في تلك الفترة، كان غريغوري يعاني من عذاب نفسي وهو يحقق سراً في الإفلاس المفاجئ لأخيه الأكبر الذي كان عطوفاً، ولكنه في الوقت نفسه كان يريد أن ينسى إفلاس أخيه وموته ويعتبرهما مجرد سُوء حظ.
لم يكن الاحتفاظ بمثلِ هذه الأمور في القلب يجلب أي خير. فالميِّتُ قد مات بالفعل، والدعاء لراحة روحه والقيام بالصلاة كان كافياً.
ولكن كان من الصعب عليه البقاء ساكتاً عندما أقدم راينر، الذي التحق بالمدرسة الملكية ولم يبلغ سنّ الرشد بعد، على تفتيش مذكرات والده ودفاتره السرية، وتوعد برفع دعوى قضائية ضد أعمامه.
تخلى عن محاولاته للبحث عن الأشخاص الذين سحبوا الودائع من أخيه، ومعرفة من أين انتشرت الشائعات بأنَّ الاستثمار في مناجم النحاس سيفشل، وذلك بعد أن تم اتهام بعضهم بالهرطقة وتنفيذ حكم الإعدام فيهم لكونهم من أتباع الكنيسة الكاثوليكية المُنحرفة.
لم يكن غريغوري قد حصلَ على أي معلومات مفيدة، ولكنه كان من المحتمل أن يعرض نفسه للخطر دون داعٍ. حتى الكاهن الأكبر للكنيسة الكاثوليكية المُنحرفة، الذي كان يحظى بأكبر قدر من الاحترام، لقي حتفه بالمقصلة مؤخراً. كانت تلك هي طبيعة ذلك العصر.
اختار غريغوري أن يستنتج أن ما حدث لأخيه الأكبر هو مجرد سوء حظ، وأن ينسى كل شيء، ولكن عندما رأى ابن أخيه متمسكاً بآثار أخيه المتبقية في سونووا، عادت إليه ذُنوب الحياة الدُّنيَوية وعانى.
<بيتر، أنت تعرف أنه ليس لدي أحد أثق به سِواك. إذا حدث لي أي شيء، فأنت الوحيد الذي سيهتم بِـبريجيت وراينر>.
عندما قال أخوه الأكبر تلك الكلمات ذاتَ مرةٍ بوجه عابس، تفاخر غريغوري قائلاً: أليس هذا شيئاً بديهياً؟ لقد كان هو الذي لم يتخلَّ عن الفوائد العاطفية والاقتصادية، إذ كان يتواصل مع أخيه الأكبر سراً على الرغم من أنه ترك الحياة الدنيوية وتسمى باسم راهب.
أراد أن يصفع نفسه. لم يكن ينبغي له أن يقطع وعوداً لا يستطيع الوفاء بها. كل ما تلقاه من أخيه الأكبر بطيشٍ أصبح ديناً في قلبهِ.
<يا عمي، إريك أولدن جاء لزيارتي. قال أن الكونت أولدن، ذلك الرجل، هو من فعل ذلك بأبي… وقال إنه سيُخبرني بالحقيقة ويساعدني>.
نظر غريغوري إلى ابن أخيه الذي كان يواصل الكلام بصعوبة ووجه شاحب، وفكَّرَ في أنه كان يجب أن يتظاهر بأنه لم يسمع طلب أخيه.
لم يكن لدى الكونت رودولف أولدن أطفال لفترة طويلة وكان كبيرًا في السن، ولهذا لم يشك أخوه الأصغر إريك أولدن في أنه سيرث لقب الكونت. على عكس الكونت أولدن، كان إريك لديه طفل بالفعل.
لم يُظهر الأخوان أولدن ذلك للآخرين، ولكنهما كانا يريدان دائماً محْوَ وجود الآخر. كان وجود راينر هدية سقطت من السماء للأخوين اللذين كانا يُخفِيان عدائهما بجهدٍ خوفاً من السمعة المحيطة بهما.
صبيٌّ مناسب تماماً يمكن ابتزازه، ولن يتحدث من تلقاء نفسه دون الحاجة إلى رشوة أو الحاجة إلى تذكيره مراراً وتكراراً بألا يتحدث. كان راينر ورقةً رابحة لكل من الأخوين أولدن.
كان بإمكان الكونت أولدن أن يتحكم به كما يشاء بجعل بريجيت رهينة، وكان بإمكان إريك أولدن أن يجعل راينر في صفِّه بإخباره بالحقيقة عن الكونت أولدن وتحريض عدائِهِ ضده.
