—
“الْكَاهِنَةُ عَادَةً مَا تَكُونُ امْرَأَةً لَهَا حُضُورٌ مُخْتَلِفٌ عَنِ الْآخَرِينَ. مَاذَا يَعْنِي الْحُضُورُ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ؟”
فَكَّرَتْ إلكه فِي الْعَدِيدِ مِنَ الْعَوَامِلِ مِثْلِ: الْمَظْهَرِ، وَالْقُدْرَةِ، وَالثَّرْوَةِ، وَلَكِنَّهَا أَجَابَتْ بِبَسَاطَةٍ:
“اسْمُ الْعَائِلَةِ الَّذِي يُلْحَقُ بِالِاسْمِ.”
أَوْمَأَ راينر مُوَافِقًا.
“بِكَلِمَاتٍ أُخْرَى، هِيَ امْرَأَةٌ تَمْلِكُ أَقْوَى نُفُوذِ عَائِلَةٍ. الْمُنَافَسَةُ لَيْسَتْ سِوَى خِدَاعٍ لِجَذْبِ انْتِبَاهِ النَّاسِ وَجَمْعِهِ حَوْلَ الْكَاهِنَةِ. فِي الْغَالِبِ، كَانَتْ الْكَاهِنَةُ دَائِمًا مِنْ عَائِلَةِ إيبرهاردت أَوْ باخمان أَوْ بودن، وَكَانَتِ الْمُنَافَسَةُ أَشَدَّ حِدَّةً عِنْدَمَا لَمْ تُشَارِكْ كُلُّ هَذِهِ الْعَائِلَاتِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَخْصٌ وَاحِدٌ مَرْمُوقٌ.”
لِذَلِكَ، حَتَّى فِي تِلْكَ الْمُنَافَسَاتِ، كَانَتْ بَنَاتُ الْعَائِلَاتِ الْأَكْثَرِ شُهْرَةً هُنَّ اللَّوَاتِي يُصْبِحْنَ كَاهِنَاتٍ، مِمَّا يُؤَكِّدُ صِحَّةَ كَلَامِ راينر ميشيل.
“أَلَمْ تَعْلَمي بِذَلِكَ أَيْضًا، آنسة إيبرهاردت، وَهَذَا هُوَ سَبَبُ هُدُوئِكِ الْمُتَعَمَّدِ؟ لِأَنَّكِ لَمْ تَرْغَبِي فِي أَنْ تُصْبِحِي كَاهِنَةً.”
رَأَى راينر الَّذِي تَعَمَّدَ فُجْأَةً تَحْوِيلَ الْحَدِيثِ إِلَى إلكه، بِأَنَّهَا كَانَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ بِتَعْبِيرِ ازْدِرَاءٍ.
“إِنَّهُ فِعْلٌ لَا طَائِلَ مِنْهُ. إِنَّهُ يَعْمَلُ بِشَكْلٍ مَا لِأَنَّ الْمُنَافِسَةَ هِيَ باخمان، وَإِلَّا، حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْآنسة إيبرهاردت قَدْ سَافَرَتْ إِلَى الْخَارِجِ، لَكَانَتِ الْكَاهِنَةُ هِيَ أَنْتِ.”
شَعَرَتْ إلكه بِحَاجَةٍ إِلَى تَبْرِيرِ مَوْقِفِهَا لِأَنَّ راينر كَانَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَكَأَنَّهَا غَبِيَّةٌ مِثْلَ دوروثيا باخمان.
“… أَنَا لَا أَسْتَمْتِعُ بِالْأَنْشِطَةِ الْخَارِجِيَّةِ فَقَطْ.”
بَدَأَ الرَّجُلُ فِي الْمَشْيِ مُجَدَّدًا، وَكَأَنَّهُ غَيْرُ مُهْتَمٍّ بِتَبْرِيرِ إلكه.
“لِذَلِكَ، فَإِنَّ تَنْظِيمَ مَجْمُوعَةٍ لِدِرَاسَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ وَحُضُورَ جَمِيعِ مَحَاضَرَاتِ الْقَسَاوِسَةِ غَيْرِ الْمَعْرُوفِينَ لَنْ يُسَاعِدَ فِي الْمُنَافَسَةِ عَلَى الْكَهَانَةِ. إِنَّ هَذَا الِانْشِغَالَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ حِكْمَةِ الْآنسة باخمان.”
