الفصل 17:
.
لَكِنْ قَبْلَ أَسَابِيعَ قَلِيلَةٍ، بَعْدَ مُضِيِّ وَقْتٍ وَجِيزٍ عَلَى عَوْدَتِهَا إِلَى برانت بَعْدَ انْتِهَاءِ خِدْمَتِهَا فِي لوهير، بَدَتْ شَارْلُوت الَّتِي زَارَتْهُ بَعِيدَةً كُلَّ الْبُعْدِ عَنِ الْمُسَامَحَةِ. كَانَتِ الْكَآبَةُ تَلُفُّ جَسَدَهَا بِأَكْمَلِهِ حَتَّى عِنْدَمَا كَانَتْ تَبْتَسِمُ.
<صامويل.>
حَتَّى صَوْتُهَا الْهَادِئُ كَانَ مُخِيفًا. فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ، حَبَسَ صامويل أَنْفَاسَهُ لَا إِرَادِيًّا وَغَطَّى خَدَّهُ بِيَدِهِ وَكَأَنَّهُ يَحْمِيهِ.
وَبَدَتْ تَبْتَسِمُ بِلُطْفٍ مَرَّةً أُخْرَى، وَكَأَنَّ صَفْعَهَا الْقَاسِيَّ لَهُ قَبْلَ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ لَمْ يَكُنْ قَدْ حَدَثَ قَطُّ.
<حَتَّى لَوْ وَافَقَ زَوْجِي، يُمْكِنُنِي كَسْرُ هَذِهِ الْخُطْبَةِ. سَيَسْتَمِعُ إِلَيَّ.>
كَانَتْ شَارْلُوت امْرَأَةً قَادِرَةً عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ تَمَامًا.
<لَكِنَّنِي لَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ. لَيْسَ الْآنَ.>
عِنْدَمَا أَصْبَحَ مِنَ الصَّعْبِ عَلَيْهِ مُوَاجَهَةُ عَيْنَيْهَا الْخَضْرَاوَيْنِ الَّتِي كَانَتْ تُحَدِّقُ فِيهِ بِهُدُوءٍ، أَمْسَكَتْ قُوَّةٌ قَوِيَّةٌ بِذَقَنِ صامويل.
<لَقَدْ قُلْتُ لَكَ بِوُضُوحٍ حِينَئِذٍ. سَبَبُ تَرْكِي لَكَ وَحِيدًا هُوَ أَنَّنِي اعْتَبَرْتُكَ امْتِحَانًا لَهَا…>
أَغْمَضَتْ شَارْلُوت عَيْنَيْهَا وَكَأَنَّهَا تَتَحَمَّلُ شَيْئًا، وَأَخَذَتْ نَفَسًا طَوِيلًا بِبُطْءٍ.
<عِنْدَمَا كُنْتَ مَعَ يوليكه، كُنْتَ فَتًى مُجْتَهِدًا. وَلَا يَزَالُ يُمْكِنُكَ أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ الْآنَ. نَعَمْ، يُمْكِنُكَ أَنْتَ أَيْضًا… أَنْ تَتَغَيَّرَ. أَثْبِتْ أَنَّكَ يُمْكِنُكَ الْوُقُوفُ بِجَانِبِهَا حَتَّى تَنْتَهِي فَتْرَةُ كَاهِنَةِ إلكه.>
<كَيْفَ لِي أَنْ…؟>
<لَا أَتَوَقَّعُ الْكَثِيرَ. فَقَطْ لَا تَفْعَلْ أَيَّ حَمَاقَةٍ. هَلْ تَفْهَمُ؟>
أَوْمَأَ صامويل بِرَأْسِهِ بِصُعُوبَةٍ، فَتَرَكَتْ شَارْلُوت ذَقَنَهُ عِنْدَئِذٍ.
<يُمْكِنُنَا أَنْ نُحَاوِلَ مَرَّةً أُخْرَى، يَا صامويل. إِذَا عُدْتَ إِلَى مَنْ كُنْتَ عَلَيْهِ عِنْدَمَا كُنْتَ مَعَ يوليكه.>
عِنْدَمَا تَذَكَّرَ الصَّوْتَ وَالْوَجْهَ اللَّذَيْنِ كَانَا لَطِيفَيْنِ عِنْدَ قَوْلِ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ، لَكِنَّ عَيْنَيْهَا كَانَتْ مُشَتَّتَةً قَلِيلًا، شَعَرَ صامويل بِالْقُشَعْرِيرَةِ.
