—
 
· 
 
“مَا أَعْلَمُهُ، جَلَالَةَ الْمَلِكَةِ، هُوَ أَنَّ الْكَثِيرِينَ لَامُوهُ بِاعْتِبَارِهِ مُلْحِدًا، لَكِنْ لَمْ يُرْشِدْهُ أَحَدٌ إِلَى الطَّرِيقِ الصَّوَابِ.”
 
“مِنْ مَا سَمِعْتُ، بَدَا أَنَّ الْكَهَنَةَ وَالْعُلَمَاءَ اللَّاهُوتِيِّينَ قَدْ أَرْشَدُوهُ بِشَكْلٍ كَافٍ؟”
 
تَذَكَّرَتْ إلكه هَذِهِ الْمَرَّةَ التَّعْلِيمَ الْحَقِيقِيَّ الَّذِي أَعْطَتْهُ إِيَّاهَا كونستانتس.
 
<حُبِّي لَكِ يَا إلكه يَنْبُعُ مِنَ الْحَاكِمَةِ. أَنَا فَقَطْ أُعْطِيكِ الْحُبَّ الَّذِي تَعَلَّمْتُهُ مِنَ الْحَاكِمَةِ.>
 
غَشِيَهَا حُزْنٌ وَشَوْقٌ خَفِيفَانِ لِلَحْظَةٍ.
 
“إِذَا أَظْهَرْتَ الْخَوْفَ بِاسْمِ الْحَاكِمَةِ، يَتَعَلَّمُ النَّاسُ خَوْفَ الْحَاكِمَةِ، وَإِذَا أَظْهَرْتَ الْحُبَّ، يَتَعَلَّمُونَ حُبَّ الْحَاكِمَةِ. كَمَا جَاءَتِ الْأَمِيرَةُ مِنْ إيستوران مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ وَأَظْهَرَتْ رِسَالَةَ الْحَاكِمَةِ شَخْصِيًّا فِي هَذِهِ الْأَرْضِ، فَأَدْرَكَتْ نِسَاءُ هَذِهِ الْأَرْضِ تِلْكَ الرِّسَالَةَ.”
 
اخْتَارَتْ إلكه بِأَقْصَى قَدْرٍ مِنَ الْهُدُوءِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تُسْعِدَ الْمَلِكَةَ. لَقَدْ قَالَتِ الْمَلِكَةُ إِنَّهَا أَصْبَحَتِ الْآنَ مِنْ أَهْلِ برانت، لَكِنَّهَا لَمْ تَسْتَطِعْ مَحْوَ فَخْرِهَا بِكَوْنِهَا مِنْ أَهْلِ إيستوران.
 
“لَقَدْ كَانَ هُنَاكَ الْكَثِيرُ مِمَّنْ أَظْهَرُوا خَوْفَ الْحَاكِمَةِ لِكُونْتِ شتيرن، لَكِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يُعَلِّمُهُ رَحْمَةَ الْحَاكِمَةِ وَمَغْفِرَتَهَا.”
 
“هَلْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ أَخْبَرَهُ أَنَّ الدِّيدَانَ سَتَأْكُلُ جُثَّتَهُ، لَكِنْ لَمْ يُخْبِرْهُ أَحَدٌ، سِوَى آنِسَةِ إيبرهاردت، بِأَنَّ رُوحَهُ يُمْكِنُ أَنْ تَسْتَقِرَّ فِي حِضْنِ الْحَاكِمَةِ؟”
 
لَمْ يَكُنْ سُؤَالًا، لِذَا ابْتَسَمَتْ إلكه بِخَفَّةٍ بِخَجَلٍ.
 
عِنْدَمَا انْبَعَثَ ضَحِكٌ نَاعِمٌ مِنْ فَمِ الْمَلِكَةِ الَّتِي كَانَتْ تَنْظُرُ إِلَى إلكه بِهُدُوءٍ، تَغَيَّرَ جَوُّ غُرْفَةِ الِاسْتِقْبَالِ الْمُتَوَتِّرِ عَلَى الْفَوْرِ.
 
