حتى لو كان كذبًا ، فقط أخبرني شيئًا…
اقترب سيليستيان من دافني بخطوات واسعة ، ونظر إليها من الاعلى ..
“اقتل روميو ، واقتل سايكي ، فقط… فقط…”
تابعت دافني حديثها كما لو كانت مخمورة ، تخرج الكلمات من عقلها كأنها انفجرت داخله ، تتدفق بلا توقف ..
لم يمنعها سيليستيان ، بل سألها بهدوء:
“هل تريدين مني أن أفعلها مجددًا؟”
توقفت دافني للحظة ، وكأنها استعادت وعيها ، وضعت يدها أمام فمها وأعادت التفكير فيما قالته للتو …
كانت كلماتها نابعة من لحظة اندفاع خالصة ..
“هل هذا ما تريدينه حقًا؟”
سألها مجددًا ، وكأنه يريد منها أن تفكر مرة أخرى …
عندها بدأت الذكريات القديمة تطفو في عقل دافني: سيليستيان حين أصبح ملكًا ، كيف استولى على المملكة ، كيف جعلها ملكة إلى جانبه ..
وكيف نظر إليها العالم حينها. ..
“لا ، انسَ ما قلته للتو ، كانت زلة ، لا تقتل أحدًا ، رجاءً ، لا يجب أن تفعل …”
“هيا بنا ، دافني ….”
إلى أين؟
هل فقط إلى المنزل؟ إلى الفندق؟
أينما كانت الوجهة ، كانت تبدو كعرض رائع للهروب من هذا الجحيم ..
لكن دافني لم تكن متأكدة إن كان الهروب وحده كافيًا لحل كل شيء ، فهزت رأسها نافيًة …
عندها ، ألقى سيليستيان سيفه على الأرض وضمها بين ذراعيه من خصرها ..
أصدرت دافني أنينًا خفيفًا ، أصبح تنفسها أثقل شيئًا فشيئًا ..
دافني تنتمي لهذه الأرض ، أرض سيكراديون ، وكل ما لديها موجود عليها ..
إن هربت الآن من هذا الغضب ، فإن العواقب قد تصل إلى والدتها ..
كان واضحًا لها إلى أين يجب أن تعود: إلى غرفتها التي بناها والدها ، وإلى الحديقة التي تنتظرها والدتها فيها ..
لذلك ، هزت رأسها ببطء ..
علاوة على ذلك ، لا تزال سايكي هناك ..
الفتاة المسكينة التي وضعتها في هذا المكان القذر البارد بدلًا منها ..
تذكرت كيف كانت سايكي تقرأ تلك اللغة الغريبة بكل سهولة الليلة الماضية ، وتذكرت ما قرأته في ذلك الخطاب الذي أسقط قلبها ..
“عندي سؤال ، سيل…”
تنهدت دافني بعمق وأمسكت بخده بلطف ، لم تكن ترى ملامحه بسبب الظل خلفه ، وهو كذلك لم يكن يرى وجهها ..
“سايكي …”
ترددت قليلًا ، الألم في ساقيها كان شديدًا ، حاول أن يمسكها لكنها رفضت بإشارة من يدها …
“أخبرني ما علاقتك بسايكي ، ولماذا تكرهك؟ أنا حقًا أريد أن أعرف ….”
“…لا يمكنني أن أقول شيئًا ما لم تخبركِ دنفر أولًا …”
يا له من رجل مخلص ، حتى في موقف كهذا ،
أعجبها ذلك ، فابتسمت بخفة ..
ظنت أنه سيجيب بصدق على سؤالها التالي ..
“قرأت كل الرسائل التي كتبتها …”
“…”
“هل ما زلت… تريد أن تموت؟”
شعرت بأنه توقف عن التنفس للحظة ..
لم يرد بجملة تقليدية مثل: “ماذا تعنين؟” أو “أنتِ تهذين.”
“سايكي كانت تكذب ، أليس كذلك؟ أرادت فقط أن تفرق بيننا …”
هيأت له الظروف ليكذب إن أراد ..
وكان هذا هو الوقت المثالي ليقول ببساطة: “نعم ، كانت تكذب.”
