ما زلتُ جميلة ، على ما يبدو …
استمرت دافني في إلقاء نظرات جانبية نحو الطبيبة المألوفة الملامح ..
“كلاهما بصحة جيدة ..”
رغم الضغط النفسي الكبير الذي تعرضت له سايكي ، إلا أن الطبيبة عنت أن كلًا من الجنين والأم في حالة جيدة ..
تنفس الجميع في الغرفة الصعداء ، واحتبست إييل أنفاسها للحظة قبل أن تنفجر بالبكاء ..
“هؤلاء الأوغاد من العائلة المالكة… أقسم أني سأنسفهم …”
راودها شعور بالقيام بجولة على قصورهم، تحمل معها بندقية وينشستر وتفتح النار على الجميع …
لكن دافني كانت جامدة في مكانها ، متجمدة بالكامل ..
“جلالتكِ ، هل تناولتِ أي نوع من الشاي العلاجي مؤخرًا؟”
“آه ، همم ، لقد تلقيت أوراق شاي كهدية مؤخرًا.”
عندما أشارت سايكي ، أخرج آلن علبة الشاي من حقيبته ..
ارتجفت لوهلة الطبيبة “رانون”، لكنها سرعان ما تماسكت وأكملت بهدوء:
“على أي حال ، تورم الجسم أمر طبيعي تمامًا ، لذا يُمنع ارتداء أي ملابس ضيقة ، لقد كان الموقف خطيرًا …”
استمعت الأميرة وليّة العهد لكلام الطبيبة مطأطئة رأسها بهدوء ..
أما إييل ، فكانت تمسك بيد سايكي بقوة وتبكي بصمت ..
“إذاً ، لم أكن أتوهم؟”
“لا، جلالتكِ …”
“ثم ، ما أشعر به في بطني حقًا هو… الجنين؟”
أومأت رانون برأسها بحزم ..
عندها وضعت سايكي يدها على بطنها بدهشة ، وكأنها لا تصدق ..
وأخذت إييل تمسح على بطنها بيد مرتجفة ، بينما كانت أنغيل ، التي شحب وجهها تمامًا ، تمسك بيد دافني بإحكام ، تحاول تهدئة أنفاسها ..
في تلك اللحظة ، التقت عينا دافني بعيني الطبيبة ، رانون كيلي ..
زمّت رانون حاجبيها قليلًا ، ثم خفضت بصرها وخرجت من الغرفة حاملة سجل الفحص وبعض الأدوات الطبية ..
ولأن على دافني أن تذهب إلى العيادة لإنهاء بعض الإجراءات ، فقد نهضت من مقعدها والتفتت إلى أنغيل وسألت:
“أنغيل ، من أين أحضرتِ هذه الطبيبة؟”
“من قائمة الأرامل الأمهات العازبات اللاتي نرعاهن …”
“واو ، ومتى دعمتِ هذا النوع من القضايا؟ رائع …”
“ليست أنا… أنتِ من دعمتهن ، أليس كذلك؟”
رمشت دافني ببلاهة ..
لقد اعتادت ، كلما شعرت بالقلق ، أن تقدم دعمًا عشوائيًا هنا وهناك ، حتى أصبحت لا تتذكر من تدعم بالتحديد ..
وفقًا لما تتذكره ، فإن رانون كيلي كانت تتلقى دعماً لتكاليف دراستها من أحد كفلائها ..
لكن بعد وفاته ، انقطع عنها الدعم تمامًا ، وبدأت تنتشر أخبار عن تدهور وضع عائلتها المالي ، ما منح دافني شعورًا بالشماتة ، لا تزال تذكره ..
كانت رانون واحدة من الفتيات اللواتي نشرن شائعات كاذبة عن دافني ، تقول إن فتاةً في السادسة عشرة قد بيعت لجندي عجوز متقاعد ، ولهذا جاءت إلى سيرينادي ،
بل ربما كانت هي المحرّضة على كل تلك الشائعات ..
كثيرًا ما تذكّرت دافني تلك الفتاة ، وكانت تشعر باختناق كلما فعلت ..
لكن الآن ، وقد وقفت أمامها وجهًا لوجه ، لم تشعر بشيء ..
“…أنا من واصلت دعمها؟”
خرجت خلفها ، فلمحت شعرها البرتقالي المجعد والقصير ..
الفتاة المتغطرسة ، ملكة النحل التي كانت تتفاخر بشعرها الطويل الذي يصل حتى خصرها… لم تعد موجودة ..
في يوم تخرّجها ، قالت دافني الصغيرة كلمات لا تُقال لرانون ، محملة بالكره واللعنات ..
ومع مرور الزمن… بدا وكأن الأمور فعلاً جرت كما توقعت ، وهذا ما جعل قلبها يشعر ببعض الانقباض ..
“لماذا تتبعينني؟”
“لـ… لتسوية الفاتورة.”
عندما التقت نظراتهما ، انهمرت عليها ذكريات المدرسة الداخلية القاسية كالشلال ، حتى ضاق نفسها ..
لامت نفسها للحظة لأنها تلعثمت كالغبية ..