“آنِسَةُ إيبرهاردت فَصِيحَةٌ. سَتَكُونِينَ كَاهِنَةً جَيِّدَةً. إِنَّ اخْتِيَارَ نِسَاءٍ رَائِعَاتٍ كَمُرَشَّحَاتٍ لِلْكَهَنُوتِ هُوَ بَرَكَةٌ لِـ برانت.”
 
“إِنَّهُ لَشَرَفٌ عَظِيمٌ، جَلَالَةَ الْمَلِكَةِ.”
 
ضَحِكَتِ الْمَلِكَةُ كَمَا لَوْ كَانَتْ مُسْتَمْتِعَةً، ثُمَّ أَطْلَقَتْ زَفِيرًا طَوِيلًا بِكَسَلٍ.
 
“نَعَمْ… فِي وَقْتٍ يَمْلَأُ فِيهِ الغَيْرُ مُؤمِنِين الَّذِينَ يَرْفُضُونَ الْخَلَاصَ الْمُقَدَّمَ، يَبْدُو كُونْتُ شتيرن الَّذِي تَابَ وَاسْتَعَادَ إِيمَانَهُ الْحَقِيقِيَّ شَخْصًا ذَكِيًّا جِدًّا. يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِثَالًا لِلْكَثِيرِينَ. أَلَيْسَ كَذَلِكَ أَنَّ تَبَرُّعَاتِهِ سَتُمَكِّنُ مِنْ بِنَاءِ مَعْبَدٍ فِي وَادِي هيفن؟”
 
كَانَتْ نَتِيجَةً مُخْتَلِفَةً تَمَامًا عَنِ الْبِدَايَةِ.
 
“يُمْكِنُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمُ ماتيوس. لَقَدْ أَصْبَحَ ماتيوس أَيْضًا قدّيسا مُخْلِصًا أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ شَخْصٍ بَعْدَ أَنْ الْتَقَى بِالْحَاكِمَةِ وَتَابَ. أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟”
 
لَمْ يَكُنْ الْجَوُّ يَسْمَحُ بِالرَّفْضِ. اتَّفَقَتِ النِّسَاءُ جَمِيعًا عَلَى كَلَامِ الْمَلِكَةِ.
 
“أَلَا تَشْعُرْنَ بِأَنَّ بَصِيرَةَ جَلَالَةِ الْمَلِكِ وَكُونت شتيرن غَيْرُ عَادِيَّةٍ؟”
 
بِمُجَرَّدِ أَنْ وَافَقَتِ النِّسَاءُ بِشَكْلٍ سَلْبِيٍّ، أَدْخَلَتِ الْمَلِكَةُ اسْمَ الْمَلِكِ فَجْأَةً.
 
“يُقَالُ إِنَّ كُونْتَ شتيرن لَمْ يَسْتَطِعْ إِظْهَارَ قُدْرَاتِهِ بِشَكْلٍ كَامِلٍ بِسَبَبِ مَكَانَتِهِ، لَكِنْ أَلَيْسَ جَلَالَةُ الْمَلِكِ هُوَ مَنْ عَرَفَ وَاكْتَشَفَ مِثْلَ هَذَا الشَّخْصِ وَأَعْطَاهُ الْمَكَانَ الْمُنَاسِبَ لِيُظْهِرَ فَضْلَهُ وَعَمَلَهُ؟ إِنَّهُ شَخْصٌ سَابِقٌ لِأَوَانِهِ، بِخِلَافِ الْأَشْخَاصِ الْعَادِيِّينَ.”
 
كَانَتِ الْمَلِكَةُ تَمْدَحُ راينر ميشيل بِاسْمِ الْمَلِكِ.
 