“حَتَّى لَوْ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ مُنَافَسَةٌ عَلَى الْكَهَانَةِ، فَإِنَّ دوروثيا هِيَ شَخْصٌ يَسْتَمْتِعُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ. وَبِفَضْلِ هَذَا، لَقَدِ اكْتَسَبَتْ دَعْمَ عَمِيدِ كُلِّيَّةِ كيلش لِلْإِلَهِيَّاتِ وَرَئِيسِ قِسْمِ الْإِلَهِيَّاتِ فِي الْمَدْرَسَةِ الْمَلَكِيَّةِ.”
“لَا، بَلْ هُمْ كَانُوا سَيَدْعَمُونَهَا حَتَّى لَوْ لَمْ تَقُمْ الْآنسة باخمان بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ السَّخِيفَةِ.”
قَاطَعَ راينر كَلَامَ إلكه بِحِدَّةٍ.
“الْمُهِمُّ هُوَ رَأْيُ الْمَلِكِ وَالْمَلِكَةِ وَالْكَاهِنِ الْأَعْظَمِ. وَالْأَمْرُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْكَاهِنِ الْأَعْظَمِ هُوَ… لَيْسَ مِنَ الْجَيِّدِ أَنْ يَخْتَلِفَ رَأْيُ الزَّوْجَيْنِ الْمَلَكِيَّيْنِ وَالْكَاهِنِ الْأَعْظَمِ.”
حَتَّى لَوْ كَانَتِ الْكَاهِنَةُ خَادِمَةً لِلْمَلِكِ، فَكَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَعْمَلَ بِالتَّعَاوُنِ مَعَ الْكَاهِنِ الْأَعْظَمِ. وَبِمَا أَنَّ التَّنَاغُمَ مَعَهُ كَانَ مُهِمًّا، فَقَدْ كَانَ رَأْيُ الْكَاهِنِ الْأَعْظَمِ يُؤْخَذُ عَلَى مَحْمَلِ الْجِدِّ.
شَعَرَتْ إلكه بِأَنَّهَا تَعْرِفُ مَنِ الَّذِي يُفَضِّلُهُ الْكَاهِنُ الْأَعْظَمُ، وَيَبْدُو أَنَّ راينر قَدْ خَمَّنَ ذَلِكَ أَيْضًا.
“شَعَرْتُ الْيَوْمَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِالْإِمْكَانِ تَدْنِيَةُ سُمْعَةِ الْآنسة باخمان، فَسَيَكُونُ كُلُّ شَيْءٍ أَكْثَرَ سُهُولَةً وَوَضُوحًا.”
كَانَ اخْتِفَاءُ الْمُنَافِسِ هُوَ الطَّرِيقَةَ الْأَكْثَرَ فَعَالِيَّةً. وَلَكِنْ كَيْفَ لَهُ أَنْ يُدَنِّيَ سُمْعَةَ دوروثيا؟ طَرَأَ فِي ذِهْنِ إلكه، الْعَازِمَةِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْجَوَابِ، أَنَّهَا كَانَتْ عَلَى وَشْكِ أَنْ تَتَوَرَّطَ بِشَكْلٍ غَيْرِ لَائِقٍ مَعَ راينر.
“لَا تَقُلْ لِي… أَنْتَ تُحَاوِلُ أَنْ تُدَنِّيَ سُمْعَةَ دوروثيا بِفِعْلِ شَيْءٍ لَا طَائِلَ مِنْهُ مَعَهَا؟”
“أَنْتِ تُنَادِينَ الْآنسة باخمان بِاسْمِهَا الْأَوَّلِ بِأُلْفَةٍ كَبِيرَةٍ. هَلْ تُحِبُّ أَنْ تُنَادِيَهَا بِاسْمِهَا الْأَوَّلِ بِهَذَا الشَّكْلِ حَتَّى لَوْ لَمْ تَكُنْ وُدِّيَّةً مَعَكِ؟”
لَمْ تُجِبْ إلكه، وَلَكِنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَسْأَلْ أَكْثَرَ، وَكَأَنَّ صَمْتَهَا كَانَ كَافِيًا كَجَوَابٍ.
“حَقًّا، كَانَتْ هُنَاكَ عَدَّةُ طُرُقٍ مِنْ هَذَا النَّوْعِ. لِأَنَّهَا سَتُصْبِحُ أَكْثَرَ فَائِدَةً إِذَا لَمْ تُصْبِحْ كَاهِنَةً.”
