سَاقَ بيورن إلكه نَحْوَ الْقِطْعَةِ الْمَرْكَزِيَّةِ الْضَّخْمَةِ الْمُزَيَّنَةِ لِاسْتِقْبَالِ أَمِيرَةِ إستوران.
 
“لَكِنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ لَيْسَ بِالرَّجُلِ الَّذِي تَسْتَطِيعِينَ التَّعَامُلَ مَعَهُ. وَلَيْسَ بِالرَّجُلِ الَّذِي سَيُسْتَغَلُّ بِهُدُوءٍ فِي يَدَيْكِ. انْظُرِي كَيْفَ قَبِلَ بِتِلْكَ الْخُطَّةِ الَّتِي وَضَعْتِهَا لَهُ بِكُلِّ بَرَاعَةٍ دُونَ أَيِّ كَرَامَةٍ. لَا نَعْلَمُ مَا يَدُورُ فِي عَقْلِهِ…”
 
أَدْرَكَتْ إلكه أَنَّهُ كَانَ يَتَظَاهَرُ بِأَنَّهُ يَسْتَمْتِعُ بِالزِّينَةِ مَعَ أُخْتِهِ، لَكِنَّهُ كَانَ يُرِيدُ فَقَطْ تَجَنُّبَ النَّاسِ.
 
“بيورن، مَا الَّذِي يُقْلِقُكَ؟”
 
“هُنَاكَ جُنُودٌ مُعَيَّنُونَ يَجِيدُونَ قَتْلَ النَّاسِ بِشَكْلٍ خَاصٍّ. دُونَ أَيِّ تَرَدُّدٍ، أَوْ تَفْكِيرٍ، أَوْ عَمَلٍ. وَهَؤُلَاءِ الْجُنُودُ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ بَارِدُو الْقُلُوبِ. بَلْ لِأَنَّهُمْ مُعْتَادُونَ عَلَى ذَلِكَ. وَمَعْظَمُهُمْ يَعْتَادُونَ عَلَى ذَلِكَ يَوْمًا مَا، فَقَدْ لَا يَكُونُ الْأَمْرُ غَرِيبًا، وَلَكِنْ…”
 
مَدَّ بيورن أَصَابِعَهُ الطَّوِيلَةَ نَحْوَ زَهْرَةِ وَرْدٍ وَاحِدَةٍ زَهْرِيَّةِ اللَّوْنِ. لَاحَظَتْ إلكه أَنَّ تِلْكَ الْوَرْدَةَ الْوَحِيدَةَ كَانَتْ مُثَبَّتَةً بِزَاوِيَةٍ مُخْتَلِفَةٍ قَلِيلًا.
 
“عَلِمْتُ عِنْدَمَا خَدَمْتُ فِي لوهر أنّ ميشيل قَدْ قَتَلَ شَخْصًا بِالْفِعْلِ. كَانَ مُخْتَلِفًا تَمَامًا عَنْ غَيْرِهِ مِنْ طُلَّابِ الْكُلِّيَّةِ الَّذِينَ تَمَّ تَكْلِيفُهُمْ حَدِيثًا. إِنَّهُ وَاضِحٌ. أَيُّ شَخْصٍ رَآهُ فِي سَاحَةِ الْمَعْرَكَةِ كَانَ سَيُدْرِكُ ذَلِكَ. بَدَأَتُ أَظُنُّ أَنَّ الشَّائِعَاتِ الَّتِي كَانَتْ تَتَبَعُهُ فِي الْمَاضِي كَانَتْ صَحِيحَةً.”
 
نَزَعَ بيورن الْوَرْدَةَ بِقَسْوَةٍ وَسَلَّمَهَا إِلَى الْخَادِمِ بِجَانِبِهِ لِيُزِيلَهَا، ثُمَّ عَادَتْ نَظْرَتُهُ إِلَى إلكه.
 
