من الواضح أن سيليستيان قد توصّل إلى طريقة فعّالة لإسكات دافني ..
كل ما في الأمر أنها كانت تنوي فقط أن تقترح عليه أن ينام على السرير المجاور بدلًا من التمدد على الأرض ، لا أكثر ولا أقل…
لكن ما إن فتحت فمها لتتحدث ، حتى تسلّل لسانه الطويل والأحمر إلى داخلها ، يعبث بها بكل الاتجاهات ، لتنهار تمامًا بين ذراعيه ..
في الحقيقة ، لم يكن لديها الكثير لتقوله ،
كل ما أرادت قوله كان مجرد بعض العتاب: هل قرأت رسالتي؟ هل علمت أنني أتيت؟ لماذا لم تخرج لاستقبالي؟
أما السؤال الوقح عمّا إذا كان قد اشتاق إليها ، فلم تكن بحاجة إلى طرحه ..
فهو كان يعبّر عن شوقه بكل جوارحه ، حتى دون كلمات ..
ولهذا ، شعرت دافني ببعض الارتياح ..
في الفترة القصيرة التي لم تلتقِ به فيها ، بدا أن شعر سيليستيان قد طال قليلًا ..
شعره الذهبي الذي بدأ يلامس وجنتيه كان يتماوج تحت ضوء المصباح بطريقة جميلة ، جعلت دافني ترفع يدها لتلمسه—لكنها قوبلت بالرفض ..
“آه… أوه.”
نظرته خالية من أي بريق ما إن لمح الخاتم في إصبعها البنصر ..
ابتسم بسخرية ، وأمسك بالخاتم ..
وحين شعرت بقوة قبضته ، قبضت يدها بسرعة كردة فعل ..
خشيت أن يقوم بتحطيم إصبعها من شدة غيرته ..
فأشار بذقنه نحو يدها المغلقة وسأل بصوت منخفض:
“ما هذا؟”
رغم أنها لم تكن مذنبة ، خفق قلب دافني بقوة ..
فتحت عينيها المنتفختين قليلاً وحدّقت نحو بنصرها
“مَن هو ، هُمم؟”
“لا، الأمر ليس كذلك…”
لكنها لم تكمل—فقد ابتلع شفتيها من جديد ،
أغمضت دافني عينيها ببطء وتجاوبت مع لسانه الطويل ، وهي تحاول نزع الخاتم من إصبعها ..
لكن الخاتم ، اللعين ، لم يخرج!
ولأنه هدية من عرّابها ، لم يكن بإمكانها أن تسمح بحدوث كارثة مثل تحطيمه ..
عاد ليداعب جسدها بحركات دائرية ..
بدا وكأنه يحاول التظاهر بالهدوء ، لكن التوتر كان ظاهرًا ..
رغم أنها استسلمت للشعور اللذيذ الذي بدأ يتصاعد من أسفل بطنها حتى صدرها ، لم تستطع التخلص من الشعور بأن أحدًا ما يطاردها من الخلف ..
“لماذا لا يخرج هذا الخاتم؟!”
ما إن افترق عن شفتيها ، حتى أمسكت بكتفيه بقوة ..
وقد بدا وجهه مشوشًا بجمال ..
سعلت دافني عمدًا ثم قالت بسرعة:
“لقد أساءت الفهم …”
“وأي موضوع أساءت فهمه ، برأيكِ؟”
“الخاتم لم يعطني إياه رجل آخر …”
“أليس عرّابكِ رجلًا؟”
أمال سيليستيان رأسه ، فتوقفت دافني عن الكلام ، وأخذت تعبس بحزن ..
“… لا ينخلع.”
تنهد بخفة ، ثم أمسك يدها ، وبدأ يلعق الجزء العميق من إصبعها حيث استقر الخاتم ..
ثم وضع إصبعها في فمه بعمق ، وأزاح الخاتم بأسنانه ، وبصقه بعيدًا ..
“سيل… إذا غرت حتى من عرّابي…”
“لا يجوز؟”
كان رده سؤالًا مليئًا بالعناد ..
عضّت دافني شفتها ونظرت تجاه المكان الذي تدحرج إليه الخاتم ..
مرّت في ذهنها كلمات العرّاب بصرامة: “هذا الشاب غير مناسب لكِ ، أبدًا.”
لكن سرعان ما تلاشت تلك الكلمات من عقلها ..
خلع سيليستيان عباءته ووضعها تحت ظهر دافني السفلي ..
رغم أنها قضت الكثير من الوقت بجانبه ، فكّرت أن هذه هي المرة الأولى التي تراه فيها عاريًا تمامًا ، فوضعت يدها أمام شفتيها في ارتباك ..
“أين ذهبت؟ هل استخدم كريمًا لإزالة الندوب؟”
كان الجرح الذي كان يمتد قطريًا عبر صدره قد اختفى تمامًا ..
فمرّت يد دافني على مكانه ، وكأنها تبحث عن أثر ..
ثم انتقل سيليستيان إلى جانب وحملها بلطف ، وسحب ملابسها ببطء ،
تأملها للحظة
“مم لا تنظر هكذا…”
قالت دافني بتوبيخ خفيف وقد شعرت بالخجل دون سبب واضح ..
انحنى سيليستيان بجسده ، وأمسك خصرها من الجانبين ..
جسده الثقيل والدافئ ضغطها للأسفل ، وجعلها تتساءل:
‘هل هذا الشعور غريب هكذا دائمًا؟ ..’
آه… ربما لأنني هذه المرة لم أشرب الخمر ..’
في المرات السابقة ، كانت تسكر بشدة حتى تفقد الإحساس ..
لكن الآن ، كانت بكامل وعيها ، فقط مرهقة قليلاً ..
وحين بدأ يعانقها ببطء ، ثم انغمس تمامًا ، شعرت وكأن صوتًا في عقلها قال: “بونغ!” — كما لو أن سدادة قفزت من زجاجة ..
بمعنى آخر ، فقدت نفسها بالكامل ..
❖ ❖ ❖
عندما صادف كيشا ناريد في المطبخ وهو يبحث عن الآنسة ، تلقى ثلاثين ضربة على ظهره ..
“عجبًا! كانت تتحدث عنكِ!”
“ألم تكوني تعرفين أنني هنا؟”
“لم اكن أعرف ، أيها المجنون!”
لو لم يكن كبير الخدم قد عاد في تلك اللحظة وهو يحمل وجبة ليلية ، لربما أصبح كيشا جثة باردة في المكان ، حسب وصفه ..
فقضى عشر دقائق يشتكي من سوء حظه ..
“العائلة الملكية ستختفي؟”
قال كيشا بذهول عندما سمع القصة كاملة ،
كانت نارييد على وشك التهام فخذ ديك رومي بالكامل ، لكنها توقفت فجأة وتنهدت بعمق ..
“لهذا اخبرتني دافني في وقت سابق إنها ستصبح مشردة ، لم أفهم وقتها.”
“كانت تفكر في بيع ساترنميريال لمساعدة السيدة غرين ، ألا تلاحظ مدى غبائها؟”
“…هممم ..”
لم يستطع كيشا إخفاء خيبة أمله ، وقد لاحظت نارييد ذلك على الفور ، فسارعت إلى صبّ الجعة في كأسه حتى فاضت رغوتها ..
“أنت تعرف ، دافني دومًا متسامحة جدًا مع ما تسميه ‘عائلة’.”
“الرغوة زادت عن اللزوم.”
❖ ❖ ❖
حين استعادت دافني بالكاد وعيها الذي كانت قد فقدته ، وجدت نفسها مغمورة في الفراش ، ملفوفة بالأغطية بإحكام ..
أمسكت بالبطانية بقوة وحاولت أن تتحقق إن كانت لا تزال على قيد الحياة ..
“يا… ايها اللقيط …”
قالت ذلك وهي تلهث ، متعرّقة تمامًا ..
أما هو ، المستلقي بجانبها ، فكان جسده أيضًا محمرًا لكنه بدا مرتاحًا على نحو مزعج ..
نظر سيليستيان إلى الأرض خلفها ، ثم تنهد بحزن ورفع حاجبيه ..
“الأرض تبللت بسببكِ …”
“هلّا أغلقت فمك ، يا صاحب السمو…”
“هل يُسمح لكِ بالدخول إلى قصر أمير مفلس بهذه السهولة؟”
اندفعت دافني وعضّت كتف سيليستيان بغتة ،
قال متظاهراً بالألم، “آخ، يؤلم!”، ثم سحب جسدها وأسندها إلى صدره حتى استلقت عليه جزئياً ..
كانت تشتمه بأبشع الألفاظ همساً في أذنه لبعض الوقت ، ثم بدأت تهدأ تدريجيًا ..
وضعت خدّها على خده الدافئ ، ولم يمضِ وقت طويل حتى بدأت أنفاسها المنتظمة تدل على أنها غفت …
بدأ سيليستيان يتلمّس ظهرها بخفة بطرف إصبعه البنصر بينما كان ينتظر أن تستيقظ ،
لم يكن هناك موضع سليم على ظهرها الهزيل ، فقد كانت الندوب القديمة تغطيه نتيجة جلدها سابقًا ..
وحين أغلق عينيه ليكبت مشاعر الندم والغضب التي اجتاحته ، سألته دافني بنعاس وصوت خافت ومتهدّج ..
“لماذا أنت وحدك في هذا المكان الخالي؟”
“مكان خالٍ؟”
تساءل سيليستيان للحظة إن كان قصره ، الذي أنفق عليه الكثير وجهّزه بالعمال ، يستحق وصف “الخالي” ..
لكنه تقبّل أن من نشأت وسط الترف مثل دافني قد تراه هكذا ، فردّ بامتعاض:
“ألم تطرديني؟”
“لو كنت مطرودًا فعلاً ، لكنت ذهبت الى غرفتك ، لماذا جئت إلى هذا المكان البعيد؟”
“…هل توبخينني الآن؟”
“سأقتلك.”
تمتمت دافني بعفوية ، ثم مسحت أنفها ، وكانت رطبة قرب أذنها—دليل على أنها كانت تبكي ..
أراد سيليستيان أن يلتفت ليرى وجهها ، لكنه قرر أن يتجاهل دموعها هذه المرة ، بعد أن رآها تبكي بما فيه الكفاية اليوم ..
“…حتى يحين ذلك ، عش معي.”
“حسنًا.”
“وبالمناسبة ، لم أكن أبكي …”
“أعرف …”
عضّت دافني شفتها من فرط الإحراج ، فصوتها المتضجّر بدا أشبه بدلال ..
كان يتلقى كلماتها بلطف وهدوء ، الأمر الذي زاد شعورها بالضيق ..
لم يكن سيليستيان ذاك الذي كان يتوسل الموت ، بل بدا كأمير متغطرس يملك كل شيء ..
في لحظة غضب غير مبررة ، أمسكت بشعره واشتكت مجددًا:
“وقص شعرك أيضًا! أشعر وكأنني مع رجل آخر.”
❖ ❖ ❖
عندما فتحت دافني عينيها من جديد ، شعرت بصدمة لرؤية السرير خاليًا إلى جانبها ..
“إذًا هكذا يكون الأمر…”
شدّت الحبل بجانب السرير ، فظهرت خادمة شابة لم ترها من قبل وطرقت الباب بخجل ،
استحمّت بمساعدتها ، لكنها لاحظت أن بشرتها تحت العينين ما زالت منتفخة ومحمّرة ..
“آنستي ، هل أصبتِ بنزلة برد؟”
سألتها الخادمة وهي تضع شالاً على كتفيها ،
رغم أن دافني كانت ترتدي فستانًا بأكمام طويلة ، إلا أنها لم ترد أن تكون فظة ، فاكتفت بسعال خفيف ..
“أوه… ربما، نعم.”
“هل أغلق النافذة؟”
هزّت دافني رأسها بابتسامة خفيفة ، فتورّدت خدّا الخادمة التي انسحبت راكضة ، بعد أن أوصتها بأن تطلبها إن احتاجت شيئًا ..
أبواب الشرفة التي كانت مغلقة بالأمس ، كانت اليوم مفتوحة على مصراعيها ، واندفعت أشعة الشمس إلى الممرات ..
رغم أنها توقعت أن لا ترى شيئًا سوى أرضٍ قاحلة ، إلا أنها شعرت أنه من الضروري أن تلقي نظرة ، لتُطفئ ما تبقى في قلبها من تعلق
“آه؟”
نظرت بلا اهتمام عبر النافذة ، ثم فجأة فتحت فمها بدهشة ..
شيء ما هناك جعل عينيها تلمعان من جديد ، مثل نجمين في الليل ..
ترجمة ، فتافيت ..
التعليقات لهذا الفصل " 124"