حتى بعد أن ظهرت بريجيت فجأة وأنجبت يواكيم، لم يخْفَتْ طموح إريك. عندما أنجبت بريجيت طفلاً ثانياً كان بنتاً، ولم تعُد قادرة على الحمل، تحرك إريك.
<في المقابل، طلب منِّي أن أقتل يواكيم>.
كان راينر ينظر إليه بوجه حائر. كان يجب أن يذهب ويخبر بريجيت بذلك، ولكنه جاء إليه ليخبره.
آه، كم كانت حياة غريغوري هادئة. لقد أمضى سنواته لا يعرف سِوى الحاكمة والنبيذ، على عكس إخوته الذين عاشوا كأنهم مطاردون لشيء ما في سعيهم للمال.
ولكن الكلمات التي كانت تحوم حوله الآن كانت المؤامرة، والقتل، والخِداع، وأشياء من هذا القبيل… بدا وكأن حياته قد عادت إلى الأيام التي كان فيها اسمه بيتر ميشيل وليس غريغوري.
<إلى متى ستناديني بِـعمِّي! أنا أصبحت ابن الحاكمة، ولس عمكَ>.
لذلك، كانت الكلمات التي قالها لابن أخيه أقرب إلى تفريغ الغضب.
الاضطراب الذي جلبه أخوه الأكبر إلى حياته الهادئة، والشعور بالمسؤولية تجاه ابن الأخ الذي تركه وراءه، والخوف أو الرُّعب الذي شعر به غريزياً، كل ذلك اختلط وتوجه نحو راينر.
في ذلك الوقت، لم يجب راينر. لقد زال وجهه الحائر، ولكن لم يظهر على وجهه أي صدمة أو جرح.
كانت حياة راينر صعبة للغاية بالفعل لدرجة أن كلمات غريغوري لم تستطع أن تصنع جرحاً جديداً في قلبه الذي كان مليئاً بِالجلد القاسي، ولذلك لم تنزف دماً صاخباً، وأدرك غريغوري ألم راينر في وقت متأخر للغاية.
وقْتها، لم يكُن غريغوري يعلم أن راينر كان يعاني من مضايقاتٍ ليس فقط من إريك أولدن، ولكن أيضاً من تهديدات الكونت أولدن بقتل أخيهِ الأصغر، وأنه كان مرهقاً بسبب تعرضه للمضايقات من كلا الجانبين.
لم تكن بريجيت تعلم، لأنها كانت تستمتع بسعادة جديدة مع ابنها وابنتها الصغيرين.
كان راينر وحيداً تماماً.
من الطبيعي أن تحدث مثل هذه الأمور لأن الصبيّ الوحيد لا يستطيع التفكير بشكل صحيح. عندما نبذ غريغوري ابن أخيه بطريقة غير ناضجة، كان يجب أن يتوقع أن يحدث شيء كهذا.
كان يجب أن يعلم أن جثة أولدن المُضرجة بالدِّماء ستوضع أمامه.
<قال إنه إذا لم أقتل يواكيم، فسوف يُبلِّغ عن عمي لدى محكمة التفتيش عن الهرطقة. وقال إن مجرد التواصل مع شخص مهرطق يعاقب عليه بالإعدام في هذه الأيام… وتساءل كم سيبدو الأمر مريباً إذا تواصل عمي مع العديد من المهرطقين وليسَ واحداً>.
في أحد الأيام، تمتم راينر البالغ من العمر ستة عشر عامًا في غرفة استقبال الملحق بدير سونووا، وأمامه إريك أولدن ملقى وهو ينزف. كانت الخنجر الذي كان راينر يمسك به بيده الشاحبة بقوةٍ مألوفاً.
ارتكب ابن الأخ أول جريمة قتل له بقطعة تذكارية تركها له والدهُ.
<قال إنه سيُسَهِّل عليَّ الاختيار. قال إنه تهديد لجعلني لا أحتاج إلى التردد بين الكونت أولدن وبينه، وأن أعتبره أمراً مريحاً. كم هو لطيف حقاً>.
ما زال غريغوري يتذكر وجه راينر الشاحب وصوته الهادئ الذي بالكاد أطلقه، وضحكة الجفاف التي كانت تتخلل صوته.
<قلت أن عمي لم يعُدْ عمي، لذلك فكرت في تركه يُدان. وفكرت أيضاً في أن قتل يواكيم سيكون أسهل. لأنه طفل صغير جداً، سيكون أسهل من قتل هذا الوغد… لكن والدتي تحب ذلك الطفل كثيراً، إلى هذا الحد…>.
في النهاية، اختار راينر والدته وعمه الأحياء بدلاً من والده المتوفى. لأنه لم يستطع أن يتجاهلهما.
عندما تحسس غريغوري نبض إريك أولدن وهو يرتجف، لم يشعر بشيء. كانت هناك جروح عميقة في رقبته.
