الأمير الذي أُهمل لكونه وضيعًا ..
بينما كان “سيلستيان” متأثرًا بفراغ المقعد بجانبه أو لم يكن ، في نفس الوقت تقريبًا ، وصل رسول من متجر الخياطين في العاصمة الملكية ، كان يحمل بيديه حقيبة حمراء داكنة ممتلئة ببدلات الأمير الرسمية ..
كان متجر الخياطين هذا مخصصًا لصنع الملابس للأسر الملكية والنبلاء ، وكان في العادة يلتزم بالألوان الرمزية لمملكة “سيكراديون”، والتي تتمثل باللون الأزرق ..
رفع “ميشا” رأسه لينظر إلى “ناريد” ثم فتحت الحقيبة بحذر ، كان بداخلها عدة بدلات تم طلبها البارحة …
“الخياطة والتوصيل سريعان جدًا ، يبدو أن هذا هو سبب زيارة السيد صاحب المتجر المتكررة ..”
“في الواقع ، كان الموعد المحدد ليلة البارحة.”
قالها عامل المتجر وهو يتجنب النظر في عيني “ناريد”، مترددًا في الكلام ..
“هيا، إذا أكملت المهمة ، اذهب في طريقك …”
“نعم ، نعم ، بالطبع.”
حاول الرسول نفي الأمر بيديه وتبع الرجل الآخر الذي كان ينتظره بجوار العربة ، كان الرجل الآخر طويل القامة ، ويرتدي قبعة جعلت من المستحيل رؤية لون شعره ، ومع ذلك ، لاحظت “ناريد” حركاته غير الطبيعية ، فخفضت نظرتها لترى أدنى قدميه ..
لاحظت “ناريد” الغبار الطفيف الذي أثارته العربة أثناء ابتعادها ، ثم دفعت بمرفقهت ذراع “ميشا” لتلفت انتباهه ..
“ميشا ، هل رأيت قدم السائق الصناعية؟”
نظر “ميشا” ببراءة وكأنه يرى ذلك لأول مرة ، ثم رفع كتفيه بلامبالاة ، أمالت “ناريد” رأسها متسائلًة ، القدم الصناعية التي رآتها لم تكن تلك الشائعة في “سيكراديون”، التي تشبه الجلد ، بل كانت عبارة عن ساق معدنية تشبه حافر الحصان ..
❖ ❖ ❖
بعد أن ساعدتها “ناريد” على الاستحمام مجددًا ، وبينما كانت تستمتع بجمال قوس قزح الضخم الممتد من الشلال إلى الغابة الكثيفة في فترة ما بعد الظهيرة ، نظرت “دافني” نحو الجناح المنفصل حيث يفترض أن “سيلستيان” نائم …
‘هل لا يزال نائمًا؟ ..’
بعد تفكير قصير ، قررت “دافني” أن تصعد إلى سريره لتوقظه بطريقة مرحة ، وبينما كانت تعبر الفناء لتنفيذ خطتها لإيقاظ “الأمير النائم”، سمعت صوتًا يناديها ..
“آنسة “بوكاتور”، طاب يومكِ.”
كان الصوت صادرًا عن مساعد الدوقة الذي كان ينتظر أمام الجناح المنفصل ، شعرت “دافني” بالمفاجأة من ظهور شخص غير متوقع ، لكنها حاولت أن تخفي تعبيرها المرتبك وتقدمت نحوه ..
“آنسة دافني بوكاتور …”
“نعم ، نعم؟”
“الدوقة جيرينيسيس هيربون تدعوكِ إلى مأدبة غداء …”
“بهذه السرعة؟”
رغم أنها دوقة ، شعرت “دافني” أن الأمر نوع من قلة اللياقة ، كانت تخطط لتناول الغداء مع أسرتها ثم مقابلة الدوقة برفقة بعض الوثائق التي قدمها لها والدها ، الماركيز “بوكاتور ..”.
“ولكن… لم يتبقَّ وقت للتحضير ..”
ألقت “دافني” نظرة على هيئتها ، كانت قد استحمت بمساعدة “ناريد” وارتدت فستانًا بسيطًا ، لكنها لم تكن في حالة مناسبة لمقابلة دوقة ..
“لا حاجة للتحضير ، ومع ذلك ، سيكون من الأفضل أن تجلبي الفستان الذي سترتدينه في الحفل الليلة …”
رغم ذلك ، لم يكن من الممكن أن تقابل الدوقة بهذا المظهر ، وبينما كانت تتساءل عن كيفية كسب الوقت ، رأت “ناريد” قادمة من بعيد وهي تحمل حقيبة ، فأشارت لها بحركة خفية للاحتماء ..
“هل هي خادمتكِ؟”
لكن مساعد الدوق التفت ونظر مباشرة إلى “ناريد”، مكتشفًا أمرها ..
“يمكنها الحضور معكِ ..”
❖ ❖ ❖
رغم أن الدعوة كانت لتناول الغداء ، إلا أن “دافني” كانت تجلس الآن في غرفة متصلة بجناح الدوقة ، وهي غرفة توصف بأنها غرفة ملابس لكنها كانت أشبه بمسرح صغير فاخر وأنيق ..
“لماذا أشعر وكأنني اختُطفت؟”
“وأنا كذلك…”
دافني وناريد أمسك كل منهما بيد الآخر بإحكام ، كان فستان الحفلة الذي أعدته دافني بعناية قد أخذه المساعد بالفعل ..
“أيمكن أن يكون الأمر ، يا ناريد؟ هل تم احتجازنا في غرفة الملابس؟ كما تعرفين ، لمنعنا من حضور الحفل …”.
“توقفي عن قراءة تلك الروايات التي تضايق الناس ..”
وبينما كانت ناريد تضع خصلات شعرها الأحمر المتدلية على جانب وجهها خلف أذنها ، وبّختها بلطف …
“آه ، كنت أود أن أسألكِ… هل أخذتِ كتابي الأحمر؟”
أومأت دافني برأسها بنظرة بريئة وهي تسأل ناريد ، التي أنكرت الأمر تمامًا وهي تهز رأسها نفيًا ، وفي تلك اللحظة ، انفتح الباب المنزلق ودخل ستة أو سبعة أشخاص ، وقف الاثنان على عجل ..
“آنسة بوكاتور!”
كان آخر من دخل هي الدوقة جيرينيسيس هيربون ، التي تميزت بحاجبيها الجميلين المقوسين ، نهضت دافني بسرعة ، ورفعت طرف فستانها بخفة لتحييهة ..
“جلالة الدوقة …”
ثم رفعت الأوراق التي أحضرتها لتعرضها بسرعة ، معتقدة أنه لن يكون لديها فرصة أخرى لتسليمها ، أخذت الدوقة الأوراق بنفسها ، دون أن توكل أحدًا آخر بذلك …
كانت دافني قد لاحظت بالأمس ، أثناء جلوسهما ، أن الدوقة طويلة القامة ، ولكن الآن ، تحت إضاءة أفضل ، ومعهما واقفين معًا ، بدت أكثر طولًا وأناقة ، زادت الفخامة التي أضفتها عضلاتها الظاهرة بفضل ارتدائها فستانًا بلا أكمام ، مما أضفى عليها انطباعًا مهيبًا …
تفحصت جيرينيسيس الأوراق سريعًا قبل أن تضحك ضحكة كبيرة وتضعها على الطاولة ..
أدركت دافني على الفور أن هذه الأوراق لم تكن تتعلق “بالعمل”.
“يا له من أب… حقًا!”
عندما أشارت الدوقة بيدها ، ظهرت شماعة بسيطة عليها فستان الحفلة الخاص بدافني ، كان هذا الفستان قد تم اختياره على عجل ليكون أكثر الفساتين جاذبية ومناسبة للرقص ، لكنه بدا باهتًا ومتواضعًا بمفرده ..
“لا يعجبني هذا الفستان …”
“عفوًا؟”
“أعترف بأن فساتين آنسة بوكاتور خفيفة وجميلة ، لكن هذا شيء مختلف …”
هزت الدوقة كتفيها ، كانت دافني تعلم أن هذا لم يكن نقدًا لذوقها ، لكنها لم تستطع أن تمنع شعورها الغريب ..
بالنظر إلى أنه تم إجبارها على الحضور تحت اسم مأدبة غداء ، ثم تقييم فستانها ، وبعد ذلك التعامل مع الأوراق بلا اهتمام ، شعرت دافني بالإهانة ، لو كانت تعلم أن هذا سيحدث ، لما حضرت ، ولأنشغلت بحل بعض الفضائح في المملكة ..
