الفصل 18:
.
مِنَ الْحَقِيقَةِ أَنَّ رِجَالَ الدِّينِ لَا يُحِبُّونَ الرِّبَا، وَلَكِنْ لَمْ يَعُدْ مِنَ الشَّائِعِ فِي الْوَقْتِ الْحَالِيِّ كِتَابَةُ الْمَقَالَاتِ الِافْتِتَاحِيَّةِ وَنَشْرُهَا عَلَى نِطَاقٍ وَاسِعٍ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ.
كَانَ وَقْتًا شَاعَتْ فِيهِ شَائِعَاتٌ بِأَنَّ حَتَّى إِمْبَرَاطُورَ الْإِمْبَرَاطُورِيَّةِ، حَامِيَ الْكَنِيسَةِ الْقَدِيمَةِ، يُحَاوِلُ اقْتِرَاضَ الْمَالِ مِنْ راينر ميشيل.
كَانَ راينر يَتَعَامَلُ فَقَطْ مَعَ أَعْضَاءِ الْعَائِلَةِ الْمَلَكِيَّةِ وَالنُّبَلَاءِ، وَكَانَ مِنَ الْمُشْكِلِ مَعْرِفَةُ مَا إِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْفَوَائِدُ تُعْتَبَرُ “رِبًا” بِالنَّظَرِ إِلَى حَجْمِ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَتَدَفَّقُ.
كَانَ مِنَ الصَّعْبِ عَلَيْهِ مُجَرَّدُ اسْتِغْلَالِ الْعَامَّةِ بِشَكْلٍ مُتَعَمَّدٍ. بَلْ كَانَ بَذْلُ الْجُهْدِ لِاسْتِغْلَالِ الْعَامَّةِ سَيَكُونُ أَمْرًا مُزْعِجًا.
عَلَاوَةً عَلَى ذَلِكَ، اسْتِغْلَالُ الْعَامَّةِ هُوَ حَقُّ النُّبَلَاءِ، لَا بَلْ وَاجِبُهُمْ، وَلَيْسَ عَمَلَ راينر ميشيل. فَكَّرَتْ إلكه بِسُخْرِيَةٍ.
بِقِرَاءَةِ الْمَقَالَةِ الِافْتِتَاحِيَّةِ فَقَطْ، بَدَا وَكَأَنَّ هُنَاكَ مُرَابِيًّا وَاحِدًا فَقَطْ فِي برانت، وَهُوَ راينر ميشيل.
كَانَ مَكْرُوهًا بِشَكْلٍ خَاصٍّ. حَتَّى هَينز، الْمُرَابِي السَّيِّئُ السُّمعَةِ الَّذِي كَانَ يَأْخُذُ الْأَجْسَادَ كَضَمَانٍ بَدَلًا مِنَ الْبِضَائِعِ أَوِ الْأَرْضِ، لَمْ يُنْتَقَدْ عَلَنًا بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ.
عِنْدَ التَّفْكِيرِ فِي الْأَمْرِ، يَبْدُو أَنَّ اسْمَ راينر كَانَ يَظْهَرُ فِي الصُّحُفِ بِشَكْلٍ أَكْثَرَ تِكْرَارًا قَبْلَ أَنْ يُغَادِرَ برانت كَسَفِيرٍ.
أنطون تُورِلجِه. اسْمٌ مَأْلُوفٌ.
أَلَمْ يَكُنْ هَذَا الشَّخْصُ هُوَ مَنْ كَتَبَ الْمَقَالَاتِ الِافْتِتَاحِيَّةَ الْقَدِيمَةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِـ راينر ميشيل؟ تَجَمَّعَتْ تَجَعُّدَاتٌ خَفِيفَةٌ بَيْنَ حَاجِبَيْ إلكه وَهِيَ تُحَاوِلُ اسْتِعَادَةَ ذِكْرَيَاتِهَا.
