كان من العادات الجديدة التي أُقرّت في القصر الإمبراطوري أن يُمنح زوج الإمبراطورة لقب الدوق الأكبر، ويُشار إليه باسمه بدلاً من لقب عائلته.
وذلك لأنّه يصبح عضوًا في العائلة الإمبراطورية وليس مجرّد نبيل.
لكن الشاب كان ينادي لوسيون بـ”الدوق الأكبر برانت” بدلاً من “الدوق لوسيون”.
نظر لوسيون إلى الشاب الذي ارتكب هذا التصرّف غير اللائق، ثم فتح فمه وقال: “أن تقول إنّها مدة طويلة، بينما لم تمضِ حتّى أسبوع.”
كلماته المتعالية والساخرة جعلت الشاب يعبّس.
لكن لوسيون، دون اكتراث، ناداه: “الأمير لورين.”
لورين باردو ألشيرا، قريب كورنيليا وأمير ألشيرا.
كان أحد الذين دعموا كورنيليا في تولّي العرش، وأقنع ملك ألشيرا بإرسال تعزيزات أثناء التمرّد.
الآن، تقدّم بطلب التجنّس، وكان من المقرّر أن يُمنح لقب دوق تقديرًا لدوره في قمع التمرّد.
‘بل وتمّ منحه إقليم الدوق الأكبر تارانت أيضًا.’
وكان ذلك مبرّرًا، فقد كان لورين أحد الأبطال الذين ساهموا في قيام الإمبراطورية الحالية.
لكن المشكلة كانت في تصرّفات لورين الأخيرة.
‘نعم، وفقًا لما سمعته، يبدو أنّه ينظر إليّ بعدم رضى.’
“أين توجد الأخت الكبرى كورنيليا؟”
عبس لوسيون قليلاً.
“ما الغرض من بحثك عن جلالتها؟”
“لا أرغب في إخبارك يا دوق.”
كانت عينا لورين تتّقدان برفض واضح.
‘هل هذا لأنّه لا يزال طفلًا؟ يظهر مشاعره بهذه الصراحة.’
لكن لا يمكن تجاهله فقط لأنّه يبدو طفوليًّا.
كان مزعجًا بصراحة.
<يقال إنّ الأمير لورين اقترح إدخال ورثة عائلات بارزة كمحظيّين لجلالة الإمبراطورة.>
ربّما لهذا السبب، خرجت من فم لوسيون كلمات لا تشبهه: “لا بأس إن لم تخبرني. لا توجد أسرار بيني وبين جلالتها.”
تجهّم وجه لورين.
كانت إجابة لوسيون، بنظرته المتعالية، تحمل معانٍ عديدة.
لن تستطيع زعزعتنا.
علاقتي مع كورنيليا صلبة الآن.
ليس هناك مجال لشخص مثلك للتدخّل.
رأى لورين ذلك، فتقلّصت عيناه بنظرة استياء.
‘كيف يجرؤ.’
منذ زمن، كان لورين يعجب بكورنيليا.
كان يراها رائعة وهي تقاوم بلا خوف رغم الاستهزاء بشعرها، وكانت الأولى من أقرانه التي قرأت كتبًا أكثر منه.
لكن …
<يبدو أنّ ابنة أخينا وجدت أخيرًا شريكًا. يُدعى برانت، شاب وسيم جدًّا، كانت كورنيليا مفتونة به لدرجة أنّها كتبت له رسائل باستمرار.>
فجأة، ظهر ذلك الرجل الوسيم، وتزوّجت كورنيليا بسرعة البرق.
وكان كلّ شيء في زوج أخته الكبرى المفاجئ يزعج لورين.
وجهه الوسيم المزعج، وتصرّفه المتغطرس وكأنّه ينظر من الأعلى، رغم أنّ لورين من العائلة المالكة في ألشيرا ويحمل دماء العائلة الإمبراطورية.
‘يتباهى فقط لأنّه يحظى بحبّ الأخت الكبرى بسبب وجهه الجميل …!’
حبّ الإمبراطورة سلاح قويّ بلا شك.
لكن لورين تذكّر كيف كانت حياتهما الزوجيّة مضطربة من قبل، وكيف كان الدوق الأكبر يعامل أخته الكبرى التي يحترمها.
“الدوق الأكبر برانت، أنت وقح حقًّا.”
“وقح؟ ماذا تعني؟”
“أليس كذلك؟ إذا تذكّرت ما فعلته بالأخت الكبرى قبل سنوات.”
نظر لورين إلى لوسيون الذي تصلّب تعبيره، وسخر قائلاً: “تسبّبت في جرح الأخت كورنيليا، ومع ذلك تظلّ متمسّكًا بها وكأنّ شيئًا لم يكن، أليس هذا وقاحة؟”
“…”
لم يجب لوسيون، فشعر لورين بالزهو.
“لذا، إن كان لديك ضمير، يجب أن…”
في تلك اللحظة، سمع صوتًا: “لوسيون، لماذا تأخّرت؟ ماذا… آه؟ لورين؟”
تجمّد لورين عند سماع من يناديه.
كان الصوت لكورنيليا.
“ما الذي كنتما تتحدّثان عنه لتبدوا جدّيين هكذا؟”
“آه، هذا…”
لم يستطع قول الحقيقة.
فما فعله كان بمثابة استفزاز لزوج الإمبراطورة، لوسيون.
