✼ ҉ ✼ ҉ ✼
“عِنْدَمَا أَعَدْتُهَا لِلْأَمَامِ، لَمْ تَفْعَلْ شَيْئًا سِوَى الْبُكَاءِ… يُولِيكَه لَا تَبْكِي عِنْدَمَا تَرَانِي”.
ظَلَّ راينر يَنْظُرُ إِلَى صامويل لِفَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ. وَكَأَنَّهُ شَخْصٌ نَسِيَ تَمَامًا مَاذَا يَفْعَلُ، وَمَاذَا يَقُولُ، وَكَيْفَ يُعَبِّرُ.
“…أَنْتَ تَتَحَدَّثُ كَمَا لَوْ كُنْتَ قَدْ فَعَلْتَ ذَلِكَ”.
عِنْدَمَا فَتَحَ فَمَهُ بِصُعُوبَةٍ، اعْتَقَدَ راينر أَنَّ صَوْتَهُ كَانَ غَرِيبًا جِدًّا.
“أَفْعَلُهُ بِالْقُوَّةِ؟… كِدتُ أَنْ أخْلَعَ مَا فَوْقَها، لَكِنَّهَا رَفَسَتْنِي وَهَرَبَتْ”.
حَاوَلَ راينر أَنْ لَا يَتَخَيَّلَ ذَلِكَ الْمَنْظَرَ، الَّذِي لَا بُدَّ أَنَّهُ كَانَ مُحَاوَلَةَ اغْتِصَابٍ.
فَجْأَةً، تَذَكَّرَ صُورَةَ امْرَأَةٍ كَانَتْ تَتَأَوَّهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ تَبْكِي وَهِيَ تَسْتَلْقِي تَحْتَ راينر نَفْسِهِ، وَمَسَحَ طَرَفَ فَمِهِ بِشَكْلٍ لَا إِرَادِيٍّ بِيَدٍ جَافَّةٍ.
أَعَادَ راينر السِّيجَارَ إِلَى فَمِهِ وَأَخَذَ شَهْقَةً بِبُطْءٍ.
“إِنَّهُ أَمْرٌ جَيِّدٌ بِالنِّسْبَةِ لَهَا. لَمْ أَرَى يوليكه وَهِيَ نَاضِجَةٌ… لَنْ أَكُونَ قَادِرًا عَلَى مَعْرِفَةِ مَا إِذَا كَانَ جَسَدُهَا مُخْتَلِفًا عَنْ جَسَدِ يوليكه أَمْ لَا. يُفْتَرَضُ أَنَّ جَسَدَهَا هُوَ جَسَدُ يوليكه. لَمْ أَنَمْ مَعَ يوليكه، لِذَا لَا أَعْرِفُ ذَلِكَ الشُّعُورَ. لِذَا، يُفْتَرَضُ أَنَّ النَّوْمَ مَعَهَا هُوَ نَفْسُ الشُّعُورِ”.
فِي مُنْتَصَفِ الْغُرْفَةِ حَيْثُ اخْتَفَتْ حَتَّى الْأَصْوَاتُ الصَّغِيرَةُ الَّتِي يُصْدِرُهَا صامويل، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سِوَى صَمْتٌ مُخِيفٌ، فَكَّرَ راينر ميشيل.
إِنَّ إلكه إيبرهاردت لَيْسَتْ بِكَامِلِ قُوَاهَا الْعَقْلِيَّةِ.
جَاءَتْ لِتَجِدَهُ لِتَطْلُبَ مِنْهُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ هَذَا الْحَقِيرِ، وَأَنْ يَجْعَلَ الزَّوَاجَ مُسْتَحِيلًا.
لَمْ يَكُنْ طَلَبًا لِقَتْلِهِ، بَلْ جَاءَتْ إِلَى يَدَيْهِ بِطَلَبٍ بَسِيطٍ كَهَذَا.
“يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ هَكَذَا. يَجِبُ أَنْ أَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْعُثُورِ عَلَى يوليكه. وَإِلَّا… لَنْ يُغْفَرَ لِي أَنْ أَشْتَهِيَ طِفْلَةً كَهَذِهِ. كَيْفَ لِي أَنْ أَشْتَهِيَ هَذِهِ، الْحَقِيرَةَ”.
انْتَحَبَ صامويل.
“هَذَا سَخِيفٌ. أَنْ تَكُونَ لَدَيَّ مِثْلُ هَذِهِ الشَّهْوَةِ. كَيْفَ… وَهِيَ لَيْسَتْ يوليكه. أَشْعُرُ وَكَأَنَّنِي سَأُجَنُّ”.
نَظَرَ راينر بِهُدُوءٍ إِلَى الْمَجْنُونِ الَّذِي كَانَ يَبْكِي دُونَ أَنْ يَتَنَفَّسَ بِشَكْلٍ صَحِيحٍ.
كَانَ عَلَى تِلْكَ الْمَرْأَةِ أَنْ تَطْلُبَ مِنْهُ قَتْلَ هَذَا الْحَقِيرِ حَتَّى تَكُونَ حَيَاتُهَا مُسْتَقِيمَةً. لَا، حَتَّى مَعَ ذَلِكَ لَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ.
“هَلْ يَعْلَمُ الدُّوق إيبرهاردت، وَالْكُونْت كالين بِذَلِكَ؟”.
ضَحِكَ صامويل بِسُخْرِيَةٍ وَهُوَ يَبْكِي.
“بِالطَّبْعِ يَعْرِفانَ. لِمَاذَا ذَهَبْتُ إِلَى الْأَكَادِيمِيَّةِ الْعَسْكَرِيَّةِ وَلِمَاذَا ذَهَبْتُ إِلَى لويهر. لِأَنَّهُمْ ظلّوا يُخبرونني أَنْ أَنْدَمَ… تَرَكْتُ وَالِدِي الْمِسْكِينَ وَحْدَهُ. لِمُدَّةِ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ”.
أَعْطَوْهُ الْعُقُوبَةَ بِالذَّهَابِ إِلَى الْأَكَادِيمِيَّةِ الْعَسْكَرِيَّةِ الَّتِي يَذْهَبُ إِلَيْهَا الْجَمِيعُ.
نَظَرَ راينر بِعَيْنَيْنِ لَا تُصَدِّقَانِ إِلَى الْقَذِرِ الَّذِي كَانَ يَشْعُرُ بِالرَّحْمَةِ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَسْتَطِعْ الْوُقُوفَ.
كَانَتْ نَتِيجَةُ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ هِيَ هَذَا. لَمْ يَنْدَمِ هَذَا الْمَجْنُونُ أَبَدًا، وَلَا يَزَالُ يَعُودُ بِطَرِيقَةٍ مُرَوِّعَةٍ.
كَانَ راينر يَعْلَمُ جَيِّدًا أَنَّ الْحُبَّ وَالْأَخْلَاقَ لَيْسَا هُمَا الْأَوْلَوِيَّةَ فِي زِوَاجَاتِ النُّبَلَاءِ. كَانَ هُنَاكَ أَيْضًا أُنَاسٌ يَتَزَوَّجُونَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ.
وَلَكِنْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ كَانَتْ إيبرهاردت. إِذَا كَانَتْ تَمْلِكُ اسْمَ عَائِلَةٍ مُحْتَرَمًا فِي برانت بَعْدَ الْعَائِلَةِ الْمَلَكِيَّةِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَحْتَاجَ إِلَى زَوَاجٍ مُرَوِّعٍ إِلَى هَذَا الْحَدِّ. كَانَ ذَلِكَ شَيْئًا طَبِيعِيًّا.
“وَعَلِمُوا كُلَّ هَذَا وَخَطَبُوهَا”.
“مَا شَأْنُكَ، مَاذَا فِي ذَلِكَ. كُنْتُ أُرِيدُ فَقَطْ أَنْ أُسْرِعَ فِي الْأَمْرِ الَّذِي سَأَفْعَلُهُ عِنْدَمَا أَتَزَوَّجُ”.
شَدَّ صامويل عَلَى شَعْرِهِ وَحْدَهُ.
“لَا يُوجَدُ خَاطِبٌ أَفْضَلَ مِنِّي عَلَى أَيِّ حَالٍ. لِمَنْ سَيُرْسِلُونَ هَذَا الْعَيْبَ؟”.
“مَا هُوَ عَيْبُهَا؟”.
“قُلْتُ لَكَ، إِنَّهَا مَجْنُونَةٌ. شَخْصِيَّتُهَا غَرِيبَةٌ. لَقَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ مُنْذُ أَنْ كَانَتْ صَغِيرَةً. إِنَّهَا طِفْلَةٌ تَجَرَّأَتْ عَلَى الْقَوْلِ لِلْكَاهِنِ إِنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ يَبْدُو كَذِبًا وَهَرَبَتْ مِنَ الدَّرْسِ. كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَضْعَهَا فِي الدَّيْرِ عِنْدَمَا طَلَبَ الْكَاهِنُ فرانتز ذَلِكَ…”.
تَخَيَّلَ وَجْهَ إلكه التي اعْتَرَفت فِي قَصْرِ أولدن بِأَنَّها لَا تحِبُّ لَوْحَاتِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، كَانَ ذَلِكَ الْمَنْظَرُ الَّذِي أَظْهَرَتْهُ لِراينر حَقِيقِيًّا.
“لَمْ تَكُنْ جَيِّدَةً فِي الدِّرَاسَةِ أَيْضًا. لَمْ تَكُنْ جَيِّدَةً فِي الْغِنَاءِ. كَانَتْ طَرِيقَةُ كَلَامِهَا فَظَّةً. كَانَتْ تَقْطَعُ الزُّهُورَ مَعَ كَاهِنَةٍ مَجْنُونَةٍ وَتَتَعَلَّمُ التَّشْرِيحَ أَوْ مَا شَابَهَ ذَلِكَ. قَضَتْ يَوْمَهَا كُلَّهُ فِي الْخَارِجِ. فَقَطْ أَشْيَاءَ عَدِيمَةَ الْفَائِدَةِ. لَا بُدَّ أَنَّ الدُّوق عَانَى كَثِيرًا. لِمُحَاوَلَةِ إِصْلَاحِهَا… مَعَ فَتَاةٍ كَهَذِهِ، أَنَا. الْحَقِيرَةَ”.
تَذَكَّرَ أَيْضًا أَنَّهَا تَمْتَمَتْ بِأَنَّهَا كَانَتْ خَائِفَةً مِنْ أَنْ يَعْرِفَ النَّاسُ نَقَائِسَهَا.
فِي النِّهَايَةِ، فَهِمَ راينر إلكه إيبرهاردت.
كَانَتْ هِيَ عَيْبَ إيبرهاردت.
فِي اللَّحْظَةِ الَّتِي عَرَفَ فِيهَا جَوْهَرَ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَرَادَ فَهْمَهَا، لَمْ يَكُنْ شُعُورًا مُرْضِيًا عَلَى الْإِطْلَاقِ.
“لَمْ تُحِبَّ خِطْبَتِي عَلَى يوليكه، لِذَا كَانَ الْأَمْرُ جَيِّدًا. لَقَدْ وَصَلَتْ إِلَى نَفْسِ الْحَالَةِ. الْآنَ عَلَيْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَنِي… أَنَا وَهِيَ فِي وَضْعٍ سَخِيفٍ. سَنُصْبِحُ زَوْجَيْنِ لَا فَائِدَةَ مِنْهُمَا”.
فِي اللَّحْظَةِ الَّتِي سَمِعَ فِيهَا ذَلِكَ، فَكَّرَ راينر بِشَكْلٍ لَا إِرَادِيٍّ فِي إِحْضَارِ السِّيجَارِ الَّذِي يُمْسِكُهُ وَحَرْقِ وَجْهِ صامويل بِهِ.
كَانَتِ الرَّغْبَةُ فِي الْقَتْلِ الَّتِي مَلَأَتْهُ فِي لَحْظَةٍ غَرِيبَةً.
يُعْتَبَرُ الشُّعُورُ بِالِاشْمِئْزَازِ تُجَاهَ هَذَا الرَّجُلِ أَمْرًا طَبِيعِيًّا لِلْإِنْسَانِ، لَكِنَّ الشُّعُورَ بِرَغْبَةٍ فِي الْقَتْلِ كَانَ مُفْرِطًا.
كَانَ شُعُورًا شَخْصِيًّا جِدًّا وَلَا لُزُومَ لَهُ.
أَلْقَى راينر السِّيجَارَ الَّذِي بَقِيَ مِنْهُ الْكَثِيرُ بِدُونِ نَدَمٍ وَوَقَفَ.
“أَيْنَ أَنْتَ ذَاهِبٌ. يَجِبُ أَنْ تَبْقَى بِجَانِبِي”.
تَجَاهَلَ راينر صامويل الَّذِي كَانَ يُمْسِكُهُ بِلَهْجَةٍ مُتَعَرِّجَةٍ، وَخَرَجَ مِنْ غُرْفَةِ الِاسْتِقْبَالِ وَنَزَلَ السُّلَّمَ.
أَمَرَ راينر الْخَادِمَ بِإِعْطَاءِ صامويل مُنَوِّمًا وَقَفْلِ بَابِ غُرْفَةِ الِاسْتِقْبَالِ حَتَّى صَبَاحِ الْيَوْمِ التَّالِي، ثُمَّ اسْتَقَلَّ عَرَبَةً وَاتَّجَهَ إِلَى قَصْرِهِ.
كَانَ مِزَاجُهُ سَيِّئًا.
حَاوَلَ فَهْمَ سَبَبِ هَذَا الْمِزَاجِ، وَلَكِنْ لَمْ يَأْتِ فِي ذِهْنِهِ كَلِمَاتٌ مُحَدَّدَةٌ أَوْ مُصْطَلَحَاتٌ، وَتَوَقَّفَ راينر عَنْ التَّفْكِيرِ بِشَكْلٍ عَصَبِيٍّ.
شُعُورُ الِانْزِعَاجِ الَّذِي تَكَتَّلَ كَقِطْعَةٍ ضَخْمَةٍ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ.
كَانَ هُنَاكَ نَدَمٌ خَفِيٌّ فِي ذَلِكَ التَّكَتُّلِ بِشَأْنِ إِجْرَاءِ صَفْقَةٍ مَعَ تِلْكَ الْمَرْأَةِ بِدُونِ سَبَبٍ، وَالنَّدَمُ عَلَى التَّوَرُّطِ بِدُونِ سَبَبٍ.
شَعَرَ بِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ التَّوَقُّفُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ عِنْدَمَا شَعَرَ أَنَّ إلكه لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إِلَيْهَا أَبَدًا، وَعِنْدَمَا شَعَرَ أَنَّهَا غَيْرُ مَفْهُومَةٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ. كَانَ عَلَيْهِ التَّخَلِّي عَنْ غُرُورِهِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إِجْرَاءَ صَفْقَةٍ مَعَ شَيْءٍ لَا يَعْرِفُهُ جَيِّدًا.
فِي النِّهَايَةِ، فِي اللَّحْظَةِ الَّتِي عَرَفَ فِيهَا عَنْهَا، كَانَ كُلُّ مَا تَبَقَّى هُوَ هَذَا الشُّعُورُ. هَذِهِ الْمَشَاعِرُ الَّتِي اخْتَلَطَتْ وَتَشَابَكَتْ بِشَكْلٍ لَا يُمْكِنُ فَصْلُهَا بِسُهُولَةٍ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ فَقَطْ أَنْ يَتَحَمَّلَهَا.
الْمَرْأَةُ الَّتِي أَجْرَى مَعَهَا صَفْقَةً كَانَتِ ابْنَةَ إيبرهاردت النَّبِيلَةَ، وَلَيْسَتْ سِلْعَةً مَعِيبَةً مِنْ تِلْكَ الْعَائِلَةِ.
بِالطَّبْعِ، إِذَا أَرَادَ اسْتِغْلَالَ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ، فَيُمْكِنُهُ ذَلِكَ. لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَهُ طَرِيقَةٌ فِي الِاسْتِغْلَالِ.
وَلَكِنَّهُ لَمْ يُرَحِّبْ بِذَلِكَ.
حَتَّى عِنْدَمَا وَصَلَ إِلَى الْقَصْرِ وَنَزَلَ مِنَ الْعَرَبَةِ، ظَلَّ مِزَاجُهُ سَيِّئًا.
“أَيُّهَا الْكُونْت، الْآَنِسَةُ إيبرهاردت تَنْتَظِرُ فِي غُرْفَةِ الِاسْتِقْبَالِ فِي الطَّابَقِ الثَّانِي”.
عِنْدَمَا قَدَّمَ لَهُ رَئِيسُ الْخَدَمِ هَذَا الْكَلَامَ، هَبَطَ شُعُورُهُ الَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ وَصَلَ إِلَى الْقَاعِ مِنْ دُونِ نِهَايَةٍ.
لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَحَدٌ يَلُومُهُ لِأَنَّهُ هُوَ نَفْسَهُ مَنْ أَخْبَرَهَا أَنَّهُ يُمْكِنُهَا زِيَارَةُ هَذَا الْقَصْرِ بِحُرِّيَّةٍ.
شَتَمَ راينر حَمَاقَةَ تِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي زَارَتْهُ مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ أَنْ حَدَثَ لَهَا مِثْلُ هَذَا الْأَمْرِ فِي هَذَا الْقَصْرِ، وَصَعِدَ السُّلَّمَ بِبُطْءٍ.
عِنْدَمَا فَتَحَ بَابَ غُرْفَةِ الِاسْتِقْبَالِ، رَأَى امْرَأَةً لَمْ تَسْتَطِعْ الْجُلُوسَ وَكَانَتْ تَمْشِي فِي الْغُرْفَةِ، وَتَوَقَّفَتْ بِسَبَبِ صَوْتِ الْبَابِ.
كَانَتْ إلكه، الَّتِي كَانَتْ تَرْتَدِي فُسْتَانًا أَسْوَدَ يُغَطِّي جَسَدَهَا بِالْكَامِلِ وَرافعة شَعْرَهَا، وَاقِفَةً بِاسْتِقَامَةٍ كَمَا كَانَتْ أَوَّلَ مَرَّةٍ رَآهَا، وَلَكِنَّ وَجْهَهَا كَانَ شَاحِبًا.
فِي اللَّحْظَةِ الَّتِي رَأَى فِيهَا الْمَرْأَةَ، مَسَحَ راينر وَجْهَهُ بِيَدِهِ بِشَكْلٍ لَا إِرَادِيٍّ. كَانَ مُتْعَبًا.
“عُودِي”.
عِنْدَ الْكَلَامِ الَّذِي قَالَهُ وَهُوَ وَاقِفٌ عِنْدَ الْبَابِ، ارْتَعَشَتْ تَعَابِيرُ وَجْهِ إلكه.
“عَلَى حَدِّ عِلْمِي، لَيْسَ لَدَيْنَا شَيْءٌ لِنُنَاقِشَهُ الْآنَ. إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَيْءٌ خَاصٌّ، فَمِنَ الْأَفْضَلِ أَنْ لَا تَأْتِي”.
“لَدَيَّ شَيْءٌ أُرِيدُهُ. إِذَا اسْتَمَعْتَ لِي، سَأَرُدُّ لَكَ الْجَمِيلَ”.
لَمْ تَتَرَاجَعْ إلكه عَنْ كَلِمَاتِ راينر الْقَاسِيَةِ. بَلِ اقْتَرَبَتْ مِنْهُ. لَوْ لَمْ يَكُنْ وَجْهُهَا وَجَسَدُهَا يَرْتَعِشَانِ بِشَكْلٍ مُرْعِبٍ، لَكَانَ مَوْقِفُهَا مُتَحَمِّسًا.
وَهِيَ تُمْسِكُ بِيَدَيْهَا مَعًا، نَظَرَتْ إِلَى راينر لِفَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ وَهَمَسَتْ.
“عَانقنِي”.
تَجَهَّمَ وَجْهُ راينر.
“افْعَلْ الْبَاقِيَ مِمَّا كُنْتَ تُرِيدُهُ مِنِّي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ”.
الْكَلِمَاتُ الَّتِي قَالَتْهَا إلكه بِصُعُوبَةٍ كَانَتْ هِيَ الذِّكْرَى الَّتِي أَرَادَ راينر مَحْوَهَا الْآنَ.
“لَسْتُ بِحَاجَةٍ إِلَى ذَلِكَ الْآنَ، فَارْجِعِي. لَا تَفْعَلِي أَشْيَاءَ عَدِيمَةَ الْفَائِدَةِ”.
“لَسْتَ بِحَاجَةٍ إِلَى ذَلِكَ”.
رَدَّدَتِ الْمَرْأَةُ كَلِمَاتِ راينر بِشَكْلٍ شَارِدٍ.
“هَلْ يُمْكِنُكَ أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ مَعَ كُلِّ النِّسَاءِ الْأُخْرَيَاتِ… هَلْ يُمْكِنُكَ فِعْلُ ذَلِكَ مَعَ هيتشن وَكيلش، لَكِنْ لَيْسَ مَعِي؟”.
ضَيَّقَتِ الْمَسَافَةَ بَيْنَهُمَا بِشَكْلٍ اعْتِبَاطِيٍّ.
“هَلْ لِأَنَّنِي إيبرهاردت؟”.
لَمْ يُعْطِهَا راينر أَيَّ إِجَابَةٍ.
كَانَ هُنَاكَ الْكَثِيرُ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي مَنَعَتْ ذَلِكَ. كُلُّ هَذِهِ الْأَسْبَابِ اجْتَمَعَتْ فَقَطْ فِي اسْمٍ وَاحِدٍ هُوَ ‘إيبرهاردت’.
عَرَفَ أَنَّ بَعْضَ الرِّجَالِ يَشْعُرُونَ بِالْفَخْرِ وَالرِّضَا فَقَطْ لِأَنَّ النِّسَاءَ النَّبِيلَاتِ يُرِيدْنَ أَجْسَادَهُمْ. وَعَرَفَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ يَشْعُرُونَ بِالرِّضَا الْغَرِيبِ بِحَقِيقَةِ أَنَّ تِلْكَ النِّسَاءَ يَتَجَاهَلْنَ أَصْلَهُمْ وَلَكِنَّهُنَّ يُرِيدْنَ أَجْسَادَهُمْ، وَأَنَّهُنَّ يَتَصَرَّفْنَ كَمَا لَوْ كُنَّ يَتَحَكَّمْنَ فِيهِمْ، وَلَكِنَّهُنَّ يَنْحَنِينَ بِهُدُوءٍ فِي اللَّيْلِ.
لَمْ يَكُنْ راينر عَاهِرًا كَهَذَا.
لَمْ يُرِدْ أَبَدًا هَذَا النَّوْعَ مِنْ الِانْتِصَارِ الْرَّخِيصِ وَالْخَالِي مِنَ الْمَعْنَى.
كَانَتْ طَرِيقَةُ إلكه فِي الِاشْتِهَاءِ لَهُ لَا تَخْتَلِفُ عَنْ طُرُقِ النِّسَاءِ الْأُخْرَيَاتِ الْمُزْعِجَاتِ.
الْمُشْكِلَةُ، الشَّخْصُ الْمُخْتَلِفُ، كَانَ راينر نَفْسَهُ فَقَطْ. نَفْسُهُ الَّذِي شَعَرَ بِأَنَّهُ يُرِيدُ التَّمَاشِيَ مَعَ هَذِهِ الشَّهْوَةِ السَّخِيفَةِ عَلَى عَكْسِ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ مَعَ النِّسَاءِ الْأُخْرَيَاتِ.
لَيْسَ لِأَنَّهُ كَانَ بِحَاجَةٍ إِلَى شَيْءٍ، بَلْ فَقَطْ لِأَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ.
وَبِشَكْلٍ مُتَنَاقِضٍ، كَانَ هَذَا هُوَ السَّبَبَ الَّذِي جَعَلَهُ لَا يَسْتَطِيعُ تَحَمُّلَهَا.
يُمْكِنُ الْقَوْلُ إِنَّهُ شُعُورٌ بِالْوَعْيِ بِالدُّونِيَّةِ السَّخِيفَةِ، لَكِنَّ راينر كَانَ يَعْلَمُ جَيِّدًا أَنَّ إلكه كَانَتْ امْرَأَةً لَا يُمْكِنُهُ الْحُصُولُ عَلَيْهَا. حَتَّى لَوْ كَانَتْ هِيَ عَيْبَ إيبرهاردت، كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْعَالَمَ سَيَعْتَبِرُهَا أَكْثَرَ مِنْ مُسْتَوَاهُ.
كَانَ هَذَا دَرْسًا تَعَلَّمَهُ طَوَالَ حَيَاتِهِ.
سَتُذَكِّرُهُ إلكه بِمَدَى غُمُوضِ مَوْقِعِ راينر الَّذِي جَرُؤَ عَلَى الدُّخُولِ وَالِانْدِمَاجِ فِي هَذَا الْعَالَمِ. تَمَامًا مِثْلَ أخيها الَّذِي كَانَ دَائِمًا يُذَكِّرُهُ بِمَوْقِعِهِ وَأَنَّهُ فَقَطْ مُنْدَمِجٌ.
كُلَّمَا اشْتَهَاهَا أَكْثَرَ، كُلَّمَا تَذَكَّرَ الْأَشْيَاءَ الَّتِي أَرَادَ نِسْيَانَهَا أَكْثَرَ.
نَظَرَتْ إِلَى راينر الَّذِي لَمْ يَقُلْ شَيْئًا، وَصَدَرَ مِنْ إلكه صَوْتُ ضَحِكَةٍ خَفِيفَةٍ.
“إِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ… سَأُعْطِيكَ نُقْطَةَ ضَعْفِي”.
✼ ҉ ✼ ҉ ✼
التعليقات لهذا الفصل " 68"