الأرق
“كورنيليا، أحبّكِ.”
لا يمكن أن يكون هذا واقعًا.
نعم، لولا ذلك، لما كان ذلك الرّجل الذي مات أمام عينيّ قبل أشهر يتحرّك حيًّا أمامي الآن.
“يبدو أنّك تريد أن تموت مجدّدًا، راينهارت.”
ما إن أكملت كلامي حتّى ضغطتُ على الزّناد مباشرة.
بانغ—!
اخترقت الرّصاصة جبهته في المنتصف تمامًا.
لكن وجهه ظلّ يبتسم ببرود.
“كورنيليا، هل تظنّين أنّ بإمكانكِ قتلي بهذه اللّعبة الصّغيرة؟”
اقترب منّي ببطء.
“بدلًا من هذا، دعيني أمنحكِ تجربة لا تُنسى!”
عند هذه الكلمات، ابتسمتُ بسخرية وأطلقتُ النّار مجدّدًا.
ظهرت الصّدمة على وجهه.
“أنتِ، أنتِ!”
‘نعم، لم تكن تتوقّع أن أطلق النّار على نفسي، أليس كذلك؟’
قبل أن أستيقظ من الحلم، قلتُ لراينهارت: “أنت لا تستطيع حتّى أن تكون كابوسي، فاذهب إلى الجحيم.”
* * *
عندما فتحتُ عينيّ، رأيت السّقف المألوف.
بانخفاض طفيف في نظري، ظهرت الزّينة الفاخرة.
غرفة الإمبراطور، الواقعة تحت أشدّ الحراسات في القصر الإمبراطوري، أي غرفتي.
‘كما توقّعت، كان حلمًا.’
كنت في مزاج سيّء.
ليس فقط لأنّ ذلك الرّجل المقيت ظهر في حلمي، بل لأنّه حاول القيام بأفعال دنيئة أيضًا.
لكن، كان لديّ من يستطيع أن يمحو هذا الشّعور السيّء في لحظة، موجود بجانبي مباشرة.
رجل وسيم، كأنّه لوحة رسمها رسّام عبقريّ بكلّ إتقان.
‘ربّما حلمتُ ذلك الحلم لأنّني سعيدة جدًّا؟’
لم يدم هذا التّفكير السّخيف طويلًا، فقد تنهّدتُ وأنا أنظر إلى وجهه الذي بدا باهتًا تحت ضوء القمر.
‘حتّى اليوم، ينام بوضعيّة مثاليّة.’
كيف يمكن لشخص أن يحافظ على وضعيّة مثاليّة حتّى أثناء النّوم؟
لا يتقلب، بل حتّى أنفاسه منتظمة.
‘يحافظ على مظهر مثاليّ حتّى أثناء النّوم، ألا يشعر بالإزعاج؟’
بينما كنت أنظر إلى لوسيون، استلقيتُ مجدّدًا وتنهّدت.
‘لا أستطيع النّوم.’
في الظّلام، وأنا مغلقة العينين، شعرت أنّ الوقت يضيع.
‘ربّما أنهي الأوراق المتبقّية بدلًا من هذا؟’
في اللحظة التي هممت فيها بالنهوض، سمعت صوتًا: “إلى أين تذهبين؟”
كان من المفترض أن يكون نائمًا بهدوء، فمتى استيقظ؟
كان لوسيون يمسك بيدي.
“آه، إلى المكتب…”
قبل أن أكمل جملتي، جذبني لوسيون نحوَه.
“الوقت متأخّر. يجب أن تنامي أكثر حتّى لا يؤثّر ذلك على صحّتكِ.”
دائمًا هكذا، يهتمّ بصحّتي بشدّة.
‘بينما لا يهتمّ بنفسه على الإطلاق.’
تذكّرت كيف كان يحرسني دون أن ينام لحظة واحدة كلّما حدث شيء، دون أن يشتكي أو حتّى يُظهر ذلك، بل كان يخفي الأمر خوفًا من أن أشعر بالعبء.
‘إذا فكّرت في الأمر، لم يُظهر أبدًا أنّه متعب.’
في تلك اللحظة، لاحظت الظّلال تحت عينيه على وجهه الوسيم.
