دليل على أني محبوبة ..
دافني لم تجد ما تقوله ..
“وكأنكِ شخص حقق كل أهدافه؟”
هذا يعني ، بطريقة أو بأخرى ، أن دافني لم تعد ترى فائدة في وجود سايكي ، ولهذا تخلّت عنها ، لكن الوضع الحالي ، حيث أخذت سايكي الرسائل دون إذن ، كان مختلفًا تمامًا عن المرة التي أظهرت فيها دافني لطفًا بلا حدود ..
“أنا فقط…”
لكن هل هو مختلف حقًا؟
في النهاية ، كلاهما دخل إلى غرفة الآخر وأخذ شيئًا منها دون إذن ، لذا ، بعد تردد طويل ، قالت دافني:
“كنت أظهر لكِ اللطف …”
“نعم ، أعلم ، لكني كنت دائمًا أشعر بالخجل ، من الأفكار التي راودتكِ وأنتِ تنظرين إلى غرفتي …”
قالت سايكي وهي تذرف الدموع ، ثم رفعت عدة رسائل لتريها ..
“كل ما كان بوسعي فعله هو كتابة بعض كلمات الشكر التافهة كهذه ..”
هل عليها التهرب من الرد؟ أم تواصل الاستماع؟
بدأت دافني تفرك عنقها مرارًا ، كما لو أن شدًا عضليًا أصابها هناك ، ثم خفضت عينيها إلى الأسفل ، عندما تذكرت سايكي في ذلك الوقت ، أدركت أنها لم تقل لا ولا نعم ، فقط نظرت إليها بخجل ، وقالت “شكرًا” وعادت بهدوء إلى دار الأيتام ..
في الحقيقة ، شعرت دافني بقليل من الظلم ..
“أنا فقط أنجزت ما كان يجب على روميو الغبي فعله …”
حين لم تجب ، خيم الصمت طويلًا ، غيرت سايكي وضع جلوسها عدة مرات ، ثم تنهدت طويلًا بعد أن استقرت أخيرًا ..
“داف ، هل قرأتِ الرسالة التي أرسلها تيريوسا؟”
“همم؟”
“ستظنين أنه مجنون ، بلا شك ..”
قالت سايكي بنبرة ناعمة ، مشيرة إلى صندوق “دليل على أني محبوبة – ما هذا الكلام؟”
رفعت دافني حاجبيها ، كانت رسائل مكتوبة على ورق فاخر تفوح منه رائحة جميلة ، وقد خمّنت أنها رسائل حب ، لكنها لم تقرأها لأنها كانت مكتوبة بلغة أجنبية ..
“أنها من سيليستيان؟ مستحيل.”
هل تنوي تزوير الرسائل الآن لإثارة الفتنة؟ لكن التوقيت سيئ جدًا ، دافني ، التي رأت “النسخ السابقة”، تعرف الحقيقة جيدًا ، ولا نفع من مثل هذه الحيلة الآن ..
قررت دافني ألا تنفعل مهما قالت سايكي ، اكتفت بابتسامة خفيفة وسندت نفسها بزاوية الأريكة ووضعت يدها على مسندها ..
“هل تستطيعين قراءتها؟”
“نعم ، إنها بلغة تيريوسا ..”
“هممم… وماذا عن هذه العبارة: [هل أُرضيهم؟] هل تفهمينها؟”
رغم أنها لم تزل تشك بها ، إلا أن دافني تمتمت بتلك الجملة التي سمعتها من سيليستيان في ساحة العاصمة ، بدا أن سايكي تفكر قليلًا ، ثم عبست قليلاً وقالت:
“هل أفعل كما يقول هؤلاء؟ هل أجرب ما يقولونه؟”
— قلتِ إنكِ لن تستمعين إليهم ..
“تستمعين إليهم… في ماذا؟”
ما قاله سيليستيان سابقًا لم يكن يُشبه هذا المعنى أبدًا ..
لكن بالنظر إلى أفعاله السابقة ، بدا أن هذا التفسير هو الأنسب ..
قهقهت دافني قليلًا من براعة سايكي في الترجمة ، وصفّقت بيدها مرة واحدة ..
سرقتها للرسائل كان أمرًا كئيبًا بعض الشيء ، لكنها قالت:
“بما أن الأمور وصلت إلى هنا، لماذا لا تقرئينها بصوتٍ عالٍ؟”
لطالما كانت دافني وسايكي تتشاجران منذ زمن ..
صحيح أن سايكي كانت غالبًا من يغضب بينما تتجاهلها دافني حسبما تراه مناسبًا، لكن بعد كل شجار ، لم تكن هناك عواقب تُذكر ، كما أن الجو المتوتر الآن بدأ يلين ..
