استفاق ولي العهد روميو رودريغيز من شروده وأخذ يعبث بالحاجب القريب من عينيه كما لو كان يشعر بحكة ما ، أما ميشا ، الذي كان يجلس متصلب أصلاً ، فازداد توتره حين رأى تعابير وجهه ، فجلس أكثر استقامة ..
“اجلس براحة. ..”
“لا! إنه لشرف عظيم أن ألتقي بك ، يا صاحب السمو ولي العهد!”
“أين تيريوسا؟”
سأله بهدوء ، ونظراته الرمادية حملت تساؤلاً:
“لماذا يسأل هذا؟” لكن الجواب جاء بسرعة دون تردد ..
“إنه في ساترن ميريال ، في فندق الآنسة!”
“أحضره غدًا ، إلى هنا …”
“…إلى هنا؟”
تلفّت ميشا ينظر إلى المكان ، الجناح الشرقي لقصر فلاديال ، الذي يستخدمه ولي العهد وحده ، وتحديدًا الغرفة الأكثر خصوصية:
غرفة نومه الخاصة ، كان الأمر كما لو أن ولي العهد يريد إحضار خائن… إلى غرفة وريث العرش ..
حاول سكرتير دافني السيطرة على انفعالاته ليبدو رزين لا متردد ولا ساذج ، فهو يمثب دافني الآن ، لكن الطلب بإحضاره أربكه كثيرًا لدرجة أنه بدأ يتلعثم دون قصد ، عندها ، ارتسمت ابتسامة ساخرة على زاوية فم ولي العهد ..
“ديدي لا تتوقف عن مديحك ، تقول إنك ذكي وكفؤ وسهل التفاهم …”
“ش ، شكراً جزيلاً…”
احمرّ وجه سكرتير دافني وهو يخفض بصره
“ليس هذا هو الجواب الذي أريد سماعه.”
ابتسم روميو بهدوء ، ففتح ميشا عينيه دهشة ، وبعد لحظة ، أدرك ما يقصده ولي العهد ، فأسرع بالجري خارج الغرفة ..
❖ ❖ ❖
أما دافني ، فكانت مستلقية على جنبها فوق سرير مؤقت قاسٍ ، تنتظر سايكي …
وصيفات سايكي كنّ يعاملنها كأنها مجرمة ، وقد حبسوها في هذه الغرفة ، مكان يُسمى بـ”غرفة التأديب”، حيث يُحتجز المخطئون حتى “يتأملوا في أفعالهم”، وهو يقع تحت درج ملحق بجناح محظيات القصر ، بعيداً عن جناح ولية العهد ..
“لقد جئت إلى هنا وأنا صغيرة أيضاً…”
في ذلك الحين ، قضت دافني عشرة أيام دون طعام ، كان الأرستقراطيون النبلاء في العائلة المالكة يستدعونها سبعة أيام متتالية لتؤدي رقصات ، ويضربون خصرها الرفيع بلوح طويل حتى تُصاب بكدمات خفيفة ..
ـ لو كنتِ من العوام ، لحُكم عليكِ بالإعدام فوراً ، هل تدركين فداحة ما فعلتِ؟
ـ ولكنكِ خطيبة الأمير ، وابنة أخت الملك ، ولهذا فقط نعاملُكِ بلطف ، عليك أن تكوني ممتنة ..
في اليوم الذي جاء فيه روميو لإنقاذها ، كان هناك حفل شواء ، كانت دافني تتضور جوعًا لدرجة أنها سال لعابها رغم رائحة اللحم الكريهة ، وعندها ، أدخل النبلاء اللحم عنوة في معدتها ..
كأنهم يقولون: “من تجرأ على الطمع في ممتلكات العائلة المالكة ، فليتحمّل العواقب.”
حتى وإن كانت ابنة ماركيز ، فهي بنظرهم ليست أكثر من بهيمة مقارنة بمن يحمل دم الملك في عروقه ..
ومنذ ذلك الحين ، عقدت دافني العزم على أن تصبح ملكة ، لكي تُسقط كل أولئك الأوغاد ..
يومها، لكي “ينقذها”، أحرق روميو شعرها كعقوبة بديلة ، وفي اليوم التالي مباشرة ، جاء ليخرجها من غرفتها وهو يقول: “سأمنحكِ كل ما ترغبين به.”
“ووعدني بالمنطقة الأولى من الميناء… وقام ببناء فندق فوقها! يا ابن الكلب!”
