ظنّت دافني أنها تتخيل ، فرفعت المصباح عاليًا لتتأكد ، الغرفة المزيّنة بألوان الباستيل لم تكن غريبة عنها على الإطلاق ..
“لا، إنها فعلاً غرفتي …”
كانت تشبه تمامًا غرفة طفولتها في سيرينادي ، ولكن بحجم أكبر فقط ، وكأن شخصًا ما أعاد إنشاء الغرفة التي أحبّتها أكثر من أي مكان آخر ، هنا ، في قلب هذا القصر الغامض خلف ستارة واحدة من فساتينها ..
إذا كان سيليستيان قد أنشأ هذه الغرفة لأنه كان يتوقع أن تأتي ، فهذا يُعدّ بُعد نظر مدهش ، أما إن كان قد بناها رغم قناعته بأنها لن تأتي أبدًا… فإن التفكير بذلك وحده يكفي ليصيبها بالقشعريرة من شدة التأثر ..
كبتت دافني ابتسامة بدأت ترتسم على شفتيها ، ثم أغمضت عينيها للحظة وأخذت نفسًا عميقًا تحاول به تهدئة نفسها ..
كان هناك بيانو أبيض تحت ضوء القمر ، مألوف جدًا من مكانه قرب النافذة ، اقتربت منه ببطء …
فتحت الغطاء وضغطت على بعض المفاتيح ، لكن ما خرج لم يكن سوى أصوات جوفاء ، فتحت الغطاء أسفل المقعد ، لتتجمد أفكارها من المفاجأة ..
كانت النوتات الموسيقية التي تعلمت عليها ، ومجوهراتها الصغيرة التي اشترتها خفية من وصيها ، لا تزال موجودة هناك ..
“إذًا هذا هو الخاتم…”
أخرجت خاتمًا صغيرًا مرصّعًا بحجر أونيكس ، كان كيليان قد صهر ميدالية حربية من مضيق أركاس خصيصًا ليصنع هذا الخاتم لها كوصيفة شرف ، في السابق ، كانت ترتديه في السبابة ، لكنه الآن يناسب البنصر تمامًا ..
وهكذا ، تأكدت ، هذا هو بيانو عرّابها …
البيانو الذي تفجّرت عليه أولى نوبات غضبها بعد فقدانه ، وقامت حينها بقطع أوتاره كاملة ، ثم استعملته كمخزن لكنوزها الصغيرة ، لقد باعته حين باعت قصر العائلة …
فتشت داخل المقعد ، وتحت أكوام النوتات ، وجدت إطار صورة لكيليان ، قلبها انقبض ، وسعلت بشكل عشوائي وكأنها تطرد التأثر ..
“هل كان وسيمًا هكذا؟ لا أذكر جيدًا.”
نهضت لترى الصورة بوضوح ، ورفعتها أمام نور المصباح الموضوع على ظهر البيانو ، شعره المرتب ، وعيناه الرماديتان الزرقاوان ، كانتا تمامًا كما في ذاكرتها ، ولكن هناك شيء ما مختلف ، صورة بلا روح ، بلا ملامح دفء ..
ترك لها الكثير ، عرّابها ، لكنه لم يكتب لها رسالة واحدة دافئة ، ولا ترك لها صورة واحدة أو لوحة …
حدّقت طويلاً في الإطار ، قبل أن تقلبه على وجهه ، وكأنها لا تحتمل تلك النسخة الخالية من المشاعر من الشخص الذي أحبته كثيرًا ، لكنها لم تستطع إنكار أنها تشتاق إليه… رغبة رؤيته ، حتى بهذه الصورة الباردة ، كانت تتسلل إليها بلا إذن …
أعادت الإطار إلى وضعه الطبيعي وهمست:
“…هل أسرقه؟”
هي صورته ، عرّابها ، بعد كل شيء ، ووجودها هنا ، مخفية داخل مقعد بيانو ، معناه أن صاحب القصر على الأرجح لم يكن يعرف بوجودها أصلاً ، نظرت حولها بخفة ، كما لو كانت تتأكد من خلوّ المكان ، ثم فتحت القفل خلف الإطار ..
وهناك ، رأت خطًّا مألوفًا ..
“آه…”
صوتها خرج همسًا ..
ربما كانت قد نسيت صوته ، لكن يده ، خطه ، لا يُنسى ، كانت تحب خطه كثيرًا لدرجة أنها جمعت كل تقاريره الإدارية وبطاقاته المرسلة للآخرين فقط لتحتفظ بها وتقرأها أحيانًا ..
“متى كتبت هذا يا ترى؟”
<إلى دافني العزيزة،>
سقطت الدموع من عينيها كحبات المطر ، وبدأ تنفسها يتقطع وكأنها على وشك أن تنفجر بالبكاء ..
<لن أنسى أبدًا عيني الفتاة الذهبية
التي أنقذتني ذات يوم في بحيرة أولدن ،
سيرينادي.>
لم تكن تريد الانهيار أمام شيء تافه كهذا ..
كم مضى على وفاته؟ سنوات ، والشوق لم يكن إلا ألمًا ينهش الجسد كله ويجعلها ضعيفة كانت تعلم جيدًا أن عرّابها لن يعود أبدًا …
ولهذا السبب بالتحديد ، لم تكن دافني تنتظر عودة أي أحد تركها ..
حتى سيليستيان ، لم يترك لها شيئًا يُذكر ، كل الصور التي كانت تحتفظ بها له ، اختفت ، بكت مرة واحدة فقط ، عندما شعرت تمامًا بغيابه ، ثم نهضت بسرعة ، رتّبت كل شيء من حولها، وذهبت إلى عملها بأناقة غير مسبوقة.
— شعرت وكأنني ضائعة ..
حتى دافني ، كانت تشعر بهذا أحيانًا…
…لكن ، يبدو أن سيليستيان كان بارعًا في إيجادها ، حتى وهي ضائعة ..
الآن أيضًا ، خلفها…
استندت دافني بسرعة على ظهر البيانو ، ودفنت وجهها فيه ، كان البرد من سطح البيانو يرسل قشعريرة في كل جسدها ، لكن تدريجيًا، بدأ البيانو يسخن بحرارة جسدها …
“…منذ متى وأنت هنا؟”
سألت دون أن ترفع رأسها ، بصوت مرتجف من البكاء ، موجّهة سؤالها إلى الرجل الذي وقف بضع خطوات خلفها ..
لكنه لم يجب .. فقط اقترب ووقف خلفها دون أن يلمسها ..
شهقت دافني بهدوء ، ورفعت رأسها لتجفف دموعها بأطراف أصابعها ، الرجل خلفها مدّ ذراعه بجانب كتفها وأمسك بإطار صورة كيليان ، ناظرًا إليها لوهلة ، ثم أعادها إلى مكانها وأغلق قفلها بهدوء ..
“سيـ…”
“أنا من يجب أن يسأل ، أليس كذلك؟”
عندما همّت بمناداته ، قاطعها بصوته وهو يضغط بحوضه على ظهرها ، نظرت للأسفل ، فلاحظت أنه كان حافي القدمين ، لا يرتدي سوى رداء طويل ..
“منذ متى وأنتِ هنا…؟”
“لم آتِ لأجلك …”
ضربت نفسها داخليًا ، لِمَ قالت ذلك؟ كانت قبل لحظات تبكي شوقًا ، وها هي الآن تنطق بكلمات قاسية لا تعرف من أين جاءت ..
“آه… لم تأتِ إلى قصري من أجلي ، إذًا.”
كان صوته وهمساته تتسلل إلى أذنيها وكأنها قادمة من زمن بعيد ، وأصابتها بقشعريرة من الذكريات ..
أنزل يده إلى أسفل بطنها ، ولكن عندما وضعت دافني يدها فوق يده وكأنها تمنعه ، توقف على الفور ، دون إلحاح ..
“سأتجاهل عبثكِ في المكان …”
كان صوته غريبًا ، باردًا ، كنسيم الفجر في عزّ الشتاء ، كل كلمة نطق بها كانت تذكيرًا صامتًا بأنها… جرحت يده ذات يوم ، حين مزّقت راحته ..
