حلم دافني في طفولتها كان أن تصبح راقصة باليه رئيسية في فرقة مشهورة ، كان لديها الوقت الكافي ، والمال الوفير ، لكن موهبتها كانت متوسطة ، بعد أن أنفقت عائلتها مبالغ طائلة على تعليمها ، اكتسبت فقط عزيمة صلبة ، بينما ابتعدت النتيجة المرجوة شيئًا فشيئًا ، والدتها ، التي كانت تتمنى في سرها أن تملّ دافني سريعًا ، احتضنتها بلطف ..
“دافني ، ما رأيكِ أن تأخذي دروسكِ مع أفراد من العائلة الملكية الآن؟”
بعد الاحتفال الرسمي ، ستأتي الخطوبة مباشرة ، وذكّرتها والدتها بضرورة تحسين تصرفاتها ..
“سأستمر بالرقص حتى أكسر ساقي ..”
كان ينبغي على دافني ألا تقول ذلك؛ في يوم مشؤوم ، صدمتها عربة ، وكُسرت ساقها ، فقدت حلمها للمرة الأولى ، ووقعت في يأس عميق ، ما جعلها تقضي بعض الوقت في مصحة بعيدة ..
هناك ، قابلت طفلة مغرورة قالت إنها ، لو كانت تملك المال مثل دافني ، لاستطاعت أن تحقق كل شيء ..
“ماذا يفيد المال؟ إذا لم يكن لديكِ الموهبة ، فكل شيء ينتهي عند هذا الحد ..”
سخرت دافني منها ، لكنها مع ذلك دعمتها ماليًا ، على أمل أن تشعر الفتاة الصغيرة بنفس اليأس الذي شعرت به ، كان ذلك جزءًا من قسوة دافني الصغيرة ..
أما الآن ..
“اختيار موفق ..”
اليوم كانت حفلة موسيقية لتلك الفتاة ، التي أصبحت الآن عازفة أورغن مشهورة في المملكة ، عندما دخلت دافني دار الموسيقى ، حيث أرضية من الرخام الأزرق الفاتح ، رمقتها بعض الوجوه المألوفة من الأثرياء ..
وقفت دافني أسفل الثريا الكبيرة ، أمام الدرج الرئيسي ، لتستقبل بعض الضيوف الذين دعتهم بصفتها راعية ، قبل أن تأخذ مكانها .
“آنسة بوكاتور!”
لحسن الحظ ، رأت شابة ذات شعر أسود كثيف وعينين زرقاوين دافني واقتربت منها ..
“كان من الصعب حقًا الحصول على تذكرة ، شكرًا لدعوتي …”
“هذا مقابل آخر مرة ، يا آنسة ألجيست …”
كانت إيلا ألجيست زميلة دافني في الباليه وفي الجامعة أيضًا ، وهي الآن راقصة رئيسية في أفضل فرقة باليه على القارة …
“سعيدة برؤيتكِ بعد فترة طويلة ، يبدو أن عليّ الانتظار عدة أشهر لمقابلتكِ …”
“لأنكِ لا تبقين في البلد …”
“كل ذلك بفضلكِ ، لا أرى في الصحف سوى أخباركِ ، كنتِ قلقة عليكِ ، لقد مررتِ بأوقات صعبة ، أليس كذلك؟”
“هل هذا صحيح؟”
تساءلت دافني عما إذا كانت قد مرت بوقت عصيب حقًا ..
ومن فرط شوقها، احتضنتها إيلا بقوة ، وقبلتها بلهفة ، ثم لاحظت فجأة سيليستيان وهو يراقب المشهد بصمت ، انسحبت خجلة وألقت تحية طفيفة برفع طرف فستانها ، لكن سيليستيان اكتفى بإيماءة بسيطة ، ابتسمت إيلا بخفة وعادت إلى جانب دافني ..
“ما زلتِ جميلة ، سيكون من الخسارة أن تتركي نفسكِ للضياع …”
ثم خفضت صوتها وهمست ، دافني بدورها استدارت عن سيليستيان وتحدثت بصوت خافت تكاد تسمعه صديقتها فقط ..
“بالمقابل ، هناك مشكلة أخرى …”
“ما هي؟”
“كل ليلة… آه ، ماذا تعتقدين؟”
احمرّ وجه إيلا ، وابتسمت كأنها لا تستطيع السيطرة على ضحكها ، ثم صفعت كتف صديقتها العاري برفق ، تظاهرت دافني بالألم وانكمشت بمرح ..
“لكن ، دافني.”
“نعم.”
“الدوق يستمر في النظر إلي ..”
نظرت إيلا نحو جانب وجه دافني بعينيها الزرقاوين بقلق ، فأجابت دافني بلامبالاة ..
“لأنكِ جميلة ..”
