✼ ҉ ✼ ҉ ✼
لَمْ تَزُرْ إلكه قَصْرَ إيبرهاردت لِبَعْضِ الْوَقْتِ.
كَانَ السَّبَبُ أَنَّهَا تَلَقَّتْ رِسَالَةً مِنْ شارلوت تُخْبِرُهَا فِيهَا أَنَّهُ لَا دَاعِيَ لِزِيَارَتِهِ لِأَنَّ مَزَاجَ الدُّوقِ لَيْسَ عَلَى مَا يُرَامُ.
قِيلَ لَهَا إِنَّ أَعْصَابَ الدُّوقِ كَانَتْ مُشَدَّدَةً بِسَبَبِ مَنْصِبِ رَاينر ميشيل كوزيرٍ للمالية، وَأَنَّهُ أَصْبَحَ أَكْثَرَ اكْتِئَابًا بَعْدَمَا سَمِعَ عَنْ حَالَةِ الْكُونْت رودنمارك.
كَانَتْ إلكه قَدْ سَمِعَتْ أَيْضًا أَنَّ حَالَةَ الْكُونْت لَا تَبْدُو جَيِّدَةً بَعْدَ أَنْ حَدَثَ خَطَأٌ مَا فِي جِرَاحَةِ كَاحِلِهِ، وَبَدَا أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ كَانَ صَدْمَةً كَبِيرَةً لِلدُّوقِ.
“وَالِدُكِ يَشْعُرُ بِالْإِرْهَاقِ كَثِيرًا هَذِهِ الْأَيَّامَ. خَاصَّةً بَعْدَ قُدُومِ الْمَلِكَةِ إِلَى برانت… يَبْدُو أَنَّهُ يَشْعُرُ بِمَرَضِ الْكُونْت كَمَا لَوْ كَانَ مَرَضَهُ الْخَاصَّ. لَا بُدَّ أَنَّهُ يَشْعُرُ بِالْحُزْنِ. إِنَّهَا جُرُوحٌ أَصَابَتْهُ فِي مُحَاوَلَةٍ لِإِنْقَاذِهِ”.
بَيْنَمَا كَانَتْ إلكه تَقْرَأُ رِسَالَةَ وَالِدَتِهَا، شَعَرَتْ بِدَاخِلِهَا أَنَّ وَالِدَهَا رُبَّمَا كَانَ يُسْقِطُ الْوَضْعَ الْحَالِيَّ الَّذِي يَتَرَاجَعُ فِيهِ الْعَصْرُ الَّذِي كَانَ يَسْعَى جَاهِدًا لِحِمَايَتِهِ عَلَى ضُعْفِ الْكُونْت رودنمارك.
بَيْنَمَا كَانَتْ تُفَكِّرُ فِيمَا إِذَا كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تُرْسِلَ رِسَالَةَ تَعْزِيَةٍ لِلْكُونْت، وَالِدُ خَطِيبِهَا، حَتَّى لَوْ كَانَتْ شَكْلِيَّةً، وَصَلَهَا الْخَبَرُ السَّيِّئُ.
جَاءَ خَادِمٌ مِنْ عَائِلَةِ رودنمارك بِرِسَالَةٍ تُفِيدُ بِأَنَّ حَالَةَ الْكُونْت تَفَاقَمَتْ بِسَبَبِ تَعَفُّنِ الدَّمِ وَأَنَّهُمْ يُجَهِّزُونَ أَنْفُسَهُمْ لِلْأَسْوَأِ، وَأَنَّ الْكُونْت يُرِيدُ رُؤْيَةَ دُوق إيبرهاردت وَ إلكه قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ.
وَهَكَذَا، كَانَ عَلَى إلكه أَنْ تَرْكَبَ عَرَبَةَ وَالِدِهَا الَّتِي وَصَلَتْ فَجْأَةً إِلَى الدَّيْرِ وَتُسْرِعَ فِي وَسَطِ اللَّيْلِ إِلَى قَصْرِ عَاصِمَةِ رودنمارك. مَعَ التَّسَاؤُلِ لِمَاذَا نَادَاهَا هِيَ وَلَيْسَ بيورن.
كَانَ راكل، اِبْنَتُهُ وَرَئِيسَةُ دَيْرِ دَيَانِكْ، وَاِبْنُهُ صامويل، يَقِفَانِ بِجِوَارِ الْكُونْت الَّذِي كَانَ يَلْهَثُ عَلَى فِرَاشِ الْمَرَضِ.