دوروثيا لَمْ تُصْبِحْ كَاهِنَةً.
دوروثيا عَلَى وَشْكِ الْخُطُوبَةِ مِنْ يواكيم.
راينر ميشيل يَتَوَخَّى الْحَذَرَ مِنْ أولدن.
تَجَوَّلَتِ الشَّخْصِيَّاتُ فِي ذِهْنِهَا فِي فَوْضَى ثُمَّ اصْطَفَّتْ فِي خَطٍّ وَاحِدٍ.
“طَرِيقَةٌ مِثْلُ زَوَاجِ الْأَمِيرِ مِنْ دوروثيا بَعْدَ أَنْ لَمْ تُصْبِحْ كَاهِنَةً؟”
“أَنْتِ تَعْتَقِدِينَ أَنِّي وَقِحٌ حَقًّا.”
أَطْلَقَ الرَّجُلُ ضَحْكَةً جَافَّةً.
“لَيْسَ كَذَلِكَ. أَنَا كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أُزَوِّجَهَا مِنْ يواكيم. أَنَا أَخٌ حَنُونٌ جِدًّا.”
“وَتَسْتَمْتِعُ مَعَهَا؟”
لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ جَوَابٌ عَلَى وَجْهِ راينر، فَقَطْ بَقَايَا ابْتِسَامَةٍ.
عِنْدَمَا تَخَيَّلَتْ إلكه أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ يَفْعَلُ “هَذِهِ الْأَشْيَاءَ” مَعَ دوروثيا باخمان، وَكَانَتْ لَهُمَا تِلْكَ “الْمُتْعَةُ” مَعًا، شَعَرَتْ كَأَنَّهَا فَقَدَتْ نَفْسَهَا. شُعُورٌ غَيْرُ مُرِيحٍ بِأَنَّهَا لَمْ تَعُدْ هِيَ.
كَمِ امْرَأَةً قَامَتْ بِهَذِهِ الصَّفْقَةِ مَعَهُ؟
كَمِ امْرَأَةً كَانَتْ “فِي فَرِيقِهِ”؟
“إِعْطَاءُ أُخيك زَوْجَةً تُدُنِّيَتْ سُمْعَتُهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ لَكَ مَعَهَا مُتْعَةٌ يَبْدُو بَعِيدًا عَنِ الْحَنَانِ. هَذَا يَبْدُو انْتِقَامًا.”
لِلْحِفَاظِ عَلَى هُدُوئِهَا، أَبْعَدَتْ إلكه بِقَسْوَةٍ الْخَيَالَاتِ الَّتِي جَمَعَتْ فِيهَا دوروثيا وَراينر مَعًا مِنْ ذِهْنِهَا.
“أَنْتَ حَقًّا تُرِيدُ الِانْتِقَامَ مِنْ أولدن. مِنْ جَمِيعِ الْجَوَانِبِ الْمُمْكِنَةِ.”
لَمْ يُنْكِرْ راينر ذَلِكَ.
“لِمَاذَا؟ مَاذَا فَعَلُوا لَكَ؟”
“لِأَنَّهُمْ جَعَلُونِي هَكَذَا.”
أَجَابَ بِهُدُوءٍ، ثُمَّ تَوَقَّفَ لِلَحْظَةٍ كَأَنَّهُ دُهِشَ مِنْ إِجَابَتِهِ.
مِنْ خِلَالِ ذِرَاعِهَا الَّتِي كَانَتْ مُلَامِسَةً لِذِرَاعِهِ، شَعَرَتْ إلكه بِوُضُوحٍ أَنَّ مَا قَالَهُ لَمْ يَكُنْ صِدْقًا مُتَعَمَّدًا.
اِسْتَعَادَ هُدُوءَهُ بِسُرْعَةٍ وَغَيَّرَ الْمَوْضُوعَ بِخِفَّةٍ.
“صَحِيحٌ أَنَّ باخمان كَانَتْ جُزْءًا مُهِمًّا مِنْ خُطَطٍ عَدِيدَةٍ. وَلَكِنْ لَا حَاجَةَ لَهَا الْآنَ. لِأَنَّ لَدَيَّ الْآنسة إيبرهاردت.”
