0
الفصــل 0 بداية الظلال
لم يكن هذا العالم يومًا بسيطًا.
إنه خريطةٌ تتنفس، تتبدّل ملامحها مع كلّ صرخة، وكلّ دمٍ يُراق فوقها.
سبع قاراتٍ عظيمة، تمتدّ كأوردةٍ من حجرٍ ونار:
نيڤارا المغلقة بالجليد، سليفانا المبتلّة بالضباب، سولارا التي تحترق تحت شمسٍ لا ترحم، أوديسوس الغارقة في رمادها، لانسلوت التي تخدعك ببريقها الذهبي، سليفان الملعونة بخضرتها، وأتلانتس-وفي التي يبتلعها البحر كلّما حاولت النجاة.
تحت هذه السماء التي لا تعرف السكون، تُمزَّق الأرض بين أربع إمبراطورياتٍ كبرى وست ممالكٍ تتآكل من الداخل، فيما المدن الحرّة تحتمي بأسوارٍ أعلى من أحلام سكّانها.
أما القرى، فليست أكثر من بقعٍ منسية على خريطةٍ ترفض الاعتراف بها.
هناك، لا يُقاس العمر بالسنوات، بل بعدد الليالي التي ينجو فيها المرء من الجوع، من البرد، أو من الجندية القسرية.
في الأطراف، الأرض تُشترى بالنفَس.
الإقطاعيون يحكمون كما لو أن العروق ملكٌ لهم، يبيعون الماء ويقيسون الحياة بمكيال الحبوب.
الوجوه في تلك الأماكن لا تعرف سوى الخوف، والخوف نفسه صار عادةً تُورّث.
لكن في الطبقة التي تعلوهم، لا يختلف الجحيم كثيرًا.
تحت أسماء العائلات العريقة، خلف القصور المطلية بالذهب، يتآكل الشرف ببطءٍ أنيق.
كلّ ابتسامةٍ هناك تخفي سكينًا، وكلّ وعدٍ بداية مؤامرة جديدة.
ومع ذلك، لا تزال بقايا قليلة من النبلاء تحاول الوقوف وسط العفن، كأنها شموعٌ تحترق كي تفضح الظلمة… قبل أن تبتلعها هي الأخرى.
وفي قلب هذه الفوضى تقف إمبراطورية أورايوس —
الوحش الذي تنبض عروقه في كلّ القارات.
تمتدّ كقارةٍ ونصف، يحكمها نظامٌ لا يرحم أحدًا.
من العرش الذهبي الذي يعلو كلّ شيء، إلى أصغر الإقطاعيين في القرى البعيدة، تنحدر السلطة كسمٍّ بطيء في شرايين الأرض.
في أورايوس، الاسم أقوى من السيف، والسرّ أغلى من الحياة.
الدماء وحدها تُحدّد من يُسمح له أن يحلم، ومن يُدفن تحت الطين دون أن يُذكَر اسمه.
إنها إمبراطورية تبني مجدها على الجماجم، وتزهو بكونها الحضارة التي لم تنكسر قط… رغم أن رائحتها صارت خليطًا من الحديد والرماد.
العائلة الحاكمة: هوهنتسورلون — سلالةٌ تعرف كيف تُخفي صدأها خلف بريق التيجان.
تحت ظلّها، الأرشيدوق فاليرين، ذلك الذي تُقال عنه الأساطير بأنه لا يبتسم إلا حين يسقط أحدهم من عليائه.
ومن بعده خمسة دوقاتٍ تتقاسم الخراب وكأنه تركة:
كالميون، صاحب العينين اللتين لا تعكسان شيئًا.
توهنترون، الصامت الذي يجعل الصمت نفسه يبدو مهددًا.
غورو، رجلٌ يُقال إن ضحكته تسبق رائحة الدم.
ألويس، الدوق الذي يكره نسبه كما يكره السماء، ويُخفي تمرّده خلف عيونٍ ساكنة.
وأخيرًا سيرافين، الأكثر أناقةً والأخطر، إذ يقتل بالنظرة قبل أن يمدّ يده.
لكنّ الظلّ الحقيقي لا يملكه أحد منهم.
بل امرأة واحدة.
نيڤين — الإرشيدوقة التي لا تُرى إلا حين تُريد، ولا تُذكر إلا حين تخاف القصور من الهمس.
يقال إنّها لا تحكم بالمراسيم بل بالصمت، وإنّها تعرف ما سيحدث قبل أن يفكر فيه أحد.
وجهها أشبه بمرآةٍ ملساء لا تعكس سوى الحقيقة التي تكره أن تُقال.
تحت نظراتها، تتحرّك ستّ قطعٍ على رقعةٍ غير مرئية:
أستريا — الشرارة التي لا تضيء بل تحرق.
ويليام — السكون الذي يخبّئ وراءه دمارًا هادئًا.
ريلان — المرأة التي كانت ظلًّا، ثم صارت سكينًا في يد الصمت.
رودريك — ضحكةٌ لا تنتمي للفرح، بل للتمرد.
فويد — ابن القصر الذي كسر سلاسله واختار أن يقاتل العالم بعقله.
إرين — اللهب المتحرّك، تبتسم كأنها لا تعرف الخوف، لكنها تترك خلفها رمادًا في كلّ مكان تمرّ به.
هم لا يعلمون بعد أنّ خطواتهم الصغيرة ستكسر نظامًا بُني على ألف عام من الأكاذيب.
ولا أحد يدرك أن اللقاء بينهم ليس مصادفة، بل عودةٌ لخطأٍ قديم لم يُغفر بعد.
في هذا العالم، هناك نوعان من القوة لا يلتقيان إلا حين تبدأ الكارثة:
السحر الروحي — يولد في الدم، كنبضٍ لا يُفهم، يشتعل بنقاء صاحبه أو يذبل بفساده.
والسحر الماديّ — يولد في الإرادة، في تلك اللحظة التي يرفض فيها المرء أن يكون مجرد إنسان.
حين يتقاطعان… لا تُولد معجزة، بل يُعاد تشكيل العالم.
ولا أحد يعرف بعد —
هل هذا العالم ينتظر خلاصًا… أم انتقامًا؟
التعليقات لهذا الفصل " 0"