لو أن مشروع “ساترن ميريال” تم افتتاحه بنجاح هناك ، لكانت دافني قد جنت ثروة طائلة من الزبائن من عامة الشعب أو السائحين الأجانب ، دون الحاجة إلى إرضاء نزوات العائلة المالكة أو النبلاء ، وما إن خطرت لها تلك الفكرة ، حتى شعرت بطعم مر في فمها ..
طق… طق… طق…
كانت خطوات تنزل السلم تُسمع من فوق رأس دافني ، قبل أن يُفتح الباب المجاور للسرير بصوت نقَرَة ، وظهرت فتاة ذات عينين زرقاوين تمد يدًا مصابة وكأنها تطلب منها الإمساك بها ..
“داف… لقد صرفت الوصيفات ، لنذهب …”
“…واو.”
ما قصة هذه الفتاة؟
أرادت دافني ، كعادتها ، أن تبدأ بالمشاكسة وتُخرج غضبها كما يحلو لها ، لكنها تراجعت فجأة ، حين تومض في ذهنها نظرات عيون زرقاء قاسية مرت بها كالبرق ..
“سايكي” الحالية كانت دومًا مطيعة ولطيفة ، ولهذا ، مهما عانت دافني في حيوات سابقة ، كان عليها أن تثق بها الآن ..
…لكن تلك النزعات المكبوتة التي كانت “تتراكم بصمت” في سايكي عندما تتجاهل دافني كلامها ، كانت تجعلها تؤذي نفسها من أجل حبس دافني ..
هل يمكن الوثوق بشخص لا يشعر بشيء حتى حين يؤذي نفسه؟ من يضمن ألا تحمل سكينًا في يدها الأخرى؟
“ألستِ قادمة؟”
لم تكن تبدو هكذا سابقًا ، على الأرجح هذا مجرد وسواس ، لكن الشك بصديقة مقرّبة كان شعورًا خانقًا يضغط على الحلق ..
لماذا تفعل هذا؟
ما شعوركِ عندما تكتشفين أن أعز صديقاتكِ مجنونة حقًا طوال حياتكِ؟ تنهدت دافني بعمق ، ثم أمسكت بأطراف أصابع سايكي المصابة والنهضت ..
❖ ❖ ❖
تبا… الرائحة خانقة تمامًا ..
خرجت دافني من الحمام بعد أن سكبت الزيت العطري الخطأ مجددًا وعانت لفترة ، في تلك اللحظة ، كانت سايكي تُبدّل ملابسها ، فألقت ما كانت ترتديه على الأرض مع تنهيدة طويلة ..
توقفت دافني فجأة أثناء مرورها بجانبها ، ركلت ما على الأرض بطرف قدمها ، كان مشد صدر (كورسيه) ..
اللباس الذي كانت ترتديه… لا يبدو مناسبًا لذلك النوع من الملابس ، هل غيرت ذوقها؟
استغربت دافني قليلاً ، لكنها لم تعمق التفكير ، وجلست على الأريكة ..
خرجت سايكي من الحمام وهي ترتدي فستان داخلي ينزل من أسفل الصدر ، يكشف قليلاً من بشرتها ، اقتربت من دافني البائسة بابتسامة مشرقة ، وجنتاها المنتفختان ووجهها الشاحب ما زالا لا ينسجمان سويًا ..
“دافني ، رائحة الزيت العطري…”
يبدو أن الرائحة كانت قوية فعلاً ، فقد بدأت سايكي تسعل قليلاً ..
“هل تودين الاستحمام مجددًا؟ أيمكنني مساعدتكِ؟”
هل هي مريضة فعلاً؟ أم فقدت عقلها؟
امتزج القلق بالضيق داخل دافني ، فتنهّدت مجددًا ..
“ما الذي يحدث؟ أنتِ خطيبة ولي العهد المحترمة ، بينما أنا مُتّهمة بمحاولة قتل فرد من العائلة الملكية ، هل لن تنامين مع زوجكِ الوسيم؟”
“إنه مشغول جدًا هذه الأيام ، يعيش تقريبًا في مكتبه ، لم أره منذ أسابيع.”