<لَنْ يَحْضُرَ راينر ميشيل احْتِفَالَ عِيدِ الْقِدِّيسِ ديانيك. فَهُوَ لَا يَحْضُرُ أَبَدًا الْمُنَاسَبَاتِ الدِّينِيَّةَ. وَلَا حَتَّى حَفْلَةَ الْقَصْرِ الْمَلَكِيِّ الَّتِي تَلِي الْحَدَثَ.>
تَذَكَّرَتْ مَا قَالَتْهُ ريناتا قَبْلَ أَيَّامٍ.
كَانَ مِنْ الْمَفْهُومِ لِمَاذَا لَمْ يُرِدِ الْحُضُورَ. هَلْ هُنَاكَ سَبَبٌ حَقِيقِيٌّ لِذَهَابِهِ إِلَى الْاحْتِفَالِ الْمُفَضَّلِ لِأُولَئِكَ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ مِنْهُ الْذَّهَابَ إِلَى الْجَحِيمِ؟
لِشَكْلٍ مَا، لَمْ يَقُلِ الدُّوقُ وَبيورن لـِ إلكه شَيْئًا خَاصًّا عَلَى الرَّغْمِ مِنْ قُرْبِ مَوْعِدِ الْحَدَثِ الِاحْتِفَالِيِّ. يَبْدُو أَنَّ بَعْضَ الْنَّاسِ لَا يَزَالُونَ يَهْمِسُونَ أَحْيَانًا، لَكِنَّهُمْ يَبْدُو أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ السَّيْطَرَةِ وَأَنَّ إلكه لَيْسَتْ لَدَيْهَا مُشْكِلَةٌ مَا دَامَ راينر ميشيل لَا يَحْضُرُ.
كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا مُحَمَّدًا لـِ إلكه بِالْفِعْلِ. لَيْسَ فَقَطْ لِأَنَّهُ لَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَا يَسْتَدْعِي تَدْمِيرَ الدُّوقِ، بَلْ لِأَنَّ إلكه لَمْ تَجْرُؤْ عَلَى رُؤْيَةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ مَرَّةً أُخْرَى.
بَعْدَ لِقَائِهَا بِذَلِكَ الرَّجُلِ، اعْتَقَدَتْ إلكه أَنَّ الْحَاكِمَةَ كَائِنٌ مُنْحَرِفٌ بِالْفِعْلِ.
أَلَيْسَ مِنْ ذَوْقٍ غَرِيبٍ أَنْ تُعْطِيَ الْحَاكِمَةُ مِثْلَ هَذَا الرَّجُلِ، رَجُلًا يَتَكَلَّمُ بِبَرَاعَةٍ مِثْلَ وَجْهِهِ وَيَفْعَلُ أَفْعَالًا مُنْحَطَّةً، مِثْلَ هَذَا الْجَمَالِ الْخَارِجِيِّ؟
لَا. بِطَرِيقَةٍ مَا، كَانَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ الْحَاكِمَةِ. فَالْحَاكِمَةُ كَانَتْ تُحِبُّ اخْتِبَارَ الْبَشَرِ بِاسْتِمْرَارٍ. وَالَّذِينَ سَقَطُوا فِي هَذَا الِاخْتِبَارِ لَقُوا نِهَايَةً قَاسِيَةً.
قِصَّةُ عَدَمِ أَكْلِ التُّفَّاحَةِ الَّتِي قَدَّمَتْهَا الْحَيَّةُ كَانَتْ دَرْسًا قَوِيًّا يَتَعَلَّمُهُ الْإِنْسَانُ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ عِنْدَمَا يَقْرَأُ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ مُنْذُ وِلَادَتِهِ.
هَذَا الرَّجُلُ أَيْضًا مِثْلُ هَذَا الِاخْتِبَارِ. لَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَنْجَرِفَ.
مُنْذُ فَتْرَةٍ، بَدَأَتْ حَتَّى تَرَى أَحْلَامًا غَرِيبَةً.