“لَقَدْ كَانَ حَظِّي جَيِّدًا لِأَتَزَوَّجَ مِثْلَ هَذَا الشَّخْصِ وَأُصْبِحَ شَرِيكَتَهُ، لِذَا يَجِبُ عَلَيَّ أَنْ أَشْكُرَ الْحَاكِمَةَ. بِالطَّبْعِ، كَانَ لِكُونْتِ شتيرن دَوْرٌ كَبِيرٌ فِي زَوَاجِنَا. لِذَا، فَهُوَ شَخْصٌ قَدَّمَ لِي سَعَادَةً كَبِيرَةً.”
 
أَدْرَكَتْ إلكه حِينَئِذٍ. أَنَّ الْمَلِكَةَ كَانَتْ تُخَطِّطُ لِاسْتِخْدَامِ راينر كَشَخْصٍ خَاصٍّ بِهَا، وَأَنَّهَا أَرَادَتْ فَقَطْ تَنْظِيفَ الضَّجِيجِ الَّذِي يُحِيطُ بِهِ قَبْلَ أَنْ تُظْهِرَ أَنَّهُ شَخْصُهَا.
 
لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُسْتَحِيلِ أَنْ يُدْرِكَ الْآخَرُونَ مَا أَدْرَكَتْهُ إلكه.
 
“إِنَّكِ مَحْظُوظَةٌ بِابْنٍ رَائِعٍ، يَا كُونْتِيسَةَ أولدن.”
 
عِنْدَمَا قَالَتِ الْمَلِكَةُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ لـ بريجيت، أَصْبَحَ كُلُّ شَيْءٍ وَاضِحًا. أَدْرَكَ كُلُّ مَنْ فِي غُرْفَةِ الِاسْتِقْبَالِ أَنَّ راينر ميشيل لَمْ يَكْتَفِ بِالْمَلِكِ فِي برانت، بَلْ حَصَلَ أَيْضًا عَلَى رِضَا الْمَلِكَةِ.
 
أَصْبَحَ سَبَبُ دَعْوَةِ بريجيت أولدن إِلَى هَذَا الْمَكَانِ وَاضِحًا الْآنَ.
 
“إِنَّهُ لَشَرَفٌ عَظِيمٌ، جَلَالَةَ الْمَلِكَةِ.”
 
كَانَ صَوْتُ بريجيت يَرْتَجِفُ وَهِيَ تُجِيبُ بِصُعُوبَةٍ.
 
لَمْ يَكُنْ صَوْتًا مُتَأَثِّرًا أَبَدًا. اعْتَقَدَتْ إلكه أَنَّهَا لَا تَزَالُ تَبْدُو مُضْطَرِبَةً.
 
كَرَّرَتْ بريجيت فَتْحَ فَمِهَا وَإِغْلَاقَهُ عِدَّةَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ بَدَتْ وَكَأَنَّهَا قَدْ عَزَمَتْ عَلَى شَيْءٍ، فَنَقَّتْ حَلْقَهَا.
 
“إِذَا لَمْ أَكُنْ أَتَجَاوَزُ حَدِّي، جَلَالَةَ الْمَلِكَةِ… لَدَيَّ شَيْءٌ أَتَجَرَّأُ عَلَى تَقْدِيمِهِ لَكِ.”
 
“حَقًّا؟”
 
عِنْدَمَا أَظْهَرَتِ الْمَلِكَةُ الْفُضُولَ، سَارَتْ وَصِيفَةٌ كَانَتْ تَقِفُ بِجَانِبِهَا نَحْوَ بريجيت. سَلَّمَتْ بريجيت الْوَصِيفَةَ الصُّنْدُوقَ الَّذِي كَانَتْ تَحْمِلُهُ عَلَى رُكْبَتَيْهَا طَوَالَ الْوَقْتِ.
 