“أَيُّ شَائِعَاتٍ تَتَحَدَّثُ عَنْهَا؟”
 
“كَانَ هُنَاكَ بَعْضُ الْأَشْخَاصِ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ ميشيل رُبَّمَا قَتَلَ أَخ كونت أولدن عِنْدَمَا كَانَ فِي السَّادِسَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمْرِهِ فَقَطْ. وَلَيْسَ ذَلِكَ فحَسبْ. كَمْ عَمٍّ لِهَذَا الرَّجُلِ، وَكَمْ مِنْ مُنَافِسٍ لَهُ، بَقِيَ حَيًّا فِي حَالَةٍ جَيِّدَةٍ بِرَأْيِكِ؟ لَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُ تِلْكَ الثَّرْوَةِ أَبَدًا بِاتِّبَاعِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ فَقَطْ يَا إلكه.”
 
كَانَتْ هَذِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ يَتَحَدَّثُ فِيهَا بيورن عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ. فَالْمَوَاضِيعُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِـ راينر ميشيل الَّتِي كَانَ الدُّوقُ وَبيورن يَتَحَدَّثَانِ عَنْهَا فِي إيبرهاردت كَانَتْ تَقْرِيبًا قَائِمَةً عَلَى الْحَقَائِقِ، وَتَتَعَلَّقُ بِأَفْعَالِهِ السِّيَاسِيَّةِ.
 
لَمْ يَتَحَدَّثَا إِلَى إلكه عَنْ قِصَصٍ كَانَتْ تَنْتَشِرُ فِي الْأَنْدِيَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ الْمُشْبُوهَةِ الَّتِي تُفْتَحُ فِي وَقْتٍ مُتَأَخِّرٍ مِنَ اللَّيْلِ.
 
نَظَرَتْ إلكه إِلَى عَيْنَيْ بيورن الْخَضْرَاوَيْنِ، وَفَكَّرَتْ أَنَّ سَبَبَ كَرَاهِيَةِ أَخِيهَا لـ راينر لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدَ الْمَكَانَةِ. كَمَا قَالَ بيورن، لَمْ يَكُنْ فِي عَيْنَيْهِ الْآنَ تَوْبِيخٌ أَوْ احْتِقَارٌ، بَلْ قَلِيلٌ مِنَ الِانْزِعَاجِ وَالْقَلَقِ.
 
“إِنَّهُ يَفْعَلُ أَيَّ شَيْءٍ لِأَجْلِ هَدَفِهِ. سَيَتَخَلَّى عَنْ إِنْسَانِيَّتِهِ أَيْضًا. بَلْ قَدْ يَكُونُ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ. إِنَّهُ الرَّجُلُ الَّذِي ذَهَبَ سَفِيرًا إِلَى إستوران بِمُجَرَّدِ وَفَاةِ الْمَلِكَةِ وَخَطَّطَ لِهَذَا الزَّوَاجِ لِمُدَّةِ عَامَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ. لَا أَظُنُّ أَنَّ هَدَفَهُ مُجَرَّدُ لَقَبِ كونت. لَا أَعْلَمُ مَا هُوَ هَدَفُهُ لَكِنْ…”
 
ضَغَطَتْ يَدُ بيورن الَّتِي كَانَتْ مُرْتَخِيَةً عَلَى كَتِفِ إلكه بِخِفَّةٍ.
 
“أَنَا قَلِقٌ مِنْ أَنْ تُصْبِحِي أَنْتِ ذَلِكَ السُّلَّمَ يَا إلكه. بَعْدَ أَنْ يَصْعَدَ عَلَيْكِ…”
 
نَظَرَتْ إلكه إِلَى وَجْهِ بيورن الَّذِي بَدَا وَكَأَنَّهُ يَقْلَقُ عَلَيْهَا بِصِدْقٍ، وَشَعَرَتْ بِشُعُورٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ. كَانَ مِنْ الْغَرِيبِ أَنْ يَقْلَقَ عَلَيْهَا إِلَى هَذَا الْحَدِّ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَبْعِ بيورن أَنْ يُصَدِّقَ أَنَّ راينر ميشيل، الَّذِي كَانَ يَتَجَاهَلُهُ بِشِدَّةٍ، يُمْكِنُ أَنْ يُلْحِقَ بِإلكه أَيَّ أَذًى.
 
“لَا دَاعِيَ لِلْقَلَقِ يَا بيورن. شُكْرًا لَكَ.”
 
أَجَابَتْ إلكه بِصَوْتٍ لَطِيفٍ.
 
