إلكه أيضًا كانت تعلم أن والد راينر، الذي كان ثريًا، قد مرّ بسلسلة من الإفلاس وتوفي إثر نوبة قلبية. لو حدث شيء كهذا لوالد إلكه، الدوق إيبرهاردت، لكانت إلكه قد آمنت بالحاكمة لاعتقادها بأنها استجابت لدعائها.
ولكن يبدو أن هذا الرجل قد أصبح غير مؤمن بسبب التعاسة التي حلت بوالده، لذا، على عكس إلكه، لا بد أنه كان يحب والده.
في المقابل، موقفه تجاه بريجيت…
“والداي تمنيّا أن أكون بديلاً لأختي المتوفاة. خيبت آمال والديّ كثيرًا لأني لم أكن ناجحة مثل أختي ولكن…”
راينر أيضًا لم يبدُ مندهشًا مما قالته إلكه. لم تكن تعلم إلى أي مدى يعلم، ولكنه بدا يعرف شيئًا عن ماهية يوليكه.
“والداي أيضًا خيبا أملي كثيرًا. ولهذا لا أستطيع لا أن أحبهما ولا أن أكرههما.”
في العلاقة حيث يكون الطرفان مجرد خيبة أمل لبعضهما البعض، ينتهي أيّ شعور في النهاية إلى الألم فقط. الحب والكره والفرح والحزن والنشوة والغضب، إذا ما غطتها خيبة الأمل، تصبح كلها مجرد ألم.
“رأيت نفسي في وجه الكونت قبل قليل.”
وجه راينر وهو ينظر إلى بريجيت كان مألوفًا كما لو أنها نظرت في مرآة.
“هل تشمل بريجيت الانتقام الذي تنوي القيام به من أولدن؟”
اعتقدت أنه قد يكون سؤالاً فضوليًا، لكن نظرة راينر إليها لم تكن باردة كما في السابق.
“هذا لا يُقرر بإرادتي. ما دامت والدتي تحمل اسم أولدن وتحب أولدن، فإنها ستعتبر أي جرح يصيب الكونت جرحًا يصيبها هي.”
وصل الجواب بنبرة هادئة كبحر بلا عواصف.
خطر ببالها أن بريجيت قد تكون رهينة. أسيرة لراينر، محتجزة لدى أولدن.
لم تكن أولدن عائلة عظيمة إلى ذلك الحد. لولا راينر، لكان من الصعب عليهم تحقيق تلك المكانة، وإذا انسحب راينر، كان بإمكانهم العودة إلى موقعهم السابق في أي وقت.
إذا قرر هو ذلك، لربما وصلوا إلى مكانة أسوأ مما كانت عليه سابقًا.
إذا كان راينر لم يفعل شيئًا بعد، أليس هذا بسبب بريجيت؟
تذكرت إلكه القصة التي سمعتها منذ زمن بعيد عن الكونت أولدن وبريجيت. قيل إنهما كانا صديقين مقربين في الطفولة، ثم التقيا مجددًا بالصدفة بعد وفاة هانس ميشيل وتزوجا.
“هل تسبب الكونت أولدن في ما حدث لوالدك؟”
سألت إلكه بهمس.
لم يخطر على بالها سوى سبب واحد لحمل ضغينة ضد الكونت أولدن. لا بد أن زواج بريجيت الثاني كان مخططًا له، ولم يكن صدفة.
لم يُجب راينر، ولكن ذلك كان كافيًا كإجابة.
“هل ستقتله؟”
صوت ضحك هادئ تداخل مع صوت دحرجة عجلات العربة. الضحكة التي أطلقها على قصة لم تكن مضحكة كانت جافة جدًا وكأنها مُنتزعة.
“حسنًا. ربما تكون تلك طريقة سهلة جدًا.”
صوت الرجل الذي أجاب بأن القتل سهل كان مُجرّدًا من المشاعر.
بالتأكيد، الموت كان شيئًا سهلاً. الشيء الصعب هو أن تستمر في العيش هكذا، أن تتنفس وتواصل يومًا بعد يوم.