كَانَ قَوْلُ “لَا تَفْعَلْ أَيَّ حَمَاقَةٍ” عَامًّا جِدًّا، لَكِنَّ صامويل قَرَّرَ عَدَمَ فِعْلِ أَيِّ شَيْءٍ مُلْفِتٍ لِلنَّظَرِ فِي الْوَقْتِ الْحَالِيِّ.
كَانَتِ الْمُشْكِلَةُ الْكُبْرَى الْآنَ هِيَ صُعُوبَةُ كَبْحِ غَضَبِهِ أَمَامَ إلكه، لِأَنَّهَا كَانَتْ تُثِيرُ أَعْصَابَهُ بِاسْتِمْرَارٍ، لَكِنْ أَلَيْسَ مِنَ الْمُفْتَرَضِ أَلَّا يَفْعَلَ كَمَا فَعَلَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؟ فَقَطْ لَا يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْحَدِّ.
“قُلْتُ لَكَ إِنَّهُ لَيْسَ مَكَانًا غَرِيبًا، انْظُرْ.”
أَشَارَ ألفين كيلش بِثِقَةٍ إِلَى قَصْرٍ يَبْدُو طَبِيعِيًّا. كَانَ قَصْرًا عَادِيًّا بَيْنَمَا ظَنَّ أَنَّهُ سَيَأْخُذُهُ إِلَى حَانَةٍ مَا.
عَلَى لَوْحَةِ الْبَابِ الْقَدِيمَةِ، كُتِبَتْ كَلِمَةُ “بَيْتُ الْبَهْجَةِ” بِخَطٍّ جَمِيلٍ وَمُتَكَلَّفٍ.
“يُقَالُ إِنَّ الْطَّابِقَ الرَّابِعَ مِنْ هَذَا الْقَصْرِ يُطِلُّ عَلَى مَنْظَرٍ بَانُورَامِيٍّ لِلْعَاصِمَةِ، وَأَنَّ شُرُوقَ الشَّمْسِ مِنْهُ رَائِعٌ، لَكِنَّنِي لَمْ أَبْقَ هُنَاكَ حَتَّى الْفَجْرِ فَلَا أَعْلَمُ. دَعْنَا نَتَأَكَّدُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَا صامويل.”
“دَعْنَا نَدْخُلُ بَعْدَ أَنْ نُنْهِيَ مَا نَفْعَلُهُ بِاعْتِدَالٍ، مَا هَذَا الْفَجْرُ الَّذِي تَتَحَدَّثُ عَنْهُ.”
تَحَدَّثَ ألفين بِمُفْرَدِهِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ كَلَامَ صامويل.
“يُقَالُ إِنَّ ‘بَيْتَ الْبَهْجَةِ’ هُوَ اسْمٌ أَطْلَقَهُ الْمَالِكُ الْسَّابِقُ عَلَى هَذَا الْمَكَانِ لِجَمَالِ مَنْظَرِهِ، لَكِنَّ الْنَّاسَ الْآنَ يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ اسْمَ ‘بَيْتِ الْلَّذَّةِ’.”
يُسَمَّى “بَيْتُ الْلَّذَّةِ”، وَيُقَالُ إِنَّهُ لَيْسَ مَكَانًا غَرِيبًا.
عِنْدَمَا رَأَى ألفين تَعْبِيرَ صامويل الْمُتَرَدِّدَ، ضَرَبَ ظَهْرَهُ بِقُوَّةٍ.
“لِمَاذَا لَا تُغَيِّرُ تَعْبِيرَ وَجْهِكَ؟ قُلْتُ لَكَ إِنَّهُ مَكَانُ تَبَادُلٍ ثَقَافِيٍّ. حَتَّى الْحَاكِمَةُ تَأْتِي إِلَى هُنَا أَحْيَانًا، إِذَنْ مَا الْمُشْكِلَةُ.”
عِنْدَ الْمَدْخَلِ، أَخْرَجَ ألفين سِيجَارًا وَأَرَاهُ لِلْمُوَظَّفِينَ الْوَاقِفِينَ، فَسَمَحُوا لَهُمَا بِالدُّخُولِ.
“هَلْ كُنْتَ تُدَخِّنُ دَائِمًا؟”
“هَلْ تُرِيدُ أَنْتَ أَيْضًا؟ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، يَبْدُو أَنَّكَ بِحَاجَةٍ إِلَى ذَلِكَ.”