فِي الْحُلْمِ، كَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْوَسِيمُ بِشَكْلٍ مُثِيرٍ لِلْغَرَابَةِ يُقَبِّلُ امْرَأَةً مَا. كَمَا قَبَّلَ تِلْكَ الْكُونْتَسَةَ. بَعْدَ أَنْ الْتَقَتْ عَيْنَاهَا بِهِ، وَجَدَتْهُ يَتَسَلَّقُ فَوْقَهَا وَهُوَ يَبْتَسِمُ.
وَلَمْ تُحَاوِلْ إلكه الْحَالِمَةُ إِطْلَاقًا إِيقَافَ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ يَلْمِسُ جَسَدَهَا بِتَصَرُّفٍ عَشْوَائِيٍّ بِتِلْكَ الْيَدِ الَّتِي كَانَ يَسُدُّ بِهَا فَمَهَا. كَانَتْ مَذْهُولَةً مِنْ نَفْسِهَا.
كَانَتْ يَدَا الرَّجُلِ فِي الْحُلْمِ كَبِيرَتَيْنِ، وَأَصَابِعُهُ طَوِيلَةً، وَمَفَاصِلُهُ سَمِيكَةً.
كَانَ الْأَمْرُ جُنُونِيًّا. لَمْ تَكُنْ إلكه مِثْلَ أُخْتِ الْكُونْتِ كيلش أَوْ تِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي تُدْعَى الْكُونْتِسَةَ. لَمْ تُرِدْ أَفْعَالًا كَهَذِهِ. لَمْ تَسْتَطِعْ فَهْمَ لِمَاذَا كَانَتْ تَرَى مِثْلَ هَذِهِ الْأَحْلَامِ بِاسْتِمْرَارٍ.
<لَا تُفَكِّرِي أَفْكَارًا غَيْرَ طَاهِرَةٍ، يَا إلكه. إِنَّهُ مُخْزٍ حَقًّا. كَيْفَ سَتُصْبِحِينَ كَاهِنَةً بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ؟>
نَظَرَتْ إلكه بِهُدُوءٍ إِلَى صُورَةِ يوليكه عِنْدَمَا دَخَلَ الصَّوْتُ فِي رَأْسِهَا.
لَا أُرِيدُ أَنْ أَكُونَ كَذَلِكَ بِالْمَرَّةِ.
بِالطَّبْعِ، عِنْدَ التَّفْكِيرِ فِي كَيْفَ سَيَنْظُرُ الدُّوقُ إِلَيْهَا إِذَا لَمْ تُصْبِحْ كَاهِنَةً، ارْتَجَفَ جَسَدُهَا مِنْ الْخَوْفِ وَشَعَرَتْ بِضِيقِ الْتَّنَفُّسِ.
عَلَى الرَّغْمِ مِنْ خَوْفِهَا الشَّدِيدِ مِنْ وَالِدِهَا، إِلَّا أَنَّهَا لَمْ تُرِدْ أَنْ تُصْبِحَ كَاهِنَةً. فَـ إلكه كَانَتْ دَائِمًا تَخَافُ مِنَ الْحَاكِمَةِ. أَكْثَرَ مِنْ الدُّوقِ. حَتَّى لَوْ لَمْ تَكُنْ كَاهِنَةً بَلْ كَاهِنَةً، كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَبْقَى فِي فِضَاءِ الْحَاكِمَةِ وَتَكُونَ قَرِيبَةً مِنَ الْحَاكِمَةِ.
عِنْدَمَا قَرَأَتْ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ، بَكَتِ إلكه الصَّغِيرَةُ. وَلَمْ تَسْتَطِعِ التَّوَقُّفَ عَنِ الْبُكَاءِ حَتَّى عِنْدَمَا صَرَخَ فِيهَا الْكَاهِنُ فرانتس الَّذِي كَانَ يُعَلِّمُهَا وَوَبَّخَهَا، قَائِلًا إِنَّهَا مَسْكُونَةٌ بِالشَّيْطَانِ.
لَمْ تَسْتَطِعْ إلكه فَهْمَ مُحْتَوَى ذَلِكَ الْكِتَابِ بِأَيِّ حَالٍ. كَانَ مَلِيئًا بِالْأَشْيَاءِ الْقَاسِيَةِ، وَكَانَتِ الْحَاكِمَةُ مُخِيفَةً بِشَكْلٍ مُرِيعٍ. لَمْ تَفْهَمْ كَيْفَ يَقْبَلُ الْجَمِيعُ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ وَالْحَاكِمَةَ بِبَسَاطَةٍ.