“لا تنسي ما قلته، يا آنسة إيبرهاردت. أنكِ لا تستطيعين التراجع عني الآن.”
راينر تحدث وكأنه يحذرها، مفسرًا نظرة إلكه بطريقة ما.
لم تستطع إلكه أن تفهم لماذا يعتقد أنها ستكون هي من يتراجع عن كل هذا وليس هو. هي من كانت في أمسّ الحاجة إلى وجود راينر، ولم يكن لدى راينر ما يخسره تجاه إلكه.
ملأ صوت توقف العربة ببطء بعد وصولها إلى الدير الصمت بينهما.
“ماذا لو لم تثق بي حتى بعد أن منحتكَ نُقطةَ ضعفي؟”
“أيّ نقطة ضعف؟”
سأل راينر بوجه خالٍ من التعبير.
فتح السائق الباب، فنهض راينر أولاً ونزل من العربة.
“لا أتذكر أنني رأيت نقطة ضعفكِ.”
همس راينر لإلكه وهي تمسك بيده وتنزل من العربة.
نظرت إلى الرجل الذي يتحدث بكلمات غامضة، لكن لم يظهر شيء على وجهه الخالي من التعابير.
هل يتظاهر بأنه لا يعلم ما حدث بالأمس لأنه في الخارج؟ أم أنه يقول أنَّ نقطة ضعف كهذه ليست كافية؟
نظر راينر إلى تعابير إلكه المتغيرة باستمرار وهي تُحاول فهم قصده، ثم أطلق ضحكة قصيرة.
“ما الذي يُضحِكك؟”
“آنسة إيبرهاردت، أنتِ من لا يبدو أنه يثق بي. أرى أنكِ لا تأخذين كلامي على محمل الجد.”
توقفت محاولة إلكه لسؤاله عما يقصده بالضبط بسبب ظهور رجل نحيل أمامهما.
“راينر!”
كان رجل في منتصف العمر يبدو أنه راهب يسير نحوهما مع أناييس. كان رجلاً عيناه تشبهان عين راينر كثيرًا. لا بد أنه الراهب غريغوري، عم راينر، لكن الجو المحيط به كان مختلفًا تمامًا عن جو ابن أخيه.
“أيها الوغد، كم رسالة أرسلت إليكَ…”
تطابقت النبرة الخجولة الخالية من الوقار مع جَوِّه الضعيف.
“أعتقد أنني أرسلت رداً بأنني سأزورك في الوقت المناسب.”
“كان يجب أن تخبرني على الأقل متى سيكون هذا الوقت، أيها الشقي. ماذا لو متّ من انقباض كبدي؟”
“إذا كان مقدّرًا لك أن تموت بتلك الطريقة، لكنتَ قد متَّ منذ زمن بعيد.”
نقرت أناييس التي كانت تقف بجوار الراهب على ذراعه بينما كان يحاول الرد على ابن أخيه القاسي.
“مرحبًا بكِ يا آنسة إلكه. من الجيد أن وجهكِ يبدو أفضل.”
تحولت عينا الراهب من راينر إلى إلكه عند تحية أناييس.
انحنى راينر انحناءة قصيرة، ثم اتجه نحو الدير آخذًا معه غريغوري الذي كان يحدق بإلكه بلا توقف.
“هذا هو عم الكونت شتيرن.”
نظرت أناييس إلى إلكه وهي تتمتم وهي تشاهد ظهورهما وهما يبتعدان وابتسمت.
“لا يشبهه، أليس كذلك؟ كان غريغوري أصغر إخوة عائلة ميشيل، ولكنه كان مختلفًا قليلاً. بينما اتبع الجميع مسار العائلة، أصبح هو راهبًا بمفرده.”
“لا بد أنه شخصٌ متدين.”
مالت أناييس رأسها.
“لا أعتقد أنه دخل الدير لكونه متدينًا، ولكنه يصنع نبيذًا رائعًا، هذا كل ما أعرفه.”
راينر قال ذات مرة أنّ أناييس أيضًا ليست متدينة جدًا.