بِالتَّدْقِيقِ، لَمْ يَكُنْ سِيجَارًا حَقِيقِيًّا، بَلْ نَمُوذَجًا مُتْقَنَ الصُّنْعِ.
هَزَّ صامويل رَأْسَهُ لِـ ألفين الَّذِي كَانَ يُلَوِّحُ بِنَمُوذَجِ السِّيجَارِ. كَانَ مِنْ الصَّعْبِ عَلَيْهِ الْإِقْلَاعُ عَنِ الْكُحُولِ حَتَّى.
“الرَّجُلُ الَّذِي يَمْلِكُهُ مُرِيبٌ قَلِيلًا… لَكِنْ لَا أَحَدَ يُمْكِنُهُ الْحُصُولُ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْبِضَاعَةِ سِوَاهُ. حَتَّى سِيجَارُ توبوس يُسَعَّرُ بِمَا يُطْلَبُ، وَهُوَ يَبِيعُهُ بِاحْتِكَارٍ.”
تَمْتَمَ ألفين وَهُوَ يُدِيرُ نَمُوذَجَ السِّيجَارِ بِأُصْبُعِهِ.
“إِنَّهُ يَكْسَبُ الْمَالَ بِشَكْلٍ شَيْطَانِيٍّ. لَوْ أَقَامَ صَدَاقَاتٍ جَيِّدَةً، لَمَا خَسِرَ أَسْهُمَ لوهير بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، آه. أَشْعُرُ بِالنَّدَمِ الْعَمِيقِ. كُلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ أُنِيت.”
اِسْتَمَعَ صامويل بِتَجَاهُلٍ لِشَكْوَى ألفين، وَنَظَرَ حَوْلَهُ دَاخِلَ الْقَصْرِ الْمُزَخْرَفِ بِفَخَامَةٍ.
كَانَ الْقَصْرُ مُمْتَلِئًا بِالنَّاسِ مِنْ الطَّابِقِ الْأَوَّلِ. كَانَ مِنَ الصَّعْبِ مَعْرِفَةُ الْغَرَضِ الدَّقِيقِ مِنْ تَجَمُّعِ النَّاسِ، حَيْثُ كَانَ كُلُّ شَخْصٍ يَقُومُ بِأَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ.
فِي أَحَدِ الْجَوَانِبِ، كَانَ الْأَشْخَاصُ الَّذِينَ شَرِبُوا الْكَثِيرَ مِنَ الْكُحُولِ يَتْلُونَ الْقَصَائِدَ وَيَضْحَكُونَ بِصَوْتٍ عَالٍ وَيَلْهُونَ، بَيْنَمَا فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ، فِي مَكَانٍ مُلِئَ بِدُخَانِ السِّيجَارِ، كَانَ النَّاسُ يُجْرُونَ مُنَاقَشَاتٍ جَادَّةً.
كَانَتِ الْأَطْعِمَةُ وَالْمَشْرُوبَاتُ الَّتِي يَقْدِمُهَا الْخَدَمُ كُلُّهَا أَشْيَاءَ لَمْ يَرَهَا مِنْ قَبْلُ.
عِنْدَمَا اكْتَشَفَ صامويل مَجْمُوعَةً تَلْعَبُ الْوَرَقَ وَالنَّرْدَ فِي غُرْفَةٍ فِي الْزَّاوِيَةِ، عَبَسَ.
“قُلْتَ إِنَّهُ لَيْسَ مَكَانَ قِمَارٍ.”
“يَا صَاحِبِي، مَا هَذَا الْقِمَارُ؟ إِنَّهُ فَقَطْ مُتْعَةٌ عَابِرَةٌ.”
أَجَابَ ألفين وَهُوَ يُخْرِجُ سِيجَارًا مِنْ صُنْدُوقِ التَّخْزِينِ الْمَوْضُوعِ فِي خِزَانَةِ الرَّاهْوَةِ وَيَقْطَعُ طَرَفَهُ.
صَفَّقَ صامويل بِلِسَانِهِ فِي دَاخِلِهِ، وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا الْوَغْدَ لَمْ يَسْتَفِقْ بَعْدُ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ كَادَ أَنْ يُبَدِّدَ ثَرْوَتَهُ بِسَبَبِ أَسْهُمِ لوهير مُنْذُ فَتْرَةٍ قَرِيبَةٍ.
“صَحِيحٌ.”
قَاطَعَ صَوْتٌ غَرِيبٌ.