لم يكن يحب التحدث إلى الآخرين ، وكان ، حين يضطر إلى ذلك ، يتحدث بهذا الصوت البارد وكأن الكلمات عبء عليه ..
عندما يستخدم هذا الصوت مع دافني ، فذلك لم يكن أبدًا إشارة طيبة …
ومع ذلك… خديها كانا يكتسبان لونًا ورديًا ، رغم كل شيء ..
“لكن أخذ أشياء الآخرين تصرف سيئ ، أليس كذلك؟”
قالت دافني وهي تشعر بالظلم ، محاولة الالتفات لتنظر إليه ، لكن في تلك اللحظة ، بدأ أطراف أصابعه الكبيرة التي كانت ملامسة أسفل بطنها ، تفرك بلطف أسفل سرتها مباشرة.
“آه…”
وكأن ذلك لم يكن كافيًا ، جذبها سيليستيان نحوه أكثر ، حتى التصقت مؤخرة رأسها بكتفه ، واحتضن ظهرها بالكامل بين صدره العريض ..
“لم أسرق شيئًا ، وهذه الأشياء بالأصل لي…”
“لكنها الآن معي ، إذًا أصبحت ملكي …”
ضغط بأصابعه قليلًا ، مما جعل دافني تتنهد بصوت خافت ، رغم أنه لم يلمس سوى أسفل بطنها ، إلا أن الإحساس الذي نتج عن ذلك كان يتغلغل لأسفل أكثر ..
“سأخرج الآن ، إن كان هذا ما تريده …”
“لا أذكر أنني قلت بأنني سأدعكِ ترحلين.”
“…”
“ولا تبدين حقًا كمن تنوي الخروج …”
كان من الواضح أن هذا الرجل يتلاعب بها ، ربما لأن دموعها لم تجف تمامًا بعد ، أو بسبب تأثيرات أخرى ، بدأت تشعر أن رؤيتها تغيم
ـ على كل حال ، خاصة هذا الرجل… لا يجوز
هذا ما كانت تقوله صورة كيليان الموضوعة هناك ، وكأنها تحذرها من أن هذا الرجل ليس جيدًا لها ، شعرت دافني بالذنب ، فضربت الصورة بخفة ، سقطت الصورة على وجهها ، وكأنها ترفض النظر إليها ..
ربما أغضب ذلك سيليستيان ، إذ أمسك بخصرها وسحبها قليلًا للوراء ، ليدفع جسده اقرب لها مرة أخرى ، كانت ترتدي قميص نوم خفيف ، لذا شعرت بكل شيء بوضوح ..
أطلقت دافني أنينًا صغيرًا ثم استعادت وعيها بسرعة ، أمسكت بيده وأبعدتها ، ثم استدارت نحوه فجأة ..
وكما توقعت ، لم يكن يرتدي سوى ردائه ، نظرت إلى صدره المكشوف أمامها ، فتشوش عقلها وأغمضت عينيها للحظة ، ساقه القوية اصطدمت بين ساقيها ..
“لا تدفعينني بعيدًا.”
” لا أريد…”
كانت على وشك أن تقول: لأني لا أريد دفعك بعيدًا ..
لكنه لم يمنحها فرصة لإكمال عبارتها ، إذ اقترب فجأة ولامس شفتيها بشفتيه ، لم تقاوم ، تركته يفعل ، يبدو أن ذلك أغضبه ، فعض شفتيها بخفة …
“قلتِ إنكِ تخيلتِ الأمور لأننا تبادلنا القُبل ، أليس كذلك؟”
لم تكن تعرف إن كانت تلك الغيرة مرعبة أم لطيفة ..
ما يحدث الآن يجب أن يُخيفها… رجل يعيد شراء ما باعته ، ينسخ غرفتها بالضبط دون أن يعرف كم تعني لها…
وبينما كانت تفكر بكل ذلك ، كانت ترفع رأسها قليلًا حتى تلامس أنفها بأنفه ، كان الرجل الوحيد الذي رغبت برؤيته مجددًا ، حتى ولو بحجة رسالة …
وبلمسة خشنة ، أدخل يده داخل قميص نومها.
“استمري في التوهّم يا دافني …”
ترجمة ، فتافيت ..
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 123"