“لَقَدْ وَصَلَ إِلَى يَدِي مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ، لَكِنَّنِي لَمْ أَكُنْ صَاحِبَتَهُ قَطُّ. لَقَدِ اعْتَقَدْتُ دَائِمًا أَنَّ لَهُ صَاحِبًا مُنَاسِبًا، وَبِمَا أَنَّ الْمَلِكَةَ قَدْ جَاءَتْ إِلَى برانت بِنِعْمَةٍ مِنَ الْحَاكِمَةِ، أَرْغَبُ فِي تَقْدِيمِهِ كَهَدِيَّةٍ بِمَعْنَى الشُّكْرِ وَالتَّهْنِئَةِ الْمُتَوَاضِعَةِ.”
 
عِنْدَمَا فَتَحَتِ الْوَصِيفَةُ غِطَاءَ الصُّنْدُوقِ، أَضَاءَ بَرِيقُ الْجَوَاهِرِ السَّاطِعُ وَجْهَ الْمَلِكَةِ.
 
كَانَتْ قِلَادَةً فَخْمَةً مُرَصَّعَةً بِالْجَوَاهِرِ بِشَكْلٍ مُكْتَمِلٍ، بِحَجَرِ أَلْمَاسٍ كَبِيرٍ وَحَجَرَيْنِ أَلْمَاسٍ عَلَى الْجَانِبَيْنِ، مُحَاطَةً بِالْيَاقُوتِ الْأَزْرَقِ وَالْأَلْمَاسِ الصَّغِيرَةِ.
 
كَانَتْ قِلَادَةً يُمْكِنُ لِلْأُسَرِ الْإِمْبَرَاطُورِيَّةِ أَوِ الْمَلَكِيَّةِ فَقَطْ تَحَمُّلَ ثَمَنِهَا بِنَظْرَةٍ وَاحِدَةٍ.
 
“إِنَّهَا قِلَادَةُ الْأَمِيرَةِ إليزابيت مِنْ إِمْبَرَاطُورِيَّةِ خان، الَّتِي تَزَوَّجَتْ مِنْ دُوقِيَّةِ هاتز قَبْلَ مِئَةِ عَامٍ، جَلَالَةَ الْمَلِكَةِ. مَنْ يَلِيقُ بِهِ مِثْلُ هَذِهِ الْقِلَادَةِ سِوَى جَلَالَةِ الْمَلِكَةِ؟”
 
كَانَ هُنَاكَ شَخْصٌ آخَرُ يُمْكِنُهُ تَحَمُّلُ ثَمَنِ مِثْلِ تِلْكَ الْقِلَادَةِ. زَوْجُ بريجيت السَّابِقُ، الَّذِي كَانَ أَغْنَى رَجُلٍ فِي برانت قَبْلَ إِفْلَاسِهِ. وَالِدُ راينر ميشيل.
 
تَسَاءَلَتْ إلكه لِمَاذَا لَمْ تَحْتَفِظْ بِالْقِلَادَةِ الَّتِي أَهْدَاهَا زَوْجُهَا الْمُتَوَفَّى لِزَوْجَتِهِ، وَبَدَلًا مِنْ ذَلِكَ قَدَّمَتْهَا لِلْمَلِكَةِ.
 
“جَمِيلَةٌ. سَأَقْبَلُ هَدِيَّتَكِ، يَا كُونْتِيسَة.”
 
أَجَابَتِ الْمَلِكَةُ بِوَجْهٍ مُرْضٍ، ثُمَّ أَغْلَقَتِ الْوَصِيفَةُ الصُّنْدُوقَ مَرَّةً أُخْرَى.
 
بَعْدَ ذَلِكَ، تَغَيَّرَ الْمَوْضُوعُ عِدَّةَ مَرَّاتٍ، لَكِنَّ إلكه لَمْ تَسْتَطِعْ التَّوَقُّفَ عَنِ التَّفْكِيرِ فِي الْمَكَانَةِ الْجَدِيدَةِ الَّتِي سَيَكْتَسِبُهَا راينر بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ. وَرُبَّمَا كَانَ الْأَمْرُ نَفْسُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلنِّسَاءِ الْأُخْرَيَاتِ.
 