بما أن راهبة تخدم الحاكمة وراهبًا يعيشان بمثل هذا الإيمان المتراخي، شعرتْ إلكه أنها ربما لا تكون شاذة.
على الرغم من أنها كانت تعلم أن النساء يُمكنهنَّ أن يعشنَ راهبات دون زواج، إلا أن إلكه التي تجاهلت هذا الخيار لأنها لم ترغب في خدمة الحاكمة، أدركت أن العيش في الدير لم يكن صعبًا كما توقعت، عندما بدأت تعيش فيه.
اعتقدت أنه إذا تم فسخ خطوبتها من صامويل رودنمارك، فلن تضطر بالضرورة إلى الزواج من رجل آخر. إذا سمح الدوق. قد يسمح بذلك، لأنه يعتقد أنه لا يوجد رجل جيد غير رودنمارك.
بالطبع، سيكون من المؤلم أن تعيش حياتها كلها مدعية الإيمان بشيء لا تؤمن به… لكن أليست الحياة كلها هكذا على أي حال؟ لا يمكن لأحد أن يعيش حياته يكشف عن نفسه الحقيقية ويفعل ما يريده فقط.
“هل نذهب؟ لقد جهزت ما طلبتِه مني يا آنسة إلكه في المرة السابقة. نحتاج فقط للبدء في صنعه.”
صوت أناييس الرقيق أزال أفكارها.
أومأت إلكه برأسها وسارت متبعة رئيسة الدير.
△▽△
“ما هي المكائد التي تخطط لها؟”
سأل الراهب الذي كان يُدعى في الماضي بيتر ميشيل، والآن يُدعى الأخ غريغوري، راينر بصوت لم يستطع إخفاء قلقه.
“ما هذا التّسرع؟ دعنا ندخل ونتحدث.”
وبّخ ابن الأخ الهادئ عمه بخفة ودخل مبنى دير فيتير، الذي يقع بجوار الدير.
تبع غريغوري راينر الذي كان يسير بخطوات واسعة بساقيه الطويلتين وهمس.
“تُخبِّئ طبيبًا في سونووا وتسألني ما هذا التسرع؟ ألا تفكر في هذا العجوز الذي يقوم بتدبير أمورك؟”
عندما رأى غريغوري طبيبًا جراحًا زاره قبل بضعة أسابيع، استطاع أن يدرك بسهولة. أن هذا الطبيب قد أرسل شخصًا ما عن عمد إلى جوار الحاكمة. ربما بطلب أو بأمر من راينر.
قال الطبيب إنه قام فقط بعملية جراحية للكاحل، ولكن من يدري إن كان ذلك هو الاسم المشفر للقتل؟
التزم راينر الصمت حتى فتح باب غرفة الصلاة التي أفرغتها له رئيسة دير فيتير، وعندما تأكد من دخول غريغوري الذي تبعه، أغلق الباب وفتح فمه.
“هل غادر هذا الطبيب إلى نوتيفيا؟”
“نعم، أيها الوغد! ما الذي أمرته بفعله مرة أخرى لدرجة أنك ترسله إلى نوتيفيا وكأنه هارب؟”
“ماذا تتوقع أن يطلب من جراح فعله بخلاف إجراء عملية جراحية؟ لقد أرسلته لأنه أراد الدراسة في نوتيفيا.”
“كذب.”
“هل حقًا تريد سماع الحقيقة؟ لا أظن ذلك.”
توقف غريغوري عن الكلام فورًا عند سؤال راينر البارد.
كان كلام ابن أخيه دقيقًا. وبقدر ما كان دقيقًا، كان حادًا أيضًا، فطعن عيبهُ ببراعة. لو كان غريغوري يستطيع، لكان سيفضل دائمًا ألاَّ يعلم.
لم يعد غريغوري يريد أن يعرف المزيد من التفاصيل. جريمة القتل التي ارتكبها ابن أخيه قبل عشر سنوات في سونووا، والحرق العمد الذي تغاضى عنه للتستر على ذلك. مجرد معرفة ذلك جعلت حياته بالفعل وحلاً.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات