انطلقت دافني إلى الأسفل ، محاطة بالضوء المتلاشي ، باتجاه سيلستيان ، بوجه مشرق يتورد بخجل طفيف عندما رأت وجهه ، وبينما وقف الرجلان عاجزين عن الكلام ، استعانت بدعم ناريد للنزول سريعًا ووقفت أمام سيلستيان ، رافعة طرف فستانها قليلًا بانحناءة خفيفة ..
“مرحبًا ، صاحب السمو دوق تيريوسا …”
انفجرت في الخلفية قذيفة من الزهور ، معلنة بداية المهرجان ، مما دفع عينيها الذهبية إلى اللمعان بالفرح بينما رفعت نظراتها إلى الأعلى للحظة قبل أن تعود لتمنحه كامل اهتمامها ..
وضعت يدها على شفتيها وسعلت قليلاً بخفة ، ثم عرّفت عن نفسها بصوت مليء بالسعادة …
“أنا دافني سيريناد ، التي تُفضّلها.”
❖ ❖ ❖
كما طلبت منها الدوقة التي التقت بها في الطريق ، خاطبت سيلستيان بلقبه الكامل ، وكان لهذا شعور جيد بشكل مفاجئ ..
‘في أي حفلة من حفلات سيكراديون ، كنت دومًا أراقبك من بعيد …’
لأول مرة ، تمكنت دافني من تقديم نفسها بشكل صحيح إلى سيلستيان الذي بدا أنيقًا للغاية هذه الليلة ، أدركت هذا ، لتغمرها فجأة موجة من الخجل جعلتها تعض شفتيها ..
حولت موسيقى الفالس المصاحبة لقذائف الزهور المكان إلى حديقة ملاهي ساحرة في الليل ، ومع ذلك ، ظل وجه سيلستيان متحجرًا قليلاً ، بينما كان كيشا يحدق بدهشة ، مكرراً كلمة “رائع” بلا توقف ، دافني ، وكأنها تقدم خدمة لمعجبيها ، لوّحت له بخفة بيدها ..
“آنسة.”
“نعم؟”
استجابت دافني لنداء ناريد ورفعت يدها كما أُرشِدَت ، ولكن ردة الفعل التي توقعتها لم تأتِ من كيشا ، بينما أمسك سيلستيان بيدها بهدوء وانحنى قليلاً ليضع شفتيه على إصبعها الرابع …
“أنتِ مشرقة كالشمس ، يا ملكتي …”
صوته الناعم وهذا اللقب الذي تسمعه لأول مرة جعلا حرارة وجهها ترتفع فجأة ، غمرها شعور غريب جعلها تغمض عينيها ، غير قادرة على الرد ..
يا ملكتي ..’
يا ملكتي…
كانت الكلمات تتردد في عقلها كأنها تتذوقها مرارًا ، ملكة سيلستيان ، بمعنى ، الزوجة التي ستقف إلى جانبه ، شريكة الرجل الذي تحبه ، الرجل الوسيم الذي يمنحها إحساسًا لا يوصف بالأمان في حضنه القوي ..
على الرغم من كون دافني تكره فكرة أن تكون ملكًا لأحد ، إلا أن هذه المرة …
‘لا بأس ..’
شعور لم تختبره أبدًا في حياتها تملّكها ..
لم يسبق لدافني أن دخلت حفلاً كهذا برفقة رجل ، كانت رقصة ظهورها الأولى كارثية بسبب غياب شريكها روميو الذي ذهب للحرب ، ومنذ ذلك الحين ، بدأت الشائعات حول خطوبتها مع رودريغيز بالانتشار ، ولم يجرؤ أحد على التودد إليها ..
وبعد ظهور سايكي في المجتمع الراقي ، بذلت جهدًا كبيرًا لإخراجها ، بينما حصلت دافني على لقب “الفضيحة الاجتماعية”، مما جعلها تعيش على هامش المجتمع ..
‘إذا كانت أول مرة مع رجل كهذا ، فأنا رابحة ..’
شعرت وكأن كل الإهانات التي تعرضت لها قد محيت ، فارتسمت ابتسامة خفيفة على وجهها بينما أمسكت بذراعه التي مدها نحوها ، شعرت أن أول مرة تجرب فيها أمرًا كهذا ستكون تجربة رائعة طالما هو بجانبها ..