△▽△
 
عِنْدَمَا حَانَ وَقْتُ غَدَاءِ الْمَلِكَةِ، انْتَهَى الْاجْتِمَاعُ، وَبَدَأَتِ النِّسَاءُ يُغَادِرْنَ وَاحِدَةً تِلْوَ الْأُخْرَى. غَادَرَتِ النِّسَاءُ الْأُخْرَيَاتُ غُرْفَةَ الِاسْتِقْبَالِ، بِاسْتِثْنَاءِ شارلوت الَّتِي دَعَتْهَا الْمَلِكَةُ لِتَنَاوُلِ الْغَدَاءِ مَعَهَا.
 
لَمْ تُفْلِتْ شارلوت يَدَ إلكه بِشَكْلٍ غَرِيبٍ، فَبَقِيَتْ إلكه مُحْتَجَزَةً بِشَكْلٍ مُحْرِجٍ. بَيْنَمَا كَانَ الْخَدَمُ يُعِدُّونَ الْمَكَانَ، وَقَعَ نَظَرُ الْمَلِكَةِ عَلَى إلكه.
 
“آنِسَةُ إيبرهاردت، يُمْكِنُكِ الْمُغَادَرَةُ الْآنَ. سَيَكُونُ لَدَيْنَا وَقْتٌ لِنَلْتَقِيَ فِيهِ مَرَّةً أُخْرَى.”
 
عِنْدَ سَمَاعِ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ، بَدَتْ شارلوت وَكَأَنَّهَا أَدْرَكَتْ تَصَرُّفَهَا، فَارْتَعَشَتْ وَأَفْلَتَتْ إلكه. حَيَّتْ إلكه الْمَلِكَةَ بِاحْتِرَامٍ وَغَادَرَتْ غُرْفَةَ الِاسْتِقْبَالِ أَخِيرًا.
 
سَارَتْ إلكه بِخُطًى سَرِيعَةٍ خَارِجَةً مِنَ الْجَنَاحِ الْغَرْبِيِّ حَيْثُ تُقِيمُ الْمَلِكَةُ، وَوَجَدَتْ رَجُلًا وَامْرَأَةً يَتَحَدَّثَانِ أَمَامَ النَّافُورَةِ الَّتِي تُزَيِّنُ مَدْخَلَ الْجَنَاحِ الْغَرْبِيِّ.
 
كَانَا راينر ميشيل وَدوروثيا باخمان.
 
كَانَ جَوُّ الْحَدِيثِ بَيْنَهُمَا، وَهُمَا يَتَحَدَّثَانِ عَلَى مَسَافَةٍ مُنَاسِبَةٍ، وَدِّيًّا جِدًّا. كَانَ راينر يَرْتَدِي ابْتِسَامَةً مُهَذَّبَةً، وَكَانَتْ دوروثيا تَضْحَكُ بِصَوْتٍ عَالٍ وَمُشْرِقٍ بَيْنَ الْحِينِ وَالْآخَرِ.
 
لَقَدْ دَافَعَتْ عَنْهُ بِاجْتِهَادٍ أَمَامَ الْمَلِكَةِ، لَكِنَّهُ كَانَ يَتَغَزَّلُ بِامْرَأَةٍ أُخْرَى، لِذَا شَعَرَتْ بِاسْتِيَاءٍ شَدِيدٍ.
 
لَمْ يَدُمْ ذَلِكَ طَوِيلًا، فَفُوجِئَتْ إلكه بِشِدَّةٍ بِشُعُورِهَا بِهَذَا الشُّعُورِ.
 
بِالطَّبْعِ، يُمْكِنُهُ التَّغَزُّلُ بِالنِّسَاءِ الْأُخْرَيَاتِ. إِنَّهُ رَجُلٌ كَذَلِكَ بِالطَّبْعِ، رَجُلٌ فَاسِقٌ وَمُتَهَوِّرٌ، وَكَانَتْ مُلَامَسَاتُهُ لـ إلكه مُجَرَّدَ تِلْكَ الْمَشَاعِرِ. أَفْعَالٌ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمُزَاحِ.
 
