الخاتمة💞
منذ أربع سنوات ، في ليلة صيفية خانقة ومملة ..
كان الأمير الشرعي العائد بعد نهاية معركة بحرية ، والأمير البديل الذي استعاد مكانته ، يخوضان حرب بطاقات خلف الجناح الخارجي ..
أضواء صغيرة وكبيرة معلّقة في الهواء كانت تنعكس على سطح مسبح ضحل ، وانعكاسها الخافت على وجهي الأخوين غير الشبيهين أضفى ظلالًا زرقاء على ملامحهما الجميلة ..
“لقد خسرت مجددًا ، يا للأسف.”
روميو رمى أوراقه على الطاولة .
رغم كلماته ، كانت ملامحه متوترة ..
ما بدأ كلعبة قمار بريئة سرعان ما أصبح أمرًا شخصيًا بعد خسارته لخمس جولات متتالية
في الواقع ، لم يسبق له أن فاز على سيليستيان في أي منافسة حتى الآن ، ما جعله يشعر بمرارة مهينة ..
أخرج سيجارة جديدة لم يشعلها ، وبدأ يعض على الفلتر بغيظ ..
“يبدو أنك فقط تريد تصديق ذلك …”
قال سيليستيان ببرود دون أي تعبير على وجهه ، وهو يلوّح بيده ..
قام الموزّع بجمع الرقائق وغادر بسرعة ..
تجولت عيناه الخضراوان ببطء على الطاولة وكأنها تعدّ الرقائق ، ثم التقط كأس الويسكي بيده الكبيرة الموشومة بندبة عميقة وبلّل بها حلقه ..
شعره الذهبي الطويل ، غير المعتاد على رجال هذا المملكة ، كان يتدلى على وجنتيه ..
حتى ملامحه الدقيقة لم تكن تشبه روميو أبدًا، وكأن دمهما لا يتقاطع في شيء ..
حتى اسمه “سيليستيان تيريوسا” بدا كأنه مستورد من حانة منحطة ..
روميو ، الذي وصل إلى هذه المكانة بفضل نصف الدم الذي يربطه بسيليستيان ، كان انطباعه الأول عنه أنه مجرد “لقيط متعجرف”.
لكن الآن ، لم تعد ساكراديون بحاجة إلى “أمير بديل” ..
روميو ، باعتباره وريث العرش التالي ، كان في موقع ممتاز للسخرية من هذا الأخ المهمل والمطرود ..
ومع ذلك ، هذا “الأخ” كان يعامله أحيانًا كطفل صغير ، مما أثار غيظه بشدة ..
نظرات سيليستيان الهادئة والمترفعة تحت أهدابه الذهبية لطالما استفزّت روميو ..
لو كان هذا “الأخ” قد عاد في وقت أبكر من حياة روميو ، لكان تذوق بعض “المرح” الحقيقي ..
ربما كانوا سيدعونه إلى نادٍ ملكي مملوء بالحمقى ، ويحتفلون بوداع عزوبيته بطريقة مهينة ..
أو يتركونه عاريًا في غرفة مكتظة بالنساء الجائعات ، أو حتى يرمونه وسط البحر في جزيرة مليئة بالتماسيح ..
لكن روميو لم يحتج لفعل أيّ من ذلك ،
فلسيليستيان نقطة ضعف أكثر إثارة ..
رغم أنه في سن الزواج ، لم يكن مهتمًا بالنساء ..
وكان روميو رودريغيز أول من لاحظ ذلك ببصيرته الحادة …
كان سيليستيان يحضر الحفلات ويتعامل مع بنات النبلاء بلطف ، لكنه لم يُؤخذ بأي واحدة ،
لم تكن لديه مغامرات سرية ولا علاقات مشبوهة ..
والسبب؟
ذلك الشعور التافه المسمى: الحب ..
“من غير المنطقي أن يخسر الوريث الشرعي ..”
قال روميو بنبرة ساخرة ، فتسللت إلى عيني سيليستيان نظرة ازدراء واضحة ..
تلك النظرة بالذات كانت أكثر ما يزعج روميو ..
“لو حاولت هزيمتي بجد ، فذلك يُعد خيانة يا أخي …”
قالها روميو بابتسامة مبطّنة ، يخفي بريق عينيه الذهبيتين خلف رموشه ..
عفة من أجل امرأة واحدة؟
ويا للسخرية ، كانت تلك المرأة هي خطيبة روميو ..
لا ، حتى لو أحبّها فعلًا ، أليس ذلك مجرد مضيعة للوقت؟
كم من النساء في هذه المملكة يردن هذا الأمير تحديدًا؟
تفقد ساعته ، مضى أكثر من ثلاثين دقيقة على توزيع النسخة الليلية من الصحف ..
وكان من المفترض أن تصل الآن تلك المرأة التي ستكتشف خيانة روميو ..
وكما توقّع—ها هي تظهر ..
وكما كان متوقعًا ..
دوووم! دوووم!
شخص ما كان يطرق باب الجناح الجانبي بقوة كأنّه على وشك تحطيمه ..
حتى سيليستيان ، الذي لا يتفاعل عادةً مع أي شيء بسهولة ، التفت إلى الصوت بدهشة
كان يعتقد أن هناك جرسًا ، فلماذا الطرق العنيف؟
“هل هناك ضيف آخر؟”
“ضيف غير مرغوب فيه.”
أجاب روميو باختصار على تساؤل سيليستيان ..
دوووم! دوووم! دوووم!
رغم أن الجناح الجانبي كان معزولًا ، إلا أن الحرس الشخصي لروميو كان عددهم يتجاوز العشرة ..
وسيليستيان كان يعلم تمامًا أنهم ينتشرون عند الباب الأمامي ..
لذا ، لا بد أن من يطرق الباب بهذه الطريقة شخص يعرفه الجميع جيدًا ، ومع ذلك لا يستطيع أحد ردعه ..
وليس هناك سوى نوعين من الأشخاص قد يأتون بهذا الوقت: مستشار… أو امرأة ..
ونظرًا لتاريخ روميو القذر مع النساء ، كان الاحتمال الثاني أقرب للحقيقة ..
“افتح الباب أنت ، أنا مشغول …”
قال روميو وهو يتكاسل ويتمدد ، ثم أمسك بنسخة من صحيفة التابلويد الموضوعة على طرف الطاولة ورفعها ليغطي بها وجهه ، متظاهرًا بالقراءة ..
شعر سيليستيان برغبة قوية في صفعه ، لكنه اكتفى بتمرير أصابعه في شعره الذهبي ليهدأ.
دوووم! دوووم! دوووم! دوووم! دوووم! دوووم!
لم يعد سيليستيان يحتمل ، وهو الذي كان يريد فقط بعض الهدوء ، نهض ومشى نحو الباب الأمامي الأنيق ..
بعد الطرق المتواصل ، جاء توقف قصير ، ثم… دووووم! هزة واحدة أخيرة قوية.
عنيدة بلا شك ..
فكّر سيليستيان وهو ينقر لسانه بامتعاض ، متخيلًا أنها آنسة بإصرار لا يُقهر ..
فك القفل الحديدي الثقيل ، وعندها اندفعت امرأة ذات شعر أحمر ترتدي فستانًا من الساتان الأخضر الفاتح إلى الداخل مع نسمات الليل الدافئة ..
رائحة الورد المألوفة جعلت سيليستيان يتجمّد مكانه ..
.
“لماذا تأخرت بفتح الباب؟”
قالتها بصوت هادئ ناعم ، لكن كان واضحًا أن الغضب يعصف بها رغم محاولاتها لضبط النفس ..
وجهها كان محتقنًا باللون الأحمر من الغضب ، وكانت تحدّق بالأرض ، مدركة فقط أن الشخص الذي أمامها ليس روميو ..
نظر سيليستيان إلى نفسه ..