فَالأَذَى لَا يَلْحَقُ إِلَّا بِمَنْ هُمْ بِخَيْرٍ. إلكه نَفْسُهَا لَمْ تَمْتَلِكْ شَيْئًا سَلِيمًا بِالْقَدْرِ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَتَضَرَّرَ. بِاسْتِثْنَاءِ هَذَا الِاسْمِ الْمُزْعِجِ، إيبرهاردت. إِذَا كَسَّرَهُ، سَيَكُونُ الْأَمْرُ مُرَحَّبًا بِهِ.
 
إِذَا قَتَلَ راينر شَخْصًا، فَلَنْ تُبَالِيَ إلكه. بَلْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا، لَكَانَ الْأَمْرُ…
 
حَاوَلَتْ إلكه بِجُهْدٍ أَنْ تُوَقِّفَ الْأَفْكَارَ الَّتِي كَانَتْ عَلَى وَشْكِ أَنْ تُصْبِحَ كَئِيبَةً.
 
“سَأُصْبِحُ كَاهِنَةً. مَا الَّذِي يُمْكِنُ لِـ ميشيل أَنْ يَفْعَلَهُ بِكَاهِنَةٍ مِنْ برانت؟ لَنْ يَسْتَطِيعَ فِعْلَ شَيْءٍ سِوَى أَنْ يَنْظُرَ إِلَيَّ. مِن حَقِّهِ أَنْ يُكْرِمَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْإِكْرَامَ. لَا تَقْصِدُ أَنْ تَحْرِمَهُ مِنْ ذَلِكَ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ يَا بيورن؟”
 
عَلَى كَلِمَاتِ إلكه، الَّتِي بَدَا وَكَأَنَّهَا تُؤَكِّدُ مُسْتَقْبَلَهَا لِأَوَّلِ مَرَّةٍ، شَعَرَ بيورن بِدَهْشَةٍ لَحْظَةً، ثُمَّ ابْتَسَمَ بِرِقَّةٍ.
 
ذَكَّرَتْها ابْتِسَامَةُ بيورن الْوَدِيعَةُ بِطُفُولَتِهِ. عِنْدَمَا كَانَ الْأَخَ الْفَخُورَ الَّذِي يَحْمِي ويُحِبُّ يوليكه وَإلكه.
 
“صَحِيح.”
 
أَدَارَ بيورن ظَهْرَهُ حَتَّى لَا يَرَاهُ النَّاسُ، وَقَبَّلَ جَبِينَ إلكه بِخِفَّةٍ شَدِيدَةٍ ثُمَّ ابْتَعَدَ.
 
“لَقَدْ قَلِقْتُ دُونَ دَاعٍ، كَمَا يَبْدُو.”
 
نَظَرَتْ إلكه إِلَى بيورن الَّذِي ابْتَسَمَ ثُمَّ وَقَفَ عَلَى بُعْدِ خُطْوَتَيْنِ، وَوَضَعَتْ يَدَهَا عَلَى جَبِينِهَا.
 
لَنْ يَكُونَ مِزَاجُ بيورن جَيِّدًا قَبْلَ مَرَاسِمِ تَنْصِيبِ راينر ميشيل كونتًا، فَلِمَاذَا قَبَّلَ إلكه بِهَذَا اللُّطْفِ؟ ظَهَرَتِ ابْتِسَامَةٌ مُرَّةٌ عَلَى شَفَتَيْ إلكه وَهِيَ تَتَذَوَّقُ حَنَانَ أَخِيهَا غَيْرَ الْمُتَوَقَّعِ.
 
حَتَّى لَوْ اعْتَقَدَتْ أَنَّهَا لَمْ تَعُدْ تُرِيدُ ذَلِكَ، لَمْ تَكْرَهْ الْأَمْرَ عِنْدَمَا ذَاقَتْهُ فِي الْوَاقِعِ.
 
“لِمَاذَا تَبْتَسِمِينَ هَكَذَا؟”
 
ظَهَرَتْ يَدٌ تُقَدِّمُ كَأْسًا فِيهِ نَبِيذٌ أَحْمَرُ فِي مَجَالِ رُؤْيَةِ إلكه.
 
“هَلْ حَكَى لَكِ بيورن قِصَّةً مُسَلِّيَةً؟”
 
وَقَفَ صامويل بِجَانِبِهَا.
 