رانون رتّبت ما تحمله في حضنها ، ثم نزعت نظارتها بهدوء ..
“الفحص مجاني ، لقد تلقيت دعمًا من الآنسة بوكاتور طوال حياتي …”
ساد الصمت .
نظرت دافني نحو الأرض ، عاجزة عن وصف الإعصار الذي كان يعصف في داخلها ..
هل تشعر بالذنب لأن ما قالته قد تحقق؟ أم بشيء من الرضا لأنها قضت عمرها تتلقى مساعدتها؟
أم الغيظ ، لأنها كانت تتمنى أن تراها منهارة تمامًا ، لا بخير كما هي الآن؟
“فقط لتعلمي… هذا لا يعني أني ممتنة ، كنتُ مجبرة فقط… على قبوله …”
شوه الغضب ملامح رانون للحظة ، ثم نظرت مباشرة إلى عيني دافني ..
“أنتِ… لم تكوني حاملًا من قبل ، أليس كذلك؟”
الاستشارة التي حصلت عليها بتوسلات إييل جعلت رانون تكتشف السر ، للأسف ..
“لماذا؟ هل ستُبلغين الصحافة؟”
ردّت دافني بسخرية ، ووضعت ذراعيها على صدرها ..
فهي تعلم أن السرية من واجبات الأطباء ، ولم يعد بإمكان رانون نشر الشائعات كما في السابق …
بدت رانون وقد فهمت الرسالة ، فاحمر وجهها للحظة، لكنها ما لبثت أن استعادت هدوءها
الآن ، بات لديها نقطة ضعف تمسك بها ضد دافني ..
لكن دافني لم تعد تلك الفتاة الضعيفة التي ستسمح لها باستغلالها ..
“أنتِ لا زلتِ جميلة… ولا زلتِ غبية.”
“ماذا؟”
“كنتُ أحسدكِ على ذلك…”
ثم نظرت رانون نحو ساقي دافني المليئتين بالكدمات والجروح ..
من وجهة نظر طبيبة أصبحت كذلك بعد ست سنوات ، لم تكن تلك المشاهد سوى دليل على حماقة واضحة ..
لكن قول ذلك لدافني ، التي كانت تتنازل لها عن المرتبة الأولى دائمًا ، لم يكن لائقًا أبدًا ..
“الشاي الذي كانت جلالتها تفضله يحتوي على أوراق مفيدة للحامل ، يعمل كمهدئ ومضاد للتوتر لكنه في جسم الشخص العادي ، لو تراكم… يتحول إلى سم قاتل …”
رمشت دافني بدهشة ..
“لا أعرف تفاصيل الوضع ، فقط أردت أن أنبّهكِ ، وتفضّلي بزيارة العيادة للحصول على مرهم للندوب ، آنسة بوكاتور …”
قالت ذلك بصوتٍ نظيف ، ثم صفّقت على خدها برفق مرتين ..
الآن فقط لاحظت دافني أن الخد الذي كانت قد شوهته سابقًا ، بات نقيًا تمامًا ..
وبعد أن أنهت كلامها ، استدارت رانون وغادرت الفندق دون أن تنظر خلفها ..
حينها ، أسقطت دافني ذراعيها ، ورفعت كل حواجزها الدفاعية ..
كانت كلمات رانون الأخيرة تتردد في رأسها باستمرار ..
“داف ، ماذا قالت لكِ تلك الطبيبة؟”
سألتها أنغيل بقلق ، وهي تعقد حاجبيها ..
سمّ؟
نظرت دافني نحو الغرفة حيث كانت سايكي ،
كادت تقول الحقيقة… لكنها هزت رأسها بخفة.
“قالت… إنني ما زلتُ جميلة.”
ورغم شعورها السيئ ، اختارت أن تسمع ما يعجبها فقط ..
أما الحقيقة… فيمكنها أن تكتشفها بنفسها.
—
“دي.”
استفاقت دافني من قيلولتها وهي تحتضن سايكي ، على وخزة خفيفة في جبينها ، فتحت عينيها ببطء ، وبدأت الرؤية تتضح تدريجيًا ..
لقد عاد روميو من عمله ..
وعندما أضاءت المصباح ، بدا وجهه باهتًا وكأن الحياة فُقِدت منه ..
“لماذا لم تذهبي مع أخي؟”
“لماذا تستمرون في الطلب مني أن أذهب؟ مكاني هنا …”
تنهدت دافني ..
“ثم ، كيف أتركها وحدها وسط هؤلاء من العائلة المالكة؟ أنت لم تكن تعلم حتى أنها حامل ، أليس كذلك؟”
اتّضح من نظراته الصادمة أنه فعلاً لم يكن يعلم ..
ولأول مرة ، خفض روميو عينيه الذهبيتين إلى الأرض ، بتعبير غريب لم يُعرف منه ما يفكر فيه …
“كيف لم تعلم؟ حتى وإن لم ترها لعدة أسابيع…”
“لأن زوجتي لم تُخبرني ..”
احمرّ وجه دافني ..