كان حافي القدمين ، يرتدي فقط قميص صيفي وسروال بسيط ..
لا شك أن شكله الآن كان فوضويًا نتيجة السُكر ..
أخفى وجهه بيده الكبيرة وتراجع خطوة إلى الوراء ..
لكن دافني لم تنظر إليه أبدًا ، بل اندفعت فورًا نحو الشرفة بخطوات غاضبة ..
“روميو ، يا ابن الكلب!”
…رغم كل شيء ، لم يكن يريد أن يُعامل وكأنه غير موجود ..
ذيل فستانها الطويل كان يلتف حول ساقيها مع كل خطوة ..
ظهرها النحيل المنحني قليلًا أظهره فتحة الفستان الواسعة ، تنعكس عليه أضواء الماء كأنها حراشف ..
بدت أضعف من آخر مرة رآها فيها العام الماضي ..
سيليستيان ، الذي استند على جدار الشرفة بكسل ، لم يستطع أن يبعد عينيه عنها ..
بينه وبين هذه المرأة ، كانت هناك مسافة لا يُسمح بتجاوزها ..
ولهذا لم يكن يجرؤ على الاقتراب ..
“قلت إنك ستعطيني إياه ، كهدية عيد ميلادي التاسع عشر!”
“أعطيكِ ماذا؟”
“الميناء الأول خاصتي!”
رمت دافني بجريدة ليلية مهترئة على الطاولة
.
كان العنوان العريض يشير إلى أن شركة “إيشوين”، الاسم المستعار لروميو ، قد عرضت الميناء الرئيسي للبيع ..
عندها فقط رفع روميو الصحيفة ونظر إلى سيليستيان من بعيد ، بعينيه الذهبيتين المتأملتين ..
سيليستيان ، العاشق البائس ، كان يقف عاجزًا خلف خطيبته ، غير قادر على الاقتراب ..
ابتسم روميو ساخرًا دون أن يجيب ، مما فجّر غضب دافني تمامًا ..
أمسكت بالجريدة وبدأت تفرك بها وجه روميو بلا رحمة .
“لقد تفاخرْتُ بالفعل بأنني سأبني فندقًا هناك ، حتى أنني وقعت العقد مع ستيلا! كيف يمكنك أن تفعل بي هذا ، يا أخي؟”
“ديدي.”
“قلت لك ألا تناديني هكذا.”
“لدينا ضيف ، أليس كذلك؟”
لكن نظرات دافني لم تتجه ولو مرة نحو سيليستيان ..
“أعتقد أن عرّابكِ علّمكِ ألا تحكمي على الأمور بتسرع …”
تمتم روميو بصوت منخفض وهو يبعد يدها عن يده بقوة ، وعندما ذُكر العرّاب ، خفضت دافني نظرها إلى الأرض من جديد ..
“هدئي أعصابكِ ، واذهبي …”
وأشار روميو إلى بوابة حديدية خلف المسبح، وكأنه يطلب منها أن تغرق وتختفي في الماء
نظرت إليه دافني طويلاً ، بنظرة مفعمة بالحقد
“سأنتقم منك ، انتظر فقط ، سترى!”
تركت خلفها تهديدًا لا يُرعب أحدًا ، ثم ركضت بسرعة حول حافة المسبح واختفت من خلال البوابة ، حتى صوت سيارتها وهي تغادر كان مدويًا …
وبعد أن هدأت العاصفة الحمراء ، خيّم السكون على المكان ..
نهض روميو ببطء واقترب من جهة المسبح ، وسار سيليستيان خلفه بخطى بطيئة ، اقترب منه أكثر من المعتاد ، فقط ليتسنى له أن يصفعه على مؤخرة رأسه إن أراد ..
“هل تهتم لتلك الفتاة؟”
لم يرد سيليستيان ، لكن روميو ، وكأنه توقع الصمت ، ضيّق عينيه بخبث ..
“هل تريدني أن أفتح لك بابًا للتورط معها؟”
“ماذا؟”
كان روميو يحدّق في سطح الماء الأزرق الهادئ ، ثم تحدّث فجأة عمّا كان يفكر فيه ، دون مقدّمات، وبنهاية مباشرة:
أنه ينوي إنهاء العائلة الملكية ، وأنه لا يستبعد التمرد ..
“يقولون إن الحرب البحرية لن تنتهي حتى بعد عشر سنوات ، لهذا التحقت بالبحرية.”
لم يقل إنه فعل ذلك لأنه لم تكن لديه رغبة في العيش ..
ثم نظر إلى سيليستيان ، إلى ذلك “الأخ” الغريب ، الذي لطالما بدا مختلفًا ..
“شخص ما أرسل لي يومًا خريطة تُظهر كيفية التسلل إلى حصن ليفيان …”
“…”
“للأسف ، أنا لا أنسى أي خط يد رأيته مرة ، وأنا أعرف خط يدك جيدًا ، يا أخي …”
تفاجأ سيليستيان قليلًا ، لم يتوقع أن يكون في هذا الموقف يومًا ..
لا يعرف ما الذي تغير ، ولا لماذا بات روميو يتحدث وكأنه شخص عاقل ..
عندما طال صمته ، رفع روميو حاجبه المشوّه كمن ضاق صدره ..
“اشترِ الميناء الأول ، تلك الفتاة المجنونة بالأعمال ستأتي إليك وتطلب زواجًا صوريًا بنفسها …”
ستأتي دافني بنفسها… وتطلب يد سيليستيان ..
رفع الأخير رأسه نحو السماء المليئة بالنجوم ، وعيناه تلمعان بشيء أشبه بالأمل ..
ثم ، فجأة ، ابتسم بخبث ، وركل ظهر روميو ..
سقط “الأمير ” في الماء دون أي مقاومة.
“هدّئ أعصابك أنت الآخر …”
تمتم سيليستيان ، ثم عاد بخطوات واثقة إلى الطاولة ، وأسقط بأصابعه برج الرقائق الذي كانت قد تراكم فوقها ..
أن تأتيه دافني وتطلبه للزواج… أن تختاره بنفسها ..
فقط التفكير في ذلك ، كان كفيلاً بأن يمنحه سعادة لا تُوصف ..
❖ ❖ ❖
لكن دافني لم تعرض على سيليستيان زواجًا صوريًا ، ولم تأتِ إليه تطلب يده ..
“آنستي ، سمعتي؟ الميناء الأول تم بيعه لأجنبي ، هل تريدين أن أبحث عن السعر؟”
“لا يهمني ، روميو الحقير… ابن الكلب ، أريد أن أسبّه ، لكن لا أعرف شتائم كافية …”
“…”
“لو أصبحت ملكة يومًا ، سأهدم بلايديال بأكمله ، وأحوّله إلى مشروع فندقي مخصص للعامة …”
“آنستي ، رائعة كعادتكِ …”
“إذًا توقفي عن التراخي ، ميشا ، علينا أن نبدأ بالاستقلال …”
أما “غيلبرت آند” الذي اشترى الميناء الأول نقدًا ، فليذهب إلى الجحيم ..
كل ما كانت دافني تفكر فيه هو العثور على أفضل قطعة أرض لبناء فندقها ، اليوم ، وبأي ثمن ..
❖ ❖ ❖
أما سيليستيان ، الذي تم استنزافه بمبلغ فلكي بلا جدوى ، فقد سمع لاحقًا بأن مشروع “الفندق” التابع لدافني سيُقام في مكان آخر تمامًا…
“محتالة …”
وهكذا قرر أن يُطلق على “سيكراديون” لقب: بلد المحتالين (روميو على رأسهم) ..
ترجمة ، فتافيت …
التعليقات لهذا الفصل " 130"
اه نسيت اشكر المترجمه شكرا احبك
ما اصدق اني خلصتها😢😢😢 اف بشتاق لهم