بَعْدَ أَنْ أَنْهَى كَلَامَهُ، ابْتَسَمَ راينر، وَأَثَارَ ذَلِكَ فِيهَا أَمَلًا غَرِيبًا بِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مُخْتَلِفَةً عَنِ النِّسَاءِ الْأُخْرَيَاتِ، وَلَكِنْ…
“أَنَا حَالِيًّا فِي حَالَةٍ لَا أَسْتَطِيعُ فِيهَا التَّفْكِيرَ بِشَكْلٍ صَحِيحٍ بِسَبَبِكِ، رَسْمِيًّا.”
مَا قَالَهُ جَعَلَهَا تَشْعُرُ كَأَنَّهُ كَانَ سَيُنَفِّذُ بِسُرُورٍ خُطَطًا أُخْرَى لَوْ لَمْ يَكُنِ الْوَضْعُ هَكَذَا، مِمَّا قَوَّضَ ثِقَتَهَا مُجَدَّدًا.
“دوروثيا امْرَأَةٌ غَايَةٌ فِي الْكِبْرِيَاءِ وَالتّعالِي. لَيْسَتِ امْرَأَةً سَتُدَمِّرُ حَيَاتَهَا بِهَذَا الشَّكْلِ.”
“أَنْ تَتَوَرَّطَ مَعِي يَعْنِي تَدْمِيرَ الْحَيَاةِ… هَذَا يَعْنِي أَنَّ الْآنسة إيبرهاردت فِي وَرْطَةٍ كَبِيرَةٍ.”
كَانَ صَوْتُهُ وَاضِحًا، وَلَكِنْ شَعَرَتْ بِأَنَّ نَبْرَةَ صَوْتِهِ قَدِ انْخَفَضَتْ لِلَحْظَةٍ.
“مَا كُنْتُ أَقْصِدُهُ هُوَ أَنِّي لَا أَعْرِفُ مَا هِيَ ثِقَتُكَ فِي أَنَّهَا سَتَسْتَسْلِمُ لَكَ.”
“حَسَنًا، الْآنسة إيبرهاردت هِيَ أَيْضًا امْرَأَةٌ غَايَةٌ فِي الْكِبْرِيَاءِ وَالتّعالِي.”
تَوَقَّفَتْ إلكه عَنِ الْمَشْيِ.
“بِالضَّبْطِ. لَمْ أَسْتَسْلِمْ لِلْكُونت.”
كَانَتْ تُجِيبُ عَلَى راينر، وَلَكِنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ كَانَتْ تَعِدُ نَفْسَهَا بِذَلِكَ.
“هَذَا صَحِيحٌ. لَمْ تَسْتَسْلِمِي…”
وَقَفَ راينر الَّذِي تَوَقَّفَ خَلْفَهَا، وَكَرَّرَ كَلَامَهَا. شَعَرَتْ بِعَيْنَيْهِ تَنْزِلَانِ بِبُطْءٍ وَتَتَوَقَّفَانِ عَلَى شَفَتَيْهَا.
أَغْلَقَتْ إلكه شَفَتَيْهَا غَيْرَ قَادِرَةٍ عَلَى التَّحَكُّمِ فِي نَفْسِهَا، وَأَطْلَقَ هُوَ ضِحْكَةً مُنْكِرَةً.
“أَنَا خَائِفٌ مِمَّا قَدْ تَفْعَلُهُ الْآنسة إيبرهاردت، الْغَايَةُ فِي الْكِبْرِيَاءِ والتَّعَالي، عِنْدَمَا تَسْتَسْلِمُ لِرَجُلٍ.”
نَظَرَتْ إِلَيْهِ إلكه وَلَاحَظَتْ أَنَّ رَبْطَةَ عُنُقِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ كَانَتْ مَرْبُوطَةً بِشَكْلٍ مِثَالِيٍّ وَسَخِيٍّ.
جَمِيلَةٌ لَا تَحْتَاجُ إِلَى لَمْسَةِ يَدَيْهَا.
أَبْعَدَ راينر ذِرَاعَهُ الَّتِي كَانَتْ تُوَجِّهُهَا.
“أَيَّتُهَا الْآنسة إيبرهاردت، الْغَايَةُ فِي الْكِبْرِيَاءِ والتَّعَالِي. أَرَاكِ فِي الْمَرَّةِ الْقَادِمَةِ.”
كُلَّمَا كَانَتْ تَحِيَّتُهُ أَكْثَرَ تَقْدِيرًا وَأَكْثَرَ لُطْفًا، كُلَّمَا شَعَرَتْ إلكه بِأَنَّهَا تُرِكَتْ وَحِيدَةً.