كَانَتِ الْحَاكِمَةُ تُجْرِي اخْتِبَارَاتٍ بِاسْتِمْرَارٍ وَتُعَاقِبُ مَنْ لَا يَنْتَصِرُونَ. حَتَّى أَنَّهَا أَبَادَتِ الْبَشَرَ بِأَكْمَلِهِمْ مِنْ عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ. عِنْدَمَا تَعَلَّمَتْ إلكه أَنَّ مَا تَرَاهُ مَذْبَحَةً هُوَ حُكْمٌ، خَافَتْ مِنَ الْحَاكِمَةِ.
أَرَادَتْ أَنْ تَعْبُدَ الْحَاكِمَةَ الْقَادِرَةَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَالَّتِي تُشْرِفُ عَلَى الْحُكْمِ وَالرَّحْمَةِ مِثْلَ الْآخَرِينَ، لَكِنَّهَا لَمْ تَسْتَطِعْ. كَانَتْ تَخَافُ مِنْ تِلْكَ الْقُدْرَةِ الْكَامِلَةِ، تِلْكَ الْقُوَّةِ الَّتِي سَتُسَيْطِرُ عَلَى حَيَاةِ إلكه.
إِذَا كَانَتْ الْحَاكِمَةُ تُدْعَى بِهَذَا الِاسْمِ لِأَنَّهَا كَائِنٌ لَا يُمْكِنُ لِلْبَشَرِ فَهْمُهُ، إِذَنْ، نَعَمْ، مَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ كَانَ بِالْفِعْلِ الْحَاكِمَةَ.
هَذَا الْعَالَمُ خُلِقَ بِوَاسِطَةِ مِثْلِ هَذِهِ الْحَاكِمَةِ، وَتَتَخَلَّلُ حَيَاةَ الْإِنْسَانِ اخْتِبَارَاتٌ مِنْ هَذِهِ الْحَاكِمَةِ، وَبَعْدَ الْمَوْتِ، سَيَحْتَضِنُهَا هَذَا الْكِيَانُ، وَكَانَ ذَلِكَ خَوْفًا لـِ إلكه الْصَّغِيرَةِ.
“يَا آنِسَةُ، حَانَ وَقْتُ مُغَادَرَتِكِ.”
أَعَادَهَا صَوْتُ هانا الَّذِي سُمِعَ مَعَ صَوْتِ الطَّرْقِ إِلَى الْوَاقِعِ.
“نَعَمْ، سَأَخْرُجُ.”
رَتَّبَتْ إلكه الْجَرِيدَةَ وَكَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ، ثُمَّ تَوَقَّفَتْ أَمَامَ الصُّورَةِ.
“سَاعِدِينِي لِأَتَصَرَّفَ مِثْلَ أُخْتِي. إِذَا كُنْتِ تُرَاقِبِينَ مِنْ الْأَعْلَى.”
يوليكه الَّتِي أَحَبَّتِ الْحَاكِمَةَ لَا بُدَّ أَنَّهَا ذَهَبَتْ إِلَى الْجَنَّةِ. رُبَّمَا تَجْلِسُ حَتَّى عَلَى يَمِينِ الْحَاكِمَةِ.
لَمْ تَشُكَّ إلكه فِي ذَلِكَ أَبَدًا.
لَكِنَّ إلكه نَفْسَهَا لَمْ تَكُنْ مُتَأَكِّدَةً مِمَّا إِذَا كَانَتْ تُرِيدُ الْذَّهَابَ إِلَى هُنَاكَ.
فَـ إلكه لَمْ تَكُنْ مُتَأَكِّدَةً حَتَّى مِمَّا إِذَا كَانَتِ الْحَاكِمَةُ وَالْجَنَّةُ مَوْجُودَيْنِ بِالْفِعْلِ.
