كلماتي بدت محرجة حتّى بالنسبة لي، فرأيتُ إيريك ينظر إليّ بعينين متفاجئتين.

ربّما يظنّ أنّني أكلتُ شيئًا فاسدًا؟

شعرتُ بخجل لا يُطاق، فأسرعتُ بإضافة: “لم تنسَ اتفاقنا، أليس كذلك؟ لقد قلتَ إنّك ستحميني! لهذا قلتُ ذلك.”

ابتسم إيريك ابتسامة خفيفة وأومأ برأسه ببطء: “نعم، بالطبع. سأحميكِ بالتأكيد.”

شعرتُ بالحرج من مظهره، فأدرتُ وجهي، لكنّني رأيتُ شيئًا: نظرة راينهارت القاتلة موجّهة إليّ وإلى إيريك.

لم يعد يخفي شيئًا الآن.

منذ اللحظة التي وعدتُ فيها بالعرش، كان ينظر إليّ كما لو كنتُ ملكه.

إذا ارتقى إلى العرش بدعمي وجعلني إمبراطورة، فلن تتأثّر شرعيّته.

يبدو أنّ همسي مع إيريك أزعجه، وهو يعتبرني ممتلكاته.

دفع راينهارت الإمبراطور علنًا: “جلالتك، يجب استجواب بيانكا برانت بسرعة لكشف الحقيقة.”

انضمّ نبلاء فصيل الإمبراطور، الذين يرون إيريك شوكة في أعينهم، إلى راينهارت: “كلام الأرشيدوق تارانت صحيح، جلالتك!”

“يجب أيضًا التحقّق مما إذا كان دوق برانت متورّطًا.”

كنتُ في السابق أفكّر مثلهم.

لكن الآن، أعلم جيّدًا أنّ إيريك لن يؤذيني أبدًا.

شعرتُ بالانزعاج وعبستُ.

هل أفعلها الآن؟

لديّ دليل ضدّ راينهارت، وكنتُ أخطّط لكشف أفعاله عند مناقشة مؤهّلات المرشّحين.

لكن رؤيته يتبجّح جعلتني أشعر بالاشمئزاز.

كان الإمبراطور يحاول تهدئتهم، ربّما لأنّ الوقت لم يحن بعد: “لم ينتهِ استجواب مادلين آرجين بعد …”

قبل أن يكمل الإمبراطور، ضحك أحدهم بصوت عالٍ في القاعة.

عندما تجمّدت الأجواء، تحدّثت تلك الشخصيّة بنظرة حادّة للإمبراطور: “جلالة الإمبراطور، لمَ التردّد؟ استجوبني الآن!”

كانت السيدة الكبرى، تقف في زاوية القاعة.

لقد نحفت كثيرًا.

على عكس مادلين، التي لا تزال تملك بعض الحيويّة رغم شحوبها، بدت السيدة الكبرى مريضة بمظهرها الهزيل والخالي من الحياة.

لكن، للأسف، لم أشعر بأيّ ذنب.

لأنّكِ حاولتِ قتل طفلي.

التفتت السيدة الكبرى نحوي.

في اللحظة التي التقت فيها أعيننا، عبست عينيها.

شعرتُ أنّ عينيها الخاويتين عادت إليهما الحياة.

كانت مشاعرها النارية في نظرتها تبدو كالكراهية، أو ربّما كالحب.

لا يمكن أن يكون حبًا، بل كراهية لمن تسبّب بسجنها.

عبستُ ونظرتُ إليها بحدّة.

بسبب اتفاقي مع إيريك، سأخفّف عقوبتها، لكنّني لستُ راغبة في ذلك.

هل تظنّين أنّني أساعدكِ لأنّني أحبّكِ؟ لولا إيريك …

لكن سرعان ما أدركتُ أنّها لا تنظر إليّ.

لمَ تنظر إلى إيريك هكذا؟

لكن حيرتي لم تدم طويلًا.

صحيح، السيدة الكبرى تحرّكت. ومع أصوات الشكوك ضدّ إيريك من النبلاء …

نظرتُ إلى إيريك.

على الرغم من اتهام والدته، بدا هادئًا.

بل كان ينظر إليّ بقلق.

لاحظتُ خوفًا خفيفًا في عينيه.

ربّما يظنّ أنّني لا زلتُ أكرهه.

لطالما كرهته وألقيتُ باللوم عليه.

لكن رؤيته يحميني وطفلي حتّى في خطر على حياته ذوّبت كراهيتي تدريجيًا، حتّى اختفت دون أثر.

لو لم يكن هو، لما كنتُ على قيد الحياة.

لذا، حان دوري لمساعدته.

***

أخيرًا، تحرّكت السيدة الكبرى، وبقوّة.

كانت آثار العقار واضحة على وجهها الهزيل المليء بالحقد.

التفتت بنظرتها إلى إيريك.

عبس وابتسم بسخرية.

نعم، لا زلتِ تكرهينني، أليس كذلك، أمي؟

حتّى لو أدركت أنّ ابنها المزيّف هو ابنها الحقيقي، لن تتغيّر مشاعر السيدة الكبرى.

لقد تخلّت عنه مرّة، وخلال الوقت معًا، تراكمت فقط الأكاذيب والكراهية بينهما.

والآن، كان عليه حماية شخص آخر بجانبه.

لن تقبلي بي كابن، ولا بكورنيليا كزوجة ابنك.