“الْقِمَارُ لَا يَتَحَدَّدُ بِوُجُودِ اللُّعْبَةِ أَمْ لَا، بَلْ بِحَجْمِ الْمَالِ، لِذَا هَذَا لَيْسَ سِوَى رِهَانٍ صَغِيرٍ.”
عِنْدَمَا الْتَفَتَ إِلَى الْجَانِبِ، وَجَدَ رَجُلًا طَوِيلَ الْقَامَةِ وَوَسِيمًا قَدْ وَصَلَ بِالْفِعْلِ وَكَانَ يُشْعِلُ سِيجَارَ ألفين.
كَانَ راينر ميشيل رَجُلًا يَعْرِفُهُ صامويل جَيِّدًا.
“مُنْذُ وَقْتٍ طَوِيلٍ، مُقَدَّم كيلش.”
“آه، ميشيل. عِنْدَمَا تَأْتِي إِلَى برانت، يَجِبُ أَنْ تَأْتِيَ إِلَى أَمَاكِنَ مِثْلِ هَذِهِ لِتَتَجَنَّبَ النَّدَمَ عِنْدَ الْعَوْدَةِ إِلَى لوهير.”
تَظَاهَرَ ألفين بِالسَّعَادَةِ عِنْدَ رُؤْيَةِ راينر ميشيل. كَانَ سُلُوكَهُ لَا يُشْبِهُ الشَّخْصَ الَّذِي وَصَفَ راينر مُنْذُ قَلِيلٍ بِأَنَّهُ “وَغْدٌ مُرِيبٌ”.
أَدْرَكَ صامويل الْآنَ مَنْ يَمْلِكُ هَذَا الْقَصْرَ. وَلِمَاذَا كَانَتِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي يَصْعُبُ رُؤْيَتُهَا فِي برانت مُنْتَشِرَةً بِهَذِهِ الْوَفْرَةِ.
كَانَ هَذَا الْقَصْرُ يَمْلِكُهُ ذَلِكَ الْوَغْدُ الْبَغِيضُ. لَقَدْ سَمِعَ أَنَّهُ رَجُلٌ يَمْلِكُ الْكَثِيرَ مِنَ الْقُصُورِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَمْلِكُ شَيْئًا كَهَذَا.
“رودنمارك، سَلِّمْ عَلَيْهِ. راينر ميشيل الَّذِي خَدَمَ تَحْتَ إِشْرَافِي سَابِقًا.”
“لَا دَاعِيَ. سَأَعُودُ أَنَا أَوَّلًا.”
كَانَ ألفين هُوَ الْمُتَفَاجِئَ عِنْدَ رُؤْيَةِ صامويل يَتَصَرَّفُ وَكَأَنَّهُ لَا يَمْتَلِكُ أَدْنَى ذَرَّةٍ مِنَ الْمَهَارَاتِ الْاجْتِمَاعِيَّةِ.
“بِالتَّأْكِيدِ، لَسْتَ لَا تَزَالُ مُنْزَعِجًا بِسَبَبِ ذَلِكَ الْأَمْرِ يَا سَيِّدَ صامويل، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟”
تَحَدَّثَ راينر ميشيل بِلُطْفٍ وَكَأَنَّهُ صَدِيقٌ لَهُ. كَمَا فَعَلَ فِي حَدِيقَةِ الْقَصْرِ الْمَلَكِيِّ يَوْمَ التَّأْسِيسِ.
<لَمْ أُخْبِرْ أَحَدًا بِأَنَّكَ مَدْيُونٌ بِسَبَبِ إِدْمَانِكَ الْقِمَارَ.>
لَا تَزَالُ الْكَلِمَاتُ الَّتِي هَمَسَ بِهَا ذَلِكَ الْوَغْدُ فِي أُذُنِهِ حَيَّةً. وَكَانَ يَبْتَسِمُ بِهَذَا الشَّكْلِ بَعْدَ تَهْدِيدٍ كَهَذَا.
“لِمَاذَا، مَاذَا حَدَثَ؟”
ظَهَرَ الْفُضُولُ عَلَى وَجْهِ ألفين.
“لَا شَيْءَ مُهِمٌّ. إِذَا ذَهَبْتَ إِلَى الطَّابِقِ الثَّانِي، سَتَجِدُ الْغَرَضَ الَّذِي طَلَبَهُ الْعَقِيدُ.”
