولف؟ هل حدث شيء بينك وبين راينر لا أعرفه؟”
شعر الكونت الذي سمع السؤال الذي يكره سماعه ويريد تجنبه، فخفف من حدة وجهه وافتعل صوتاً حنوناً بصعوبة.
“ليس كذلك. يا بريجيت، الأمر هكذا دائمًا. أنا لا أكره راينر، ولا أريده أن يبتعد. الأمر مجرد حرج. حتى لو حاولت اعتباره كابني الحقيقي، فالأمر كذلك عندما لا تكون هناك صلة دم. راينر سيشعر بنفس الشعور أيضاً.”
“نعم، أنا أفهم ذلك أيضاً. راينر ليس ابنك. ولكن حقيقة أن راينر هو الأخ الأكبر لِيواكيم لن تتغير أبدًا. إنه شقيقُ ابنكَ. راينر ليس طفلاً يتخلى عن إخوته الصِّغار.”
ما زالت بريجيت تتحدث بحديث مريح، مع أن يواكيم لن يعتبر ذلك الوغد شقيقه على أي حال.
“نعم، نعم. لا، هذا ليس هو المهمُّ الآن. دَعي راينر جانباً. ماذا سأفعل أنا إذا رحلتِ بهذه السرعة؟ لنجعل لدينا أملاً ونبحثَ عن طبيب آخر…”
لم تتأثر بريجيت بأسلوب زوجها العاطفي.
“المهم الآن ليس الأمل، بل وعدك. لا تنسَ الوعد الذي قطعتهُ لي عندما تزوجتني. لقد وعدت بأنٰ تكون ظلًا ومظلة ليس لي فقط، بل لِراينر أيضاً. إذا كان هناك طرف يحتاج إلى بذل المزيد من الجُهد، فهو أنت يا رودولف. لأنكَ أنت الأكبر سناً من راينر.”
شعر برغبة في الصراخ بأن ذلك الوغد يبلغ من العمر ستة وعشرين عاماً بالفعل ولا مجال للمقارنة بالسِّن، وأن علاقتهما لن تنجح بجهد، ولكنه كبتَ ذلك بصعوبةٍ لأن ذلك سيكون انتحاراً.
تمنى الكونت أن يترك وحيدًا ليضرب رأسه في الحائط. لم يكن يعلم أن السّر يمكن أن يجعل الإنسان يُجَنّ إلى هذا الحد.
في العلاقة المبنية على الخِداع، لا يمكن مشاركة الحقيقة، وكان عليه أن يتحمل الألم والقلق الذي سببه الكذب بمفرده.
لقد سيطر على راينر بقوله “ماذا تعتقد أن والدتك ستفعل إذا علمت أنك قاتل؟”، ولكن في الواقع، كان الكونت هو أكثر من يخشى أن تعلم بريجيت.
“يجب أن يستمرَّ هذا الوعد حتى بعد رحيلي.”
“… حسناً يا بريجيت.”
ابتلع الكونت كل تلك المشاعر وأجاب بصعوبة.
لم تقبل المرأة التي لا تستطيع فعل أي شيء عرض زواجها بسهولة، على الرغم من أن الطريق لإعالة ابنها كان صعبًا.
عندما قال إنه من الصعب تبني راينر رسميًا مقابل زواجها منه، طلبت مِنهُ أن يعامله كابنه الحقيقيّ وأن يوفر له أفضل تعليم بدلاً من ذلك. لقد قبلت عرض الزواج فقط بعد أن جعلتهُ يكتب عقدًا، ربما لأنها رأت وسمعت شيئًا أثناء عيشها مع زوجها السابق الذي كان تاجراً.
خَمَّن الكونت في نفسه أنها ربما كانت تنوي قبول العرض منذ البداية، لكنها تفاوضت على طريقتها.
لم يفهم أحياناً كيف أنها كانت تكرهُ زوجها السابق إلى هذا الحدّ، بينما كانت تعتز بالطفل الذي أنجبته منه.
“ابحثْ له عن زوجةٍ مناسبة وزوّجه.”
“لا تطلبي مثل هذا الطلب. ستشهدين ذلك بنفسك. هل أزوّجه الأسبوع المقبل مباشرةً؟ سيستمع إلى كلامكِ ولو لم يستمع إلى كلامي.”
“لا أريد طريقة كهذه. ابحث له عن فتاة تعرف كيف تحبّ راينر. شخص يمكن أن يكون له راحة وليس خطراً…”
تغير لون وجه بريجيت.
“بريجيت.”
“إنه يشبه والده. إذا بدا أنه سيقوم بشيء مُتهوِّرٍ، فيجب عليك حتى أنت يا رودولف أن تمنعه.”
“كَفى عن هذا الكلام الشبيه بالوصية. هل كنتِ تنتظرين هذا الوقت؟ تتحدثين بطلاقة وكأنكِ كنتِ تستعدين، لماذا أنتِ هادئة هكذا؟ ومن يستمع لذلك الوغد غيركِ؟”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات