الأشياء التي اختفت ، والأشياء المحبوبة
ذهب ميشا وناريد إلى ضواحي العاصمة الملكية لمدة عشرة أيام ، على متن عربة أرسلها ولي العهد ..
لم يتم إخبارهما بالسبب المحدد ، وكان ذلك أشبه بالاختطاف ، لكن بما أنهما خاضا تجربة حياة العائلة المالكة خلال تلك الفترة ، لم يكن لديهما نية للتذمر ..
“آنستي ، آسفة لتأخري… آه!”
“…آنستي؟”
لكن ما إن فتحا الباب ودخلا ، حتى تجمّدا في مكانهما من هول المنظر أمامهما ..
كانت دافني قد حطمت أرضية الرخام بقضيب حديدي ..
“أهلاً ، استمتعتما برحلتكما؟”
“آ، آنسة ، ما الذي…”
“الغرفة كانت هادئة جداً ، وقد أزعجني ذلك~”
ضغطت دافني على إحدى أذنيها لبعض الوقت
“الآن وقد عدتما ، لم أعد مضطرة لفعل هذا ، استدعوا شركة تنظيف غدًا لترتيب المكان ، ناريد ، لا تفعليها بنفسكِ …”
ثم رمت القضيب الحديدي الذي كانت تمسكه على الأرض ..
ارتطم بالرخام المُحطم مُحدثًا صوتًا معدنياً عالياً ..
أسرعت ناريد لتتفقد ما إذا كانت دافني قد أصيبت ، لكنها لم تكن كذلك ..
“آه ، هذه الغرفة حقًا… لا يمكنني كسرها بقوتي ، إنها صلبة جدًا.”
لو أنها لم تعد إلى هذه الغرفة من الأساس ، لربما أمسكت بيده وهربت بعيدًا ..
كانت مشاعرها قد انفجرت عندما كانت وحيدة ، خائفة إلى حد الجنون ، لكنها هدأت أخيرًا ، فجلست على الأرض المحطمة ..
اقتربت ناريد منها سريعًا وضمتها بين ذراعيها
كان جسدها مغطى بعرق بارد ..
“لقد اختفى الشيء الذي أحبه.”
“دافني ، ستكونين بخير.”
“الغرفة صامتة جدًا… كأنها ترنيمة حزينة.”
غريب أن اندفاعات دافني العاطفية لم تكن تظهر إلا أمام سيليستيان فقط ..
ربما لأنها كانت تحب عودته إليها رغم صدّها له مرارًا، فكانت تختبر حبه لها ..
لكن خيارها هذه المرة كان خاطئًا ..
بسبب قرارها المتهور ، عاد العالم إلى هدوئه المزعج ..
ذلك الشعور ، كانت قد أقسمت ألا تختبره مجددًا ..
“ماذا لو لم أره مرة أخرى؟ أنا… لا أريد ذلك…”
أجهشت دافني بالبكاء بعد طول صبر ..
❖ ❖ ❖
بعد نصف شهر ، في أرشيف وكالة التحقيق الملكية ..
كانت دافني تُعيد التحقيق في ماضي سايكي ،
كانت ترتدي بدلة عاجية أنيقة ، وبدا مظهرها مرتبًا كأنها موظفة حقيقية في الوكالة ..
استولت على أحد المكاتب وجلست لساعات تقرأ الملفات ..
وضعت يدها على صدغها ، تحاول إخفاء توترها وغضبها ..
كانت دافني تهتم بحادثة حريق وقعت قبل ثلاث سنوات ..
لكن ملفات دنفر كانت كثيرة بشكل مرهق ، وغير مصنفة أو مرتبة ..
فكرت بمدى حاجتهم لمحرك بحث ، وبدأت بترتيب الملفات بنفسها ..
وفجأة ، فُتح الباب ، وامتدت يد كبيرة لتغطي الأوراق ..
رفعت عينيها ، فرأت وجهًا مألوفًا ..
كان شعره الأسود غير مصفف يتطاير في الهواء ، وتحت ذلك ، عيناه الذهبية تشبهان عيني دافني ..
“هاه ، رأيت أخي مرتين هذا الشهر!”
“أراكِ كثيرًا هذه الأيام ، مزعج حقًا.”
“…هه؟ هذه جملتي أنا!”
جلس روميو على طرف المكتب ، ورفع الملفات التي رتبتها دافني بعناية ..
ثم ، وكأنه قرر إزعاجها ، رفع حاجبه المجروح قليلًا، وبدأ ببعثرة الملفات مجددًا ..
تفاجأت دافني ، وفتحت فمها بدهشة ..
“روميو ، ماذا تفعل؟”
لكن ذلك لم يكن كافيًا له ، فبدأ بتمزيق الأوراق دون تردد ..
صرخت دافني بصوت مرتفع:
“هل جننت؟!”
“إضاعة وقت.”
ردّ عليها بهدوء وهو يرمي الأوراق في سلة المهملات ..
حدقت دافني في الأوراق الممزقة بفم مفتوح من الصدمة ، فما كان من روميو إلا أن نقر ذقنها ليغلق فمها ..
“كلها معلومات مزيفة.”
رفعت دافني رأسها بدهشة ..
تلاقت نظراتها مع روميو الذي بدا بوجه بارد:
“ما الذي تريدين معرفته؟”
“مزيفة؟ ومن الذي كتبها؟”
“أحد رجالي ، على الأرجح.”
أبدت ملامحها استغرابًا ..
ثم ، حين أدركت أن ساعاتها السبع من البحث المُجهد ذهبت سُدى ، شعرت بفراغ داخلي ..
لو أنه فقط جاء قبل خمس ساعات ، لما أحست بهذا القدر من الإحباط …
وما زاد الطين بلّة أن من كتب السجلات كان من المقربين لروميو ..
ضربت دافني جبهتها بالمكتب بقوة ، ثم بدأت تفكر بعمق ..
لقد تحققت أخيرًا شكوك إييل الخيالية ، وعادت لتصبح واقعًا ..
“ثم ، سايكي فعلًا هي من اختلقت كل شيء.”
“…”
“ارتكبت جريمة قتل ضد أحد الوالدين ، وأبادت عائلتها بالكامل… وكانت سايكي هي الفاعلة ، وأنت كنت تعرف ذلك ، أليس كذلك؟”
“لم أكن أعلم ، أنا شخص بريء ، كما تعلمين.”
أجابها روميو بصوته الهادئ كعادته ..
ظلت دافني تضع جبينها على المكتب وتضغط على أسنانها بغضب ..
ثم ، روميو اللعين هذا ، كان يعلم أن من أشعل الحريق في دنفر لم يكن سيليستيان ..
ومع ذلك ، سمح للإشاعات التي تطال زوجته بألا تنتشر ، بل وغطى على كل شيء ..
“كان يعرف كل شيء!”
ضربت جبهتها مرة أخرى على سطح المكتب.
“هل خاب أملكِ في زوجتي؟”
“هل تظن أني من النوع الذي يصاب بخيبة أمل من أشياء تافهة كهذه؟”
كانت دافني قد قرأت بالفعل “الرواية” عن حياة سايكي ، وتعلم جيدًا كيف عاملها البارون دنفر ..
فقد كان ذلك الرجل يطمع في رفع مكانته الاجتماعية من خلال بيع ابنته ..
‘لا يختلف عن أمي… لكن الفرق أنهم كانوا يعانون من فقر مدقع ..’
أمضت بعض الوقت تفكر في سايكي ، وتعيد ترتيب أفكارها ..
ثم رفعت رأسها فجأة لتجد روميو جالسًا هناك ، يراقبها بهدوء ..
“ألست مشغولًا؟ لماذا لم تذهب بعد؟”
مدّ روميو يده ليمسح على جبهتها ، التي تركت فيها الضربات أثرًا ، بحركة لطيفة غير متوقعة ، ابتسمت دافني ابتسامة مرّة وتراجعت قليلًا ..
“تابعي التظاهر بأنكِ لا تعلمين شيئًا.”
“لا داعي لأن تأمرني ، كنت سأفعل ذلك على أية حال …”
تنهدت دافني ووقفت ، ثم وقفت بخفة
وعندما مرّت بجانبه ،، التقطت أحد الملفات التي وضعتها سابقًا على الرف …
كان يتعلّق بتوثيق ميناء 1، الذي كانت قد فكرت فيه كموقع محتمل لمؤسسة ساترنميريال ..
البائع يُدعى “إيشوين”، والمشتري “جيلبرت آن”..
بما أن “إيشوين” هو أحد الأسماء الوسطى لروميو ، فالبائع لم يكن سوى ذلك الجالس أمامها ..
أما “جيلبرت آن”، فمن المؤكد أنه اسم مُستعار لشخص آخر ..
“روميو ، من يكون هذا الشخص المسمى جيلبرت؟”
“أنتِ تعرفينه أيضًا.”
يبدو أن “جيلبرت” كان اسمًا مستعارًا جديدًا استخدمه هو نفسه ، وعندما أعادت دافني التمحيص في الأوراق ، لاحظت أن ثمن بيع الميناء كان يعادل تمامًا خمسين ضعف المبلغ الذي كانت قد عرضته سابقًا ..
من في ساكراديون يستطيع أن يدفع هذا المبلغ نقدًا سوى ملياردير؟ من المؤكد أن هذه السجلات مزيفة أيضًا …
“قلت إنك ستعطيني إياه ، ثم تبني عليه فندقًا من تلقاء نفسك؟ حتى اسم الفندق سخيف…”
هزّ روميو كتفيه ، ثم أشار إليها بيده وكأنه يدعوها إليه ، وبدأ يفتش داخل سترته ، بدا وكأنه على وشك أن يعطيها مصروفًا ، فوضعت دافني الملف في مكانه واقتربت منه بسرعة ومدّت يديها ..
لكن الشيء الذي وضعه على يديها لم يكن عملات ذهبية أو شيكًا ..
عندما نظرت ، كانت صورًا لأشخاص لقوا حتفهم بطريقة مأساوية ، سحقهم حوافر الخيول وعجلات العربات ..
“آه ، لماذا تُريني شيئًا كهذا؟!”
ارتعشت دافني وأسقطت الصور ، ملامح وجهها تلوّت بالغثيان والاشمئزاز ..
وقبل أن تسأله عن سبب إظهار تلك الصور ، تمتم روميو بصوت منخفض ..
نظر إلى الصور الملقاة تحت قدميه، ثم قال:
“جميع هؤلاء العشرة ماتوا بحوادث دهس لعربات.”
رمشت دافني بعينيها ببطء ..
“… وماذا في ذلك؟”
“وأنتِ ، لم تُكسر منكِ سوى ساق واحدة.”
نظرت تلقائيًا إلى ساقها التي تحمل أثر العملية ، وكان الندب على شكل غصن شجرة واضحًا ..
لكنها لم تفهم بعد ما قصده روميو ، فأمالت رأسها بتعجب ..
“روميو ، لا تتكلم بالألغاز، فقط قُلها بوضوح.”
“أنتِ لم تتعرضي للدهس أصلًا.”
وهكذا فعل ، ضربة مباشرة ..
“كنتِ على وشك أن تُدهسي ، عندما تمّ نقلكِ فاقدة للوعي ، كانت ساقكِ ما تزال سليمة.”
كان في عينيه الذهبيتين ومضة غضب ، سرعان ما تلاشت ..
أما دافني ، فشعرت كأن كرة بيسبول أصابت رأسها ، أغمضت عينيها بقوة وأعادتهما للفتح ، وكان الضغط داخل عينيها يزداد وكأنها على وشك الانفجار …
“إذن ، ساقي… لماذا؟ ومن؟…”
“آمبر غرين ، ستعود قريبًا من الخارج ، أليس كذلك؟”
“ولماذا تتحدث عن أمي فجأة؟”
نظر روميو إليها بثبات ، وكأنه يسألها إن كانت ما تزال تجهل الحقيقة ..
فأغلقت عينيها مجددًا، هربًا من نظراته ..
― دافني ، ما رأيكِ أن تتلقّي الدروس مع العائلة المالكة بدءًا من الآن؟
― سأستمر في الحضور ، طالما لم تُكسر ساقي .
عندها ، صوتها وصوت أمها في طفولتها مرّا أمامها في ذهنها كوميض ..
دافني كانت تعرف لماذا يقول روميو هذا الكلام ..
كانت تعرف أن سبب توقفها عن ممارسة الباليه… هو أمها ..
لكنها أرادت إنكار الحقيقة ، عقلها فهم ، لكن قلبها لم يكن يريد تصديقها ..
كانت تخشى أن تنهار ، فتُعطي لأخيها الحجة لقتل والدتها في الحال ..
سعلت دافني لتشتّت أفكارها ، وأضافت بمرح ساخر:
“أنا حقًا، لا أفهم ما تقوله يا أخي ، هل شربت في النهار؟”
“لكنكِ فهمت.”
“نعم ، تقريبًا ، لكن ، لا تخبرني يا روميو ، أنك متألم لأنني لم أصبح راقصة باليه ، وتفكر في الانتقام من أمي؟”
عندما تجمّدت تعابير وجه روميو تمامًا ، توقفت دافني عن الكلام وأطبقت شفتيها ،
تنهد روميو بعمق ، مرّر يده خلال شعره ، ثم جذب ذراعيها نحوه ..
“دي دي ، والدتي ماتت وحيدة ، لم تنتحر فقط لأنها كانت مجنونة …”.
… ماذا؟
“وأبي سيموت قريبًا.”
بدت يد روميو وكأنها ترتجف قليلًا ..
نظرت دافني إلى ذراعه ، كان لا يزال يمسكها بقوة ، كما اعتادت منه ، لكن ملامحه… كانت جديدة عليها كليًا ..
“لن أصبح ملكًا …”
ترجمة ، فتافيت ..
التعليقات لهذا الفصل " 118"