كَانَتْ رَاكِلْ تُمْسِكُ بِيَدِ وَالِدِهَا وَتُصَلِّي وَهِيَ تَضَعُ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ بِجِوَارِهَا.
نَظَرَتْ إلكه إِلَى وَجْهِ صامويل الشَّاحِبِ. لَمْ يَبْدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُتَفَاجِئٌ، لَكِنَّهُ كَانَ صَامِتًا بِوَجْهٍ جَامِدٍ.
“لَقَدْ كَانَ فَاقِدًا لِلْوَعْيِ لِمُدَّةِ عِدَّةِ سَاعَاتٍ. وَبِمُجَرَّدِ أَنْ اسْتَعَادَ وَعْيَهُ، بَحَثَ عَنْ سَعَادَتِك الدُّوقَ”.
لَمْ يَسْتَطِعْ دُوق إيبرهاردت إِخْفَاءَ شُعُورِهِ بِالْأَسَفِ لِكَلَامِ راكل.
لَمْ يَتَرَدَّدِ الدُّوقُ وَأَمْسَكَ بِالْيَدِ الْأُخْرَى لِصَدِيقِهِ الْقَدِيمِ.
“لِمَاذَا لَمْ تَسْتَمِعْ إِلَيَّ عِنْدَمَا قُلْتُ لَكَ لَا تَفْعَلْ هَذَا. لِمَاذَا فَعَلْتَ هَذَا فِي سَبِيلِ الْحُصُولِ عَلَى كَاحِلٍ سَلِيمٍ وَأَنْتَ فِي سِنِّ الْكِبَرِ؟”.
تَسَاءَلَتْ إلكه عَمَّا إِذَا كَانَ هَذَا الْعِتَابُ مُنَاسِبًا لِشَخْصٍ عَلَى شَفَا الْمَوْتِ، لَكِنَّ الْكُونْت رودنمارك ضَحِكَ بِصَوْتٍ أَجَشٍّ.
“يُقَالُ إِنَّ الْبَعْضَ يُجْرِي عَمَلِيَّاتٍ فِي بَطْنِهِمْ… لِذَلِكَ بَدَا لِي الْكَاحِلُ أَمْرًا سَهْلًا. لَقَدِ اسْتَدْعَيْتُكَ لِأَطْلُبَ مِنْكَ شَيْئًا”.
نَطَقَ الْكُونْت بِصُعُوبَةٍ، حَرْفًا حَرْفًا.
“يَجِبُ أَنْ تَعْتَنِيَ بِصَامْوِيلَ الْخَاصِّ بِي… حَتْمًا. لَيْسَ لَدَيَّ أَحَدٌ أَطْلُبُ مِنْهُ هَذَا الْأَمْرَ غَيْرُكَ يَا يوليش. إِنَّهُ لَا يَزَالُ صَغِيرًا جِدًّا، وَصَغِيرًا جِدًّا”.
شَعَرَتْ إلكه بِعَيْنَيْهَا تَدْمَعَانِ عِنْدَمَا سَمِعَتْ صَوْتَهُ الْمُفْعَمَ بِالْحُبِّ وَالْقَلَقِ عَلَى ابْنِهِ الْكَبِيرِ. بَيْنَمَا كَانَتْ تَشْعُرُ بِالْحُزْنِ، حَتَّى وَهِيَ لَا تَمْلِكُ أَيَّ مَشَاعِرَ تُجَاهَ الْكُونْت رودنمارك، فَكَّرَتْ أَنَّ ابْنَهُ صامويل سَيَكُونُ أَكْثَرَ حُزْنًا. وَمَعَ ذَلِكَ، شَعَرَتْ بِالْغَيْرَةِ مِنْ أَنَّ شَخْصًا مِثْلَهُ يُمْكِنُ أَنْ يَتَلَقَّى هَذَا الْقَدْرَ مِنَ الْحُبِّ.
“لِمَاذَا تَقُولُ شَيْئًا بَدِيهِيًّا؟ وَفِّرْ طَاقَتَكَ”.
“وَبِالْإِضَافَةِ إِلَى ذَلِكَ، يَجِبُ عَلَيْكَ حَتْمًا… حَتْمًا… أَنْ تُزَوِّجَهُ مِنْ إلكه”.