△▽△
<هَا هِيَ الْحَاكِمَة الَّتِي يَعْبُدُهَا الكُونْت قَادِمَةٌ.>
هَذَا مَا قَالَتْهُ دوروثيا لِراينر بَعْدَ أَنْ أَلْقَتْ نَظْرَةً جَانِبِيَّةً عَلَى الْجَانِبِ بَيْنَمَا كَانَتْ تَتَحَدَّثُ مَعَهُ. عِنْدَمَا الْتَفَتَ راينر لِيَرَى مَاذَا تَقْصِدُ، رَأَى تِلْكَ الْمَرْأَةَ، إلكه إيبرهاردت، تَخْرُجُ مِنَ الْجَنَاحِ الْغَرْبِيِّ.
كَانَ شَعْرُهَا الْأَشْقَرُ يَتَوَهَّجُ فِي حَدِيقَةٍ كَانَتْ مَمْلُوءَةً بِأَشِعَّةِ الشَّمْسِ، وَكَانَتْ مُتَوَهِّجَةً كَأَنَّهَا لَهَا هَالَةٌ.
فَهِمَ راينر كَلَامَ دوروثيا السَّاخِرَ وَضَحِكَ دُونَ دِفَاعٍ.
لِأَنَّهُ كَانَ كَلَامًا مُمْتِعًا.
الْمَرْأَةُ الَّتِي وَقَفَتْ تَحْتَ الشَّمْسِ كَأَنَّ الْعَالَمَ لَهَا، جَعَلَتْهُ رَسُولَهَا كَمَا أَرَادَتْ، وَأَصْبَحَتْ هِيَ الْمَرْأَةَ الَّتِي يَعْبُدُهَا هُوَ الْمِسكِينُ.
لَوْ كَانَ لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ مَعْبَدٌ، لَرُبَّمَا كَانَ سَيُصْبِحُ هُوَ الْكَاهِنَ الْأَعْظَمَ.
خَطَرَتْ لَهُ لَحْظَةً فِكْرَةٌ بِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَجُرَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ، الَّتِي تَنَاسَبُهَا الْأَضْوَاءُ الْمُشْرِقَةُ كَثِيرًا، إِلَى مَكَانِهِ، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ لَحْظَةً عَابِرَةً.
“إنها مُخْتَلِفة عَمَّا سَمِعْتُهُ.”
قَاطَعَ صَوْتُ الْمَلِكَةِ دانيا تَفْكِيرَهُ. وَأَدْرَكَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَتَوَغَّلُ فِي أَفْكَارٍ عَنِ إلكه وَالْمَلِكَةُ أَمَامَهُ، وَشَعَرَ بِخَيْبَةِ أَمَلٍ مُفَاجِئَةٍ وَضَحِكَ بِصَمْتٍ.
“سَمِعْتُ مِنْ صَاحِبِ الْجَلَالَةِ أَنَّكَ اسْتَخْدَمْتَ الْآنسة إيبرهاردت كَذَرِيعَةٍ لِتَوْبَتِكَ، وَأَنَّ الْآنسة إيبرهاردت الْذَّكِيَّةَ قَدِ اسْتَخْدَمَتْكَ لِسُمْعَتِهَا.”
لَمْ تَسْتَخْدِمِ الْمَلِكَةُ الْأِسْتُورَانِيَّةَ حَتَّى وَهِيَ تَتَحَدَّثُ مَعَ راينر. لَقَدِ اسْتَخْدَمَتْ دَائِمًا لُغَةَ برانت مُنْذُ أَنْ بَدَأَتِ الْمُنَاقَشَاتُ حَوْلَ زَوَاجِهَا مِنْ برانت.
“مَا سَمِعْتيه صَحِيحٌ، صَاحِبَةُ الْجَلَالَةِ.”
“هَذَا يَعْنِي أَنَّكُمَا لَيْسَ لَكُمَا أَيُّ عَلَاقَةٍ. أَنْتُمَا اسْتَخْدَمْتُمَا بَعْضَكُمَا بَعْضًا.”
أَجَابَ راينر بِإِيجَابٍ عَلَى سُؤَالِ الْمَلِكَةِ مَرَّةً أُخْرَى.
لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذِبًا، فَلَمْ تَكُنْ لَهُمَا أَيُّ عَلَاقَةٍ. إِذَا كَانَتْ سَتَسْتَخْدِمُ كَلِمَةً سَخِيفَةً مِثْلَ “فَرِيقٌ وَاحِدٌ” كَمَا قَالَتْ هِيَ، فَإِنَّهَا فِي الْجَوْهَرِ لَمْ تَكُنْ شَيْئًا.