“ليس الأمر كذلك ، إنه أشبه بالتحديق…”
“إيلا ، آنسة بوكاتور ..”
الشخص الذي اقترب كان حبيب إيلا ، حيا دافني ، ثم سرعان ما لاحظ وجود سيليستيان شحب وجهه على الفور ..
“دافني ، يجب أن أذهب ..”
“أراكِ لاحقًا ، ولا تنسي أن تكتبي لي!”
سحبت إيلا حبيبها معها قبل أن ينطق بكلمة قد تُسبب إحراجًا ، وصعدت الدرج مسرعة ، كان حبيبها من أسرة بحرية وأحد المحافظين المتشددين ..
“لنذهب الآن ..”
أعرب سيليستيان عن رغبته في التوجه إلى المقاعد بنظرة تملؤها التردد ، لم يجد شيئًا يمسكه ، فاكتفى بالإمساك بخفة بطرف فستان دافني ..
“إلى أين؟”
لكن قبل أن تصعد الدرج ، اندفع أصدقاء دافني نحوها لتبادل التحيات ، ملتصقين بها في تعبير عن المودة ، نظر سيليستيان إليهم بامتعاض ، ثم أمسك بربطة عنقه وضاق ذرعًا بها ، حتى قرر أخيرًا فكها ..
“آنسة بوكاتور..”
التفتت دافني ، لترى سيليستيان وهو يفك ربطة عنقه ، ما أثار دهشتها ، فلكمته برفق ..
“ماذا تفعل؟”
“ضيق ، يؤلمني.”
عندما سمعته يشتكي من الألم ، استدارت دافني سريعًا لتودع آخر صديقة ، ثم واجهته ، متفحصة عنقه بتمعن ..
“يا إلهي …”
كان الجلد في منطقة العنق حمراء ومتورمة بالفعل ، يبدو أن أثر الحبل لم يلتئم بالكامل بعد ..
“نادني باسمي أمام الآخرين ، وانحني قليلاً.”
انحنى سيليستيان بناءً على إشارتها ، في تلك اللحظة ، حبست دافني أنفاسها لثانيتين بينما اقترب وجهه منها دون سابق إنذار ..
“حسنًا ، كما تشائين ..”
ارتبكت دافني لوهلة ، ثم ضحكت بخفة ، وربطت له ربطة عنقه ببراعة ، أغمض سيليستيان عينًا وابتسم ..
“هل ترغب في منحي رقبتك بهذا الشكل؟”
“أنتِ من لم تخبريني باسمكِ الحقيقي قط ، كل ما تنطق به كذب ، فلا أستطيع الوثوق بكِ ..”
رفعت دافني عينيها الذهبية ، متأملة للحظة
يبدو أنها لم تُخبره باسمها الحقيقي من قبل حقًا ..
“هل حقًا لا تعرفني؟”
لو خرجت الآن والتقطت أي صحيفة من الأكشاك ، من المؤكد أن تجد اسم دافني مذكورًا في إحداها على الأقل ، همّت دافني بالرد عليه لكنها أغلقت فمها ، واكتفت بالنظر إلى جبهته المستديرة والنقطة الموجودة فوق حاجبه ، وكأنها تختم عليه نظراتها ..
“لماذا يعانقكِ الجميع هكذا باستمرار؟”
“لأننا لم نلتق منذ فترة طويلة ..”
“لمَ لا يكتفون بالمصافحة؟”
“نحن نلقي التحية بالعناق ، أما المصافحة من دون قفازات فتُعتبر قلة ذوق…”
حينها ، مدّ سيليستيان يده ، وفيها قفاز مألوف ، فتحت دافني عينيها على اتساعهما عندما أخذت القفاز ..
“متى أحضرت هذا؟ كان عليك أن تعطيني إياه منذ البداية!”
خفض سيليستيان نظره ، ورفع حاجبًا واحدًا ببرود ..
“آه ، صحيح.”
تذكرت دافني حينها أن هذا هو القفاز الذي استخدمته لصفقة كاذبة ، فكرت لوهلة في تقديم عذر ، لكنها أدركت أن بعض الكلمات قد تأتي بنتائج عكسية ، فهي ليست بحاجة لتبرير شيء تملكه …
“شكرًا ..”
قالت دافني بإيجاز ، وبدأت في ارتداء القفاز
“أعيديه لي ، إنه ملكي ..”
أضاف سيليستيان بهدوء ..
❖ ❖ ❖
بمجرد أن وصلا إلى مقصورة الطابق الثالث ، قامت دافني بفك ربطة عنق سيليستيان
بحركة سريعة ، فتحت زرًا آخر ، فكشفت عن جلد محمرّ في مكان تماسّ الياقة ، قطبت دافني جبينها ..
“ماذا؟”
فتح سيليستيان عينيه بدهشة وكأنّه فوجئ بملابسه تنحلّ ..
“عليك أن تخبرني إن كنت تتألم .”
“أخبرتكِ من قبل.”
“لا، في البداية… لا بأس ، ضع عليها بعض الدواء لاحقًا …”
فكرت في النفخ على الجرح ، لكنها توقفت ..
شعرت أنه لا بد أن مظهره أسرها لدرجة أنها لم تلاحظ ما حدث لعنقه ..
‘يجب أن أجعله يخضع لفحص …’
بعد أن استقرت دافني ، بدأت بضبط التركيز في منظار الأوبرا الخاص بها ، عمّت الجلبة في القاعة ، فنظرت عبر الشرفة لترى روميو وسايكي يدخلان ويجلسان بين المتفرجين الواقفين ..
كانت سايكي ترتدي فستانًا أبيض اللون وإلى جانبها روميو ببدلة بنية ، التفتت للخلف ، لتجد سيليستيان متكئًا ومتقاطع الذراعين والساقين بشكل متعجرف ..
“ألن تشاهد؟”
“ماذا؟”
“إنها سايكي ..”
تأمل سيليستيان قليلًا ، ثم وقف ببطء ليقف بجانب دافني وينظر إلى سايكي وروميو الجالسين في الأسفل ، تمنت دافني أن تتمعن في ملامحه أكثر ، لكنها خشيت أن يسبب اقترابها المفاجئ سقوطها من الشرفة ..
“سيليستيان ..”
“نعم ..”
“لم يمضِ وقت طويل منذ أن رأيتها ، أليس كذلك؟”
التفت سيليستيان لينظر إلى دافني ، وعيناه الخضراوان تتلألآن كبركة ماء ، وقد بدتا بفضل الإضاءة البرتقالية وكأنهما تضيئان مثل شجرة عيد الميلاد ..
‘هل أعطيه منظار الأوبرا؟’
أخذت دافني تلمس المنظار الأسود بين يديها ، لكنها فكرت أن رؤيته قد تحولت بالفعل إلى الأبيض والأسود ، وأن الشيء الوحيد الذي سيضيء أمامه الآن هي سايكي ..
‘لا بد أن سايكي تتوهج وحدها بكل بهاء ..’
قالت له،
“أليست جميلة رغم مرور الوقت؟”
أجاب ، “نعم.”
كانت عيناه أكثر عمقًا ، وأدركت دافني أنه ربما يفكر فيها كل يوم ، شعرت بقشعريرة ، فمسحت ذراعها بخفية ..
‘ايها الكاتب ، ألم تكن لتفسح له الطريق ليقترب منها ولو قليلاً؟’
بالنسبة لسيليستيان ، سايكي هي كالفقاعة الزجاجية الرقيقة التي يخشى أن تذوب بمجرد ملامستها ، لكن سايكي التي تعرفها دافني تمتلك دفاعات قوية ، يكاد يُقال إنها مصنوعة من الفولاذ!
حلّ الظلام في القاعة إيذانًا ببدء العرض ، فتراجعت دافني إلى مقعدها ، تبعها سيليستيان وجلس قريبًا منها ، ظهرت الفتاة ذات الشعر والعينين البنيتين والنمش ، ميلدريد ، تحت الأضواء ، بدت وكأنها قد نمت منذ آخر مرة رأتها فيها ، صفقت دافني بحماس بين الجمهور ..
ملأ صوت الأورغن الناعم والراسخ القاعة ، واهتز كتف سيليستيان قليلًا عند بدء العزف
“هذا…”
“ماذا تقصد؟ تلك الفتاة هي ميلدريد سيرينادي ، عمرها الآن ستة عشر فقط…”
همست له دافني عن خلفية العازفة ، لكنه لم يرد ، نظرت إليه لتجد فكه مشدودًا ، وكأن شيئًا ما كان يشغل باله ..
‘هل يشعر بالارتياح لمجرد وجوده في نفس المكان؟’
قررت دافني أن تلتزم الصمت وتراقب عزف ميلدريد تحت الأضواء ، كانت الموسيقى مقدسة وجذابة كما هي دائمًا ، فجمعت يديها واستغرقت في الإنصات ..
قال سيليستيان بصوت منخفض ..
“أنا فقط من تُعاملينني بهذه الطريقة… لماذا لا تتذكرينني أبدًا ، في كل مرة…”
غمغمت دافني بصوت خافت إشارة له بالصمت ، مندمجة في الموسيقى ، بينما أغلق سيليستيان عينيه وبدأ يئن وكأنه يكتم ألمًا
عميقًا طيلة مدة العرض التي استمرت ساعتين ..
ترجمة ، فتافيت ..
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 13"