مدّت سايكي يدها بحذر وأخرجت رسالة بلون الكريما من الصندوق ، يبدو أنها تنوي قراءتها بجدية ، إذ همست محذّرة بأنها قد تخطئ في الترجمة …
لوّحت دافني بإشارة “أوك” بأصابعها ..
“مرحبًا ، دافني ، صباح الخير ، ربما ، رأيتكِ مجددًا اليوم ، أ، أ…”
عبست سايكي بتعابير وجه مضحكة ، وبدت دافني محرجة بدورها ، فطعنتها بخفة في خصرها ..
“سايكي رودريغيز ، ستصبحين نجمة برامج منوعات ، تابعي ..”
“…اليوم عيد ميلادي مجددًا ، أليس ذلك مضحكًا؟ عيد ميلاد لا يُسعد أحدًا ، لا أدري كم مرة بلغت الخامسة والعشرين ، لقد سئمت هذه الحياة وأرغب بالموت ، لكن لا أستطيع ، لماذا أكتب هذا في رسالة؟ يبدو أنني شبيه بشقائق النعمان…”
أخرجت سايكي لسانها ساخرة ، لكن الابتسامة التي كانت على وجه دافني بدأت تتلاشى شيئًا فشيئًا ..
“هذه المرة ، أتمنى أن تحبيني ، وأن تقتليني أيضًا …”
سقط قلب دافني كما لو أنه انهار دفعة واحدة ..
“كيف يمكنني تحقيق ذلك؟ لم أكن أنوي فعل شيء…”
“…”
“أحبيني ، واقتليـني …”
اختفت عينا دافني الذهبيتان ببطء تحت جفنيها ثم ظهرتا من جديد ..
وكما في كل مرة ، أظهرت سايكي موهبةً لافتة في الإلقاء حتى قرأت اسم المرسل في النهاية بوضوح ، ثم طوت الرسالة بعناية وأعادتها إلى الصندوق ..
“بقية الرسائل تحمل نفس المعنى تقريبًا ، إنه رجل مجنون فعلًا ، دافني …”
قالت سايكي بصوت يخفي فيه غضبًا مكتومًا ،
أما دافني ، فقد ظلت تنظر إلى الصندوق الممتلئ بالرسائل دون أن تنطق بكلمة ..
لقد فقدت حماسها فجأة ، ولم تعد تستعيده ..
❖ ❖ ❖
قاعة الولائم في القصر الملكي ، حيث تزين الجدران لوحات ضخمة تسرد تاريخ سيكراديون العظيم ..
مرّ اليوم بأكمله وبدأ الليل يسدل ستاره ، ومع ذلك ، لم تكن دافني قد عادت إلى منزلها ..
جلست بملابس رسمية بين النبلاء ، تحدّق في الفراغ ..
أما سايكي ، التي ظلت إلى جوارها حتى الصباح ، فقد اختفت الآن ..
بحثت عنها دافني بنظراتها ، لتراها واقفة بظهر مستقيم أسفل لوحة روميو ، في مكان بعيد عن المائدة ، رغم أنه كان من المفترض أن تجلس سايكي في المقعد المخصص لولية العهد ..
‘لماذا تتجنبهم؟ ولماذا تجلس تلك السيدة مكان سايكي؟ ..’
التي جلست مكان ولية العهد لم تكن سوى دوقة إندايوين ..
عبست دافني بشدة وهي تراقبهم يتبادلون الأحاديث بمواضيع لا يفهمها سواهم ، وكأنها غير مرئية ..
تنهدت دافني في داخلها ، ورفعت كأس الشمبانيا لترطّب حلقها ، لكن طعمها ذكّرها بالشاي الذي شربته البارحة ، فوضعتها مجددًا.
“دافي ، تنتشر في المملكة شائعات عن وجود شيء لا يجب أن يوجد في بطنكِ في تاريخ سيكراديون بأكمله …”
“هل من المفترض أن نحتفل بذلك؟ أم أن علينا أن…”
عندما تكلمت دوقة إندايوين بنبرة مرتفعة تحاول أن تبدو راقية ، التفت الجميع نحو دافني دفعة واحدة ..
وبشكل أدق ، نظروا إلى بطنها ..
نظراتهم كانت باردة تمامًا ..
دون أن تشعر ، وضعت دافني يدها تحمي بطنها ..
“أوقعتِ نفسكِ في غرام خائن ، وحملتِ منه ، والأسوأ من ذلك ، أنكِ بدأتِ تكسبين تعاطف العامة ، حتى أن هناك من بدأ يقلدكِ ، بلا خجل …”
“عذرًا ، لا أفهم ما تعنينه…”
“تلك الحمقاء الجميلة تحاول تقليدكِ هذه الأيام بشدة ، وتسعى جاهدةً لسحب البساط من تحتكِ ، هل كنتِ تعلمين؟”
ما هذا الهراء؟
بدأ أفراد البلاط المحيطين بدافني يهمسون الواحد تلو الآخر ، رغم أن عقلها كان صافياً ، إلا أن كل هذه الأصوات المشتتة بدأت تربكها ..