تَبَادَلَ بيورن وَصامويل تَحِيَّاتٍ بَدَتْ وَدِّيَّةً. شَعَرَتْ إلكه بِخِيَانَةٍ خَفِيفَةٍ تَتَلَوَّى دَاخِلَهَا وَهِيَ تُرَاقِبُهُمَا، لَكِنَّهَا ابْتَلَعَتْهَا بِعَادَةٍ.
 
أَكْثَرُ مَا يُخِيفُ فِي صامويل لَمْ يَكُنْ غَضَبَهُ الْمَرَضِيَّ.
 
بَلْ كَانَ الْمُخِيفُ هُوَ أَنَّ ذَلِكَ الْغَضَبَ لَا يَشْتَعِلُ إِلَّا أَمَامَ إلكه وَحْدَهَا. أَمَامَ الْآخَرِينَ، أَخْفَى صامويل جُنُونَهُ بِبَرَاعَةٍ.
 
“لَمْ أَقُلْ شَيْئًا يُذْكَرُ.”
 
أَجَابَ بيورن بِصَوْتٍ عَادِيٍّ.
 
نَظَرَتْ إلكه إِلَى صامويل الَّذِي كَانَ يَبْدُو دَائِمًا فِي مِزَاجٍ جَيِّدٍ هَذِهِ الْأَيَّامَ، وَأَخَذَتِ الْكَأْسَ الَّذِي قَدَّمَهُ. لَمْ يَبْدُ أَنَّ مِزَاجَهُ قَدْ فَسَدَ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ انْتِشَارِ حَدِيثٍ بِأَنَّ راينر تَابَ بِفَضْلِ إلكه. فَقَدِ اعْتَقَدَتْ أَنَّهُ سَيَكْرَهُ أَيَّ ارْتِبَاطٍ لـ إلكه بـ راينر.
 
“صَحِيحٌ. لَقَدْ كَانَ مُجَرَّدَ قَلَقٍ عَادِيٍّ وَنَصِيحَةٍ يُمْكِنُ لِأَخٍ أَنْ يَقْدِمَهَا لِأُخْتِهِ.”
 
تِلْكَ الْكَلِمَاتُ الَّتِي بَدَتْ عَادِيَّةً جِدًّا لِدَرَجَةِ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لِتَحْصُلَ عَلَيْهَا قَطُّ.
 
نَزَلَتْ نَظْرَةُ صامويل وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى الْقِلَادَةِ الْخَضْرَاءِ الْمُعَلَّقَةِ عَلَى عُنُقِ إلكه. اقْتَرَبَتْ يَدُهُ الْفَارِغَةُ الَّتِي لَا تَحْمِلُ كَأْسًا نَحْوَ عُنُقِ إلكه ثُمَّ تَوَقَّفَتْ فَجْأَةً.
 
بَدَتِ الْيَدُ الْمُعَلَّقَةُ فِي الْهَوَاءِ تَرْتَجِفُ ثُمَّ عَادَتْ إِلَى مَكَانِهَا. إِلَى خَصْرِهِ.
 
“…لَقَدْ ارْتَدَيْتِ الْقِلَادَةَ الَّتِي أَرْسَلْتُهَا.”
 
“أَلَمْ تُرْسِلْهَا لِأرتَدِيهَا؟”
 
أَخَذَتْ إلكه جُرْعَةً مِنْ النَّبِيذِ وَأَجَابَتْ بِعَدَمِ مُبَالَاةٍ.
 
كَانَ لَا شَكَّ أَنَّهُ قَدِ اشْتَرَاهَا لـ يوليكه فِي وَقْتٍ مَا. فَاللَّوْنُ الْأَخْضَرُ كَانَ يَلِيقُ بـ يوليكه بِشَكْلٍ رَائِعٍ. لِذَا أَصْبَحَ هُوَ أَكْثَرَ الْأَلْوَانِ الَّتِي تَتَجَنَّبُهَا إلكه.
 
“إِنَّهَا تَلِيقُ بِكِ جِدًّا يَا إلكه.”
 
ابْتَسَمَ بيورن رَاضِيًا وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى الْقِلَادَةِ.
 