جَفَّتْ عَيْنَا إلكه بِسُرْعَةٍ كَمَا لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَدْمَعْ قَطُّ عِنْدَمَا سَمِعَتْ كَلَامَ الْكُونْت الَّذِي تَلَاهُ.
“لَقَدِ اعْتَمَدْتُ عَلَى كَلَامِكَ وَتَرَكْتُ هَذَا الْغَبِيَّ وَحْدَهُ. فَمَنْ سَيَكُونُ شَرِيكًا لَهُ الْآنَ؟”.
عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ الْكَلَامَ كَانَ عَنْهُ، إِلَّا أَنَّ صامويل لَمْ يَتَحَرَّكْ.
“كُنْتُ آَمُلُ أَنْ أَرَى زَوَاجَهُ مِنْ إلكه بِعَيْنِي. لَمْ أَعْلَمْ أَنَّنِي سَأَرْحَلُ هَكَذَا”.
تَسَاقَطَتِ الدُّمُوعُ مِنْ عَيْنَيْ الْكُونْت الْعَجُوزِ دُونَ تَوَقُّفٍ. كَانَ حُبًّا أَبَوِيًّا مُؤَثِّرًا، لَكِنَّهُ كَانَ كَلَامًا مُرِيعًا بِالنِّسْبَةِ لِإلكه.
“سَأَفْعَلُ ذَلِكَ”.
أَجَابَ دُوق إيبرهاردت دُونَ أَيِّ تَرَدُّدٍ.
“أَقْسِمْ عَلَى الْحَاكِمَةِ”.
تَلَقَّى الدُّوقُ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ الَّذِي قَدَّمَتْهُ راكل عَلَى الْفَوْرِ، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ وَأَقْسَمَ بِتَقْوَى.
تَوَجَّهَتْ عَيْنَا الْكُونْت الْعَجُوزِ، الَّذِي كَانَ عَلَى وَشْكِ الْعَوْدَةِ إِلَى حِضْنِ الْحَاكِمَةِ، نَحْوَ إلكه.
“أَنْتِ أَيْضًا يَا إلكه، أَقْسِمِي. لَقَدْ عَلِمْتِ بِخُطُوبَتِكِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. هَذَا هُوَ آَخِرُ طَلَبٍ لِي”.
تَوَجَّهَتْ عُيُونُ كُلِّ مَنْ فِي غُرْفَةِ النَّوْمِ نَحْوَ إلكه. الدُّوقُ وَ راكل، وَحَتَّى عَيْنَا صامويل الَّذِي لَمْ يَتَحَرَّكْ حَتَّى ذَلِكَ الْحِينِ.
فِي اللَّحْظَةِ الَّتِي أَدَارَ فِيهَا صامويل رَأْسَهُ بِبُطْءٍ وَوَاجَهَ إلكه بِعَيْنَيْهِ السَّوْدَاوَيْنِ، بَعْدَ أَنْ كَانَ يَقِفُ سَاكِنًا كَالْمَيِّتِ، غَشَاهَا شُعُورٌ غَرِيبٌ بِالْخَطَرِ.
“عَلَيْكِ أَنْ تُقْسِمِي لِلْحَاكِمَةِ أَنَّكِ سَتَأْخُذِينَ صامويل كَشَرِيكِ حَيَاتِكِ حَتَّى أَسْتَطِيعَ الرَّحِيلَ بِسَلَامٍ”.
نَظَرَ الْكُونْت الْعَجُوزُ إِلَى إلكه بِعَيْنَيْنِ مُلِيئَتَيْنِ بِالدُّمُوعِ وَهَمَسَ: “أَرْجُوكِ”.
“أَنْتِ تُسَامِحِينَ هَذَا الْغَبِيَّ وَتَأْخُذِينَهُ شَرِيكًا لَكِ… إلكه”.
لَهَثَ الْكُونْت بَعْدَ أَنْ أَنْهَى كَلَامَهُ.
قَدَّمَ دُوق إيبرهاردت الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ إِلَى إلكه الَّتِي كَانَتْ تَقِفُ بِوَجْهٍ جَامِدٍ وَلَمْ تَعْرِفْ مَاذَا تَفْعَلُ.
“إلكه”.
فِي اللَّحْظَةِ الَّتِي نَادَى فِيهَا الدُّوقُ عَلَى اسْمِهَا، تَخَيَّلَتْ إلكه بِدُونِ قَصْدٍ وَالِدَهَا وَهُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى فِرَاشِ الْمَرَضِ بَدَلًا مِنَ الْكُونْت رودنمارك.