ابْتَسَمَ ألفين بِاتِّسَاعٍ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَتَسَاءَلْ أَبَدًا عَمَّا حَدَثَ، وَرَبَّتَ عَلَى كَتِفِ راينر عِدَّةَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ اتَّجَهَ نَحْوَ دَرَجِ الطَّابِقِ الثَّانِي.
وَضَعَ راينر ذِرَاعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بِبُرُودٍ وَهَمَسَ.
“آه، سَيِّدِي صامويل. لِنُزِلْ سُوءَ الْفَهْمِ.”
حَاوَلَ صامويل الْغَاضِبُ أَنْ يُزِيلَ ذِرَاعَهُ، لَكِنَّ قُوَّةَ راينر لَمْ تَكُنْ شَيْئًا يُمْكِنُ لـِ صامويل أَنْ يَتَحَمَّلَهُ.
“الْكُونْتُ رودنمارك عَمِيلٌ قَيِّمٌ، وَأَنَا تَاجِرٌ ذُو مِصْدَاقِيَّةٍ. مُنْذُ اللَّحْظَةِ الَّتِي حَفِظْتُ فِيهَا سِرَّ سَيِّدِي، صِرْتُ صَدِيقًا لِكَ. قُلْتُ ذَلِكَ لِكَيْ تَثِقَ بِي، لَمْ تَكُنْ نِيَّتِي إِزْعَاجَكَ.”
أَخَذَ راينر كَأْسَ شَرَابٍ مِنْ صِينِيَّةِ خَادِمٍ وَقَدَّمَهُ إِلَى صامويل.
“لَا أَتَمَنَّى أَنْ تُسِئَ فَهْمَ صِدْقِي بِسَبَبِ الْآَنِسَةِ إيبرهاردت.”
عِنْدَمَا سَمِعَ اسْمَ إلكه، ثَارَ غَضَبُ صامويل مَرَّةً أُخْرَى، فَأَمْسَكَ بِكَأْسِ الشَّرَابِ الَّذِي قُدِّمَ إِلَيْهِ وَشَرِبَهُ بِسُرْعَةٍ. نَظَرَ صامويل إِلَى الْكَأْسِ الْفَارِغَةِ لِفَتْرَةٍ وَجِيزَةٍ حَيْثُ كَانَ الشَّرَابُ أَفْضَلَ مِمَّا تَوَقَّعَ، ثُمَّ اسْتَعَادَ وَعْيَهُ وَوَضَعَ تَعْبِيرًا بَارِدًا عَلَى وَجْهِهِ.
“مَتَى تَدَخَّلْتَ بِتَطَفُّلٍ؟”
“هَلْ كُنَّا بِدَرَجَةِ تَتَجَاوَزُ فِيهَا حُدُودَنَا عِنْدَمَا تَدَخَّلْتُ؟ لَمْ يَبْدُ لِي كَذَلِكَ.”
قَبْلَ أَنْ يَسْتَطِيعَ صامويل الْغَضَبَ، قَدَّمَ راينر لَهُ كَأْسًا آخَرَ. ثُمَّ سَحَبَ صامويل إِلَى الدَّاخِلِ.
“هَذَا لَيْسَ نَادِيَ قِمَارٍ، وَلَا يُوجَدُ مَا يَمْنَعُ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ قَلِيلًا. حَتَّى الْحَاكِمَةُ تَأْتِي إِلَى هُنَا.”
أَجْلَسَ راينر صامويل بِطَبِيعَةٍ أَمَامَ طَاوِلَةٍ مَلِيئَةٍ بِالْأَوْرَاقِ الْمَبْعَثَرَةِ. عِنْدَمَا أَشَارَ راينر، اقْتَرَبَ خَادِمٌ وَوَضَعَ أَنْوَاعًا مُخْتَلِفَةً مِنَ الْكُؤُوسِ وَأَطْبَاقًا صَغِيرَةً مِنَ الطَّعَامِ بِجَانِبِ صامويل.
“وَبِالْإِضَافَةِ إِلَى ذَلِكَ، يُمْكِنُ لـِ رودنمارك بِالطَّبْعِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَذَا الْقَدْرِ.”
وَضَعَ الْرَّجُلُ الَّذِي يَعْرِفُ كَيْفَ يُغْرِي يَدَهُ عَلَى كَتِفِهِ، وَأَمْسَكَ بِبَعْضِ الْوَرَقَاتِ وَوَضَعَهَا فِي يَدِ صامويل.