شعرت دافني وكأن شيئًا عالقًا في حلقها ، وكأن غريزتها تخبرها بأنها لا يجب أن تُكمل كلامها ..
‘أن تبقى بجانبي ، وتكون مطيعًا…’
لكن الفضول كان أقوى ..
“هل السبب في محاولتك نيل حبي… أنك كنت تريد أن تموت؟”
لم تعرف لماذا هذا السؤال بالتحديد كان مهمًا لها الآن ، لكنه بدا أكثر أهمية من أي شيء آخر
منذ أن قرأت سايكي الرسالة البارحة ، وكل ما تفكر فيه هو سيليستيان …
تذكّرت كلماته عندما كان ملكًا ، حين قال إنه لم يمت حتى تحت أنقاض الصخور لأنه كان ينتظرها ..
جسده لم يحمل أي ندبة ، عدا ذلك الجرح العرضي على راحة يده ، وهو الجرح الذي كانت دافني من تسببت به في الماضي ..
“لماذا لا تجيب؟ سيل… هل استخدمتني فقط لكي تموت؟”
شعرت بالدوار ، وكأن الألم الذي كتمته طويلاً بدأ يعود دفعة واحدة ، جسدها كله بدأ يئن ويتألم ..
“سيليستيان.”
نادته مرة أخرى ..
عيناه اللتان فقدتا لونهما الأخضر وتحولتا إلى سواد قاتم ، كانت تحدّق بها بصمت …
رغم خفوت الضوء ، إلا أن ملامحه لم تكن مخفية تمامًا ..
كان يقطب حاجبيه ، وكأنه كُشف أمره ، بدا في غاية البؤس ..
ومع حزنه ، شعرت دافني بحزن أكبر ..
رغم أنها لم تكن على حافة الموت ، إلا أن حياتها كلها مرت أمام عينيها كفيلم سريع:
يوم وقوفها على منصة الإعدام ، نقاشاتهما التافهة ، دفئه حين كانت بين ذراعيه ، وذكرياتهما السعيدة الساذجة ..
كيف يمكنها أن تقتل شخصًا تحبه بهذا الشكل؟
هي تعرف تمامًا معنى أن لا ترى شخصًا مجددًا أبدًا ، كانت قد اختبرت ذلك بعمق ..
كل شخص أحبته ، كان يجب أن يكون ضمن مدى رؤيتها دائمًا ..
وضعتهم جميعًا في حدودها ، كما لو كانت تسجنهم داخل راحة يدها ..
وكم عدد الذين فعلت بهم ذلك؟ لا تستطيع حتى أن تعدهم ..
“حتى لو كان كذبًا… فقط قلها.”
نطقت بها وكأنها روح تُسحب من جسدها ..
كان دور سيليستيان الآن ليكذب عليها ، كما فعل الآخرون الذين أنقذتهم ..
ربما فهم يأسها ، فقد بدأت شفتاه تتحرك ..
“في البداية فقط ، يا دافني… فقط في البداية …”
“لا أريد أعذارًا… فقط اكذب عليّ بشكل نظيف …”
كانت دافني تحب سيليستيان ..
أرادت أن تبقى معه إلى الأبد ، وكان ذلك شعورًا طفوليًا في بساطته ..
لكنه كان يستخدمها ، كما استخدمها الآخرون ، لكن بطريقة مختلفة:
لم يكن يريد مالها ، بل حبها ..
أليس هذا غريبًا؟ أن يحاول شخص كسب حب شخص آخر فقط ليتمكن من الموت؟
لقد كان مطيعًا ، متكيفًا معها ، فقط لأنه أراد أن يموت بجانبها ..
“اللقيط اللعين …”
لكنها أخذت نفسًا عميقًا كي لا تنفجر غضبًا ..
كانت تكره أن يكون وداعها بهذا الشكل ، بملابس ممزقة ووجه ملطخ ، لكنها شعرت أن هذه اللحظة قد لا تأتي مجددًا ..