تَجَاهَلَتْ تِلْكَ الرَّغْبَةَ الَّتِي اسْتَثَارَتْ ذَلِكَ التَّخَيُّلَ الْمُرِيعَ، وَأَدْرَكَتْ إلكه مَرَّةً أُخْرَى أَنَّهُ لَا يُوجَدُ لَهَا خِيَارٌ آَخَرُ. عَلَى كُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ أَقْسَمَتْ هُنَا أَمْ لَا، سَيَبْذُلُ وَالِدُهَا مَزِيدًا مِنَ الْجُهْدِ لِتَزْوِيجِهَا مِنْ صامويل.
وَبِمَا أَنَّ الْأَمْرَ قَدْ أَصْبَحَ وَصِيَّةً لِرَجُلٍ مَيْتٍ، فَسَوْفَ يُصْبِحُ أَكْثَرَ شَرَاسَةً وَإِخْلَاصًا مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِي السَّابِقِ.
وَضَعَتْ إلكه يَدَهَا الْمُرْتَعِشَةَ عَلَى الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ.
“أُقْسِمُ… بِالْحَاكِمَةِ”.
مَلَأَ صَمْتٌ خَانِقٌ غُرْفَةَ النَّوْمِ.
“سَأَتَزَوَّجُ صامويل رودنمارك”.
ابْتَسَمَ صامويل. لَمْ تَكُنْ ابْتِسَامَةً لِرَجُلٍ وَالِدُهُ عَلَى شَفَا الْمَوْتِ.
فَكَّرَتْ إلكه أَنَّهُ مِنْ حُسْنِ الْحَظِّ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُتَدَيِّنَةً. كَانَتْ مُسْتَعِدَّةً لِنَقْضِ قَسَمِهَا لِلْحَاكِمَةِ.
وَشَيْءٌ آَخَرُ.
شَعَرَتْ إلكه بِامْتِنَانٍ صَادِقٍ وَمُخْلِصٍ لِكَوْنِ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِجَانِبِهَا.
—
رُبَّمَا لِأَنَّ الْمَطَرَ هَطَلَ قَلِيلًا فِي وَقْتٍ مُبَكِّرٍ مِنْ الْفَجْرِ، كَانَ الْعُشْبُ مُمْتَلِئًا بِالْمَاءِ، وَبَدَتِ الشَّمْسُ الْمُحَاطَةُ بِالْغُيُومِ ذَابِلَةً كَمَا لَوْ أَنَّهُ لَيْسَ لَدَيْهَا طَاقَةٌ لِإِصْدَارِ الضَّوْءِ.
“…يا حَاكِمَتنَا، ارْفَعي رودنمارك إِلَى يمينكِ وَأَدْخِليه مَمْلَكَةَ الْإِيمَانِ الْأَبَدِيِّ لِيَجِدَ الْمَجْدَ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ…”.
انْتَشَرَتْ صَلَاةُ الْقِسِّيسِ بِهُدُوءٍ فِي الْهَوَاءِ الَّذِي كَانَ يَحْمِلُ كَآبَةَ الصَّبَاحِ الرَّمَادِيِّ.
نَظَرَتْ إلكه، الَّتِي ارْتَدَتْ فُسْتَانًا أَسْوَدَ، إِلَى صامويل الَّذِي كَانَ يَقِفُ بِوَجْهٍ أَكْثَرَ كَآبَةً مِنَ الطَّقْسِ الْغَائِمِ.
صامويل، الَّذِي لَمْ يَذْرِفْ دَمْعَةً وَاحِدَةً عِنْدَمَا كَانَ وَالِدُهُ يُلْفِظُ أَنْفَاسَهُ الْأَخِيرَةَ، كَانَ عَلَى حَالِهِ فِي الْجِنَازَةِ. كَانَ فَقَطْ يُرَدِّدُ صَلَاةَ الْقِسِّيسِ بِوَجْهٍ شَاحِبٍ.
كَانَ مُخْتَلِفًا تَمَامًا عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ لِمُدَّةِ أَيَّامٍ قَبْلَ وَبَعْدَ جِنَازَةِ يوليكه. فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، سَبَّ صامويل إلكه وَطَرَحَ عَلَيْهَا أَسْئِلَةً كَثِيرَةً كَمَا لَوْ كَانَ مُخْتَنِقًا.
وَفِي النِّهَايَةِ، بَكَى فِي حِضْنِهَا. ثُمَّ تَوَسَّلَ.