حَتَّى إِنَّهَا تُخْبِرُهُ مِنْ حِينٍ لِآخَرَ أَنَّ حَيَاتَهَا سَتُدَمَّرُ إِذَا تَوَرَّطَتْ مَعَهُ.
“لِامْرَأَةٍ لَا تُوجَدُ بَيْنَكُمَا أَيُّ عَلَاقَةٍ، كَانَتْ تُدَافِعُ عَنْكَ بِحَمَاسَةٍ. فِي حِينِ أَنَّ كُلَّ النِّسَاءِ الْأُخْرَيَاتِ كُنَّ يَقُلْنَ إِنَّكَ لَا تُؤْمِنُ بِشَيْءٍ، حَتَّى وَالِدَتُكَ لَمْ تَفْعَلْ مَا فَعَلَتْهُ.”
ضَحِكَتِ الْمَلِكَةُ كَمَا لَوْ كَانَتْ مُسَلَّاةً. وَعَيْنَاهَا تَوَهَّجَتَا كَأَنَّهَا فُضُولِيَّةٌ بِشَأْنِ حَيَاتِهِ الْخَاصَّةِ. وَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ، بَدَتِ الْمَلِكَةُ فِي سِنِّهَا الْحَقِيقِيَّةِ.
“هَذَا صَحِيحٌ. سَمِعَتْ أَنَّ قَوْلَ بَعْضِهِمْ إِنَّ جَسَدَكَ لَوْ تَمَّ حَفْرُهُ، فَسَتَخْرُجُ مِنْهُ الدُّودُ وَالْحَشَرَاتُ، وَمَاذَا قَالَتْ؟ قَالَتْ: هَلْ رَأَيْتنّ جُثَّةً مِنْ قَبْلُ؟ كُلُّ الْجُثَثِ كَذَلِكَ. إِنَّهَا مُدَافَعَةٌ مُؤَثِّرَةٌ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ، أَنْ تُخَاطِرَ فَتَاةٌ نَبِيلَةٌ بِالْحَدِيثِ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ؟”
لَمْ يَسْتَطِعْ راينر إِيجَادَ مَا يُجِيبُ بِهِ عَلَى كَلَامٍ لَمْ يَتَخَيَّلْهُ.
“سَمِعْتُ مِنْ صَاحِبِ الْجَلَالَةِ أَنَّهَا كَانَتْ ابْنَةَ عَمّةٍ هَادِئَةً وَقَلِيلَةَ الْكَلَامِ، وَلَكِنَّهَا لَا تَبْدُو كَذَلِكَ أَبَدًا. إِنَّهَا تَجِيدُ الْكَلَامَ. هَلْ رَأَيْتُمْ جُثَّةً مِنْ قَبْلُ! لَقَدْ كَانَتْ قَوِيَّةً جِدًّا لِدَرَجَةِ أَنَّ أَحَدًا لَمْ يَرْدَّ عَلَيْهَا. فِي الْحَقِيقَةِ، كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تُدَافِعَ عَنْكَ لِأَنَّكَ نَتِيجَةُ نَجَاحِهَا.”
صُدِعَ رَأْسُهُ مِنَ التَّفْكِيرِ فِيمَا قَالَتْهُ إلكه أَمَامَ الْمَلِكَةِ. لَقَدْ نَصَحَهَا بِأَنْ تَتَصَرَّفَ كَمَا تُرِيدُ، وَلَكِنْ أَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ ضِمْنَ الْحُدُودِ الْمَعْقُولَةِ؟
كَيْفَ لَهَا أَنْ تُجِيبَ بِجُرْأَةٍ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَسْتَسْلِمْ لَهُ، وَفِي نَفْسِ الْوَقْتِ تَتَجَرَّأُ عَلَى الْقِيَامِ بِمَعْرَكَةٍ لَا طَائِلَ مِنْهَا مِنْ أَجْلِهِ أَمَامَ الْمَلِكَةِ؟ نَادِرًا مَا تكُونُ الحَاكِمة حَرِيصةً جِدًّا عَلَى أَتْبَاعِها.
إِنَّهَا دَائِمًا لَا يُمْكِنُ التَّنَبُّؤُ بِهَا.
التعليقات لهذا الفصل " 57"