كابوس، وكابوس آخر ..
كابوس آخر ..
لو كانت قد استيقظت فعلًا ، لما كانت ترى أمامها سقفًا لا يُشبه إلا ما يوجد في جناح ملكي بقصر فلاديال ..
“آه…”
مدّت يدها إلى أنفها وهي لا تزال مستلقية ، تشعر بكل عظمة من جسدها تصرخ بألم
إحساس الخنجر يخترق عنقها ، وجسدها يتمزق في فم تمساح ، كما لو أنها دُفنت حيّة في طابق مهجور وظلّت ترجو النجاة حتى فاضت روحها ..
بعدما أدركت أن الإنسان يمكنه فعلاً أن يموت بعضّ لسانه ، بدأت تفكر بالموت كخلاص ..
وماتت مرتين أو ثلاث بعدها ..
إحداها عندما حاولت إيقاف كيليان فانفجرت رصاصة خاطئة اخترقت فكها ..
كل تلك المشاهد كانت مرعبة وواقعية بشكل لا يُصدّق ..
“…يا تُرى ، هل نجا ذلك العرّاب؟”
هزّت رأسها وحاولت مجددًا أن تضغط على كفها وتُحرره لتستعيد شعورًا بالواقع ..
لكن كل شيء حولها كان يقول لها إنها لا تزال في غير واقعها ..
رغم موتها المروع ، كانت لا تزال على قيد الحياة ..
“يا إلهي ، هذا المكان جحيم حقيقي…”
لم تكن تموت دائمًا بسبب سايكي ،
لكن في النهاية ، كل الطرق التي قادتها إلى الموت كانت تنبع من وجود سايكي دنفر
وكأنها المحرك الأساسي لهذا الجحيم ..
“لا عجب أنها كانت تتصرف ببرود معي مؤخرًا…”
فركت دافني جبهتها ، ثم مسحت وجهها بكفّها وكأنها تحاول طرد التعب ، وتذكرت حبيبها الذي لم تره منذ مدة طويلة .
“فلأبحث عن سيليستيان…”
كانت متأكدة تقريبًا أن من احتضنها في إحدى المرات السابقة بعد موتها كان سيليستيان ، ربما إن وجدته ، ستنتهي هذه السلسلة الجهنمية من الموت والمعاناة ..
في كل الأحلام ، كانت تختبر الموت فقط
لذلك ، الآن… الآن كانت مستعدة للتودد لأيّ شخص تصادفه ، حتى لو اضطرت إلى التوسّل والموت طوعًا ..
وإلا… فلتكن هي من يقتل أولًا ..
أمسكت دافني بحامل شموع ذهبي كان على الطاولة الجانبية الطويلة ..
بحثت تحته قليلاً ووجدت علبة كبريت ، فأشعلت شمعة بسهولة ..
سُرعان ما أضاء لهب الشمعة الغرفة …
كان السقف يشبه سقف غرفة نوم خالها الملكي ، لكنه لم يكن هو ، إذ أن الأثاث والصور فيها مختلفون تمامًا ..
“كان من المفترض أن تكون هناك بنادق معلقة…”
لكن الجدران المزينة بورق حائط كلاسيكي عُلّقت عليها سيوف بدلاً من البنادق ..
كانت هناك قطعة من الكهرمان مرصّعة في مقبض أحدها ، شعرت أنها مألوفة .
تابعت دافني خطواتها ، لتكتشف وجود طاولة زينة نسائية داخل غرفة نوم الملك ..
كانت زجاجات العطر مقلوبة ، وبعض مستحضرات التجميل مكسورة ومبعثرة.
كلها كانت أشياء تستخدمها دافني باستمرار ، ما جعل شعر جسدها يقف من الخوف ..
رفعت حامل الشموع قليلًا ، لتقابل صورتها في المرآة ..
كانت ترتدي فستان سهرة كانت عمتها روز ترتديه من قبل ..
نظرت إلى نفسها ، كاملة الأطراف ، بعينين متسعتين كأنها ترى شبحًا ..
كانت تبدو مضحكة ومؤلمة في آن واحد ، لدرجة أنها شعرت أنها ستبكي ..
