كانت دافني في غرفة خالية من المرايا ، تُدفع يمينًا ويسارًا على يد خادمات الدوقة ، وهنّ يعصبن عينيها أثناء ذلك ..
بعد أن أمضين وقتًا في تمشيط شعرها بطريقة بدت وكأنهن يخلعن فروة رأسها ، انتقلن إلى لفها بطبقات متتالية من التنورات الداخلية المنتفخة ..
لم تتمكن دافني من رؤية نفسها بعد ، لكنها تخيلت بغباء أنها قد تطير إذا رفرفت بتلك التنورات ، وكم أرادت بالفعل مغادرة هذا المكان …
“آنسة بوكاتور ، سنضيف طبقة أخرى ..”
“كم طبقة من التنورات ستضيفن… يا ترى؟”
حاولت دافني أن تتحدث بهدوء دون أن تبدو منزعجة ، متذكرة أحداث الليلة الماضية ، لكنها حين تذكرت البقع التي غطت جسدها ، خفضت صوتها ، لحسن الحظ ، لم تُظهر الخادمات أي ردود فعل غير عادية
وكأن الأمر معتاد ..
“هذه ستكون الطبقة الأخيرة ، اصبري قليلًا فقط …”
“تبدين تمامًا كدمية ، يا آنسة بوكاتور …”
“هاهاها…”
“دمية”، تلك الكلمة التي كرهتها دافني بشدة ، فجأة ، خطرت لها ذكرى سيلستيان ، ذلك الصوت الذي تذمر يومًا قائلًا إنه يكره الاستيقاظ ليجد المكان فارغًا ، لم تكن تعرف كم مضى من الوقت ، لكنها شعرت بالتوتر ، متمنية لو كان ما يزال نائمًا ..
بدأت دافني تضرب الأرض بقدميها بعصبية ، حين اقتربت ناريِد منها بابتسامة مبهورة ..
“آنستي ، تبدين كالأميرات حقًا…”
وأطلقت بعدها عدة آهات إعجاب متتالية ..
شعرت دافني بالارتباك للحظة ، ناريِد ليست من النوع الذي يطلق مثل هذه الكلمات إلا إذا كان التصميم مذهلًا حقًا ..
‘هل هي تسخر مني ، أم أنها جادة؟ ..’
رفعت دافني يدها لتزيل العصبة عن عينيها ، لكنها توقفت حين أصدرت إحدى الخادمات صوتًا حادًا يشير إلى الرفض ، فوضعت يديها خلف ظهرها ، لكنها أُجبرت على وضعهما أمامها عندما منعتها الخادمة مجددًا ..
“ها قد انتهينا ، انظري الآن …”
كان صوت جيرينيسيس ، التي وعدت بالبقاء خارجًا ، يُسمع بوضوح ، أدركت دافني أن هذا “اللعب” بملابسها قد انتهى أخيرًا ..
عندما أزيلت العصبة ، كان أول ما رأته هو وجهها الذي بدا متجهمًا قليلاً في المرآة ..
سرعان ما حاولت تصحيح ملامحها وابتسمت ..
ثم…
“أوه…”
كانت المرأة ذات الشعر الأحمر التي تنظر إليها في المرآة ترتدي فستانًا فاخرًا يمزج بين الأزرق الفاتح والوردي الباهت بألوان تشبه الشفق القطبي ..
أمالت دافني رأسها وهي تحدق في انعكاسها ..
“لا يناسبني أبدًا …”
بفضل الطبقات المتعددة من التنورات الداخلية ، كان الفستان يتماوج مع كل حركة تقوم بها ، ورغم أن الأكتاف والظهر المكشوفين كانا يروقانا لدافني ، إلا أن الألوان بدت وكأنها اختيرت خصيصًا لشخص آخر ، ربما سايكي …
اقتربت إحدى الخادمات وهي تحمل شالًا شفافًا مزينًا بخطوط ذهبية على أطرافه ..
“هذا شال ترتدينه من الأمام ، قد يصبح الطقس باردًا خلال الحفل المسائي…”
“لا أريد ارتداءه ..”.
رفعت دافني يدها لتشير إلى رفضها ، لكن ناريِد اقتربت وهمست بحزم:
“ارتديه اليوم على الأقل ، تبدين وكأنكِ تعرضتِ للضرب ، آنستي …”
كان صوتها منخفضًا لكنها عضت على أسنانها أثناء الحديث ، مما جعل الأمر يبدو مرعبًا ..
استسلمت دافني وأطاعت بصمت ، مادّة ذراعيها لترتدي الشال ..
كان شعرها الأحمر نصف مرفوع ، متدلّيًا على ظهرها بتموجات ناعمة تصل إلى خصرها ..
وكانت الخلفية مزينة بورود صغيرة وأحجار كريمة خفيفة تتماشى مع تصميم الفستان
“إنه جميل ، فلماذا لا أشعر بالسعادة؟”
بدت الخادمات الثلاث المحيطات بدافني متفاجئات قليلاً ، فقد اعتدن على صرخات الإعجاب التي كانت تطلقها السيدات الأخريات عند رؤية أنفسهن بعد التحول ..
“إنتِ جميلة جدًا ، آنسة بوكاتور ، ليس غريبًا أن يتحدث عنكِ الدوق بإعجاب لا نهاية له.”
ابتسمت الدوقة وكأنها معجبة تمامًا بما تراه ..
كانت دافني واقفة على منصة مكونة من درجتين ، تنظر للحظات إلى وجه الدوقة الجميل من أعلى ..
‘لابد أنه يتحدث عن سايكي …’
لم ترتدِ دافني من قبل ألوانًا ناعمة مثل الوردي الفاتح أو الأزرق السماوي الفاتح ، فقد كانت والدتها تنصحها بتجنب الألوان الضعيفة عند اختيار فساتين المناسبات ، وكانت تؤكد باستمرار أن هذه الألوان لا تناسبها …
مع مرور الوقت ، أصبحت دافني تتجنب بشكل تلقائي الملابس المزخرفة والباهرة التي تلفت الأنظار بشكل مبالغ فيه ..
اقتربت ناريِد بخطوات مترددة ، وعدّلت طرف الفستان لتجعله يبدو أكثر امتلاءً ، لم تستطع ناريِد أن تخفي انبهارها ، فبقيت فاغرة فمها ..
“ناريِد ، هل هو جميل؟”
“أليس غير مناسب لي؟”
“نعم ، جميل جدًا ، لماذا لم نلبسكِ مثل هذه الفساتين من قبل؟”
حاولت دافني أن تبتسم مجاملةً ، تقديرًا لمن اعتنوا بها ، لكن ناريِد بدت وكأنها متأثرة حقًا وهي تهز رأسها بانبهار ، كان جميع من في الغرفة يبدون مفتونين ، لكن دافني شعرت بضغط غريب لم يمكنها من الابتسام بحرية …
❖ ❖ ❖
كان الفستان يتماوج بلطف كلما تحركت دافني ، وكأن آلاف الأجنحة الصغيرة ترفرف عليه ، بدا أن موضوع هذا الحفل هو “البهرجة”، حيث ارتدت جميع السيدات تقريبًا فساتين فاخرة لافتة للنظر وكأنها ستطير بهن ،
لكن بغض النظر عن ذلك ، كان فستان دافني هو الأكثر ..
“جميل …”
“باهر ، يلفت النظر ..”
“لا، إنه بسيط وجميل ..”
ناريِد ، التي عادةً ما تكون بخيلة في إبداء الإعجاب ، لم تتوقف عن التمتمة بإطراءات اليوم ، رغم أن مظهرها كان أبسط ، إلا أنها بدت مثل أميرة بفضل الأكسسوارات المتلألئة التي زينت شعرها الأشقر ..
“آنسة ناريِد ، لا تبقي خلفي ، تعالي هنا.”
“ألن أمسك طرف الفستان؟”
“أمسكي يدي بدلًا من ذلك ..”
“يا إلهي ، هذا لا يناسب من لديه حبيب!”
رغم كلماتها ، اقتربت ناريِد من دافني ووقفت بجانبها ، لم تستطع إخفاء إعجابها وهي تنظر إلى دافني من زوايا مختلفة ، بينما تكرر عبارات الاعتذار بعيون متلألئة ، بدأت دافني تشعر بثقة خافتة تعود تدريجيًا ..
“هل هو جميل؟”
“ماذا أفعل؟ نعم ، إنه جميل ، يناسبكِ جدًا ، أشعر بالرهبة! ألا يمكنكِ أن تدوري مرة واحدة؟”
“ليس صعبًا ..”
مسكت دافني أطراف طبقات التنورات الداخلية برفق وأدارت نفسها ، فصفقت ناريِد بحماس كما لو كانت فقمة صغيرة ..
“إنه لا يبدو كأنه ملكي ، لكنه جميل ..”
“ماذا تعنين بأنه ليس لكِ؟”
اتسعت عينا ناريِد بدهشة ، ثم فكرت لبرهة قبل أن تلمس طرف الفستان الذي تجعد قليلًا من الخلف ..
“إنه يناسب مقاسكِ تمامًا ، آنستي ..”