لِمَاذَا أَشْعُرُ بِهَذَا الشُّعُورِ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ مَعْرِفَتِي بِكُلِّ ذَلِكَ؟
 
لَا، فِي الْحَقِيقَةِ، كَانَتْ تَعْلَمُ جَيِّدًا لِمَاذَا تَشْعُرُ بِهَذَا الشُّعُورِ.
 
لِأَنَّهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ تَلْمَسُهُ، فِي كُلِّ مَرَّةٍ يُقَبِّلُهَا، فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَتَحَدَّثُ إِلَيْهَا بِلَهْجَةٍ لَطِيفَةٍ، كَانَتْ تَشْعُرُ أَنَّهَا قَدِ اقْتَرَبَتْ مِنْهُ حَقًّا.
 
لِأَنَّهَا شَعَرَتْ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي لَا يُظْهِرُ نَفْسَهُ جَيِّدًا لَهَا قَدْ أَصْبَحَ حَقًّا فِي صَفِّ إلكه فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ.
 
تَجَاهَلَتْ إلكه بِصُعُوبَةٍ قَلْبَهَا الَّذِي أَصْبَحَ بَارِدًا، وَوَاصَلَتْ سَيْرَهَا.
 
ضَحِكَتْ دوروثيا الَّتِي رَأَتْهَا، ثُمَّ هَمَسَتْ بِشَيْءٍ لـ راينر.
 
وَلِلْمُفَاجَأَةِ، عِنْدَ سَمَاعِ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ، أَطْلَقَ راينر ضَحِكَةً مُتَعَمَّدَةً كَمَا لَوْ كَانَ مُسْتَمْتِعًا. حَاوَلَتْ إلكه جَاهِدَةً أَلَّا تَكُونَ فَضُولِيَّةً بِشَأْنِ مَا قَالَته.
 
“آنِسَةُ إيبرهاردت.”
 
عِنْدَمَا اقْتَرَبَتْ إلكه، أَلْقَى راينر التَّحِيَّةَ بِصَوْتٍ نَاعِمٍ. أَمَّا دوروثيا فَقَدْ أَلْقَتْ تَحِيَّةً مُتَكَبِّرَةً كَالْعَادَةِ.
 
“يَجِبُ عَلَيَّ الْذَّهَابُ الْآنَ. قَالَتْ جَلَالَةُ الْمَلِكَةِ إِنَّ مَسْؤُولِيَّتِي كَبِيرَةٌ، لِذَا كُلُّ لَحْظَةٍ ثَمِينَةٌ.”
 
أَدَارَتْ دوروثيا ظَهْرَهَا بِبُرُودَةٍ بَعْدَ أَنْ تَحَدَّثَتْ بِتَكَبُّرٍ. اعْتَقَدَتْ إلكه أَنَّهَا ذَاهِبَةٌ لِتَنْظِيمِ اجْتِمَاعٍ لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ مَرَّةً أُخْرَى.
 
نَظَرَ الرَّجُلُ الَّذِي أَصْبَحَ كُونْتًا الْآنَ إِلَى إلكه الَّتِي تُرِكَتْ وَحِيدَةً فِي الْمَكَانِ الَّذِي غَادَرَتْهُ دوروثيا.
 
“يَجِبُ عَلَيَّ الْآنَ أَنْ أُنَادِيَكَ بِـ كونت شتيرن.”
 
“يُمْكِنُ لِـ آنِسَةِ إيبرهاردت أَنْ تُنَادِيَنِي بِمَا يَحْلُو لَهَا. أَيُّ شَيْءٍ.”
 
رَفْرَفَ صَوْتُ الرَّجُلِ الَّذِي يَحْمِلُ لُطْفًا لَا مَعْنَى لَهُ مَعَ الرِّيحِ الْهَادِئَةِ.
 