‘على هذا الوجه الجميل…’
باندفاع، قلت له: “وهل أنت تهتمّ بصحّتك؟”
“ماذا؟”
جاء سؤاله كما لو أنّه مندهش.
وهذا متوقّع، فأسياد السّيف عادةً ما يكونون أصحّاء بطباعهم، لا يمرضون بسهولة.
لكن، على الرّغم من معرفتي بذلك، لم أستطع تجاهل الظّلال تحت عينيه.
“تبدو شاحبًا. وحتّى أثناء النّوم …”
قبل أن أكمل، تلامست شفتاي مع شفتيه بلطف.
لقد فوجئت بقبلته المفاجئة، لكن مع استمرار القبلة، بدأت أشعر بالخمول في جسدي.
‘آه، مرّة أخرى هكذا…’
“لا داعي للقلق على صحّتي. أنا بصحّة جيّدة جدًّا.”
“آه، لا، لكنّني أشعر أنّك لا تنام جيّدًا…”
“وما رأيكِ إذن؟”
“ما رأيي؟ حسنًا…”
توقّفت عن الكلام.
“حسنًا، يبدو أنّك بصحّة جيّدة.”
بينما احمرّ وجهي وأنا أتفوّه بهراء وحاولت الابتعاد، دفن رأسه في عنقي.
شعرت بأنفاسه الحارّة والدغدغة، فاستنشقت دون قصد.
‘يجب أن أجعله ينام وأذهب للعمل…’
في تلك اللحظة، همس بصوتٍ عذب: “كورنيليا، هل تعرفين أفضل طريقة عندما لا تستطيعين النّوم؟”
“ماذا؟”
“إنفاق الطّاقة.”
للحظة، تجمّدت وأنا أحلّل معنى كلامه، ثمّ احمرّ وجهي.
فكّ عقدة بيجامتي وهو يبتسم بجمال.
“بما أنّ سيّدتي تقول إنّها لا تستطيع النّوم بما يكفي للعمل، فليس أمامي سوى مساعدتها على النّوم.”
* * *
في اللحظة التي فتحت فيها عينيّ، وأنا أنوي النّوم مجدّدًا، نظرت إلى السّاعة بسبب إضاءة الغرفة الزّائدة.
ويا للعجب، لم يكن الوقت صباحًا، بل السّاعة الواحدة ظهرًا.
فوجئت وحاولت النهوض، لكنّني أطلقت أنينًا “آخ!” بسبب ألم يمتدّ إلى خصري.
‘قال إنّه سيجعلني أنام جيّدًا، لكن هذا مبالغ فيه!’
نظرت إلى السّرير الفارغ بنظرة لوم، ثمّ حاولت النهوض بصعوبة ووقفت أخيرًا.
لكن، كنت أمشي بترنّح، وهذا لم يكن مظهرًا جيّدًا.
‘اللّعنة، كيف أفترض أن أعمل هكذا!’
لو كنتُ سيدة عاديّة، لما غادرت السّرير اليوم.
لكن المشكلة أنّني إمبراطورة هذه الإمبراطوريّة.
‘بالطّبع، لقد أنهيت معظم الأوراق، لذا لا مشكلة، لكن لا يمكنني الرّاحة.’
في تلك اللحظة، وأنا أهمّ باستدعاء الخادمة، فُتح الباب ودخل هو وهو يحمل صينيّة.
“هل استيقظتِ؟”
نظرت إليه بعينين متضيّقتين، فقد كان يبدو أنيقًا.
‘يا له من ظلم أن يكون هو الوحيد الذي يبدو هكذا … حسنًا، على الأقلّ يبدو وسيمًا.’
لكن سرعان ما جذبتني رائحة شهيّة جعلتني أشعر بالجوع.
أومليت ساخن، حساء يتصاعد منه البخار، وشريحة لحم وبعض الخبز الذي كان مصدر الرّائحة الشّهيّة.
‘ربّما آكل هذا ثمّ أعمل؟’
نعم، أنا إمبراطورة من أجل العيش والأكل في النّهاية.
حتّى لو تأخّرت قليلًا، لن يجرؤ أحد على لومي.
‘نعم، يمكنني العمل لوقت متأخّر لتعويض التّأخير.’
بينما كنت أفكّر، حملني لوسيون وأجلسني على كرسيّ.
“هيّا، كُلي.”