“كنت أعيش بشكلٍ مثالي من دونك ، أتعلم؟ وسأستمر كذلك ، الآن ، اخرج من غرفتي… ولا داعي لأن تعود …”
قالت ذلك وكأنها لا تريد أن تسمع منه حرفًا آخر ، لكن سيليستيان أمسك بخدها وطبع على شفتيها قبلة ، لم تكن قبلة رقيقة أو لطيفة ، بل كانت عميقة لدرجة أنها سلبت أنفاسها بالكامل ، حتى عندما حاولت مقاومته وعضّت شفتيه بعنف ، لم يتراجع …
وحين بدأت تلهث غير قادرة على التنفس بشكل منتظم ، أمسك بمعصمها وجعل يدها تلامس عنقه ، وكأنه يطلب منها أن تقطعه لتنهي تلك القبلة ، وكانت قوته أقوى من أن ترفض ..
في النهاية ، تخلت دافني عن محاولتها للهرب ،
فتراجع سيليستيان عنها بوجهٍ جامد ..
“لا داعي لأن تعود ، هكذا قلتِ…”
كرّر كلماتها وكأنه يتذوقها ..
“لكن الأمر لا يسير كما أريد ، دافني …”
قالها بصوت بارد ، جعل قلبها ينقلب في صدرها ..
“هذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هذا …”
“…”
“في كل مرة كنت أعود فيها لحياتي ، كنت أشعر بالبؤس …”
رفع وجهها بيده الكبيرة ، وأجبرها على النظر إليه ..
“في كل مرة لم تتذكريني فيها ، وتعاملتِ معي كما لو كنت شخصًا غريبًا ، شعرت أنني فقدت طريقي… لكنني الآن ، وبعد تكرار التجربة ، أصبحت أعرف جسديًا ما تحبينه وما تكرهينه ، وما الكلمات التي لا يجب أن أقولها.”
وسماع السبب الذي جعله يبدو وكأنه مناسب لها تمامًا ، جعلها تشعر وكأنها تنهار من الداخل ،
كيف يمكن أن يكونا عاشقين ، ويطلب منها أن تقتله؟ هل كان حبهما حقيقيًا أصلًا؟
أم أن هدفه الحقيقي منذ البداية كان الموت فقط؟
“هذه المرة لم أفعل شيئًا ، قررت ألا أفعل أي شيء… ومع ذلك ، ها نحن هنا ، طالما أنني لا أموت ، فأنتِ التي تتألمين ، كل ما يصيبكِ من تعاسة… هو بسببي.”
أرادت دافني أن تنكر ذلك ، لكن صوتها لم يخرج ..
“لم يحدث أبدًا أن كان ارتباطكِ بي فيه خير لكِ . لذا ، سأعطيكِ الحل ، اقتليني الآن.”
قالها وهو يضع خنجرًا صغيرًا في يدها ، أخرجه من خصره ، بلطف وكأنه يقدم لها خدمة ..
لكن ألم ذلك التصرف كان أشد من كل جراحها وكدماتها ..
أحست بالفراغ ، بالتشتت ..
“لماذا أنا؟ لماذا تطلب مني قتلك؟ في الماضي ، والآن أيضًا؟”
بدت الدهشة على وجه سيليستيان ، ربما لأنه لم يكن يعلم أنها قد رأت “الماضي”.
فهي لم تخبره بذلك ..
“لأنكِ تحبينني…”
تساقطت أفكارها ببطء ، كأوراق ممزقة تهوي من السماء ، لكنها فجأةً استعادت صفاء ذهنها …
نظرت إليه بعينين واسعتين ، ووضعت يدها على شفتيها ثم قالت:
“أنا… لا أحبك.”
بالنسبة لها ، كانت مسألة ترتيب المشاعر بسيطة ، كتمزيق ورقة ..
“ماذا؟”
“أظن أنني كنت أظن أنني أحبك فقط لأننا كنا دائمًا معًا ، لكن بعدما سمعت كلامك الآن… كل شيء أصبح واضحًا.”
قالتها وهي تنظر إليه بنبرة تهدئ بها الطفل في داخله ..
ثم أشارت بيدها إلى الجانب الآخر ، حيث النور يتسلل من بين بقايا الأشجار المحطمة ..
“غادر فورًا ، قبل أن أموت هنا.”
ترجمة ، فتافيت ..
التعليقات لهذا الفصل " 115"