—
△▽△
كَانَ مَعْبَدُ ديانيك الْكَبِيرُ، وَهُوَ أَكْبَرُ مَعْبَدٍ فِي برانت، مُزَيَّنًا بِأَكْثَرِ طَرِيقَةٍ تَقْوِيَّةٍ بِمُنَاسَبَةِ أَعْظَمِ عِيدٍ فِي الْمَمْلَكَةِ. كَانَتِ الْأَعْلَامُ وَالْمَفْرُوشَاتُ وَتَرْتِيبُ الْمُقَدَّسَاتِ كُلُّهَا لَا يُعْلِقُ عَلَيْهَا غُبَارٌ.
كَانَتِ الْكَاهِنَةُ فيلهيلمينا باخمان تُدِيرُ الْحَدَثَ بِكُلِّ بَرَاعَةٍ. كَانَتْ تَبْدُو مُتَوَتِّرَةً فِي عَامِهَا الْأَوَّلِ كَكَاهِنَةٍ، أَمَّا الْآنَ فَقَدْ أَصْبَحَتْ طَبِيعِيَّةً. أَصْبَحَ وَجْهُهَا أَكْثَرَ إِشْرَاقًا كُلَّمَا اقْتَرَبَ انْتِهَاءُ فَتْرَةِ خِدْمَتِهَا.
جَلَسَتْ إلكه بِرِفْقَةِ الدُّوقِ وَالدُّوقَةِ فِي الْمَقَاعِدِ الْمُخَصَّصَةِ. كَانَ مَقْعَدُهَا خَلْفَ مَقَاعِدِ الْمَلِكِ وَالْأَمِيرَةِ وَالْأَمِيرِ الصَّغِيرِ مُبَاشَرَةً. وَاحِدٌ تِلْوَ الْآخَرِ، تَقَدَّمَ النَّاسُ وَسَلَّمُوا عَلَى الْمَلِكِ ثُمَّ عَادُوا إِلَى مَقَاعِدِهِمْ.
“اُنْظُرِي جَيِّدًا. سَيَكُونُ هَذَا وَاجِبَكِ الْعَامَ الْقَادِمَ.”
أَعْرَبَتْ إلكه فِي قَلْبِهَا عَنْ إِعْجَابِهَا بِيَقِينِ وَالِدِهَا. فَمِنَ الصَّعْبِ عَلَى الشَّخْصِ أَنْ لَا يَشُكَّ بِذَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي أَيِّ أَمْرٍ، لَكِنَّ الدُّوقَ كَانَ رَائِعًا حَقًّا.
لَمْ يَبْدُ الدُّوقُ وَكَأَنَّهُ يُحَاوِلُ تَوْتِيرَ باخمان، فَمِنْ أَيْنَ جَاءَتْ هَذِهِ الثِّقَةُ؟ إِذَا كَانَتْ هَذِهِ الثِّقَةُ نَابِعَةً مِنْ كَوْنِ وَالِدِهَا يَثِقُ فِي إلكه وَحْدَهَا، فَلَمْ تَشْعُرْ بِالسَّعَادَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، بَلْ بِالضَّغْطِ فَقَطْ.
بِجَانِبِ إلكه، عَلَى كُرْسِيٍّ طَوِيلٍ وَمُتَبَاعِدٍ، جَلَسَ أَفْرَادُ عَائِلَةِ باخمان بِجَانِبِ بَعْضِهِمْ الْبَعْضَ.
نَظَرَتْ إلكه نَظْرَةً سَرِيعَةً إِلَى الْجَانِبِ، فَالْتَقَتْ عَيْنَاهَا بِـ دوروثيا باخمان.
عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ إلكه حَيَّتْهَا بِابْتِسَامَةٍ رَسْمِيَّةٍ وَبِإِيمَاءَةٍ، إِلَّا أَنَّ دوروثيا أَجَابَتْ بِتَعْبِيرٍ بَارِدٍ كَالْعَادَةِ وَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ نَظَرَتْ إِلَى الْأَمَامِ مُبَاشَرَةً.
عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهَا كَانَتْ تَنْظُرُ إِلَى إلكه بِبُرُودٍ، إِلَّا أَنَّ عَيْنَيْهَا كَانَتْ مَلِيئَةً بِالْحُبِّ وَالْفَخْرِ عِنْدَمَا نَظَرَتْ إِلَى أُخْتِهَا فيلهيلمينا. وَكَأَنَّهَا شَعَرَتْ بِالْفَخْرِ لِرُؤْيَةِ تَابُوتِ ديانيك وَالْمُقَدَّسَاتِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الْمَرْكَزِ، فَقَدْ رَسَمَتْ عَلَامَةَ الصَّلِيبِ بِمُفْرَدِهَا.
كَانَتْ شَابَّةً ذَكِيَّةً وَلَطِيفَةً، لَكِنَّ إلكه كَانَتْ تَشْعُرُ بِالْقُشَعْرِيرَةِ أَحْيَانًا عِنْدَمَا تَرَى حَمَاسَةَ دوروثيا. كَانَتْ دوروثيا تَعْبُدُ الْحَاكِمَةَ كَمَا تُحِبُّ. عِنْدَمَا كَانَتَا تَحْضُرَانِ دُرُوسَ اللاهُوتِ مَعًا، كَانَتْ إلكه تَشْعُرُ بِالِاخْتِنَاقِ مِنْ ذَلِكَ الْحُبِّ.
إِذَا كَانَتْ إلكه تَدْرُسُ اللاهُوتَ بِعَقْلِهَا، فَـ دوروثيا تَتَقَبَّلُهُ بِقَلْبِهَا. تِلْكَ الْمُحْتَوَيَاتُ السَّخِيفَةُ وَالْمُخِيفَةُ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، تَتَقَبَّلُهَا بِتَقْوَى وَبَرَاءَةٍ وَسَذَاجَةٍ تَمَامًا دُونَ أَدْنَى شَكٍّ.
عِنْدَمَا كَانَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهَا، كَانَ شَخْصٌ مَا يَخْطُرُ بِبَالِهَا كَثِيرًا. كَانَتْ دوروثيا تَكْرَهُ إلكه بِوَضُوحٍ، لَكِنَّ إلكه لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَكْرَهَ الشَّبَهَ بِذَلِكَ الشَّخْصِ.
عِنْدَمَا حَوَّلَتْ إلكه نَظَرَهَا عَنْ دوروثيا وَنَظَرَتْ إِلَى الْأَمَامِ بِمَلَلٍ، مَشَى شَخْصٌ مَا بَيْنَ الْمَقَاعِدِ. تَجَمَّدَتْ إلكه عِنْدَ رُؤْيَةِ الرَّجُلِ الَّذِي مَرَّ بِجَانِبِ مَقْعَدِهَا وَسَلَّمَ عَلَى الْمَلِكِ.
راينر ميشيل، الَّذِي كَانَ الْجَمِيعُ مُتَأَكِّدِينَ أَنَّهُ لَنْ يَأْتِيَ أَبَدًا، كَانَ وَاقِفًا بِجُرْأَةٍ فِي الْمَعْبَدِ الْكَبِيرِ، يَبْتَسِمُ لـِ إلكه.
سَقَطَ ضَوْءٌ سَاطِعٌ مِنْ الزُّجَاجِ الْمُلَوَّنِ يُضِيءُ وَجْهَهُ الْمُنْحُوتَ بِبَرَاعَةٍ.
كَانَ أَحَدُ الْكَهَنَةِ الَّذِينَ كَانُوا يَقِفُونَ بِجَانِبِ فيلهيلمينا يَنْظُرُ إِلَى راينر ميشيل بِتَعْبِيرٍ مُنْدَهِشٍ، وَكَأَنَّهُ مُتَفَاجِئٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْتَرَقْ حَالًا.
“فَخَامَةُ الْحَاكِمَةِ الْجَلِيلَةُ.”