“لكن يجب أن أراجع التّقارير أوّلًا…”
“لقد أحضرتُ الأوراق المهمّة. لذا، تناولي طعامكِ أوّلًا، جلالتكِ.”
ابتسمت دون قصد، لكن عندما رأيته يبتسم لي، أومأت برأسي بجدّيّة.
“حسنًا، تناول الطّعام معي.”
“حاضر.”
على الرّغم من أنّني قلت له أن نتناول الطّعام معًا، بدأ يقطّع شريحة اللّحم ويضعها في فمي.
“كُل أنت أيضًا، لا تستمرّ في إطعامي فقط.”
فابتسم بجمال وقال: “لأنّكِ تأكلين بطريقة جميلة جدًّا.”
من سيظنّ أنّ هذا الرّجل هو نفسه الذي كان يعاملني ببرود؟
منذ أن تصالحنا، كلّما رأيته يتصرّف بلطف، شعرت بدغدغة في قلبي.
لكن، على الرّغم من ذلك، شعرت بشيء غريب.
‘لا أعرف بالضّبط ما هو، لكنّه يبدو غريبًا.’
في تلك اللحظة، قال: “ما الخطب؟”
بينما كنت أحاول الرّد بهدوء، أدركت مصدر هذا الشّعور الغريب.
‘آه، نعم، إنّه يراقبني بشدّة.’
هل أسأله مباشرة؟
للحظة، تذكّرت تصرّفاته السابقة وتوقّعت ردّه.
‘سيقول إنّه لا يوجد شيء بالتّأكيد.’
لذا، بدلًا من أن أكون صريحة، قلت شيئًا آخر: “آه، كنت أنظر إليك لأنّك وسيم. على أيّ حال، سأحتاج إلى الختم والقلم لمراجعة الأوراق، هل يمكنك جلبها؟”
“حسنًا، سأحضرها.”
بعد أن خرج، شعرت فجأة بالإرهاق.
‘لم يمضِ وقت طويل منذ استيقظت، فلماذا أشعر بالتّعب؟’
شعرت بشيء مألوف مع هذا الإحساس.
‘نعم، هذا بالتّأكيد مثلما حدث من قبل …’
قلتُ لحارستي جانيت، الواقفة خارج الباب: “استدعي الطّبيب بسرعة.”
* * *
خرج لوسيون من الغرفة وتنهّد.
‘من حسن الحظّ أنّها لم تسأل المزيد.’
اللّيلة الماضية، تظاهر بأنّ كلّ شيء على ما يرام، لكنّه في الحقيقة لم ينم.
‘نعم، بسبب ذلك الكابوس اللّعين.’
كان يحلم أحيانًا بذلك اليوم الذي ماتت فيه كورنيليا، وهذا تسبّب في أرقه المزمن.
حاول مرارًا النّوم بعمق، لكن ذكريات رحيلها كانت تعود إليه.
في البداية، كان القلق صغيرًا، لكنّه نما تدريجيًّا.
في مرحلة ما، لم يعد يستطيع النّوم جيّدًا خوفًا من أن تتعرّض للخطر أو تتركه.
لذا، كان ينام ساعة أو ساعتين فقط، و حتّى ذلك كان مع توتّر شديد، فيستيقظ لأقلّ صوت.
‘لا يمكنني أن أظهر لها هذا العيب أيضًا.’
لقد رأت بالفعل أسوأ جوانبه.
لكن، مع حبّه العميق لها، لم يعد يريد ارتكاب أيّ خطأ.
لذا، كان يبذل جهدًا كبيرًا.
ليكون الزّوج المثاليّ للإمبراطورة كورنيليا، دون أيّ عيب.
‘أتمنّى الآن ألّا تتركني.’
بينما كان لوسيون متوجّهًا إلى مكتب كورنيليا، سمع صوتًا: “آه، الدّوق الأكبر برانت، لم نلتقِ منذ زمن.”
كان صوتًا مألوفًا، لكنّه غير مرغوب.
نظر لوسيون إلى صاحب الصّوت المتغطرس.
شابّ يافع بشعر أشقر بلاتينيّ وعينين زرقاوين، يحمل على وجهه الوسيم ابتسامة ساخرة.
التعليقات لهذا الفصل " 174"