نظر إليها بنظرة باردة: لكنّكِ ستضطرين للإجابة كما تريد كورنيليا. إذا قلتِ شيئًا يضرّكِ، فلن تنجوي.

لكن القلق لم يغادر ذهنه: إذا كشفت هذه المرأة هويّتي أمام كورنيليا…

في تلك اللحظة، تحدّث أحدهم: “جلالتك، لديّ ما أقوله.”

كانت كورنيليا، الضحيّة.

تنهّد الإمبراطور وسأل ابنته: “ما الأمر؟”

“الجميع يعتقد أنّ السيدة الكبرى أهدتني شايًا مسمومًا، لكن هذا خطأ. الشاي الذي شربته لم يكن عشبة القتل.”

أثارت كلمات الأميرة ضجّة في القاعة: “ماذا تعنين؟ لم تشربي عشبة القتل؟”

“ألن ينقلب الحكم إذن؟”

سكتت القاعة عندما ضرب الإمبراطور بمطرقته: “الصمت!”

ثمّ سأل ابنته: “لم تشربي عشبة القتل؟ اشرحي.”

“نعم، الشاي الذي شربته هو ‘جنيّة البياض’.”

“هل هو سامّ؟”

“لا، إنّه عشب يُهدى عادةً للأمهات لتحسين الدورة الدمويّة. أليس كذلك، الكونت شولتز؟”

تفاجأ الكونت شولتز بتوجيه السؤال إليه، لكنّه، كونه نبيلًا بارزًا، استعاد رباطة جأشه وأومأ: “نعم، كلام سموّكِ صحيح.”

“لمَ أُخطئ بين جنيّة البياض وعشبة القتل إذن؟”

“الفعاليّة مختلفة تمامًا، لكن الرائحة واللون متقاربان، فيخطئ من لديهم معرفة سطحيّة بالصيدلة.”

التفت الإمبراطور إلى السيدة الكبرى: “بيانكا مارشا برانت، تمّ كشف جريمتكِ بإفادة الخادمة. لكن الأميرة ادّعت أنّ الشاي الذي أعطيتها إيّاه لم يكن عشبة القتل.”

عبس راينهارت ونظر إلى السيدة الكبرى.

كان يجب أن تنفي، لكنّها وقفت صامتة برأس منخفض، كما لو كانت تؤيّد كلام كورنيليا.

هذه العجوز عديمة الفائدة، لا خيار سوى التدخّل بنفسي.

أشار راينهارت إلى أحد نبلاء فصيل الإمبراطور، فتحدّث: “لكن جلالتك، سمعنا أنّ أكياس شاي عشبة القتل وُجدت في الغرفة! أليس هذا دليلًا على أنّ الأميرة تحمي السيدة الكبرى؟”

ضحكت كورنيليا بسخرية: “كانت الخادمة مستاءة من معاملة السيدة الكبرى القاسية. هل من المنطقي إدانتها بناءً على كلامها فقط؟”

“وماذا عن أمر المدرّب بتخريب العجلة؟”

“كما ورد في الرسالة، مادلين هي من دبّرت ذلك.”

نظرت كورنيليا إلى مادلين بحدّة.

ارتجفت مادلين وحاولت الردّ بنظرة مماثلة، لكن نظرة إيريك القاتلة أجبرتها على خفض عينيها.

“لا أنكر أنّ السيدة الكبرى حاولت إزعاجي، لكنّها لم تكن تنوي قتلي.”

“لمَ أنتِ واثقة؟”

كان الجميع يتوقّع أن تدافع كورنيليا عن السيدة الكبرى بعاطفة، مثل “حماتي ليست شريرة”.

لكن إجابتها كانت محسوبة: “إذا متّ قبل مرور عشر سنوات على زواجي، سيعود مهري إلى خزينة القصر. هذا خسارة واضحة للسيدة الكبرى، فلمَ تقتلني الآن؟”

كانت إجابة غريبة، لكنّها مقنعة للنبلاء.

***

ضجّت القاعة بكلامي. 

رفعتُ زاوية فمي وأنا أرى ردود فعلهم: نعم، حتّى أنا أعلم أنّ هذا هو الواقع بيني وبين السيدة الكبرى. والأهم، إنّه الحقيقة.

نظرتُ إلى السيدة الكبرى.

كانت تنظر إليّ بوجه خاوٍ لا يُعرف ما تفكّر فيه.

لا أظنّ أنّها ستشكرني، ربّما هي غاضبة.

كلّما ساعدتها في الماضي، سواء بمجوهرات أو ملابس أو مال، كانت تردّ بالكراهية واللوم.

فكيف ستشكرني على دفاع تافه كهذا؟

هي تظنّ أنّني السبب في سجنها.

صراحة، لا زلتُ غاضبة. التفكير في أنّها لن تعترف بخطئها أو تتوب يثير غضبي. لكن …

نظرتُ إلى إيريك بجانبي وتنهّدتُ: الوعد وعد، وهي والدته. يجب أن أكتفي بالنفي.

في مكان ريفيّ بهواء نقيّ، ربّما تستعيد صحّتها وتتأمّل في أخطائها.

بعد أن أنهيتُ تفكيري، تحدّثتُ: “جلالتك، كانت السيدة الكبرى تنوي إزعاجي، لكن ليس قتلي. وكجدّة، هل ستحاول قتل وريث العائلة؟ أرجو أن تأخذوا هذا بعين الاعتبار …”

قبل أن أكمل، قاطعني صوت: “لا!”

“أنا … حاولتُ قتل حفيدي.”

كانت السيدة الكبرى.