<إلكه، أَرْجُوكِ…>.
كَانَ ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ تَابُوتُ يوليكه فِي الْأَرْضِ. كَانَتْ إلكه حَزِينَةً، وَمُرْهَقَةً، وَكَانَتْ تُصَارِعُ شُعُورًا بِتَأْنِيبِ الضَّمِيرِ الَّذِي يَخْنُقُ أَنْفَاسَهَا.
لَقَدْ فَقَدَتِ الْقُوَّةَ وَالْجُرْأَةَ لِرَفْضِ صامويل مُنْذُ فَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ.
فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلِأَوَّلِ وَآَخِرِ مَرَّةٍ، فَعَلَتْ مَا أَرَادَ.
ابْتَسَمَتْ مِثْلَ يوليكه، وَتَحَدَّثَتْ مِثْلَ يوليكه. قَلَّدَتْهَا وَأَخْبَرَتْ صامويل بِمَا كَانَ يُرِيدُ سَمَاعَهُ. كَلِمَاتٌ مِثْلُ: لَا بَأْسَ، أَنَا أُحِبُّكَ، تَوَقَّفْ عَنِ الْبُكَاءِ، وَهَكَذَا.
“لِيَكُنْ لِلْفَقِيدِ رَاحَةٌ أَبَدِيَّةٌ”.
أَنْهَتْ كَلِمَاتُ الْقِسِّيسِ تَأَمُّلَاتِ إلكه الْكِئِيبَةَ.
رَفَعَ صامويل رَأْسَهُ بَعْدَ أَنْ أَنْهَى الصَّلَاةَ، وَلَمْ تَشْرُدْ عَيْنَاهُ فِي أَيِّ مَكَانٍ، بَلْ وَصَلَتَا عَلَى الْفَوْرِ إِلَى إلكه الْوَاقِفَةِ بِالْقُرْبِ مِنْهُ كَمَا لَوْ أَنَّهُ مُعْتَادٌ عَلَى ذَلِكَ.
ابْتَسَمَ صامويل، الَّذِي كَانَ يَقِفُ بِمَلَابِسَ سَوْدَاءَ وَوَجْهٍ شَاحِبٍ، ابْتِسَامَةً بَاهِتَةً عِنْدَمَا رَأَى إلكه.
سَيَكُونُ الْبُكَاءُ أَفْضَلَ.
بَدَأَتْ إلكه فِي النَّدَمِ عَلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ مَرَّةً أُخْرَى. رُبَّمَا كَانَ أَمَلُ صامويل الْغَيْرُ مَنْطِقِيِّ قَدْ بَدَأَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. لَقَدْ سَاعَدَتْهُ إلكه عَلَى تَجَاهُلِ حَقِيقَةِ أَنَّ يوليكه قَدْ مَاتَتْ. مَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ.
“لِنُصَلِّ مَعًا فِي صَمْتٍ”.
أَغْمَضَتْ إلكه عَيْنَيْهَا عِنْدَمَا قَالَ الْقِسِّيسُ ذَلِكَ، وَتَذَوَّقَتْ بِشَكْلٍ مُرٍّ طَعْمَ النَّدَمِ الَّذِي أَصْبَحَ عَدِيمَ الْفَائِدَةِ الْآنَ.
رُبَّمَا كَانَ بِإِمْكَانِهِمَا أَنْ يُصْبِحَا صَدِيقَيْنِ يَتَشَارَكَانِ أَلَمَ الْفَقْدِ. الصَّدَاقَةُ الَّتِي كَانَتْ مُسْتَحِيلَةً عِنْدَمَا كَانَتْ يوليكه عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ كَانَ مِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ تَنْشَأَ بِسَبَبِ مَوْتِهَا.
لِأَنَّ هَذَا الْأَلَمَ كَانَ الشَّيْءَ الْوَحِيدَ الَّذِي كَانَا يَتَشَارَكَانِهِ بِوُضُوحٍ وَبِالطَّرِيقَةِ نَفْسِهَا.
فِي اللَّحْظَةِ الَّتِي لَمَسَ فِيهَا إِحْسَاسٌ بَارِدٌ يَدَهَا، فَتَحَتْ إلكه عَيْنَيْهَا بِحَذَرٍ. كَانَ صامويل قَدِ اقْتَرَبَ مِنْهَا وَأَمْسَكَ بِيَدِهَا.