بينما كان لورين متردّدًا، أجاب لوسيون: “كنا نتبادل التّحيّات.”
“تحيّات؟”
أومأ لوسيون برأسه لسؤال كورنيليا المندهش.
“نعم.”
لم يكن لوسيون يرغب في حماية لورين.
لكن لم يكن لديه خيار.
كان يخشى ردّ فعل كورنيليا إذا سمعت الحوار الذي دار بينهما.
‘ربّما تفقد ما تبقّى من مشاعرها تجاهي.’
لذا، اضطر لوسيون للسكوت دون الرد على لورين.
في تلك اللحظة، سألت كورنيليا: “ما الذي تملكه بيدك؟”
أمسك لوسيون قبضته بقوّة.
لم تكن كورنيليا تخاطبه، بل لورين.
“آه، لقد أحضرت الحلوى التي تحبّينها، يا أختي! وجئت أيضًا لمناقشة الإقليم الذي منحتني إيّاه.”
“آه، لهذا السبب. حسنًا، لنذهب إلى المكتب.”
‘إذن هكذا سينتهي الأمر.’
تنهّد لوسيون وحاول اتّباع كورنيليا.
لكنّها التفتت إليه وقالت: “آه، عزيزي، اذهب إلى برج السحرة وأحضر داميان.”
ما الذي سيناقشانه في غيابه؟
شعر لوسيون بقلقه القديم يعود مجدّدًا.
‘ماذا لو أثّر الأمير لورين عليها …’
تداخلت أفكاره السلبيّة، وغرقت إلى أعمق نقاط ضعفه.
‘وإذا بدأت تفكّر في التخلّي عنّي…’
في تلك اللحظة، شعر بلمسة ناعمة على خدّه مع صوت عذب: “شكرًا.”
شعر لوسيون بمزاجه السيّء يتحسّن بل ويرتفع.
نظر إلى لورين بطرف عينه، فوجده يعضّ شفتيه وينظر إليه بغضب.
فابتسم بعفويّة.
* * *
“إذن، سأراك لاحقًا، عزيزي.”
أومأ لوسيون برأسه لتحيّة كورنيليا وهي تدخل المكتب.
“حسنًا.”
ابتسمت لرؤية وجه لوسيون المشرق.
‘نعم، إذا كان يراقبني باستمرار، سأجعله يتوقّف عن ذلك. وعندما أكشف عن “ذلك”، سيزول قلقه أيضًا…’
بينما كنت أفكّر، دخلت المكتب.
“أختي.”
التفتّ عند سماع صوت غاضب، فوجدت لورين بعبوس وشفتيه بارزتين.
“لورين، لمَ هذا التعبير؟”
“ألا تعرفين؟”
“نعم، لا أعرف. لقد سمحت لك بالتجنّس بمعاملة ممتازة، وأعطيتك إقليمًا جيّدًا، فما الذي يزعجك؟”
تنهّد لورين بعمق وقال: “بصراحة، لا أفهم لمَ سامحتِ الدوق الأكبر برانت.”
‘نعم، ليس من المستغرب أن يقول هذا. لكن…’
“لا خيار لديّ، أنا أحبّه.”
أثناء تواجدي مع لوسيون، أصبحت متأكّدة.
إنّه الرجل الذي يحميني بكلّ قوّته لن يخونني أبدًا.
لذا، سامحته، واضطررت إلى قبول حبّي له.
عبس لورين لردّي.
“أختي، استيقظي. لقد أهملكِ لسنوات طويلة.”
ضحكت بخفّة لردّه.
“نعم، هذا صحيح.”
بالطبع، فكّرت أحيانًا في مشاهدته يعاني بصمت.
فالألم الذي تسبّب لي به على مرّ السنين يتجاوز عشر سنوات بسهولة.
لكنّني لم أرد فعل ذلك.
‘لأنّني أريد أن أكون سعيدة الآن.’
كنت أظنّ ذات مرّة أنّ التخلّي عن مشاعري تجاهه سيجعلني سعيدة.
لكن خلال غيابه، اضطررت إلى بذل جهد لكرهه، وكنت أتألّم من ذكرياته التي كانت تعود أحيانًا.
نعم، تلك المشاعر لم تختفِ. تحوّلت إلى كراهية، فأكلتني من الداخل.
لكن تلك “الكراهية” تغيّرت تدريجيًّا أثناء وجودي مع لوسيون، وجعلتني أدرك الحقيقة.
‘نعم، بفضل ذلك، أدركت أنّه الفتى الذي أعطاني الزهور.’
شعاع النور الذي أضاء ظلمتي.
حبّي الأوّل الذي كنت أتوق إليه لدرجة أنّني لم أنسَ أصغر التفاصيل.
مرّ وقت طويل، وحدثت أمور كثيرة، لكن مشاعري تجاهه لا تزال مستمرّة.
‘والأهم من ذلك…’
في تلك اللحظة، قال لورين بصوتٍ مليء بالتوسّل: “أختي، شخص مثلكِ يستحقّ شريكًا أفضل منه. إذا لم ترغبي بشخص من بلادنا، أعرف أمراء يمكنني تقديمهم لكِ…”
قاطعته بعبوس: “لحظة، أفضل منه؟ لم أرَ رجلاً أجمل منه!”
التعليقات لهذا الفصل " 175"