بين الوجوه المتجمعة في قاعة الرقص الخارجية ، لم تجد وجهًا مألوفًا واحدًا ، وبينما كانت على وشك أن تبتسم ، اقترب سيلستيان منها وهمس في أذنها بصوت ممتعض:
“إذا كنتِ ستتخلين عني في صباح الغد ، فأخبريني مسبقًا …”
“أتخلى عنك؟”
مالت دافني برأسها مستفسرة ، التقت عيناها
بعينيه وكأنها تسأله عما يعنيه ، لكنها كانت تبدو وكأنها لا تفهم فعلاً ، وهي ترمش عدة مرات دون إدراك ، عندها ، أعاد سيلستيان التأكيد على كلمة “الصباح” عبر تشكيل شفتيه بوضوح …
“لم أكرر السؤال لأنني لا أفهم ، استيقظت ووجدت شيئًا غريبًا على جسدي…”
لم يكن من الممكن ألا تفهم دافني بوكاتور علامات قبلات ، لكنها لم تكن تعلم حتى أخبرتها ناريد ، وهي تصرخ ، أن تلك العلامات تغطي صدرها حتى خصرها ..
في الحقيقة ، كانت دافني تخطط للاغتسال والعودة إليه فورًا ، لكنها لم تجد ضرورة لإخباره أنها اختُطفت مؤقتًا من قِبَل الدوقة .
بالطبع ، سيلستيان لم يكن يجهل هذا ، لكنه كان فقط يثير مشكلة طفولية ..
رفعت دافني وشاحًا شفافًا بالكاد يغطي بشرتها وأردفت بتذمر:
“بفضل ذلك ، أرتدي شيئًا كهذا لأول مرة منذ سبع سنوات …”
“اللوم على من نام أولًا ..”
“همم؟ ثم عدم استيقاظك مبكراً في الصباح هو بسبب كونك دوق كسول ..”
“لم أفعل شيئًا في أماكن تظهر عادة ، لذا يمكنكِ خلعه ، يا دافني ..”
“ماذا لم تفعل…؟”
انحنى سيلستيان قليلاً وهمس ، رمقته دافني بنظرة غاضبة وشدت ذراعه التي كانت تعانقها انتقامًا ، لكنه ابتسم لها بنظرات بريئة وطبع قبلة خفيفة على جانب رأسها ..
“ما الذي يجعلكما تستمتعان بالحديث هكذا؟”
كانت جيرينيسيس ، التي كانت تحيي الضيوف المتجمعين بشكل دائري ، قد اقتربت لتسأل ، كانت نظرات الدوقة إلى دافني مليئة باللطف ..
“جيرين ..”
حيّاها سيلستيان بإغلاق عينيه وفتحهما برفق ، دافني ، وقد اتسعت عيناها دهشة ، نظرت لوهلة إلى جانب وجهه ..
‘لقد اختصر الاسم مجددًا ..’
لو استطاعت فقط أن تسأله مباشرة عن مدى قرب علاقتهما ، لكانت ارتاحت ، لكنها ، كمحترفة ، أخفت مشاعرها تمامًا وضعت يدها على صدرها وأومأت برأسها بلطف ..
“دافني ، أتمنى أن تقضين ليلة طيبة.”
“بفضل جهودكِ ، يا صاحبة السمو.”
“هل فكرتِ في إقامة زفافكِ هنا؟ يمكنني تجهيز أي عدد من الفساتين لكِ ، وبالطبع ، حفلات جميلة كهذه …”
كانت جيرينيسيس تبدو واثقًة من تصميمها وإعدادها لهذا الحفل ، حتى دافني كانت ترى أن الحفل كان أشبه بمشهد سينمائي متقن التنفيذ ..
“أحضرت أيضًا الكثير من المشروبات التي قد تعجبكِ ، قيل إنها آمنة حتى للحوامل ، لذا عليكِ تجربتها.”
نظرت دافني نحو الصواني التي يحملها الخدم ، وقد أثار اهتمامها ذكر المشروبات التي قد تحبها ..
“أما أنت يا دوق ، هل ما زلت تتهرب من الإجابة؟”
نظرت جيرينيسيس إلى سيلستيان بنظرة جانبية ، لكنه لم يرد سوى بابتسامة طفيفة ..
تنهدت الدوقة وتنحت خطوة إلى الوراء وأشارت إلى الخلف بذقنها ..
“لا تبقيا هكذا ، اصعدا إلى المنصة ، أريد أن أرى مدى انسجامكما …”
❖ ❖ ❖
تحت ثريات متلألئة تتدلى في الهواء ، كان ميدان الرقص الخارجي المصنوع من الخشب يستضيف خمس أزواج يدورون في انسجام كأنهم شخصيات من صندوق موسيقي ..