“أَلَيْسَتْ عَائِلَتِيَ الْآنَ هِيَ أَنْتِ، الَّتِي سَتُصْبِحُ زَوْجَتِي؟ لِأَنَّ راكل لَيْسَتْ أُخْتِي، بَلْ اِبْنَةُ الْحَاكِمَةِ”.
هَمَسَ صامويل دُونَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى إلكه.
“لَا يُمْكِنُكِ أَنْ تَقُولِيَ لِيَ شَيْئًا. لَقَدْ فَقَدْتُ وَالِدِيَ لِتَوِّي”.
هَذِهِ الْمَرَّةَ، كَانَ يَسْتَخْدِمُ وَفَاةَ وَالِدِهِ كَدِرْعٍ. كَانَ هَذَا أَمْرًا مُثِيرًا لِلسُّخْرِيَةِ.
“أَنَا آسِفَةٌ، يَا صامويل. أَقْصِدُ ذَلِكَ بِكُلِّ صِدْقٍ”.
تَظَاهَرَتْ إلكه بِأَنَّهَا تُمْسِكُ بِيَدِهِ لِلَحْظَةٍ، وَضَغَطَتْ عَلَيْهَا بِقُوَّةٍ، ثُمَّ حَرَّرَتْهَا بِشَكْلٍ طَبِيعِيٍّ.
عَلَى عَكْسِ وَفَاةِ يوليكه، لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْمَوْتِ دَيْنٌ. لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَيُّ دَاعٍ لِتَكْرَارِ شَيْءٍ تَنْدَمُ عَلَيْهِ.
نَظَرَ صامويل بِهُدُوءٍ إِلَى يَدِهِ الْمَتْرُوكَةِ وَضَحِكَ بِخُفُوتٍ.
“وَالِدِي أَخْطَأَ. أَنْتِ لَا تُؤْمِنِينَ بِالْحَاكِمَةِ. لِذَلِكَ لَا يُوجَدُ فَائِدَةٌ مِنْ ذَلِكَ الْقَسَمِ”.
بَعْدَ أَنْ انْتَهَتِ الصَّلَاةُ، صُبَّ التُّرَابُ فَوْقَ التَّابُوتِ.
“كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَكِ تَقْسِمِينَ عَلَى صُورَةِ يوليكه”.
“الْقَسَمُ لَا يَهُمُّ، يَا صامويل. لَا تَقْلَقْ”.
مَا قَالَهُ صامويل أَوَّلًا كَانَ صَحِيحًا، لَكِنَّ مَا قَالَهُ ثَانِيًا كَانَ خَاطِئًا.
كَانَتْ إلكه تَنْسَى بِبُطْءٍ حَتَّى دَيْنَهَا لِ يوليكه. وَقَدْ قَلَّتْ مُحَادَثَاتُهَا مَعَ صُورَتِهَا.
مُنْذُ لَحْظَةٍ مَا، كَانَتْ إلكه تَعِيشُ حَيَاتَهَا الْخَاصَّةَ. وَبَعْدَ أَنْ تَذَوَّقَتْ هَذِهِ الْحَيَاةَ، لَمْ يَكُنْ بِإِمْكَانِهَا الْعَوْدَةُ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ.
بَيْنَمَا كَانَ الْكُونْت الْمَيِّتُ، وَوَالِدُهَا الْحَيُّ، وَذَلِكَ الرَّجُلُ الْمُخِيفُ يَطْلُبُونَ مِنْ إلكه طَرِيقَةَ حَيَاةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي اخْتَفَتْ مُنْذُ فَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ، كَانَتْ لَا تَزَالُ قَادِرَةً عَلَى التَّنَفُّسِ.
ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي يُشْبِهُ السَّمَاءَ الْمُغَيَّمَةَ جَعَلَهَا تَتَنَفَّسُ.
لَنْ تُصْبِحَ إلكه مُقَلِّدَةً لِيوليكه مَرَّةً أُخْرَى.
عِنْدَمَا دُفِنَ تَابُوتُ وَالِدِ الرَّجُلِ الَّذِي تَكْرَهُهُ فِي الْأَرْضِ بِدُونِ أَيِّ فُجْوَةٍ، تَمَكَّنَتْ إلكه أَخِيرًا مِنْ إِنْهَاءِ جِنَازَةِ أُخْتِهَا.
✼ ҉ ✼ ҉ ✼
التعليقات لهذا الفصل " 61"