“أبدو وكأنني أصبحت ملكة حقًا.”
هزّت كتفيها وفتحت أحد أدراج الطاولة.
كان هناك شيء غير غريب عنها ، وكأنه يقول لها: “مرحبًا، أفتقدك!”
“أين رأيت هذا من قبل؟”
بينما كانت تتفحص خنجرًا صغيرًا في غمد مزين بوردة ، تجمدت فجأة عندما سمعت حركة قادمة من اتجاه السرير ..
توقفت تمامًا لعدة ثوانٍ ..
لكنه لم يتكلم أو يقترب ، بل بدا أنه فقط تقلب في نومه ..
‘سأقتله قبل أن يستيقظ ، وإن متّ ، فإلى الجحيم التالي ، لا بأس…’
أمسكت دافني بالخنجر وحامل الشموع معًا ، وغطّت لهب الشمعة بيدها لتخفت النور قليلًا ، ثم اقتربت من السرير لتتأكد من هوية الرجل النائم ..
وحينما أمالت الشمعة لترى وجهه… فتح عينيه ببطء ونظر إليها ..
عيناه الخضراوان…
ارتعبت دافني وأسقطت حامل الشموع على الأرض ..
فاندلعت النيران في السجادة كخط من اللهب
سحب الرجل زجاجة ماء من جانبه وسكبها على الفراش ثم غطى بها النار
ثم نظر نحو دافني وتفقد فستانها ، كأنه يتأكد إن كانت قد أُصيبت ..
كل حركاته كانت هادئة وكأنها متوقعة مسبقًا ، على عكس دافني التي تراجعت خطوة إلى الخلف ..
“فوجئتِ ، أليس كذلك؟ لأني لم أكن نائمًا.”
“…”
“تحركتِ بهدوء غير معتاد ، فأثرتِ فضولي.”
حتى صوته كان مألوفًا لدرجة أن القشعريرة تسللت في جسدها ..
اقتربت لتتفحص ملامحه أكثر ، فأدار سيليستيان مفتاح المصباح بجانبه ..
تحت ضوءه ، بدا شعره الذهبي بلون نحاسي قليلًا، وكان أطول قليلًا مما تتذكر .
إنه هو… إنه سيليستيان الذي تعرفه جيدًا.
تنهد ، ثم مرّر يده في شعره وهو يجلس على طرف السرير ..
تراجعت دافني خطوة أخرى ..
الشامة الصغيرة فوق حاجبه الأيمن… حتى هي كانت كما تتذكرها ..
“لماذا… لست روميو؟”
همست بدهشة ، ثم غطت فمها بسرعة ..
في هذا الموقف ، كان يجب عليها أن تركض وتحتضنه وتقول له “اشتقت إليك!” فورًا.
لكن…
المكان لم يكن عاديًا، هذه غرفة نوم ملك فلاديال ..
فإن كان هو سيليستيان ، وكان هنا ، إذًا…
هل سيليستيان هو الملك؟
فماذا ستكون دافني بجانبه؟
نظرت للحظة نحو المرآة .
“اسم لم أسمعه منذ زمن…”
تمتم بصوت خافت وهو يعقد حاجبيه بإنزعاج ، ثم ما لبث أن أخفى تعابيره ..
“تعالي إلى هنا ، دافني.”
لكن دافني لم تتحرك ..
‘آه، اللعنة!’
رغبتها الحقيقية كانت أن تهرع إليه وتضمه ، لكنها شعرت وكأن شيئًا يثقل جسدها ، وكأنها تحت تأثير كابوس يمنعها من الحركة ..
‘كأني مشلولة ، كأني في حلم…’
وبهدوء ، وكأنه يعرف ما تفكر به ، أمال سيليستيان رأسه لليسار ثم ناولها الخنجر الذهبي الذي كانت تحمله قبل قليل …
“كنتِ تنوين قتلي ، أليس كذلك؟ افعلي ما تشائين …”
“أين روميو؟”
حقًا؟ هل هذا هو السؤال الآن؟
عبست دافني ولمست عنقها ..
لم تكن هذه الكلمات ما أرادت قوله حقًا ..