“سأخبركِ بأمر مهم قريبًا… لكن ليس الآن ، لم يحن الوقت بعد …”
دافني لم تكن مهتمة كثيرًا بأخبار روميو ، ألم يكن من النوع الذي يتصرف من تلقاء نفسه دائمًا؟ ومع ذلك ، كان الأمر يثير الاستياء أنه لم يأتِ حتى مع إصابة سايكي …
نظرت دافني إلى يد سايكي الجميلة التي كانت تنزف بغزارة في وقت سابق ، ويبدو أن سايكي شعرت بتلك النظرة ، فأخفت يدها وبدأت تتمتم بصوت خافت يرتجف قليلاً وكأنها تبرر نفسها:
“…لو لم أفعل هذا ، ما كنتِ لتأتِ معي …”
“ومن قال شيئًا؟ فقط كنت أتساءل إن كانت لا تؤلمكِ …”
“تشعرني ببعض الوخز ، لكن لا بأس …”
رغم أن الوضع كان مزعجًا ومثيرًا للغضب ، إلا أن دافني بدأت تشعر برغبة خفيفة في محاولة تهدئة الأمور مع سايكي ، فقد أدركت تقريبًا أن سايكي ليست غاضبة منها حقًا ، وهي أيضًا لم تكن تود أن تبقى أسيرة هذا الشعور بالبرود والتجاهل …
“في المرة القادمة ، لا تفعلي ذلك ، ادعيني بشكل رسمي …”
“لقد دعوتكِ رسميًا ، دافني تجاهلت الدعوة بالضبط أربع عشرة مرة.”
هل فعلت حقًا؟
“…في الواقع ، ربما لم تكن فقط أربع عشرة مرة ، دافني دائمًا كانت تقرأ رسائلي وتتظاهر بأنها لم ترَ شيئًا.”
“أنا لم أفعل ذلك أبدًا ، كما أخبرتكِ سابقًا ، لم أكن أقرأ رسائلكِ حتى ، كنت أرميها…”
وما إن أنهت جملتها ، حتى نهضت سايكي فجأة وجلبت من تحت السرير صندوقين مألوفين ، ووضعتهما بجانب فخذ دافني
حدقت دافني فيهما بعبوس ظنت فيه أنها تتخيل ، لكن تعبير وجهها تجمّد تمامًا ..
“اللطافة – سأرد يومًا ما”
“دليل على أني محبوبة – ما هذا الكلام”
ما الذي تفعله هذه الفتاة وهذين الصندوقين…؟
“لقد قرأتِ كل شيء ، كنت أظن أنه بعد زواجي ربما تردين ، لكن حتى ذلك أوكلته
إلى ‘ناريد’ …”
تجمدت دافني تمامًا دون أن تقدر على الرد ، بينما كانت سايكي تتكلم بهدوء ، وكأنها شخص لا يشعر بأي عاطفة ، كانت عيناها الزرقاوان ، اللتان لطالما بدتا باردتين ، تلمعان الآن ببريق ناري ، ومن هذا البريق ، بدأت دافني تشعر بشيء أقرب إلى الجنون ..
أغمضت دافني عينيها ببطء ، ثم فتحتهما وجلست باعتدال ، وقالت بهدوء ، رأت أنه من الأفضل أن تشرح أن ما قامت به سايكي خطأ، بدلاً من التركيز على مشاعرها الشخصية ..
“سايكي ، أنتِ تعلمين أن هذا… فعل سيء ، أليس كذلك؟”
“…لماذا هو سيء؟ هذه رسائل أنا من كتبتها.”
أجابت سايكي بعبوس حقيقي ، وكأنها فعلاً لا تفهم ، شعرت دافني بصداع ينبض في جبهتها فوضعت يدها على ما بين عينيها ..
“لقد دخلتِ غرفتي دون إذن…”
“لكن دافني فعلت ذلك أيضًا ، حين كنت أعمل في دار الأيتام …”
توقفت سايكي عند هذا الحد ، لكن دافني فهمت تمامًا ما تعنيه ..
حين كانت سايكي لا تزال تعمل في دار الأيتام ، كانت دافني قد رمّمت المكان المتداعي ، بل وجدّدت غرفة سايكي بالكامل
وتخلصت من كل ملابسها القديمة البالية ، وملأتها بفستانات جديدة ..
“دافني كان مسموحًا لها أن تفعل ذلك ، لكن لماذا أنا لا؟ على حد قولكِ ، أنا الآن زوجة ولي العهد ، ولا أحد يمكنه تجاهلي.”
“…”
“الآن ، أنتِ الوحيدة التي لا تزالين تتجاهلينني وكأنكِ أنهيتِ كل أهدافكِ ولم تعودي بحاجة إليّ.”
كانت تلك اللحظة التي ارتدت فيها مشاعر دافني النقية والحمقاء كسهام نحوها ، شعرت بحكة في وسط عنقها ، حيث كانت قد خُدشت ذات مرة من قبل سايكي ، وبرودة زحفت على جلدها …
ترجمة ، فتافيت ..
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 112"