“أَلَا تَقُولُ يَا سَيِّدَ راينر؟ أَلَمْ تَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَأْتِيَ؟”
بِالْحُكْمِ مِنْ صَوْتِ ألبريشت الْخَامِسِ الْمُرْتَفِعِ، يَبْدُو أَنَّ وُجُودَ راينر قَدْ أَثَارَ الدَّهْشَةَ بَيْنَ الْمَلِكِ وَالنُّبَلَاءِ وَالْكَهَنَةِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ.
“بِشَكْلٍ مَا، تَغَيَّرَ رَأْيِي.”
ابْتَسَمَ راينر بِخَفَّةٍ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى إلكه، مِمَّا جَعَلَ كَلِمَةَ “بِشَكْلٍ مَا” تَبْدُو وَكَأَنَّهَا تَعْنِي إلكه. لَا بُدَّ أَنَّ هَمَسَاتِ النَّاسِ الَّتِي سُمِعَتْ لَمْ تَكُنْ مُجَرَّدَ وَهْمٍ.
تَسَاءَلَتْ إلكه عَمَّا ارْتَكَبَتْهُ مِنْ خَطَأٍ بِحَقِّ هَذَا الرَّجُلِ. مَا الْحِقْدُ الَّذِي يَكِنُّهُ لَهَا حَتَّى يَفْعَلَ هَكَذَا…
تَلَقَّى راينر النَّظَرَاتِ الْمُوَجَّهَةَ إِلَيْهِ بِبُرُودٍ وَسَارَ وَهُوَ يُحَيِّي النَّاسَ الْجَالِسِينَ بِرَاحَةٍ. رُبَّمَا كَانَ مَكَانُ الرَّجُلِ فِي الْخَلْفِ تَمَامًا.
لَمْ تَسْتَطِعْ إلكه تَرْكِيزَ انْتِبَاهِهَا عَلَى كَيْفِيَّةِ سَيْرِ الْحَفْلِ الِاحْتِفَالِيِّ. خَرَجَتْ عِظَةُ الْكَاهِنِ الْأَعْظَمِ مِنْ أُذُنٍ وَدَخَلَتْ مِنْ الْأُذُنِ الْأُخْرَى.
كُلُّ شَيْءٍ كَانَ يُقْلِقُهَا. تَسَاءَلَتْ عَمَّا إِذَا كَانَتْ يُمْكِنُهَا حُضُورُ الْحَفْلِ الِاحْتِفَالِيِّ الَّذِي سَيُقَامُ فِي الْقَصْرِ الْمَلَكِيِّ بَعْدَ الْحَدَثِ. بَيْنَمَا كَانَتْ تُقَاوِمُ رَغْبَتَهَا فِي الِاسْتِدَارَةِ وَالْتَّحَقُّقِ مِمَّا يَفْعَلُهُ الرَّجُلُ، انْتَهَى الْحَدَثُ.
بَعْدَ تَسْلِيمِ فيلهيلمينا باخمان عَلَى الْمَلِكِ، غَادَرَتْ وَالْكَاهِنُ الْأَعْظَمُ الْمُصَلَّى. وَبَعْدَ مُغَادَرَةِ الْكَاهِنَةِ وَالْكَاهِنِ الْأَعْظَمِ، بَدَأَ النَّاسُ فِي مُغَادَرَةِ مَقَاعِدِهِمْ بِبُطْءٍ، وَلِحُسْنِ الْحَظِّ، غَادَرَ راينر ميشيل أَيْضًا الْمُصَلَّى دُونَ أَنْ يَفْعَلَ أَيَّ شَيْءٍ خَاصٍّ.
وَقَفَ دُوقُ إيبرهاردت مِنْ مَقْعَدِهِ، وَكَانَ وَجْهُهُ كَالْعَادَةِ لَا يُظْهِرُ مَا يُفَكِّرُ فِيهِ.
“إلكه.”
“نَعَمْ، يَا أَبِي.”
أَجَابَتْ إلكه وَهِيَ تُخْفِي شُعُورًا بِالذَّنْبِ لَا سَبَبَ لَهُ.
التعليقات لهذا الفصل " 18"