كانت الأنظار الموجهة إلى دافني وسيلستيان ، وهما ينضمان إليهم ، مختلفة تمامًا عن تلك التي اعتادت عليها في المجتمع الراقي في سيكراديون ، لم تكن نظرات لاذعة مليئة بالغيرة ، بل عيون متألقة تشاهد زوجًا محبًا ..
كان صوت الخيوط الحريرية المتلألئة يتخلل الأجواء كأنه يسكب النجوم من السماء ..
‘الرقص…’
منذ أن أصيبت دافني في ساقها ، توقفت تمامًا عن تحريك جسدها على إيقاع الموسيقى ، لم ترقص ولو لمرة واحدة رقصة فالس عادية ، لا في حفل تعارفها ولا في أي مناسبة أخرى ..
بدأت الفرقة الموسيقية الواقعة أسفل المنصة تعزف ببطء مقطوعة جديدة من الفالس ، كانت تلك الأساسيات التي تعلمتها في طفولتها مع ابن عمها كل نهاية أسبوع ، لذا تحرك جسدها تلقائيًا مع الموسيقى أكثر مما توقعت ،
لكن ذلك لم يمنع شعورها بالتيبّس في كاحلها ..
تحت الثريات الكريستالية ، وأمام سيلستيان ببدلته البيضاء ، وبين يديها وخصرها اللذين يلامسهما ، شعرت دافني بتوتر شديد ، رغم أنها كانت أمام الرجل الذي لطالما أرادت أن ترقص معه ، شعرت بغثيان وكادت أن تتعرق من التوتر ..
‘عليكِ أن تتحملي قليلاً فقط …’
حدّقت دافني بتركيز في قدميها غير المرئية ، لكن ما لاحظته كان حذاء سيلستيان الأنيق وهو يلامس حافة فستانها مرارًا وتكرارًا ..
ورغم ذلك ، لم يظهر أن الفالس البطيء ذو الإيقاع الثلاثي سينتهي قريبًا ..
كان سيلستيان معروفًا بأنه يرقص بكل سلاسة مع العديد من السيدات ، لذا لم يكن لديه مشكلة في أداء هذا النوع من الرقص حتى مغمض العينين ، وبالفعل ، كان يظهر مهارته بسهولة ، إذ كان يرفع دافني قليلاً عن الأرض كلما بدت على وشك أن تخطئ في خطواتها …
‘…ربما يجب أن أدهس قدمه ..’
فكرت في إنهاء هذا التدفق بأي طريقة ، حتى لو كان ذلك عن طريق دعس قدمه ، لقد أكدت بالفعل أنهم متناغمون كفاية كزوجين للرقص الاجتماعي ، شعرها أن ما قدمته كافٍ لإظهار هذا الجانب ..
بعد حساب سريع ، قررت دافني أن تدوس على قدمه بكعبها ، لكن يبدو أنه كان يتوقع ذلك مسبقًا ، ببراعة ، تفادى محاولتها ، وأمسكها من خصرها ليديرها حول نفسها
دورة كاملة …
أنزلها سيلستيان برفق ، لكنه ضحك بخفة وكأنه لا يصدق ما حاولت فعله ، عادت دافني إلى حضنه وفقًا لإيقاع الرقص ، وهي تجاهد للحفاظ على ابتسامتها ، لا شك في أنه أدرك محاولتها لدعس قدمه ، وبينما كانت تهمّ بتبرير تصرفها ، داس سيلستيان على مشط قدمها بقوة …
“آه!”
كانت مؤلمة للغاية ، لم تكن دَوسة خفيفة أو عن طريق الخطأ ، بدا وكأن نعل حذائه مصنوع من الحديد ، إذ كان الألم مختلفًا تمامًا
شعرت دافني بوخز شديد يصعد من قدمها بينما عضت على شفتها لتتحمل الألم ..
سيلستيان ، من جانبه ، ابتسم بخبث وابتعد قليلاً عن جسدها ، للحظة ، توقفت الموسيقى
“سيلستيان ، لقد دُستَ عليّ عن قصد …”
بفضل الأمير الطفولي ، شعرت دافني بأن التوتر الذي كانت تحمله قد تلاشى بالكامل ..
حدّقت فيه بعينين ضيقتين بينما رفعت رأسها لتنظر إليه ، وما زاد الطين بلة ، أن القدم التي داس عليها كانت نفس القدم المصابة سابقًا ..
“شعرت بالغيرة لأنكِ لا تنظرين إليّ ..”
تمتم بصوت خفيض بينما أمسك خصلة من شعرها الأحمر وضغط شفتيه عليها بعمق ..
ترجمة ، فتافيت …
التعليقات لهذا الفصل " 97"