حينها ، التقت عيناها بعيني سايكي التي كانت واقفة في الطرف البعيد ..
ابتسمت سايكي ولوّحت لها وكأنها تقول: لا بأس ، أنا بخير ..
فجأة ، تذكّرت دافني العمة روز ..
“سمعتُ أنها أرسلت لكِ رسالة أيضًا.”
“من هذه السيدة التي تقصدينها؟”
“من تظنين؟ تلك الجاهلة الوقحة.”
وأشارت بوقاحة إلى سايكي …
في تلك اللحظة ، امتلأت عينا دافني بالغضب الخالص ..
لقد أرادت كسر معصم هذه النبيلة التي تجرأت على شتم صديقتها النبيلة والإشارة إليها بذلك الشكل المهين ..
تماسكي… أرجوكِ ، تماسكي ..
لكن لم يكن بوسعها فعل شيء ، فعضّت على شفتيها وأسقطت بصرها نحو الأرض ..
تحت الطاولة ، قبضت على يدها المغطاة بالقفاز بشدة ..
شعرت كأن الضباب يتصاعد فوق فستانها الأبيض الذي اختارته لها سايكي …
ما مضمون تلك الرسالة؟ فكري يا دافني ..
لا تستطيع التذكّر ..
كما أشارت سايكي بالأمس ، دافني كانت دائمًا ما تقرأ رسائل سايكي بسطحية أو تتجاهلها.
“كان خبرًا يستحق التهنئة بالفعل …”
“فأرسل البلاط الملكي أمهر أطبائه فورًا ، لكن تدرين ماذا اكتشفنا؟ أنها ليست حاملًا ..”
رفعت دافني رأسها مصدومة …
“بل حمل وهمي …”
“نعم ، حملٌ في خيالها فقط …”
…حمل وهمي؟
كانت سايكي واقفة بلا حراك تنظر للأمام وكأنها دمية ، وأحيانًا تمسك أسفل بطنها كما لو كانت تتألم ..
شعرت دافني بالارتباك ..
صوت في أذنها يهمس: “قرر الطبيب الملكي أنها حالة حمل وهمي…”
لكن ما تراه أمامها ، وتصرفات سايكي ، كل شيء يقول غير ذلك ..
“لقد ازداد وزنها ، ربما تحاول إخفاءه فقط.”
بدأ بعض النبلاء بالتفوه بالكلام السخيف ..
“بشرتها تبهت يومًا بعد يوم… ربما كذبت خوفًا من غضب روميو ، اغتنمت جمالها لتأخذ مكان ولية العهد ، والآن لا تريد التنازل عن هذا الموقع …”
نهضت دافني من مقعدها فجأة ..
ثم خطت خطوات هادئة حتى وقفت بجوار دوقة إندايوين ، وانحنت بأدب ..
“رجاءً أعيدي مقعد ولية العهد إلى صاحبته ، دوقة إندايوين …”
“أتأمريننا؟ تلك الفتاة واقفة هناك لأنها سخرت من العائلة المالكة …”
“ولي العهدة لا تبدو بصحة جيدة.”
“إنها بصحة ممتازة ، لذلك تمادت في أكاذيبها.”
“يجب أن نشكركم على التستر عن الأمر حتى لا يعرف العامة …”
إذاً كانت سايكي تتحمّل كل هذا وحدها طوال الوقت ..
من المؤكد أنها لم تخبر روميو ، لأنه “مشغول”… كما قالت ..
ــ أنا بحاجة إلى دافني الآن ، فورًا ..
ــ كما كنا دائمًا ، كل يوم ..
بالفعل ، كانت بحاجة إليها ..
شعرت دافني بوخزة في أنفها وكأنها ستبكي ، ففتحت فمها محاولة التنفس ، وغطّت فمها بيدها ..
فجأة ، جذبت دوقة إندايوين معصمها بشدة وعينيها الزرقاوين الداكنتين تتوهجان ..
“دافني ، هل أتيتِ بجانبي دون إذنٍ لأنكِ تطلبين العقاب؟”
“…؟”
“سمعت أنكِ آذيتِ ولية العهد ، الخادمات أخبرننا بكل شيء.”
…اللعنة ..
وفي اللحظة التالية ، طُرحت دافني أرضًا بقوة .
ترجمة ، فتافيت ..
التعليقات لهذا الفصل " 113"