“اسْتَرْخِ وَجَرِّبْ، سَتَعْرِفُ أَنَّنِي مِنْ رِجَالِكَ يَا سَيِّدَ صامويل. لَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ سَتَخْسَرُهُ هُنَا.”
وَضَعَ راينر بِخِفَّةٍ نَمُوذَجَ سِيجَارٍ وَاحِدٍ فِي جَيْبِ صامويل الْعُلْوِيِّ.
“إِذَا احْتَجْتَ أَيَّ شَيْءٍ، فِي أَيِّ وَقْتٍ، فَقُلِ اسْمِي. لَنْ يَرْفُضَ أَحَدٌ فِي هَذَا الْقَصْرِ كَلَامَ رودنمارك.”
غَادَرَ الْرَّجُلُ الَّذِي هَمَسَ كَشَيْطَانٍ، وَتُرِكَ صامويل مَعَ الْوَرَقِ وَالشَّرَابِ.
وَمَعَهُ أَيْضًا النَّاسُ الَّذِينَ كَانُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ بِفُضُولٍ وَهُوَ يَتَلَقَّى مُعَامَلَةً خَاصَّةً مِنْ راينر ميشيل، وَالْخَدَمُ الَّذِينَ بَدَوْا مُسْتَعِدِّينَ لِتَقْدِيمِ الْخِدْمَةِ لَهُ.
—
△▽△
“مُمَارَسَاتُ مُرَابٍ كَالْحَشَرَاتِ”
بَيْنَمَا كَانَتْ إلكه تَقْرَأُ الْجَرِيدَةَ، لَفَتَ انْتِبَاهَهَا مَقَالَةٌ افْتِتَاحِيَّةٌ بِعُنْوَانٍ مُثِيرٍ لِلْجَدَلِ.
كَانَ مُحْتَوَى الْمَقَالَةِ الِافْتِتَاحِيَّةِ الَّتِي كَتَبَهَا عَالِمُ اللاهُوتِ الَّذِي يُدْعَى أنطون تُورِلجِه أَكْثَرَ إِثَارَةً لِلْجَدَلِ مِنْ عُنْوَانِهَا.
الْمُرَابِي الَّذِي يَكْسَبُ الْمَالَ بِشَكْلٍ غَيْرِ عَادِلٍ بِإِضَافَةِ الْمَالِ إِلَى الْمَالِ دُونَ سَبَبٍ، لَا يَخْتَلِفُ عَنِ الْبَغِيِّ، وَلِأَجْلِهِمْ خَصَّصَتِ الْحَاكِمَةُ جَحِيمًا خَاصًّا…
ذُكِرَ اسْمُ راينر ميشيل أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ مَرَّاتٍ. عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ يَمْتَلِكُ الْكَثِيرَ مِنَ الْأَعْمَالِ لِتَصْبَحَ الرِّبَا لَيْسَتْ عَمَلَهُ الرَّئِيسَ.
كَانَتْ مَقَالَةً هُجُومِيَّةً بِشَكْلٍ مُسْتَغْرَبٍ. وَبَيْنَمَا كَانَتْ تَقْرَأُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ، بَدَا الْأَمْرُ وَكَأَنَّهَا عَادَتْ إِلَى مِئَةِ سَنَةٍ خَلَتْ.
كَانَتِ الرِّبَا عَمَلًا شَائِعًا. خَاصَّةً بَعْدَ سُقُوطِ الْكَنِيسَةِ الْقَدِيمَةِ فِي برانت وَأَصْبَحَ الْإِصْلَاحِيُّونَ هُمْ الدِّينَ الرَّسْمِيَّ، لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ الْكَثِيرُ مِنَ الَّذِينَ يُنْتَقَدُونَ بِهَذِهِ الصَّرَاحَةِ. بِالطَّبْعِ، كَانُوا يَتَحَدَّثُونَ بِالسُّوءِ مِنْ خَلْفِ الْكُوَالِيسِ بِشَكْلٍ مُتَكَرِّرٍ.
لَمْ يَكُنْ أَمْرًا يَعْتَبِرُ نَبِيلًا، لِذَا لَا مَفَرَّ مِنْهُ. الثَّرْوَةُ الْمُوَرَّثَةُ هِيَ بَرَكَةٌ مِنَ الْحَاكِمَةِ، أَمَّا جَمْعُ الْمَالِ بِشَكْلٍ بَحْتٍ، فَهُوَ عَمَلٌ وَضِيعٌ.
التعليقات لهذا الفصل " 17"