كيف يكون روميو الذكي الحاد في كل الأمور ، غبيًا إلى هذا الحد فقط عندما يتعلق الأمر بسايكي ؟
أثار ذلك غضبها بشدة ..
“أخي ، فقط طلّقها ، سأأخذها هي والطفل إلى سيرينادي وسأعتني بهما جيدًا.”
تنهد روميو بعمق ، ثم أشار بإصبعه وكأنه يطلب منها أن تقترب ..
دافني ، وهي تمسح على جبين سايكي النائمة بهدوء ، نهضت من السرير بلطف ، ودفعت روميو بلين نحو الغرفة الأخرى الملحقة بالجناح ..
“أنت غاضب ، أليس كذلك؟”
أغمض روميو عينيه إقرارًا ..
“متى ستقضي على أبناء الملك ،؟ سأسحق رأس إندايون بيدي…”
“ليس بعد.”
“ليس بعد؟”
“لا نملك المبرر الكافي.”
“أي مبرر؟ لقد محوا وجود ابن ولي العهد ، وكانوا على وشك قتلها!”
“لكن في النهاية ، لم يفعلوا.”
فتحت دافني فمها بدهشة ..
أبطال الروايات يقلبون الممالك من أجل محبوباتهم ، وهذا الرجل ، بكل بروده ، يرفض التحرك لأنه ينتظر المبرر؟
نظرت إليه بتردد ، هل هذا هو ابن عمها ذاته الذي حطم حديقة القصر؟
“…ماذا تنتظر إذًا؟”
سألت وهي تمسك بمعصمه بإحكام ، ويدها ترتجف من الغضب ..
نظر روميو للحظة نحو يدها ، ثم أغلق عينيه بهدوء ، وفكّ قبضتها ..
“جلالة الملك… حالته حرجة ، قد يفارق الحياة في أي لحظة.”
كان يخبرها بأن والده ، الملك ، يحتضر ..
لكن كلماته خرجت بلا مشاعر ، ببرود غريب ، جعل دافني تتجمد في مكانها ..
لم تعرف كيف تتعامل مع هذا النوع من الكلام ..
“شكرًا على ما فعلته اليوم ، سأردّ لكِ الجميل.”
“…”
“سنتحدث لاحقًا ، لقد أعددت لكِ سيارة بالخارج ، اذهبي.”
تساءلت دافني للحظة إن كان الطريق إلى غرفتها دائمًا بهذا الطول ..
كانت قد عادت إليها بعد نصف شهر ، لكن الغرفة لم تكن كما توقعت — كانت سليمة تمامًا ..
ورغم ذلك ، شعرت أن الغرفة باردة للغاية ، لدرجة أن قشعريرة اجتاحت جسدها ..
كان من الطبيعي ألا تشعر بوجود أحد ، فكل الخدم قد غادروا ..
“لماذا الجو بارد هكذا…”
عانقت ذراعيها وفركت ساعديها بخفة ، ثم توجهت بشكل تلقائي إلى غرفة النوم الرئيسية وفتحت الباب ، لم يكن هناك أحد ..
رغم أنها كانت تتوقع ذلك ، إلا أن شيئًا في قلبها جعلها تميل برأسها بدهشة غير مبررة ..
لكنه كان يجب أن يكون هنا ..
فهو لا يملك مكانًا آخر يذهب إليه ..
كان سيعود إليها حتمًا ..
لأنها جعلته يعود إليها دائمًا .
لماذا ليس هنا؟
دخلت الغرفة ، ولمست الجدار حيث كانت معلقة لوحة بورتريه ضخمة ..
المكان الذي اخترقته الرصاصة كان لا يزال غائرًا ..
وحين التفتت ، كان السرير — الذي تخيلت للحظة أن سيلستيان يرقد عليه — مرتبًا تمامًا في مكانه ..
“أين ذهبت؟”
كانت أفكارها متقطعة ، ومشوشة ، تأتي وتذهب ..
تحركت بخطوات متسارعة نحو غرفة الاستقبال ..
الإطار الذي كانت تُرسم فيه دافني اختفى ..
فتحت غرفة كيشا ، ثم كل غرفة أخرى يمكن أن تكون مأهولة — لم يكن هناك أحد ..
وأخيرًا ، فتحت غرفتها الصغيرة التي كانت تستخدمها في طفولتها…
لم يكن هناك وينشستر الذهبي العزيز على قلبها ..
وكل صور سيلستيان التي وضعتها في أماكن متفرقة… اختفت ..
كما لو أن سيلستيان لم يكن موجودًا هنا من الأساس ..
طَقطَق ..
سمعت صوتًا وكأن شيئًا ما انكسر في عقلها ،
فركت رقبتها الباردة مرارًا ، ثم رفعت رأسها نحو السقف ونظرت بصمت ..
“هاه…”
نزلت دافني الدرجات بهدوء ، ومدّت يدها نحو الذراع الحديدية المعلقة بجانب المدخل ..
الغرفة كانت صامتة بشكل خانق ..
شعرت أنها تحتاج لتحطيم شيء ما ، فقط لتكسر هذا الصمت الثقيل ..
ترجمة ، فتافيت ..
التعليقات لهذا الفصل " 117"