“لِنمشِي قَلِيلٌ؟”
 
عَلَى عَكْسِ الْعَادَةِ حَيْثُ كَانَا دَائِمًا مَعَ الْكَثِيرِينَ فِي قَاعَاتِ الْحَفَلَاتِ وَأَمْثَالِهَا، لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَحَدٌ آخَرُ حَوْلَهُمَا الْيَوْمَ.
 
عِنْدَمَا أَوْمَأَتْ إلكه بِرَأْسِهَا، مَدَّ راينر ذِرَاعَهُ كَأَنَّهُ سَيِّدٌ مُهَذَّبٌ.
 
“مَا الَّذِي أَتَى بِكَ إِلَى هُنَا؟”
 
“كَانَ مِنْ الْمُقَرَّرِ أَنْ أَتَنَاوَلَ الْغَدَاءَ مَعَ جَلَالَتهما، لَكِنْ… يَبْدُو أَنَّ هُنَاكَ ضَيْفًا آخَرَ، لِذَا سَأَضْطَرُّ لِلِانْتِظَارِ قَلِيلًا.”
 
أَبْطَأَتْ خُطُوَاتُ راينر الْكَبِيرَةُ تَدْرِيجِيًّا لِتَتَنَاسَبَ مَعَ سُرْعَةِ إلكه.
 
“لِحُسْنِ الْحَظِّ، يَبْدُو أَنَّ آنِسَةَ إيبرهاردت سَتُؤَنِسُنِي لِبُرْهَةٍ.”
 
أَلْقَى نَظْرَةً خَاطِفَةً عَلَى إلكه.
 
“كَيْفَ كَانَ لِقَاؤُكِ بِجَلَالَةِ الْمَلِكَةِ؟”
 
“لَا أَعْلَمُ جَيِّدًا، بِاسْتِثْنَاءِ انْطِبَاعِي بِأَنَّ الْمَلِكَةَ الْجَدِيدَةَ تُشْبِهُ دوروثيا.”
 
اعْتَقَدَتْ أَنَّهُ تَقْيِيمٌ يُمْكِنُ الْمُوَافَقَةُ عَلَيْهِ بِسُهُولَةٍ، لَكِنَّ راينر هَزَّ رَأْسَهُ.
 
“لَا أَعْلَمُ. أَعْلَمُ مَا هِيَ نِقَاطُ التَّشَابُهِ، لَكِنْ… جَلَالَةُ الْمَلِكَةِ أَذْكَى مِنْ آنِسَةِ باخمان.”
 
“هَلْ تَقُولُ بِأَنَّ دوروثيا غَبِيَّةٌ؟”
 
لَمْ تُفَكِّرْ إلكه قَطُّ بِأَنَّ دوروثيا غَبِيَّةٌ. ابْتَسَمَ الرَّجُلُ بِحَرَجٍ عَلَى سُؤَالِ إلكه.
 
“مِنَ الصَّعْبِ الْإِجَابَةُ. أَنَا أُحَاوِلُ أَنْ أَكُونَ سَيِّدًا مُهَذَّبًا بَعْدَ حُصُولِي عَلَى لَقَبٍ.”
 
كَانَ ذَلِكَ يَعْنِي أَنَّهَا غَبِيَّةٌ.
 
“لَا أَعْلَمُ جَيِّدًا. يَبْدُو أَنَّكَ تَعْرِفُ الْكَثِيرَ عَنْ دوروثيا، يَا كُونْتَ شتيرن.”
 
“لِأَنَّ هُنَاكَ أُمُورًا وَاضِحَةً.”
 
تَوَقَّفَ الرَّجُلُ فَجْأَةً وَاسْتَدَارَ لِيَنْظُرَ إِلَى إلكه الَّتِي كَانَتْ تَقِفُ بِجَانِبِهِ.
             
			
			
		
		
                                            
التعليقات لهذا الفصل " 56"