<ولكن يا عمي. والدتي لم تعد والدتي أيضاً، وإذا لم تكن أنت عمي، فما الذي أملِكُه؟ كنت أفكر فيما تبقى لي>.
سأل راينر بوجه هادئٍ غريغوري الذي سقط على الأرض وملأه دم إريك. كان وجهه يبدو هادئًا لشخص قتل.
<ألم تخبر والدي يا عمي؟ أن والدي يؤمن بِـالحاكمة، ويتبرع، ويعرف كيف يشكر ويمنح، ولذلك سيحصل على البركة. ألم تعلمني أيضاً الكتاب المقدس؟ أنّ الخلاص يأتي بالإيمان>.
صحيح. لقد قال ذلك.
إن حقيقة تمكن غريغوري من دخول كلية اللاّهوت والعيش بسلامٍ كراهب دون أن يكسب المال بيده هي بفضل أخيه الأكبر، واعتقد أخوه أن تربية أخيه الأصغر بهذه الطريقة هي وسيلة لتكفير عن ذنبه في حُبّ المال.
لقد حفّز إحساس أخيه بالذنب وحصل على الكثير من التبرعات.
لم يكن غريغوري يجهل أن السلام الذي كان يتمتع به، ذلك السلام الذي اشتكى من أن أخاه الميت قد أفسده، كان في الواقع هدية من أخيه.
<هل هذه هي البركة والخلاص اللذان كنت تتحدث عنهما يا عمي؟>.
بعد أن استغلَّ الحاكمة بكل هذا الجهدِ، لم يستطع غريغوري الإجابة على سؤال ابن أخيه القصير، وهو السؤال الذي طُرح بصوت خالٍ من اللوم أو الغضب.
<اخرج>.
مسح راينر دم الخنجر بملابس الجثة وأعاده إلى مكانه، ثم وبّخ غريغوري المتصلب بلا جوابٍ ببرود.
<سأضرم النار في هذا المكان. إذا كنت تريد الإبلاغ عني فأَبْلِغ. ليس لدي دافع معروف لقتله على أي حال، وسأُنكر حتى النهاية>.
<لا تقل كلاماً سخيفاً. ما، ما هذا الإبلاغ>.
ارتجف غريغوري كالصفصاف ولكنه أبعد يد ابن أخيه التي امتدت نحو الشمعة.
<سأفعلها، سأفعلها أنا. اخرج. اذهب إلى مكان آخر الآن>.
<حتى لو خرجت فلن يكون لذلك معنى. هناك بالفعل العديد من الأشخاص الذين يعرفون أن إريك أولدن جاء إلى سونووا لمقابلتي>.
<على الرغم من ذلك، لا يمكنكَ البقاء هنا هكذا>.
انتزع راينر الشمعة من غريغوري.
<اذهب إلى المبنى الرئيسي بدلاً من القيام بأشياء عديمةِ الفائدة. وعندما تندلع النيران بعد قليل، اخرج مع الآخرين>.
<وأنت…؟>.
<لا بُدّ من وجود حرقٍ واحد على الأقل لجعل القول بأنني كنت معه وخرجت وحدي ذا مصداقيةٍ>.
حدق غريغوري في ابن أخيه الذي كان يتحدث دون تردد كما لو أنه مستعد، وكأنه ينظر إلى شخص آخر.
<اذهب يا عمي. أنا لا أطلب الكثير، أليس كذلك؟ فقط اتركني وشأني واذهب أرجوك>.
عند كلمة “عمي”، نهض غريغوري أخيراً وعاد يترنَّح. فعل ما طلبه منه ابن أخيه بالضبط.
في ذلك اليوم، اندلعت النيران، واحترقت جثة إريك، وأصيب راينر بحروق أثناء خروجه من المبنى.
شهد راينر لدى الشرطة بأنه قد تعرفَ على إريك أولدن، الذي كان محامياً، من خلال الكونت أولدن للتحضير للدعوى القضائية، وأنه كان يلتقي به في كثير من الأحيان للحصول على استشارة قانونية. وشهد بأنه لا يعرف سبب اندلاع الحريق، ولكن إريك أظهر شهامة وسمح لِـراينر القاصر بالخروج أولاً، وبذلك جعل من ذلك الوغد الذي كان يُهدد راينر مِثالاً عظيماً.
لم يكن لدى راينر دافعٌ للقتل، وتم تأكيد حقيقة أن إريك أولدن كان قد أحضر بالفعل مستنداتٍ متعلقة بالدعوى القضائية، ولذلك أمكن الاستنتاج بأن الحادث كان مجرد حريق عرضي.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات