أسطورة حورية البحر التي تعيش في البحر
غرفة الأرشيف في وكالة التحقيقات ، مكان هادئ لا يدخله أحد سواهما ، ومهما قيل فيه فلن يتسرّب إلى الخارج ..
كان مكانًا مناسبًا تمامًا للحديث عن مثل هذه الأمور ..
_مصممة المتاهة خلف جناح زوجة ولي العهد ، والذي كان سابقًا جناح الملكة السابقة – هي آمبر غرين ..
ظننت أنها صُممت فقط لتزيين المنظر من القصر… أكانت سجنًا لخالتي؟
روز كانت دائمًا مولعة بالعالم الخارجي ، أرادت عبور الأفق والوصول إلى آيرين ، وصدقت أسطورة أن حوريات البحر يعشن في جزيرة مهجورة في مضيق أركاس ..
لكنها كانت امرأة مسكينة ، خُدعت بكذبة أختها التي أخبرتها أن تصبح ملكة يعني أن كل شيء سيكون تحت قدميها ، وأنها ستنعم بحرية لا مثيل لها ..
وحين حاولت روز الهرب ، بعد أن جنّت من الحفلات المتكررة ثم الفراغ الذي يتبعها ، كانت آمبر هي من أمسكت بها ..
بعدها ، وضعت حرسًا عند المدخل الرئيسي يراقبونها على مدار الساعة ، وبنت متاهة في الحديقة الخلفية…
“هاه…”
وضعت دافني يدها أمام شفتيها ، تتصفح الأوراق التي بدت كأنها من رواية ، والتي قدمها لها روميو ..
كلما قرأت أكثر ، ازداد استغرابها وضيق أنفاسها ..
منذ أن دخلت روز العائلة الملكية ، استغلت آمبر غرين سلطتها الملكية بلا رادع ..
وكانت هذه الوقائع مخفية طوال الوقت ، بفضل تجاهل وموافقة ليفونسو ..
هذا جنون ..
كانت والدة دافني تتهرب من الضرائب لأكثر من عشرين سنة ..
وكان المبلغ الذي تهربت منه أكبر من أن يُغطى حتى لو باعت كل ما تملك ..
وليس هناك ما يُباع أصلًا ، كلها ديون ..
فوق ذلك ، قبضت مبالغ ضخمة من التأمين بسبب إصابة ساق دافني ..
ثم بدأت بجمع أموال غير مشروعة ، وغسلتها من خلال الأعمال الفنية ، لتقديمها كرشاوى للعائلة الملكية ..
الآن كل شيء واضح ..
لهذا السبب كانت آمبر تحاول بكل قوتها أن تُزوج دافني لأحد من العائلة المالكة أو الإمبراطورية ..
بمجرد أن تدخل دافني إلى العائلة الملكية ، فإن الحصانة التي تتمتع بها العائلة ستستمر
أو ، إن تزوجت إلى الإمبراطورية ، فستصبح أجنبية ، ولن تكون ملزمة بدفع الضرائب المتراكمة في ساكراديون ..
ولو طُلب دفعها ، لكان القصر الإمبراطوري هو من سيتولى الأمر ، بما أن مسؤوليته تشمل أهل زوجته أيضًا ..
ويبدو أن الخطة كانت أن تُسقط كل العائلة الملكية في الفخ ، الواحد تلو الآخر ، من خلال رشاوى آمبر ..
المذهل أنه لم يكن هناك فرد واحد من العائلة الملكية لم يتلقَ رشوة منها ..
حتى هم ، كانت عليهم ديون ضريبية هائلة…
“أوه…”
عندما قلبت ورقة أخرى ، رأت خط يد والدها ،
كانت رسالة رسمية من ماركيز بوكاتور وبنك راسل ، يعلنان فيها أنه لا علاقة لهما بآمبر غرين ..
وبسبب قوانين ساكراديون التي تمنح المرأة كل الحقوق في عقد الزواج ، لم يكن والدها قادرًا على طلاقها طوال هذه المدة ..
كان هذا إعلان قطيعة نهائي ..
عندما أخبرني أن أبتعد عن موضوع الأمانة ، الآن فهمت ..
لو كانت أموال “غرين” لا تزال مرتبطة بدافني ، لكانت قد تورطت في ديونها أيضًا
ماريوس ، والدها ، قطع هذا الخطر من أجل ابنته …
رفعت دافني رأسها ونظرت إلى روميو بحدّة ،
لم تستطع فهم لماذا يريد أن يحطم آخر ذرة من مشاعرها تجاه والدتها ..
“لماذا تُريني هذا؟ ماذا تريدني أن أفعل؟”
“اعتبريها مكافأة لأنكِ ساعدتِ زوجتي ..”
احمر وجهها ، ليس من خيانة والدتها ووالدها ، بل من شدة الإحراج الذي شعرت به وسط كل هذه الوقائع ..
“تخلي عن كل الميراث واذهبي إلى سيرينادي ، وإن أردتِ طريقة أكثر أمانًا… تزوجي أخي على الفور …”
“…آه.”
كان هناك سبب وراء إصرار ماريوس بوكاتور على دفع دافني باتجاه الارتباط بسيلستيان.
وضعت دافني يدها على صدغها وأطلقت أنينًا.
“الزواج من رجل لا يملك شيئًا ، بل ومن خائن أيضًا؟ كيف سيحسّن ذلك من وضعي؟”
“العائلة المالكة ستُلغى قريبًا ، وإن حدث ذلك ، فلن يكون هناك خيانة أصلًا.”
“……”
“ثم ، ألم يكن شقيقي دومًا دوق تيريوسا؟”
قالها كأن منصب الدوق في جزيرة غير موجودة على الخريطة أمر يدعو للفخر ،
زفرت دافني بعمق وعبست جبينها …
ثم تذكّرت بسرعة ما قالته سايكي سابقًا: “روميو مشغول منذ أسابيع”
— هذا هو السبب إذًا ..
“يعني… تنوي القضاء على أمي… على غرين.”
لم ينكر روميو ..
“ولماذا تتحدث وكأنك لن تقتلها؟ بشخصيتك ، ستقتلع جذور غرين نفسها ، وإن فكرت في الأمر ، فأنا لا أختلف كثيرًا عن أمي ، أرسلت سايكي بدلًا عني إلى القصر… صحيح أن الطرف الآخر هو أنت ، لكن…”
قبضت دافني على الوثائق بيدها وسحقتها ..
لم تكن تريد أن تفقد أمها التي تحبها وتكرهها في آن ..
لكن الأسوأ من ذلك كله ، أنها لا تريد أن تختفي والدتها بسبب سبب تافه ومخزٍ كهذا ..
وفي اللحظة ذاتها التي راودها هذا الشعور ، بدأت تكره نفسها لأنها تحسب الخسائر والمكاسب الشخصية من سقوط غرين ..
“مواطنة مثالية تدفع الضرائب.”
“…ماذا الآن.”
“فقط ، لا تتدخلي مجددًا ، وابتعدي مع أخي لفترة …”
لحسن الحظ ، كان روميو يلمّح إلى أنه لن يؤذي دافني ..
رغم أن كلمة “مجدّدًا” أقلقتها قليلًا ، إلا أنها اكتفت بحك صدغها بإحراج وتمتمت:
“لقد انفصلنا.”
“ماذا؟”
“لا أعرف حتى أين هو الآن.”
للمرة الأولى في حياتها ، رأت دافني تعبيرًا من الدهشة الحقيقية على وجه روميو …
“هل هذا حقيقي؟”
“هل تعتقد أنني سأكذب في شيء كهذا؟”
“……”
أطلق ضحكة من شدة الذهول ، ثم جلس بجانبها فجأة ..
ساقاه الطويلتان كانت تبدو مرعبة بقدر ما هي مزعجة ..
“ديدي.”
“ماذا الآن.”
“لن أسمح بأن تموتي …”
شعرت دافني بقشعريرة تسري في جسدها من نبرة روميو العاطفية المفاجئة ..
كان من المستحيل أن تربط بين هذا الصوت وذلك الرجل الذي كاد يقتلها مازحًا فوق السفينة ..
ابتسمت بسخرية وابتعدت عنه قليلًا ..
“لكن يبدو أن البرلمان لا يوافقني الرأي.”
“لو كان هناك ما يمكنك فعله ، فقط اخبرني ..”
“هل تنوين التضحية بنفسكِ من أجل تلك المرأة؟”
ضمّت دافني ركبتيها ووضعت قبضتيها فوقهما ..
لم تكن تنوي التضحية ، لكنها شعرت بأنها تريد أن تفعل شيئًا — أي شيء — قدر استطاعتها
روميو لم يعجبه ذلك ، فحرّك أصابعه قليلاً وحدّق فيها ..
“فارسكِ … أصيب بجمر النار …”
كان يتحدث عن كيشا ..
“فقد إحدى عينيه …”
“…ماذا؟”
“لم يعد مؤهل ، لن يتمكن من أن يكون فارس في أي مكان …”
شعرت دافني بأن قلبها سقط من مكانه ..
عادت إلى ذهنها صورة كيشا في آخر يوم له ، وهو يرتدي ذلك الغطاء على عينه الذي لم ينزعه أبدًا ..
كانت قد منحته حلمًا ثم انتزعته منه — ذلك على الأقل كانت دافني تستطيع احتماله ، لأنه كان بسببها ..
لكن…
لكن…
وبينما كانت عاجزة عن الكلام ، لا تقدر إلا على تحريك شفتيها ، مرّر روميو أصابعه مرة أخرى عبر شعره ، فيما صفعت دافني خدها لتستعيد وعيها .
“سأعطيكِ عنوانه ، اذهبي واطلبي مساعدته.”
“أنا من تركته ، وتريدني أن أذهب أتوسل إليه؟ مستحيل …”
كانت تعلم أن هذا ليس وقت التمسك بالكبرياء .
لكنها لم تستطع إجبار نفسها على الذهاب لطلب المساعدة من رجل حاول استغلالها لتضحية بنفسه ..
ماذا إن قال لها: “لقد ساعدتكِ ، فامنحيني موتًا في المقابل”؟
منذ أن تخلّت عن رغبتها في الإرث ، كانت قد تخلّت عن غرين أيضًا ..
رغم أن والدتها كانت مزعجة ، لكنها — كما قالت — منحتها حياة مرفهة ، لذا كان من المفترض على الأقل أن تظهر نية للمساعدة.
هل تبيع “سيريناد”؟ أو “ساترن ميريال”؟ ما الذي تبقى لها أصلًا؟
وقفت دافني فجأة من مقعدها ..
قررت أن تذهب إلى ميشا وتتشاور معه في هذا الأمر ..
مع أنها كانت متأكدة من أن ميشا سيجن ويطلب منها قطع علاقتها فورًا ..
“رسائلكِ القديمة.”
لكن روميو أوقفها بصوته البارد عندما كانت تهمّ بالخروج من غرفة الأرشيف ..
“أرسلتها كلها إلى أخي اليوم.”
“…”
“كانت محرجة للغاية…”
استدارت دافني ببطء نحو الخلف ..
وجهها الذي لم يتأثر حتى بعد سماع أخبار صادمة متتالية ، بدأ الآن يفقد لونه تمامًا.
ارتعش عمودها الفقري ، وبدأت يداها ترتجفان بعنف ..
تذكّرت حينها أن سايكي لم تجلب سوى صندوقين صغيرين ..
لكن قبل أيام ، كانت غرفتها… فارغة تمامًا ..