“ماذا؟”
“هذا الفستان ، تم تصميمه بمقاسكِ تمامًا ، خصوصًا عند الصدر والخصر ، حتى الطريقة التي ينسدل بها على جسمكِ ، كلها متناسقة ، انظري إلى منطقة الصدر ، ليست فضفاضة ولا ضيقة …”
“أتعنين أنني أملك صدرًا صغيرًا؟”
“ليس صغيرًا إلى هذا الحد …”
أجابت ناريِد بجدية دون أن يطرف لها جفن ، وبالفعل ، كما قالت ، كانت الأزرار الخلفية مغلقة بسهولة ، وكان الصدر والخصر والبطن متناسقين تمامًا ..
“حتى هذا الشال ، إنه ملائم تمامًا لمقاس كتفيكِ وذراعيكِ…”
عبّرت ناريِد عن شعورها بالقشعريرة وهي تفرك كتفيها ، ثم واصلت:
“حتى الزينة الموجودة على شعركِ ، هي بالضبط الأشياء التي تحبينها ، مثل العنبر الوردي والبيريدوت!”
وإلى جانب الزهور الحمراء التي ليست ورودًا بل زهور رانونكيولوس وردية مصبوغة بخفة بماء محمر ، أضافت ناريِد بصوت منخفض قليلاً وهي تتذمر بخفة: “كنت أظن أن
هذا الذوق لي وحدي …”
ارتعشت زاوية فم دافني قليلاً ، وراحت يدها المغطاة بالقفازات تلامس الفستان عدة مرات ..
“لو استعرت تعبيرًا من كلماتكِ المعتادة ، فإنه ‘يلائمكِ بشكل فائق …”
ابتسمت ناريِد وهي توجه تعليقًا مرحًا تجاه دافني ، التي كانت تبدو وكأنها تعود تدريجيًا إلى طبيعتها ، هذه المرة لم تستطع دافني كبح ضحكتها فانفجرت بالضحك ..
❖ ❖ ❖
كون الحفل في فيلا الدوقة مقامًا في الهواء الطلق ، فقد تم تزيين المكان بدقة باستخدام مصابيح صغيرة برتقالية اللون ، كما زُينت السماء بثريات كريستالية معلقة بشكل بارع ، بدأ الضيوف المدعوون بالظهور واحدًا تلو الآخر ، وسرعان ما غصّت الحديقة الخضراء بالناس ..
كانت العديد من الأنظار تمر بلمحة عابرة على رجلين وسيمين يقفان أمام درج مغطى بكروم نبات البوق ..
“دوق ، هل تشعر بالتوتر؟”
ظل سيليستيان يلمس ياقة قميصه منذ فترة ، كان شعره الذهبي ، الذي أبدع كيشا في تصفيفه بعناية ، وزيه الرسمي الأنيق الذي تم تنسيقه بجهد كبير يبدو مثاليًا ..
ارتدى جاكيت أبيض وسترة سوداء أسفلها وقميصًا أبيض ، مع تطريز بخيوط ذهبية على ياقته وأطراف أكمامه ، التصميم كان يظهر قوامه الرياضي وهيئته الفخمة بشكل واضح
“هل القميص يضايقك؟ هل تريد تغييره الآن؟”
هزّ سيليستيان رأسه نافيًا ..
كان كيشا ما زال يرتدي عصابة على عينه ، ورغم ذلك بدا مظهره أنيقًا ، قام بتصفيف شعره الطويل بعناية ليبدو مرتبًا ، وارتدى زيًا كلاسيكيًا يليق بنبلاء الطبقة الراقية ، ومع ذلك ، كان هناك رائحة خافتة لمواد كيميائية عالقة نتيجة لصبغ شعره بسرعة ، لم يكن كيشا فقط من لاحظها ، بل حتى سيليستيان شمّ تلك الرائحة من كُمّ معطفه لبضع ثوانٍ …
“ميشا دُعي إلى نادٍ للكتب ، مخصص لأولئك الذين لا يفضلون الأماكن المزدحمة …”
كانت هذه طريقة كيشا للإشارة إلى أن أحدًا لن يعكر صفوهما هذه الليلة ، من قمة الدرج العريض المرتفع ، بدا أن السيدات المدعوات على وشك النزول ، مما أثار همهمة طفيفة ..
تحرك كلاهما باتجاه مدخل الدرج استعدادًا لاستقبالهم ..
“لا تبحث عني الليلة ، سأقضي الليلة مع إحدى الجميلات اللاتي ينزلن الآن…”
توقف كيشا فجأة ، ووجهه المتجه نحو الخلف تجمّد تمامًا ، حتى سيليستيان الذي استدار لا إراديًا لتفقد الأمر ، وقف في مكانه بلا حراك ..
ترجمة ، فتافيت …
التعليقات لهذا الفصل " 96"