“لا ، تم تغيير اسم العائلة ، صحيح؟ على أي حال ، يوري فقط.”
لطالما أحبّت دافني الأطفال ، وبما أنها رأت يوري منذ ولادته ، كانت قد تعلّقت به أكثر ..
مالت بجذعها قليلاً وهزته بلطف وكأنها تدلله ..
“كان يجب أن أكون أنا من أنجبتك …”
“بوو…”
“يوري ، هل نذهب إلى الجزيرة؟ نعيش مع العمة؟”
من المستحيل أن يفهم طفل لم يبلغ الشهرين بعد الكلام ، لكن يوري ضحك مرة أخرى وقال “أوه!” بصوته الطفولي ، فقهقهت دافني بشيء من الرضا، ثم احتضنته بقوة من جديد ..
في تلك اللحظة ، انطلقت ألعاب نارية على شكل شرائط ملونة في السماء ..
تبعت دافني مسارها البطيء وهي تتساقط ، وجالت بخاطرها أحداث الشهور الماضية ..
بعد وفاة الملك ، تم سجن أمبر غرين
ثم أعلن روميو حلّ العائلة الملكية ، أثار النبلاء ضجة وطالبوا بجلسات استماع ، وحاولوا وصمه بالخيانة …
ـ أنا ، ولي العهد ، أقدّم لكم عرضًا للسلام ..
كان وجهه الوسيم يقول بكل وضوح: “لو خالفتم ، سأقضي عليكم جميعًا.”
فالجميع في القارات الثلاث يعرف أنه البطل الذي أنقذ سيكراديون ..
ورغم ذلك ، لم يتولّ العرش ، بل قاد بنفسه الثورة لاقتلاع الجذور الفاسدة ، وباع كل ما كان يملكه ، ليقدّم الحماية والعون للشعب المضطهد ويُعلن مسؤوليته عنهم ..
كان من المدهش أن من ساعد روميو ماليًا لم تكن سوى دافني ..
وبشكل أدق ، كانت منجم الذهب الذي دفعت قيمته مقابل سيليستيان ..
كانت تعتقد أن الذهب فيه قد نضب منذ زمن ، لكن روميو أرسل رجالًا لحفر أعمق في باطن الأرض ، وتبيّن أن مئات الأمتار تحته كانت جميعها..
“لا، لن أفكر في الأمر ، يؤلم رأسي …”
حتى الصحف في الدول المجاورة وقفت في صف البطل ..
دوقية هيربون ، وإمبراطورية أجينتار ، و…
“حتى تيريوسا …”
قبل أسبوع ، وزع رسامو الخرائط في هيربون خريطة جديدة للعالم بأسره ..
الخريطة الحديثة لم تكن تختلف بشيء عن تلك الموضوعة في مكتب دافني أو تلك المفروشة في قصر تيريوسا ..
كل من يملك ذرة عقل لا يمكن أن يعارض هذه الثورة السلمية ..
ولم يكن هناك من يعارضها كما كانت دافني تفعل قبل سنة وبضعة أشهر فقط ..
روميو ، الذي اختار ألا يكون بعد الآن من العائلة المالكة ولا من النبلاء ..
كانت دافني تود لكمه لكمة قوية في وجهه كلما سنحت لها الفرصة ..
“لا تفسدي الأمور مجددًا.”
كان من الصادم معرفة أن الأخ غير الشقيق شاركه في هذه المؤامرة ..
ومن أوقف تلك المؤامرة بجرأة كانت دافني بوكاتور ..
ولو أن ابن عمها كان يحتفظ بنفس الشخصية من حياته السابقة ، لكانت قُتلت مرة أخرى بلا شك ..
“…من حسن حظي أنني عمتك.”
“أووه.”
“هاهاها.”
ضحكت دافني قهرًا وشعرت بقشعريرة تسري في جسدها ..
سقط شريط أزرق في الهواء ، كان معلقًا بفعل الرياح ، يدور ببطء قبل أن يهبط إلى الأرض ،
كل شيء بدأ يعود إلى مكانه الصحيح ، بطريقة شديدة السلم ..
ابتسمت دافني بسكينة ، وطبعَت قبلة خفيفة على رأس يوري الصغير ..
كان هذا قبل مغادرتها نهائيًا لـ”سيكاديون”… بيومٍ واحد فقط ..
❖ ❖ ❖
“دعيني أحمله.”
“قلت لا.”
كيشا ، الذي عاد بعد أن قضى وقتًا طويلًا مع أحبته ، بدأ يتذمّر وهو يثير الجلبة ..
“الجميع يظن أنه طفلكِ ، من طريقة حملكِ له!”
“وما المشكلة في ذلك؟”
“هل نسيتي أن خطيبكِ أشقر؟”
عند كلمة “خطيبكِ”، ارتفعت حاجبا دافني بسخرية طفيفة ..
مدّ كيشا يديه بثقة ، مطالبًا بحمل الطفل ، لكن دافني شدّت يوري إلى صدرها أكثر ، وكأنها ترفض تسليمه للعالم بأسره ..
“اليوم أشعر أن بنصري خالٍ أكثر من أي وقت مضى.”
“ألم تكوني أنتِ من رفض عرض الزواج أصلاً؟”
“…لكن، ألا يعني هذا أنه لن يحاول أبدًا؟”
هي لم تكره فكرة الزواج “الفخم”، لكنها لم تطلب أن يُترك الأمر مهملًا تمامًا أيضًا ..
أغمض كيشا إحدى عينيه بتعب ، ثم مرّر يده عبر شعره الأحمر ..
كان في إصبعه الخنصر خاتم بسيط ، يزينه حجر أونيكس أسود ، يلمع بهدوء لكن بحضور قوي ..
وفي تلك اللحظة ، شَمَّ كيشا شيئًا غريبًا ،
رفع أنفه في الهواء ، ثم فجأة ، بدت عليه حالة من التأهب ..
“آنسة.”
وقف أمام دافني لحمايتها ، ثم قال بنبرة حازمة
“هناك رائحة دم.”
لم تفهم دافني ما الذي يحدث ، لكنها شدّت يوري أكثر إلى صدرها بحذر ..
“داف.”
لكن من ظهر من جهة الخطر لم يكن سوى سايكي …
ظهر الارتباك على وجه كيشا وهو يقطب حاجبيه ، وكادت دافني أن تتقدم خطوة وتوبخها قائلة: “أين كنتِ كل هذا الوقت؟” لكنها توقفت ..
“هل… انتظرتِ طويلًا؟”
سايكي كانت تلهث ، وكأنها هرعت إلى المكان ،
وكانت ترتدي بدلة توبيس بلون كحلي داكن ، لم يكن من الواضح متى بدّلت ملابسها ..
وفي تلك اللحظة ، من داخل الغرفة ذات الستائر شبه المسدلة ، تسرب صوت يخبرهم أن عائلة “إيندايْوِن” كانت تُجلد بالسياط ومعلّقة في الساحة العامة…
“أوه…”
كادت دافني أن تتقيأ من الصدمة ..
بدأ صوتها يختفي تدريجيًا ، وكأنها غاصت تحت الماء ، وأصبح السمع حولها مكتومًا ،
التعليقات لهذا الفصل " 128"