أحد تلك الصناديق كان يحتوي على صندوق رسائل لم تُرسل أبدًا ، كتبته منذ أن رأت “الأمير الأشقر” لأول مرة في سيريناد عندما كانت في السادسة عشرة ..
ولم تكن تلك رسائل بحق — فمنذ أن بدأت تسترجع ذكريات حياتها السابقة ، كانت معظمها رسائل كتبتها وهي ثملة ،
مليئة بكلمات غير عقلانية ، حتى أن بعضها كان حديثًا جدًا ..
“أنت… هل يعقل… أنت من اقتحم غرفتي؟ لا، انتظر… هل… هل قرأتها؟”
“من الأفضل أن تجديها قبل أن تصل إليه ، أليس كذلك؟”
ابتسم روميو بعينيه ..
❖ ❖ ❖
وفي الوقت ذاته ، في تيريوسا…
“سير كيشا ، الدوق سيموت حقًا إن استمر على هذا الحال ، ماذا حدث له بحق السماء؟”
كان خادم قصر تيريوسا يركض في حالة من القلق ..
مرر كيشا يده على رقبته الفارغة مرارًا وتكرارًا ..
ثم رفع نظره إلى غرفة الدوق في على الدرجات الغربية ، والتي بدت عالية وبعيدة.
“كنت أظن أن الأمور تسير على ما يرام بينهما…”
لذا ، كان قد تخلّى عن أمله ، وثبّت قلبه ، حتى كتب خطة زائفة بكل إتقان ..
وقصّ شعره كرمز للاستعداد للفراق النهائي عن السيد الذي سيقابله يومًا ما مجددًا …
لكن “ذلك اليوم” لم يكن بعيدًا كما ظنّ — فقد مضى شهر فقط ..
وفي غضون شهر ، عاد الدوق ، لكن وحده ، وبدا في حال يرثى لها ..
“لو كنت مكانه… حتى لو تشاجرت معها حتى سالت الدماء ، لما تركت دافني وحدها هناك…”
“إنه… إنه ليس طفلًا!”
“ماذا قلت؟”
“سأتولى الأمر ، تابع عملك…”
قال كيشا بابتسامة عريضة ، فحار الخادم قليلًا ثم غادر ليكمل مهامه ..
وبمجرد أن بقي وحده ، صعد كيشا بسرعة إلى الطابق الأعلى ، ثم طرق باب غرفة الدوق الكبير بقوة ..
طرقات متتالية ، لكن لم يأتِ أي رد ..
ومع ذلك ، فتح كيشا الباب المغلق بسهولة ودخل ..
سحب الستائر ، فانكشف أمامه الأشجار الخريفية بألوانها المتنوعة ، والبحر الأخضر الفاتح الذي بدا وكأنه على مرمى النظر ..
ضوء الشمس في ذروته كان يتسلل حتى السرير ، حيث أطلق سيلستيان أنينًا ضعيفًا من شدة التعب ..
“هل أنت من أبناء الظلام يا سيدي؟ ما الذي تفعله بنفسك؟”
“اخرج ..”
“لو واصلت الامتناع عن الطعام ، سأخبر الآنسة.”
قال كيشا كعادته ، بتوبيخ خفيف لا يخلو من سخرية ..
وعندما خطى ليسحب الستائر الأخرى ،
فوجئ بسيلستيان وقد اقترب منه دون أن تشعر ، ثم أمسك بعنقه ودفعه نحو النافذة ..
“سيدك لم يعد هي… بل أنا.”
امتلأت عينا كيشا بالبياض من شدة المفاجأة، وشعر بالاختناق ..
سيلستيان ، بعينيه المحتقنتين بالدماء ، بدا وكأنه لم يعد يرى شيئًا بوضوح ، ولا يعي ما يفعل …
“أتجرؤ على عصيان أمري؟”
ترجمة ، فتافيت …
التعليقات لهذا الفصل " 119"