“أَنْتِ غَرِيبَةٌ قَلِيلًا هَذِهِ الْأَيَّامَ يَا إلكه إيبرهاردت.”
 
كَانَتْ تَتَوَقَّعُ أَنْ يَفْرَحَ صامويل وَيَضْحَكَ، لَكِنَّ تَجَاهُدَ مَلَامِحِ وَجْهِهِ كَانَ مُرِيبًا جِدًّا.
 
“عِنْدَمَا نَلْتَقِي، تَقْبَلِينَ تَحِيَّتِي، وَلَا تَقُولِينَ لِي كَلَامًا مُزْعِجًا. وَتُحَاوِلِينَ الْحَدِيثَ أَيْضًا. وَالْآنَ حَتَّى… تَقْبَلِينَ الْأَشْيَاءَ الَّتِي أَرْسَلْتُهَا دُونَ اعْتِرَاضٍ.”
 
“أَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ هِيَ الْأُمُورُ الَّتِي كُنْتَ تَتَمَنَّاهَا يَا صامويل؟”
 
“صَحِيحٌ يَا صامويل. لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ تَتَذَمَّرُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟”
 
تَجَهَّمَ صامويل عِنْدَ كَلِمَةِ تَوْبِيخِ بيورن، لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ شَرْحَ مَا كَانَ يَشْعُرُ بِهِ بِشَكْلٍ صَحِيحٍ.
 
“لَيْسَ ذَلِكَ…”
 
أَخَذَ بيورن ضِحْكَةً مُفَاجِئَةً، رُبَّمَا افْتَرَضَ أَنَّ إِحْبَاطَ صامويل كَانَ خَجَلًا، ثُمَّ ابْتَعَدَ عَنْهُمَا بِخُطْوَتَيْنِ لِيَتَحَدَّثَ مَعَ الْآخَرِينَ. كَانَتِ الْمَسَافَةُ قَرِيبَةً بِمَا يَكْفِي لِاعْتِبَارِهِ قَرِيبًا مِنْ إلكه وَصامويل، لَكِنَّ الْمُحَادَثَةَ كَانَتْ تُرَشَّحُ بِشَكْلٍ مُنَاسِبٍ.
 
“وَأَنْتَ يَا صامويل؟ كُنْتُ أَتَوَقَّعُ أَنْ تَغْضَبَ مِثْلَ الْمَرَّةِ الْمَاضِيَةِ بِسَبَبِ ارْتِبَاطِ ميشيل بِي. أَنْتَ أَيْضًا غَرِيبٌ هَذِهِ الْأَيَّامَ.”
 
“مَا هُوَ سَبَبُ غَضَبِي؟”
 
كَانَ سُؤَالًا مُدْهِشًا مِنْ شَخْصٍ كَانَ يَغْضَبُ بِسُهُولَةٍ دُونَ سَبَبٍ. فَغَضَبُهُ غَيْرُ الْمَنْطِقِيِّ لَمْ يَكُنْ يَحْتَاجُ إِلَى سَبَبٍ آخَرَ. فـ إلكه وَحْدَهَا هِيَ السَّبَبُ الْوَحِيدُ.
 
تَقَدَّمَ صامويل خُطْوَةً وَهَمَسَ بِصَوْتٍ مُنْخَفِضٍ.
 
“لَقَدْ جَعَلْتِ أَكْبَرَ غَيْرِ مُؤْمِنٍ فِي برانت خَادِمًا لِلْحَاكِمَةِ، وَلَمْ تَجْعَلِيهِ عِشِيقًا لَكِ. لَا سَبَبَ لِي لِأَغْضَبَ. فَهُوَ وَالْحُثَالَاتُ الْأُخْرَى لَا يُمْكِنُهُمْ إِلَّا أَنْ يَنْظُرُوا إِلَيْكِ، بَلْ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَيْكِ مِنْ الْأَسْفَلِ، وَسَأَحْصُلُ عَلَى مَكَانِي بِجَانِبِكِ.”
 
كَانَ يُرِيدُ مِنْهَا فِي وَقْتٍ مَا أَلَّا تَنْظُرَ إِلَيْهِ. أَخْفَتْ إلكه سُخْرِيَتَهَا الدَّاخِلِيَّةَ وَرَفَعَتِ الْكَأْسَ إِلَى شَفَتَيْهَا مُجَدَّدًا.
 