‘ليس هذا وقت الكبرياء …’
وفجأة…
“جيرين”.
‘لماذا أصبح يناديها بهذا الاسم المختصر…؟ لماذا؟ ..’
تذكرت فجأة “سايكي”.
“لماذا يناديكِ روميو بديدي؟ …”
كانت سايكي تتساءل دائمًا عن طفولة روميو ودافني ، كانت تريد أن تعرف ماذا كانا يفكران وماذا كانا يشاركان خلال ذلك الوقت ، رغم أنها لم تفهم الغيرة التي شعرت بها ، بدأت الآن بالتعاطف معها ..
لم تكن قد رأت أبدًا أي اتصال بين سيلستيان والدوقة عندما كانت تتبع روميو سرًا ، لذلك كان من الغريب أن يكونا مقربين …
فوق ذلك ، إذا كانا قريبين حقًا ، أليس من المفترض أن يكون روميو رودريغيز والدوقة مقربين أيضًا؟ فهو يزور هيربون مرة واحدة على الأقل كل عام ..
كادت دافني ، التي لم تكن على طبيعتها ، تفقد سيطرتها على تعابير وجهها ، تقدمت جيرينيسيس لتقف بجانبها ..
“آمل أن تكون هديته قد نالت إعجابكِ يا آنسة بوكاتور …”
نظرت الدوقة إلى جانب وجه دافني المتجمد لوهلة ، ثم أومأت برأسها نحو اتباعها ، فتح الباب المنزلق المغلق مرة أخرى على مصراعيه ..
*. *. *.
“الدوق لديه مشكلة حقيقية ، كيف يمكنه أن يكتفي بتقبيلها ثم يعيدها؟ هل هذا ممكن؟”
“إعادتها؟ كيشا ، صحح كلامك ، هي التي أكلتني ثم تخلت عني …”
عند ملاحظة سخرية كيشا ، تجهم وجه سيلستيان الوسيم ورد بغضب ، وبينما كان كيشا يراقب بقلق نظرات الأمير الساحقة ، قال بحذر:
“ما قلته الآن كان حقًا مبتذلًا.”
“آه ، إذًا أنت تقول إنني أمير مبتذل وقد تم التخلي عني لهذا السبب …”
“سأتراجع عن كلامي ، أرجوك ، اهدأ ..”
كيشا ، الذي كان على وشك أن يقول: “لكن هذا لأنك تأخرت في الاستيقاظ”، أمسك لسانه ..
مسح سيلستيان شعره المبلل بيده بتوتر ، ثم حدق باتجاه منزل الدوق ، حيث اقتيدت دافني كأنها سجينة ..
كان السيف الذهبي النقي الذي أطلق عليه كيشا اسم “سندريلا” جميلًا وثقيلًا للغاية ..
كيشا ، الذي درب ذراعه اليمنى فقط منذ طفولته ، أمسك به بيده اليسرى واستمر في التذمر بشأن ثقله ، أشار سيلستيان بإيماءة بسيطة بأصبعه طالبًا السيف ..
“جلالتك ، هل تجيد استخدام يدك اليسرى أيضًا؟”
“أجل.”
دون أي تعليق إضافي ، سلّم كيشا السيف بخط مستقيم للأمير ، متسائلًا بنظرة فضولية.
كما قال كيشا ، كان السيف ثقيلًا ، لكنه لم يكن مستحيل الحمل ، مع ذلك ، يبدو أنه قد صُنع بالكامل للاستخدام الاحتفالي ، إذ كان نصل السيف حادًا بالكاد ، أشبه بعصا خشبية ..
أخذ سيلستيان يلوّح بالسيف بضع مرات ثم هز رأسه ، لم يكن مقبض السيف مصممًا لليد اليسرى في الأصل ، مثلما فعل كيشا ، أعاد سيلستيان السيف برميه إليه ..
“آخ!”
لكن كيشا ، على غير عادته ، أفلت السيف ، فسقط السيف الثقيل على قدمه قبل أن يرتطم بالأرض بعنف ، وسقط كيشا على ركبتيه ..
“لقد بدوت مثل فارس محطّم للتو ، أليس كذلك؟
“حافظ على توازنك …”
“أنا أحاول ، لم أعتد عليه بعد …”
نهض كيشا وهو يمسح الغبار عن ساقيه ، ثم خلع عصابة العين التي كانت تغطي عينه ، تقدم سيلستيان بخطوة قوية وأمسك وجه كيشا ، الذي كان أقصر منه ببوصة ، ورفعه ليواجهه ..
“أوه…”
تحركت عين كيشا اليسرى قليلًا قبل أن تركز مجددًا على الأمير ، الذي بدا مدهشًا أكثر مع خلفية قوس قزح وضوء الشمس ..
أما سيلستيان ، فقد بدا أكثر جدية ، كانت العين اليمنى ، التي تحركت ، رمادية شاحبة ، مع ظهور بياضها بشكل أكبر …
“حتى بعين واحدة ، ما زلت وسيمًا.”
“أعلم.”
“وكل هذا بينما من الواضح أنك قلق بشأن الشابة أكثر مما تقلق علي …”
توقف سيلستيان قليلًا كما لو أن كيشا قد أصابه في الصميم ، ثم ابتسم بخفة ، انتقل ليعبث بشعر كيشا ، كاشفًا عن خصلات شعره الحمراء التي بدأت تنمو عند الجذور ..
“أوه ، جلالتك ، ألا تعلم أن العبث بشعر الأولاد ممنوع؟”
ابتسم سيلستيان بخبث وأمال رأسه قليلًا وكأنه لا يعرف شيئًا ..
“شعرك أصبح طويلًا.”
“لدي الكثير من الأفكار وأستمتع بالتأمل ، كما تعلم …”
رد كيشا بوقاحة ، ثم رفع السيف الذهبي النقي ووضعه على كتفه ..
“سيدي ، سمعت أنك تحدثت مع ناريد عن الجزيرة البارحة.”
أومأ سيلستيان بخفة ، كيشا ، الذي لف عينه بتردد غير معهود ، تحدث بهدوء:
“جلالتك ، لقد زرت تلك الجزيرة قبل ست سنوات بالضبط ، وأعلم أن ما يُشاع عنها مختلف تمامًا عن الواقع. …ألا ترى كم أنا كتوم الآن؟ هذا هو ما يسمى بروح الفروسية …”
“تكلم بشكل مباشر …”
كيشا ، وكعادته ، لم يتوقف عن إغداق الثناء على سيلستيان ، مشيدًا بخطته المبهرة التي تتمثل في أخذ دافني إذا أرادت ذلك ، حتى أنه رفع إبهامه إعجابًا ، لكن رغم ذلك ، بدا وجه كيشا قاتمًا ..
“بصراحة… لم أكن أتوقع أن يحدث هذا بهذه السرعة ، الآن وقد بلغت سن الرشد ، وسددت تقريبًا كل ديوني للسيدة ، فهذا يعني أن صفة كوني مدينًا لها أصبحت على وشك الانتهاء ، وعندما يحدث ذلك ، لن يبقى لي مكان أذهب إليه…”
“أنت… لست سيرينادي …”
ما زالت كلمات أمبر غرين ، التي قالتها له أثناء ضربه بمنفضة السجائر الحادة ، تثير القشعريرة في ظهره ، كان كيشا أحد الأفراد القلائل المتبقين من مجرمي الحرب الذين وقفوا ضد العرش ، كان عليه أن يغادر قبل أن تكتشف أمبر غرين هذا السر وتستخدمه كوسيلة للضغط على دافني ..
“وأيضًا ، عيني… أود أن أبقي الأمر سرًا عن السيدة بأي طريقة كانت …”
كما توقع سيلستيان ، لم يستطع تخيل كم ستكون السيدة حزينة إذا اكتشفت الأمر ، لم يكن يريد أن يكون عبئًا إضافيًا على تلك السيدة المسكينة التي لم تستطع التخلص من أمبر غرين فقط لأنها كانت والدتها …
“حسنًا ، لكن…”
قام سيلستيان ، رغم أن وجهه لا يزال يبدو غاضبًا وممتعضًا ، بقبول طلبه ببرود ، ثم نظر إلى كيشا بعينيه الخضراوين ، وكأنه يفكر في شيء ما ، وأضاف بلهجة مازحة مليئة بالمرح:
“لا تنسَ أن تنظف جيدًا المكان الذي ستتلقى فيه ضرباتي ..”
ترجمة ، فتافيت …
التعليقات لهذا الفصل " 95"