أجابها سيليستيان بهدوء ، كمن يعرف الإجابة مسبقًا…
“لقد… اختفى ، من زمن بعيد.”
“إلى أين؟ وماذا عن سايكي؟”
مرة أخرى ، لم تكن تلك الأسئلة التي أرادت دافني طرحها ، حاولت صفع نفسها ..
‘اللعنة ، ليس هؤلاء اللعينين من يجب أن أفكر فيهم الآن! المشكلة الحقيقية أن سيليستيان يجلس على سرير الملك! وحتى شعره الطويل… يبدو رائعًا عليه…!’
لكنها كانت لا تزال غير قادرة على تحريك جسدها ، وكأنها مشلولة ، حتى لسانها لم تعد قادرة على تحريكه كما تشاء ..
في غمضة عين ، اقترب وجهه منها ، ذلك الوجه الذي جمع بين الضوء والظلام ..
الجانب الأيمن كان وجهه الجميل الذي اعتادت رؤيته ، أما الجانب الأيسر فغارق في ظلمة لا يمكن قياس عمقها .
مدّ يده ولمس عنقها برفق ، وكان ملمسه باردًا على غير العادة ..
اقترب منها كمن يهمّ بتقبيلها ، لكنها رفضته.
‘لماذا ترفضينه؟ ..’
رمشت دافني بعينيها .
رفع سيليستيان خصلة من شعرها الأحمر المتدلّي على خدّها ، وثبّتها خلف أذنها ، لم يكن تصرفه غريبًا عليها ..
“لم يعد ينفع أن تتظاهري بالنسيان.”
“أنسى ماذا؟ أنت قتلتهم ، قتلت كل من أحببت…”
حين قالت “كل من أحببت”، مرّت في ذهنها وجوه كثيرة ، العرّاب ، ناريد ، كيشا ، سايكي ، روميو ، زملاؤها ، وحتى والديها…
شعرت بأنفاسها تتوقف لوهلة ..
“كانوا جميعهم يعيقون علاقتنا.”
“…”
“وكانوا يسببون لكِ الإزعاج ، أليس كذلك؟”
“الشخص الوحيد الذي أعاق حياتي هو أنت ، سيليستيان …”
تأمل كلامها بصمت ..
كان في عينيه بريق يائس جعل قشعريرة تسري في رقبتها ..
لكن لم يكن ذلك الخوف…
بل كانت متعة خفية في أن ترى هذا الرجل ، الذي يملك كل شيء ، ينهار أمامها فقط ..
فجأة ، رفعت يديها نحو وجهه وضغطت على وجنتيه ، ثم ابتسمت بخبث ..
“أحب تعبيرك هذا… كأنك تتوسل إليّ أن أحبك ، كأنك تحبني فعلًا…”
“أنا أحبكِ …”
قالها بصوت مملوء بالشغف ..
“ثم ، ما كان يجب أن تفعل ما فعلت.”
لكنها لم تتفاجأ ، فقط رفعت حاجبًا بلا مبالاة ، ثم أكملت:
“الحلم لا ينتهي ، سيليستيان ، تعرف ذلك ، أليس كذلك؟ كأني تحت لعنة ما… لقد تذكرت كل شيء ، كل شيء… ومع ذلك ، لم تكن يومًا موجودًا حين كنت أحتاجك ، كنتَ تتركني لأموت وحدي…”
كانت تتحدث وكأن شيئًا ما يتحكم بها ، ومع ذلك في أعماق عقلها ، تساءلت:
هل كان هذا حقًا ذنبه؟
أخرج خنجرًا صغيرًا من غمده ، وناولها إياه ،
رفعت يدها وكأنها على وشك أن تغرسه في صدرها ، لكن يده أوقفتها ..
“دافني ، دائمًا ما كنتُ أريك الطريق… قولي فقط أنكِ تحبينني…”
“…”
“ثم اقتليني …”
دخل النصل في راحة يده ، فانفجرت الدماء فجأة ، لتبلّل مقدمة فستانها الأبيض ..
ترجمة ، فتافيت …
التعليقات لهذا الفصل " 107"