“انْظُرِي. أَنْتِ لَا تُجِيبِينَ الْآنَ أَيْضًا. لَيْسَ هَذَا مِنْ شِيَمِكِ.”
 
تَمْتَمَ صامويل الَّذِي لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ إلكه فِي دَاخِلِهَا كَانَتْ تُجِيبُ عَلَى كَلَامِهِ كُلِّهِ.
 
دَقَّتْ إلكه أَصَابِعَهَا عَلَى الْكَأْسِ بِهُدُوءٍ وَهَدَّأَتْ نَفْسَهَا. كَانَ التَّعَامُلُ مَعَ صامويل يَتَطَلَّبُ ضَبْطًا لِلنَّفْسِ أَكْبَرَ مِمَّا تَوَقَّعَتْ. فَالشُّعُورُ بِالضِّيقِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ كَانَ يُثِيرُهَا بَيْنَ الْحِينِ وَالْآخَرِ.
 
“لَسْتُ غَبِيَّةً لِأَعْتَرِضَ عَلَى الْحَقِيقَةِ يَا صامويل.”
 
ابْتَسَمَتْ إلكه لـ صامويل بِلُطْفٍ كَمَا فَعَلَ بيورن. ابْتِسَامَةً وُدِّيَّةً كَمَا يُرْسَلُ إِلَى صَدِيقٍ.
 
كَانَ صامويل يَتَمَنَّى دَائِمًا أَنْ تَكُونَ إلكه مُطِيعَةً لَهُ، لِذَا كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ يَرْتَدِي تَعَابِيرَ الْغُرُورِ الْآنَ.
 
لَكِنَّهُ بَدَا مُرْتَبِكًا قَلِيلًا.
 
عِنْدَمَا نَظَرَتْ إلكه إِلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَ مِزَاجُهُ غَرِيبًا، سَعَلَ صامويل كَمَا لَوْ أَنَّهُ اسْتَعَادَ رُشْدَهُ. بَعْدَ أَنْ تَأَكَّدَتْ إلكه مِنْ عَوْدَتِهِ إِلَى طَبِيعَتِهِ، اسْتَكْمَلَتْ حَدِيثَهَا.
 
“أَنَا بِحَاجَةٍ إِلَيْكَ الْآنَ يَا صامويل. كَمَا قُلْتَ، يَجِبُ أَنْ تَكُونَ بِجَانِبِي حَتَّى يَتَخَيَّلَ النَّاسُ راينر ميشيل تَحْتِي وَلَيْسَ بِجَانِبِي.”
 
عَلَى الرَّغْمِ مِنْ الشُّعُورِ بِالِانْزِعَاجِ الَّذِي كَانَتْ تَقْمَعُهُ بِصُعُوبَةٍ، إِلَّا أَنَّ الْكَلِمَاتِ خَرَجَتْ بِسُهُولَةٍ نِسْبِيًّا. فَبِمُجَرَّدِ التَّفْكِيرِ فِي الْيَأْسِ الَّذِي سَيَشْعُرُ بِهِ صامويل عِنْدَمَا يُقْصَى مِنْ جَانِبِهَا بَعْدَ أَنْ يُصْبِحَ رَاضِيًا وَغَافِلًا هَكَذَا، أَوْ فِي شُعُورِهَا بِالْحُرِّيَّةِ، أَصْبَحَتْ تُجِيدُ التَّظَاهُرَ بِاللُّطْفِ، وَالْكَذِبَ، وَأَيَّ شَيْءٍ آخَرَ.
 
كُلَّمَا ازْدَادَ رِضَا صامويل عَنْهَا، زَادَ شُعُورُ إلكه بِالتَّرَقُّبِ. اعْتَقَدَتْ إلكه أَنَّهَا غَرِيبَةٌ، وَشَعَرَتْ بِالْخَوْفِ أَحْيَانًا، لَكِنَّهَا لَمْ تُرِدْ نَفْيَ ذَلِكَ الشُّعُورِ.
 
“…حَقًّا؟”
 
“نَعَمْ.”
             
			
			
		
		
                                            
التعليقات لهذا الفصل " 49"